لشهر رمضان المبارك خصوصية كبيرة تفرزه عن باقي الشهور، وهذه الخصوصية لها تفرعات عديدة، من بينها ما يتميز به هذا الشهر من ذكريات تتعلق بأئمة أهل البيت (ع)، ومن هذه المناسبات الجليلة ولادة الإمام الحسن (ع)، وشهادة الإمام علي بن أبي طالب (ع)، مما يضفي على هذا الشهر طابع القدسية...
(لابد أن نتعايش مع شخصيات شهر رمضان من العترة الطاهرة لنقتدي بهم)
الإمام الشيرازي
لشهر رمضان المبارك خصوصية كبيرة تفرزه عن باقي الشهور، وهذه الخصوصية لها تفرعات عديدة، من بينها ما يتميز به هذا الشهر من ذكريات تتعلق بأئمة أهل البيت (عليهم) السلام، ومن هذه المناسبات الجليلة ولادة الإمام الحسن (عليه السلام)، وشهادة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام).
مما يضفي على هذا الشهر طابع القدسية، والأجواء الإيمانية التي تتضاعف عما عليه في الشهور الأخرى، وهو ما ينبغي التنبّه له من قبل المؤمنين واستثمار أفضل الاستثمار لصالح النفس والآخرين في نفس الوقت.
كذلك تُحيى ليلة القدر في شهر رمضان المبارك، وهكذا يفعل أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وهو ما يجب أن نسير عليه نحن أتباع العترة الطاهرة، ونتعرف أكثر ونعرف العالم كله بأئمتنا الأطهار عليهم السلام، لاسيما أن شهر رمضان يكون عامرا بالمجالس والندوات والمؤتمرات والفعاليات التي يكون أساس فعالياتها التعريف بأئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وإطلاع الآخرين ممن يجهلون سيرهم ومواقفهم ومبادئهم وأفكارهم (عليهم السلام).
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يقول في كتابه القيّم الموسوم بـ (شهر رمضان شهر البناء والتقدم):
(شهر رمضان يتضمن ذكريات ترتبط بالعترة الطاهرة؛ كولادة الامام الحسن (عليه السلام)، وشهادة الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) وليالي القدر، حيث كان الائمة (عليه السلام) يتفرغون فيها للعبادة، لذا لابدّ وان نتعايش مع شخصيات هذا الشهر، وأن نعيش تلك اللحظات التي عاشها أئمتنا الأطهار عليهم السلام).
ما يسترعي انتباه أو ما يجب عليهم ذلك، أن العترة الطاهرة، هم أول من قدّم نفسه للآخر في دور القدوة الصالحة، من حيث التطبيق الحي لمبادئ الإسلام وتعاليمه السمحاء، وهناك أمثلة حية توجد في حياة كل إمام، حيث تتعطر سيرتهم جميعا بالمواقف الإنسانية التي يرقى إليها جوهر الإسلام كمنهج يحنو على الإنسان، ويرأف به، ويقدم له خريطة الطريق نحو سعادة الدنيا، والفوز بالدار الأخرى.
السعادة ليست هدفا دنيويا فقط
وهذا هو مطلب حقيقي وأساسي للجميع، فالإنسان يكمن جل طموحه في تحصيل السعادة، فإذا كانت موقوفة على الحياة الدنيا وحدها سوف تكون مكمن خطر وخوف على الإنسان، لذلك لابد من قدوة يجمع بين السعادتين من خلال سيرته وشخصيته وصفاته وأقواله وأفعاله الحية، وهذا بالضبط ما قام به أئمة أهل البيت ليقتدي بهم المسلمون وشيعتهم.
يقول الإمام الشيرازي:
لقد (قام الائمة (عليهم السلام) بدور القدوة للمسلمين، فهم أول من طبّق احكام الإسلام فأصبحوا الأمثلة الحية لتطبيقه، وهم الإسلام الناطق لذا كانوا أهلاً للاقتداء في مختلف مناحي الحياة اقتصادية وسياسية وثقافية وتربوية واُسرية.. وغيرها).
وإذا تفحصّنا سيرة كل إمام من العترة الطاهرة، فإننا سوف نجد سبيلنا إلى أهدافنا التي قد تختلف مع الآخرين، ففي كل سيرة من سيَر أهل البيت دروس وتجارب ومواقف تلبي حاجتنا للاقتداء بهم، ويكون شهر رمضان توقيتا جيدا لتفعيل روح الاقتداء، وتنميتها في نفوسنا وأفكارنا وأفعالنا، لذلك ونحن نتعامل مع الماكرين إنْ واجهنا ذلك في حياتنا، فعلينا أن نستعين بتجربة الإمام الحسن (عليه السلام) في مواجهته للطاغية الماكر معاوية.
