لكي تعيش في واقع أفضل وفي عالم يزخر بالأمن والسلام والوئام، لا يكفي أن تكون نقيا ومسالما ومتعاونا، بل هناك عناصر أو صفات أخرى لابد أن تتوافر في شخصيتك حتى تكتمل، ونعني بتلك العناصر، الذكاء والوعي والقدرة على الفرز بين ما هو جيد ونقي، وبين ما هو سيّئ وغشّاش...
(إن الإنسان الواعي اليقظ لا يقبل الخضوع ولا تنطلي عليه المكائد) الإمام الشيرازي
لكي تعيش في واقع أفضل وفي عالم يزخر بالأمن والسلام والوئام، لا يكفي أن تكون نقيا ومسالما ومتعاونا، بل هناك عناصر أو صفات أخرى لابد أن تتوافر في شخصيتك حتى تكتمل، ونعني بتلك العناصر، الذكاء والوعي والقدرة على الفرز بين ما هو جيد ونقي، وبين ما هو سيّئ وغشّاش، فهناك أساليب عديدة يمكن أن تخدع الناس إذا لم يكن لديهم الوعي الكافي للتفريق بين الجيد والرديء، بين الصالح والطالح، بين الصادق والكاذب.
الناس الذين يصلحون للنهوض في إصلاح الآخرين، يحتاجون إلى أمور وصفات مهمة ينبغي أن يوفروها في أنفسهم، حتى تكون لديهم القدرة على التصدي لعملية النهضة الإصلاحية، فالإصلاح ليس بعملية سهلة تتحقق بمجرد الأماني أو التخطيط المتسرع، ولا يمكن أن نصل إلى النهضة الإصلاحية إلا عبر دعامات مهمة تستند عليها تلك النهضة.
أول هذه العوامل الداعمة هو الوعي، فإذا لم يكن الإنسان واعيا لما يدور حوله، وبما يحيط به، وبالأمور التي تتحرك حوله، فإنه لن يكون قادرا على تعديل ما يستحق التعديل، ولا إصلاح ما يستحق الإصلاح، كذلك هناك عنصر ثان مهم جدا وهو التنظيم، فالإنسان الطامح إلى الإصلاح الذاتي أو الخارجي (خارج الذات)، لابد أن يكون منظّما وذا خبرة في تنظيم الأمور وترتيبها بما يحقق النجاح الأكيد.
العنصر الآخر الذي يجب أن يتوافر للقائم بالإصلاح والمتصدي له، هو الاكتفاء الذاتي، فحين تكون محتاجا لغيرك من الناس أو من الدول، فإنك سوف تكون محكوما برغباته ومصالحه وربما بأوامره أيضا، لهذا يجب أن تكون مكتفيا ذاتيا، حتى تنهض بالعملية الإصلاحية كما يجب، وبما يحقق نتائج مضمونة النجاح.
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يؤكد هذه النقاط في كتابه القيّم الموسوم بـ (الطموح في حياة الإنسان والمجتمع) فيقول:
(ينبغي للمؤمنين الطموحين من أجل القيام والنهوض للصلاح والإصلاح، أن يوفروا في أنفسهم مجموعة أمور مهمة، هي الوعي، والتنظيم، والاكتفاء الذاتي).
الوعي لا ينحصر في مجال محدد، بمعنى على قادة الإصلاح الاهتمام بالسياسة والاقتصاد والاجتماع، وهذا يستدعي وعيا شاملا، لا يستثني مجالا ويهتم بآخر، كما أن الأمر لا يتكلل بالنجاح حين يحصل الفرد على الوعي، بينما يبقى الآخرون في جهل وسبات، أي أن الوعي يجب أن يكون صفة فردية وجماعية في نفس الوقت حتى يمكن أن يتحقق الفعل النهضوي الإصلاحي بمشاركة الجميع وليس بفعل فردي غير مؤثّر.
فوائد الوعي الفردي والجمعي
أما فائدة الوعي فهي معروفة للقاصي والداني، إذا لا يمكن للشخص الواعي أن ينخدع بأقوال أو أفكار أو تصريحات، لأنه بسبب وعيه، يستطيع أن يفرز بين ما هو مفيد له، وبين ما هو مضرّ، وبهذا يكون قادرا هو والجماعة التي ينتمي إليها أن يتصدى لمهمة النهضة الإصلاحية ذات البعد الجماعي الشامل.
يقول الإمام الشيرازي:
(من مقومات الإصلاح إيجاد الوعي السياسي والاقتصادي والاجتماعي، واليقظة الفردية والجماعية، بين الأمة بكاملها، وذلك بمقدار كافٍ، فإن الإنسان الواعي اليقظ لا يقبل الخضوع ولا تنطلي عليه المكائد. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا خير في العيش إلاّ لرجلين: عالم مُطاع، أو مستمع واعٍ).
العنصر الثاني في عملية التصدي للنهضة الإصلاحية، هو التنظيم، وهو يعني أن يكون الإنسان واعيا بما يريد مخطّطا له، ولا يعمل بشكل عشوائي، ولا يترك الحبل على الغارب كما يُقال، فهناك من يترك الأمور تسير على هواها، وهذا ليس صحيحا، ولا يسهم مطلقا في تحقيق نهضة إصلاحية يحتاجها الجميع.
