للمعارضة دور كبير في بناء النظام السياسي، من خلال المراقبة وطرح البدائل والضغط السلمي المشروع، وقد يكون لها دور معطِّل لفاعلية الحكومة ومعرقل لقدراتها، وبهذا يمكن أن يكون دور المعارضة داعما للحكومة، وفاعلا في بناء الدولة ومؤسساتها، ويمكن أن يكون على العكس من ذلك عندما يتحول من دور التصحيح الى دور التسقيط، علما أن الاختلاف بين الناس ليس أمرا مستغربا، او مستهجنا، بل يكمن الاختلاف في لبّ الطبيعة البشرية.
فلا غضاضة في أن يختلف الناس في آرائهم، بل من محاسن أقوال الناس أنها تطرح آراءً مختلفة، (فالآراء اذا اختلفت صحّتْ)، وكذلك يُقال (اختلاف الرأي لا يُفسد للود قضية)، على أن يقع هذا الاختلاف في موقع خدمة الآخرين وليس الإساءة لهم، وأن تكون الغاية هي التصحيح، وليس التسقيط، ولذلك يرى العلماء المعنيون أن دور المعارضة مهم وكبير وجوهري في بناء الدولة ومؤسساتها ونظامها السياسي، ودائما يكون الصوت المعارض محط حماية واحترام المؤسسات الدستورية في الأنظمة الديمقراطي، نظرا لأهمية الاختلاف بين الناس، وما يعود به من منافع على الدولة وأفراد المجتمع.
يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ (الشباب)، حول هذا الموضوع: (لابدّ للناس من الاختلاف بعضهم مع بعض في كثير من الشؤون، لأنّ الله تعالى خلق البشر هكذا.. فكما هم يختلفون في الملبس والمأكل والمشرب وغير ذلك، كذلك هم يختلفون في الموازين الفكرية الكلية أو الجزئية وإن اشتركوا جميعاً في الإطار العام).
ولكن هناك شرط جوهري ينبغي أن يلتزم به المعارضون، أو أصحاب الرأي الآخر أو المختلف، وهو يتعلق بالهدف من هذا الإختلاف، أي (لماذا أنت معارض أو مختلف مع الحكومة أو مع الآخر مهما كانت صفته؟)، هل لديك هدف شخصي، أي أنك صرت معارضا حتى تنال من شخص هذا السياسي أو ذاك، أم أنك تهدف الى التصحيح من أجل الصالح العام؟، هذا هو الشرط الاساسي الذي ينبغي أن يلتزم به المعارضون.
كذلك ينبغي أن يكون اسلوب المعارضة واضحا وسليما وهادئا ويعيدا عن التشنج، ويبتعد عن الاسلوب الانتهازي، ولا يصح مطلقا توظيف المعارضة من اجل التسقيط، او الاستهداف الشخصي، كون المعارضة نظام مهم داعم لدستورية الدولة ومؤسساتها، وليس بالضد منها، أو معرقلا لها، بل ينحصر دوره في التصحيح والوقوف مع الحق.
يقول الامام الشيرازي في كتابه المذكور أعلاه حول هذا الجانب: (إن الأسلوب السليم للمعارضة هو أن لا يقف إنسان ضد إنسان لشخصه بما هو هو، أو ضد صاحب قرار بعينه.. لكن عليه أن يقف ضد الخطأ لتصحيحه أو الباطل لرّده وذلك بأسلوب بعيد عن التشنج والعنف كاستعمال العبارات الاستفزازية والأساليب الاستعراضية والألفاظ الشرسة إلى غير ذلك).
غياب الأفكار والبرامج الصحيحة
تنشأ المعارضة عندما تضعف الأفكار، وتغيب البرامج الاصلاحية، وتغدو الحكومة منشغلة بمصالحها التي غالبا ما تتركز على الامتيازات والمناصب والجشع المادي، مع نسيان مستمر لمصالح الشعب وحقوق الناس، لذلك قد تتحول الاحزاب الحاكمة، او التي تنتمي الى الطبقة الحاكمة، الى سبب لخلق كثير من المصادمات بينها وبين الجماهير، والسبب معروف دائما، كونه يتعلق بإهمال الاحزاب لمصالح الشعب والانشغال بمصالحها.
هنا لابد أن يظهر الصوت المعارض، ويعلو، ويكون مؤثرا، كونه يمثل صوت الأكثرية من المحكومين، فيما تبقى الأقلية تتمثل بالطبقة الحاكمة التي تشترك فيها عدد من الاحزاب، ربما تنجح في دورها السياسي، وربما تخفق، وفي الحالة الثانية، تتحرك المعارضة من اجل التصحيح، فتقف بوجه الاحزاب التي لم تقم بدورها كما ينبغي.
يقول الامام الشيرازي في هذا المجال: (بما أن الأحزاب والتنظيمات كثيراً ما لا تقوم على برامج محددة صحيحة وأفكار مدروسة واضحة وصدق في التوجيه ونبل في الهدف فتكون مبدأ كثير من المصادمات بين القيادة والقاعدة).
