كيف يتمكن المدير من إدارة عمله ومشروعه وتحقيق الأهداف المطلوبة بسلام، ومن دون عقبات ولا مواجهات ولا مشكلات قد تعيق عمله، وربما تؤدي به إلى الفشل في إشراف وإدارته لمشروعه، فهناك من يضع العراقيل، وهناك من يكره نجاح الآخرين، وغالبا ما يواجه المدراء الإداريون تحديات بعضها صعبة ومعقدة...
(الرجل الباسم رجل ناجح في إدارته عادةً) الإمام الشيرازي
المقصود بالسلم الإداري هو أن يتمكن المسؤول الإداري من أداء واجباته، وإنجاز أهدافه وأعماله الإدارية بنجاح، ومن دون مشاكل تعترض عمله كمدير أو رئيس أو مسؤول أعلى لأي مشروع تجاري أو صناعي أو صحي وغير ذلك.
فكيف يتمكن المدير من إدارة عمله ومشروعه وتحقيق الأهداف المطلوبة بسلام، ومن دون عقبات ولا مواجهات ولا مشكلات قد تعيق عمله، وربما تؤدي به إلى الفشل في إشراف وإدارته لمشروعه، فهناك من يضع العراقيل، وهناك من يكره نجاح الآخرين، وغالبا ما يواجه المدراء الإداريون تحديات بعضها صعبة ومعقدة، لهذا يحتاج المدير للسلام الإداري حتى يتجنب المشكلات والنزاعات والمعيقات التي تقف في طريقه وتمنعه عن النجاح.
قد يقول قائل بأن قوانين العمل وتطبيقها يمكن أن يردع المناوئين للمدراء والمسؤولين، وهذا يكفي للتصدي لمثل هؤلاء الذين يصنعون المشاكل، ولا يحتاج المدير المسؤول إلى السلم الإداري ولا إلى مقوماته باعتبار أن تطبيق القوانين الإدارية كفيلة بحل المعضلات الإدارية التي يواجهها المدراء، كالتقصير في العمل أو الإقدام على التخريب والتحريض وغيره.
ولكن أثبتت تجارب العمل الإداري، أن المسؤول الإداري حتى لو كان إداريا مهنيا رصينا ومتقنا للعمل الإداري ومحمي بالقوانين، إلا أنه يحتاج إلى مقومات السلم الإداري لكي تدعمه في أداء عمله، وتنتهي به إلى النجاح المكفول، ومن هذه المقومات على سبيل المثال، الحب والاحترام المتبادَل بين المسؤول والعامل تحت أمرته.
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي، (رحمه الله)، يقول في كتابه القيّم الموسوم بـ (الفقه: السلم والسلام، الجزء الثامن):
(إن الحب والاحترام المتبادل بين المدير والمدار، والمسؤول و المسؤول عليه، وبين الحاكم وشعبه هو من أسس السلم والسلام الإداري، فينبغي لكل مدير أن يقوم بما يوجب تثبيت هذه المحبة بينه وبين من يرتبط به في إدارته).
ولكن كيف يتمكن الإنسان من دفع الآخرين لمحبته واحترامه والتعاون معه، لابد من وجود عوامل معينة تشجع الآخرين على حب المدير واحترامه، والتعاون معه لإنجاح أدائه الإداري في قيادته لمشروع معين، بمعنى لا يمكن للمدير أن يفرض محبته على الآخرين إلا من خلال عوامل وأسباب وشروط يجب أن تساعده على تكون العلاقة التبادلية الناجحة.
الاهتمام والتواضع ولين الكلام
القوانين الإدارية وحدها حتى لو تم تطبيقها بحذافيرها، لا تكون سببا كافيا للنجاح الإداري، وإنما يجب أن يكون هناك عامل التفاعل الإنساني حاضرا في هذه العلاقة، أي يجب أن تشترك النزعة الإنسانية مع تطبيق القوانين لتحقيق النجاح، وهذا يتطلب وجود الحب والصدق والتعاون والرحمة والأخلاق وكل القيم الإنسانية التي تضمن علاقة جيدة ومتوازنة بين المدير الإداري والعاملين تحت إشرافه.
لهذا يقول الإمام الشيرازي:
(إذا أراد الإنسان أن يحبه الناس فعليه أن يواظب على الأمور التالية: المعاملة الحسنة والحسنى، إن معاملة الفرد بأحسن مما يستحق، من أفضل الوسائل لكسب ثقته ودفعه نحو العمل والتضحية في سبيله).
من العوامل الأخرى التي تساعد المدير على أداء عمله بكفاءة إدارية عالية، هو الاهتمام بالآخرين، وهذا يعني وجود التعامل الإنساني الجيد من قبل المدير من العاملين معه، وعليه أن يهتم بهم من النواحي كافة، ويفهم معاناتهم ومشكلاتهم في حال وجودها، والعمل الفوري على حلّها وإيجاد البدائل المناسبة لها.
المدير الناجح هو من يهتم بجميع العاملين في مشروعه أو منظمته أو مؤسسته، وإذا أراد النجاح عليه أن يضع التعامل الإنساني في مقدمة مهامه وانشغالاته، وعليه أن لا يكون سببا في مضاعفة مشكلات الآخرين، أو إهمالهم، لأن مثل هذه السلوكيات التي قد تبدر من المدير سوف تؤدي إلى فشله حتما، كما أن الاهتمام بالآخرين يعد من الأمور الشرعية.
