في المثل العربي وللتدليل على اهمية الوقت قيل (الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك)، والقطع في العربية هو (الفصل – السبق – الاجتياز – البتر) الى اخر المعاني التي تدل عليها هذه الكلمة وحسب ورودها في الجملة..
والوقت لا يمكن ادخاره كالمال ويمكن الاستفادة منه بعد حين، لانه يمر سريعاً ولا يمكن القبض عليه باصابعنا وايداعه في جيوبنا او خزائننا.
والوقت كما يصفه عالم الفيزياء الحائز على جائزة نوبل ( ريتشارد فينمان): نتعامل نحن ، علماء الفيزياء مع الوقت يومياً، ولكن لا تسألني عن ماهيته، إنه أصعب مما نستطيع إدراكه. الاهتمام بالوقت واهميته نبه عليه القران الكريم في سياقات وصيغ متعددة ، فيجيء مرة بصيغة الدهر، أو الحين، الآن، الأجل، اليوم، الأمد، السرمد، الأبد، الخلد، العصر، وغير ذلك من الألفاظ. قال الله سبحانه وتعالى : (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدّره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب) وقال سبحانه وتعالى: (والعصر * إن الإنسان لفي خسر) حينما يقسم الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بشيء من مخلوقاته فهذا يدل على عظمته.
والإنسان هو عبارة عن وقت كلما ذهب، ذهب ببعضه قال تعالى (وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا). والإستفادة من الوقت هي التي تحدد الفارق بين الشخص الناجح والفاشل، فالصفة المشتركة بين الأشخاص الناجحين هي قدرتهم على الموازنة بين الأهداف والواجبات، وهذا لا يتحقق إلا من خلال إدارتهم الناجحة لذاتهم. وعلى هذا يمكننا القول ان الوقت هو مورد من أندر و أقيم الموارد الذي يمر وينتهي من نفسه لا يمكن إيقافه و لا يمكن استرداده .
تتجلى أهمية الوقت من خلال عدة حقائق:
(إن الوقت هو عمر الإنسان وحياته كلها - العمر محدد ولا يمكن زيادته بحال من الأحوال ”مورد شديد الندرة“ - مورد غير قابل للتخزين ” اللحظة التي لا استغلها تفنى“ - مورد غير قابل للبدل أو التعويض - يحاسب عليه المرء مرتان ” عمره ثم شبابه). ومثل كل سلعة نادرة يمكن ان تضيع منا او تسرق دون ان نشعر بذلك، الوقت ايضا خلفه لصوص يسعون لسرقته بوعي من الانسان او دون وعي منه، ولصوص الوقت كما يعــــــــرّفهم كل من كانزي ، وريتشارد بأنها (كل ما يمنعك من تحقيق أهدافك بشكل فعال).
ويمكن تشخيصهم بالاتي:
(المقاطعات والزيارات المفاجئة - الاتصالات الهاتفية غير المنتجة - الاجتماعات غير الفعالة التسويف أو التأجيل بأعذار واهية - الأهداف غير الواضحة - المعلومات الضعيفة - عدم تحديد الأولويات - عدم القدرة على قول ”لا" - عدم تخطيط الوقت - انخفاض الروح المعنوية - الإصغاء غير الجيد - تقديرات غير واقعية للوقت - عدم التنظيم الشخصي - نقص الدافع / اللامبالاة - المؤثرات البصرية الملهية / الضجيج - نقص الانضباط الذاتي - عدم العلم بما يجري حولك - النسيان، وهذا يحدث لأن الشخص لا يدون ما يريد إنجازه، فيضيع بذلك الكثير من الواجبات - عدم إكمال الأعمال، أو عدم الاستمرار في التنظيم نتيجة الكسل أو التفكير السلبي تجاه التنظيم - سوء الفهم للغير مما قد يؤدي إلى مشاكل تلتهم وقتك ).
ومن الحقائق عن لصوص الوقت الذين لاينتبه الانسان لهم ومن خلال الارقام نكتشف:
1. 20% فقط من وقت أي موظف تستغل في أعمال مهمة مرتبطة مباشرة بمهام الوظيفة وأهداف المؤسسة.