ولذلك عندما تغيب مشاريع الاحزاب، وعندما تفشل الحكومة في اداء دورها الخدمي والاداري والحقوقي وما شابه، فإن المعارضة ممثلة بجماعة الضغط سوف تتحرك، ولن تقف مكتوفة الأيدي، مع مراعاة الضوابط السلمية والدستورية لاعلان الصوت المعارض، فمن الأهمية بمكان أن تبتعد المعارضة عن الأساليب الفضّة، وان لا تسلك مسلكا انتهازيا لتحقيق مآربها وأهدافها.
فعلى سبيل المثال، لا يصح أن تلجأ المعارضة الى الاستهداف الشخصي، ولا ينبغي أن تبتعد عن الدور الاساس لها، وهو دور التصحيح وفق الأساليب الدستورية المعلن عنها والمتّفق عليها، ولا يجوز استخدام المعارضة لتحقيق مجد شخصي، او منفعة مادية ومعنوية بصورة غير مشروعة، كذلك لا يصح اللجوء الى الأساليب العنيفة او الانتهازية مهما كانت الاهداف التي يتوخى تحقيقها المعارضون.
كما يؤكد على ذلك الامام الشيرازي في قوله: (يلزم تجنب الأساليب الانتهازية العنيفة سواءً كان الغرض منها الوصول إلى هدف مادي أو هدف معنوي، فردي أو اجتماعي وحتى أمجاد عائلية أو ما أشبه ذلك).
الثروة بين التقويم والتهديم
الثروة يمكن أن تكون عائدة للشعب، فتصبح في هذه الحالة من الثروات العامة التي تدخل في ما يسمى بالمال العام، وهي اموال تعود للشعب، ولا يجوز لأحد أن يتجاوز عليها، أو يستهلك جانبا منها إلا وفق شروط ضامنة لحقوق اصحابها وهم أفراد الشعب، وهناك أيضا ثروات لا حكومية، شخصية قد تعود لأفراد أو جماعات ومن بينها شركات مختلفة.
هذان النوعان من الثروة يمكن أن يكون سببا في التقدم أو التأخّر للدولة والمجتمع والافراد، تبعا لطبيعة الاستخدام والطرائق التي يتم من خلالها توظيف هذه الثروة او تلك، فالثروة الحكومية والأهلية، يمكن أن تكون رحمة، ويمكن أن تتحول الى نقمة تبعا لطريقة استخدامها، فهناك ثروات تساعد على التقويم، وأخرى تندفع نحو التهديم، وتساعد عليه!.
لهذا يقول الامام الشيرازي حول هذا الجانب تحديدا: (بالمال يمكن أن يُبنى المسجد كما يمكن أن يبنى المقمر والمخمر). فكلاهما يمكن أن يقوّم ويهدّم تبعا لمن يستخدم الثروة، كذلك هو الحال مع استخدام السلطة للثروات العامة، فهي يمكن أن توظفها لصالح الشعب وبناء الدولة، وتمضي بها نحو التقدم والازدهار، ويمكن أن تعبث بها، وتعتدي عليها بالسرقة والاختلاس والتبذير والاهدار والاسراف وما شابه.
وفي هذه الحالة سوف يكون للمعارضة دورها في التصدي للعبث بالثروات العامة، وحتى الثروات الخاصة، لا ينبغي الصمت على اصحابها عندما تتحول الى جانب التهديم على حساب البناء والتقويم، فالثروة كما يقول الامام الشيرازي (كالسكين)، هي آلة حادة وجارحة، يمكن استخدامها بصورة جيدة تخدم الانسان، ويمكن أن تستخدم ضد الانسان اذا وقعت في يد لا تتورع عن اقتراف الجريمة!.
إن هذا التوصيف الدقيق للثروة، ينبغي أن يدفع أصحاب الثروات الى استخدامها بصورة سليمة وصالحة، أما الحكومات فلا مجال لديها سوى الاستخدام الصحيح للمال العام والمحافظة عليه ومضاعفة ايرادات خزينة الدولة، واذا حدث العكس فسوف يكون القول الفصل هنا للمعارضة، مع مراعاة الضوابط والشروط الدستورية والاخلاقية، وأهم هذه الشروط، هو الابتعاد على الشخصنة، والانتهازية، والنيل من الاخرين من دون وجه حق.
يقول الامام الشيرازي في هذا المجال بكتابه نفسه: إن (الثروة من أهم وسائل التقويم والتهديم، فهي كالسكين.. إذا كانت بيد صالحة استعملتها في ما يصلح من تقطيع اللحم لأجل الفقراء والمساكين ولأجل الضيافة أو ما أشبه ذلك.. أما إذا وقعت في أيد ملوثّة فهي تستعملها في القتل والجرح بالباطل وما أشبه ذلك).
اضف تعليق