التنظيم يعني أن أن ترسم حدود أهدافك، وقبل هذا عليك أن تعرف ما هي قدراتك المتوافرة لتحقيق تلك الأهداف، حتى لا تكون ضحية لمعرقلات تفوق ما تمتلك من قدرات، التنظيم المسبق والدقيق هو الذي يجعلك توازن بين أهدافك وقدراتك، ويمكنك أن تزيد في هذا الجانب وتقلل في ذاك الجانب، هذا الأمر لا يمكن أن يتحقق دونما تنظيم مسبق.
الإمام الشيرازي يقول حول هذه النقطة:
(المقوّم الثاني من مقومات الإصلاح هو التنظيم الدقيق، وهو من أهم وسائل القوة، فقد روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: سوّوا صفوفكم، وحاذوا بين مناكبكم، ولا تخالفوا بينها فتختلفوا، ويتخللكم الشيطان تخلل أولاد الحذف).
وهناك مقوّم آخر لا يقل أهمية عمّا سبقه من مقومات، وهو الاكتفاء الذاتي، والمقصود منه أن لا تكون محتاجا لغيرك، سواء في الموارد أو في اتخاذ القرارات أو في رسم السياسات، فعدم الاكتفاء الذاتي يعني فقدانك إلى استقلالية القرار والسياسة المكبلة بمصالح الدول أو الأشخاص الذين نحتاج إليهم.
مكاسب يحققها الاكتفاء الذاتي
لابد من رسم خرائط عمل دقيقة و واضحة في جميع مجالات الحياة، لاسيما السياسية والاقتصادية والزراعية والصناعية والتعليمية والصحية وسواها، وحين يتحقق الاكتفاء في هذه المجالات، ولم تعد بنا حاجة للآخر الذي يريد أن يربط حريتنا واستقلالنا بحاجتنا له، لن يكون له سيطرة علينا لأننا مكتفون ذاتيا.
يقول الإمام الشيرازي:
(أما المقوم الثالث من مقومات الإصلاح فهو العمل من أجل الاكتفاء الذاتي في كل المجالات، اقتصاداً، وسياسةً، وزراعةً، وصناعةً، وغير ذلك).
وأخيرا هناك مقوم لابد أن يحسب له قادة النهضة الإصلاحية ألف حساب كونه هو المحرك للنفوس والإرادات والعقول معا، ونقصد به (الطموح) فمن غير الطموح لا يمكن للإنسان أن يتخطى المصاعب التي تواجهه وهو في طريقه إلى إنجاز أهدافه، وكلما كان الطموح قويا رافقه الأمل الصادق بتحقيق الأهداف المطلوبة، فالطموح والأمل مرتبطان ببعضهما البعض دونما فكاك، وهكذا على الإصلاحيين أن يعوا هذه الحقيقة المهمة.
إن تغيير الواقع المؤسف الذي تعيشه شعوب ودول وأمم تُحسَب على العالم الثالث، وفق التسميات والمفاهيم السياسية السائدة، أو تُحسب على الدول المتأخرة، يحتاج تغيير واقعها إلى طموح حقيقي وكبير للقفز من خانة التخلف إلى التقدم، والطموح الكبير (الفردي و الجماعي) كفيل بتحقيق ذلك.
لهذا يقول الإمام الشيرازي:
(المقوم الرابع من مقومات الإصلاح هو الطموح الكبير، والأمل الصادق بالصلاح والإصلاح، فإن الطموح والأمل يحلان المحل الأول من مقومات الإصلاح؛ ولذلك ينبغي لنا قبل هذه الأمور الثلاثة، أن نطمح إلى تغيير هذا الواقع المأساوي الذي نعيشه).
واضحة للجميع المقومات التي تقودنا إلى نهضة إصلاحية حديثة ومضمونة، وقد حددها الإمام الشيرازي بوضوح، ولنا أن نتصور لو أن المسلمين يلتزموا بالعناصر أو العوامل الثلاثة لإمكانية الإصلاح، ويعملوا على توفير (الوعي بشكلية الفردي والكلي، والاكتفاء الذاتي، والتنظيم، ثم خلق الطموح الحقيقي)، فإن النتيجة الحتمية هي القفز نحو صدارة الأمم.
كما يؤكد ذلك الإمام الشيرازي قائلا:
(لولا الطموح والأمل في التغيير لا يمكننا أن نفعل شيئاً، كما ينبغي لنا أن نستعيد طموحنا وأملنا، ونواصل نشاطناً وعملنا مرة أخرى، ونتوكل على الله عز وجل، ونجعل الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) والأئمة المعصومين من أهل بيته (عليهم السلام) قدوة وأسوة لنا).
هذه هي العوامل الواضحة لتحقيق النهضة الإصلاحية التي يمكنها أن تنقذ المسلمين، من واقع مزرٍ يحيط بهم، وينغّص عليهم حياتهم، لذا من الواجب الحتمي أن يتحرك المعنيون بقوة وتخطيط وتنظيم وإرادة قوية، لتوفير العوامل الضامنة لتحقيق الإصلاح قبل فوات الأوان.
اضف تعليق