2. يقضي الموظف في المتوسط ساعتان في القراءة.
3. يقضي الموظف في المتوسط 40 دقيقة للوصول من و إلى مكان العمل.
4. يقضي الموظف في المتوسط 45 دقيقة في البحث عن أوراق أو متعلقات خاصة بالعمل.
5. يقضي الموظف الذي يعمل في مكتب يتسم بالفوضى 90 دقيقة في البحث عن أغراض مفقودة.
6. يتعرض الموظف العادي كل 10 دقائق لمقاطعة (محادثة عادية أو تليفونية...).
7. يقضي الموظف العادي 40 دقيقة في تحديد بأي المهام يبدأ.
8. يقضي الشخص العادي في المتوسط 28 ساعة أسبوعيا أمام التليفزيون.
9. الوصول المتأخر لمكان العمل 15 دقيقة يؤدي إلى ارتباك اليوم وضياع مالا يقل عن 90 دقيقة (أخري).
يتعرض الامام الراحل محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) الى الوقت في كتابه (قيمة المرء) منطلقا من حالات حياتية عاشها الكثير من علماء الشيعة، من خلال مواصلة البحث والتدريس والاهتمام بقضايا الناس وحل مشاكلهم، رغم تقدمهم في السن، وكانوا لا يسافرون عادة إلا للضرورات، حتى لا يحول السفر بينهم وبين تحصيلهم العلم. كان هؤلاء العلماء لا يسمحون لأنفسهم بإضاعة الوقت في السفر وغيره، فقادهم وأوصلهم ذلك إلى مراكز رفيعة. وهؤلاء العلماء الذين يتحدث عنهم الامام اراحل، لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا بعد أن ضحّوا بالراحة، وتحملوا الكثير من أجل العلم، واهتموا بدراسته وتعلمه وتعليمه، تجسيدا لقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (لقد أخطأ العاقل اللاهي الرشد، وأصابه ذو الاجتهاد والجد).
ولا يعترض الامام الراحل على السفر كمنشط ترفيهي يفيد الانسان، فالسفر من المستحبات، وانما يريد الامام الراحل القول: عدم تضييع الوقت بالسفر من دون رعاية الأهم والمهم، أما السفر النافع فقد حرضت عليه الشريعة، فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (سافروا تصحوا، سافروا تغنموا).
في كتاب اخر وهو كتاب (مقالات) يتحدث الامام الراحل عن (العمر) الذي يخطو بالانسان سريعا، ويصفه (لحظة أو لمحة، حتى يأذن برحيل، ويدنو إلى الأفول)، والعمر كما يشبهه الامام الراحل (كالبرد في شمس تموز، يذوب على عجل، لا يلوي على شيء، ولا يقف عن السير، ثانية تتلو ثانية، ودقيقة تتبع دقيقة، وساعة تعقب ساعة، وليل ينسلخ من النهار، ونهار ينسلخ من الليل، ثم يلف الكون الأيام السبع في ملف أسبوع، ويجمع الأسابيع الأربع في شهر، ويجمع الاثني عشر شهراً في سنة، ويلم سني العمر في علبة، ويختم عليها إلى يوم يبعثون).
ويعجب الامام الراحل للعمر، ففيه خفض ورفع، وفرح وترح، وعز وذل، وسعة وضيق، وأوج وحضيض، ونقص وكمال، ثم لا تمر أيام، ولا تذهب ليال، إلا والجميع قد مضى وليس منه إلا ذكر واتر: طيب جميل، أو سيئ قبيح.
ويصل الامام الراحل الى نتيجة هي:
إن سعادة الدنيا، وخير الآخرة، منوطان بالجد والعمل، والناس قسمان: ساع سريع نجى، وطالب بطيء هلك، والعمر لا يرجع فائته، ولا يؤوب ذاهبه، ولا يتدارك ماضيه، ولا يدري بم يأتي مستقبله.
اضف تعليق