يقول الإمام الشيرازي: (إن الاهتمام بالآخرين، الاهتمام الصادق بمن تديره من مصاديق السلام قولاً وعملاً، قال الإمام الصادق (عليه السلام): من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم).
من مقومات وشروط نجاح المدير أو المسؤول تحلّيه بالتواضع، فهذه الصفة بإمكانها أن تقوّي عرى الصداقة بينه وبين العاملين معه أو تحت إشرافه، كما أن صفة التواضع تقرّب المسؤول من الجميع، وتجعله محبوبا لهم، وتنفتح قلوبهم له، ويتودّدون له، ويسعون لإرضائه وكسب محبته، وهذا بحد ذاته مقوّم مهم من مقومات نجاح المدراء الإداريين.
لذا يؤكد الإمام الشيرازي على أن: (التواضع الإداري من المدير يعدّ من شروط السلم والسلام الإداري. فكما ورد عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): التواضع يكسبك السلامة).
من الجوانب والأساليب المهمة التي يجب أن يتحلى بها المدير أو المسؤول الإداري صفة أخرى في غاية الأهمية وهي (لين الكلام)، أو القول الليّن، فالتعامل اللفظي اللطيف من المدير مع العاملين معه يجعلهم يثقون بمديرهم ويحبونه ويسعون لإنجاز ما يطلبه منهم كونهم يحترمونه ويحبونه بسبب لطف كلماته وأقواله معهم.
وكما في الحديث الشريف (الكلمة الطيبة صدقة) وسوف تؤدي مفعولها في القلوب، والمدير الذي يحسن الكلام مع مرؤوسيه، سوف يكسبهم إنسانيا قبل أن يكسبهم بقوة القوانين الإدارية، فالإنسانية أقوى بكثير من تأثير القوانين، والنجاح الإداري يكون مضمونا مع الكلام اللين والابتعاد عن القسوة والخشونة التي تزرع الكراهية في قلوب الآخرين.
دور المشتركات في العلاقات الإنسانية
يقول الإمام الشيرازي: (يعد لين القول أو لين الكلام من مقومات السلم الإداري، فقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام: إن من الكرم لين الكلام).
هناك نقطة مهمة يجب أن يتنبّه لها المدير أو المسؤول الإداري، وهي تتعلق بطبيعة العلاقات المتبادلة مع العاملين تحت إشرافه، وكيفيه كسبه لهم، فحتى يحقق هذا الكسب عليه أن يبدأ معهم (بالمشتركات) دائما، أي بالقضايا التي تقرّب فيما بينهم، وعليه أن يبتعد عن القضايا الخلافية ويضعها في نهاية المواضيع التي تتم مناقشتها، فإذا بدأ المدير بالمشتركات تعمّقت الثقة بين الطرفين وازداد العلاقات وضوحا وقوة ورصانة.
لهذا ينصح الإمام الشيرازي بالتالي:
(إذا أراد المدير قبول الناس لأسلوبه في التفكير والعمل فعليه أن يبدأ مع غيره بالمشتركات فيما بينهم وهذه من أساليب المحبة والصداقة، ولا يبدأ الحديث بالأمور المختلف عليها، بل بالأمور المتفق عليها).
ومن شروط المدير أو الإداري الناجح أن يكون باسما أو متبسّما في وجوه العاملين معه، أو أن يبادرهم بالابتسام، فهذه الصفة تجعل منه قريبا من قلوبهم، على أن لا يتصنّع هذه الصفة، وأن لا يجبر نفسه على الابتسام فكون البسمة مصطنعة، وإنما من الأفضل أن تكون الابتسامة نابعة من أعماقه ومن صميم مشاعره وطبيعته السلوكية مع الآخرين.
إذًا عليك كمدير أن تتبسم بوجوه الآخرين، ولا تعبس، لأن البسمة ستكون مفتاحك لفتح أبواب العلاقات الصادقة المتوازنة، أما جمود الوجه وخلوّه من التعابير الجميلة، فإن ذلك سوف يكون سببا في الابتعاد عن المدير نفسيا وإنسانيا، وبالتالي قد يكون هذا سببا لفشل العلاقة الإنسانية بين الطرفين، وغالبا يكون المتضرر المدير الإداري من هذه العلاقة غير الجيدة.
الإمام الشيرازي يقول بأهمية: (التبسم للناس، فالرجل الباسم رجل ناجح في إدارته عادة.. أما الرجل العابس فلا يوفق غالبا حتى في فتح دكان صغير).
ولنا أن نتصور عجز الإنسان عن إدارة دكان صغير، وإذا بحثنا عن الأسباب فهي معروفة، وتعود إلى عدم الارتكاز إلى مقومات العمل الإداري الناجح، فنجاح العمل له اشتراطات ومقومات ذكرنا معظمها في أعلاه، حسبما دوّنه الإمام الشيرازي في كتابه (الفقه السلم والسلام)، فمن يبتغي النجاح الإداري مطلوب منه إتقان وتهيئة مقومات هذا النجاح.
اضف تعليق