كما يؤكد ذلك الإمام الشيرازي في قوله:
(يجب ان نعيش الامام الحسن (عليه السلام) ودوره في تحصين الرسالة عندما وقف ذلك الموقف الصلب من معاوية الطاغية الماكر الذي كان يريد اعادة دور الروم واعادة المسلمين إلى الجاهلية الأُولى).
وهناك نموذج آخر نجده في سيرة الإمام الحسين (عليه السلام)، وهو مختلف من حيث الأسلوب في مواجهة يزيد الطاغية الفاسق، فكانت الثورة هي الخطة المبدئية التي لا حياد عنها في المواجهة، حتى لو كان الثمن أعز ما يملكه الإنسان، وهو الروح والتضحية بالنفس والأهل والأولاد وبكل شيء، من أجل فضح أساليب الحاكم الفاسد الفاجر، وتوضيح معاصيه وكشفها أمام الملأ وإن كان الثمن هي الحياة نفسها.
وليس أدل على ذلك من ثبات الإمام على التضحية في هذه المواجهة، لتصل إلى درجة تقديمه طفله الرضيع فداء للإسلام، وإحياء سنّة جده، وإعادة الأمور إلى نصابها، من خلال السقوط المدوي للطاغية الصغير، هذه هي سيرة الإمام الحسين وهي نموذج مختلف عن الإمام الحسن (عليه السلام)، في الاقتداء والتقرّب إلى الله في هذا الشهر الكريم.
لذلك يقول الإمام الشيرازي:
(يجب ان نعيش الامام الحسين (عليه السلام) في تلك اللحظات التي ضحى فيها بالغالي والنفيس من أجل الدين، وبلغ الأمر به ان قدّم رضيعه ضحية من أجل ان لا يدع للطاغية يزيد ان يواصل تضليله للناس وتجهيله للأُمة).
أساليب التعريف بالعترة الطاهرة
من الأعمال المهمة جدا في هذا الشهر، أن يكرس جميع المؤمنين بالعترة الطاهر أنفسهم وأوقاتهم ونشاطاتهم، لتعريف الآخرين بتجارب ومواقف وتاريخ الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، فمن الواجب والمناسب جدا أن يشمّر المؤمنين عن طاقاتهم، وإمكاناتهم المختلفة، لكي يستمروا بشكل متواصل بتعريف الأمم والشعوب والجماعات الأخرى، ممن يجهلون تاريخ العترة الطاهرة، وهذا الهدف يجب أن يتقدم على الأهداف الأخرى لأهميته القصوى.
الإمام الشيرازي يؤكد ذلك في قوله:
(من الواجب ان نكرّس حياتنا في هذا الشهر للعترة الطاهرة تأريخاً وفهماً لهم والأخذ بأقوالهم والاقتداء بأعمالهم وتمييزاً لمختلف أدوارهم وتشخيص مواقعنا لأدوارهم عليهم السلام).
ولا بأس في اختلاف الاقتداء، فيختار أحدنا الاقتداء بالإمام الحسين (عليه السلام) ومنهجه الثائر، أو يختار الأسلوب الآخر الذي يذهب إلى معرفة الخصم ودهائه وحماية المسلمين بأسلوب ذكي ومسؤول، وهو ما فعله الإمام الحسن (عليه السلام) في مواجهة معاوية، فكان الأسلوب مختلف وتجربة المواجهة مختلفة تبعا للظروف السائدة في حينها، فقدم الإمام الحسن (عليه السلام) تجربة عظيمة في كشف ومواجهة الطاغية بأسلوب الصلح.
إذ يقول الإمام الشيرازي:
(قد تختلف الاجتهادات كما اختلفت أدوار المعصومين، فهناك من يقتدي بالإمام الحسن (عليه السلام) ويحاول ان يتمثل الدور الذي قام به هذا الامام العظيم في صلحه مع معاوية حفاظاً على الدين والمؤمنين، وهناك من يحاول ان يتمثل الدور الذي قام به الامام الحسين (عليه السلام) في اعلان الثورة ضد الاستبداد والطغيان).
وتبقى المهمة الأكثر إلحاحا هو تعريفنا الآخرين بالعترة الطاهرة، وهذه مسؤولية يجب أن يتصدى لها جميع المؤمنين، وإن اختلف حجم ونوع الدور حسب القدرات والإمكانات المتوافرة لكل شخص أو جماعة على حدة، فمن الأهمية بمكان تعريف العالم جميعا بسيرة العترة الطاهرة، كي يتنوَّروا بها، ويسيروا في ضوئها خدمة للبشرية جمعاء.
هذا ما يؤكده الإمام الشيرازي في قوله:
(تقع علينا مسؤولية اخرى هي اساس كل مسؤولية وهي التعريف بأهل البيت (عليهم السلام) حتى يكتشف الناس مجالات الارتباط التي بينهم وبين قادتهم الميامين. كما ويجب علينا ان نعرّف العالم بالعترة الطاهرة حتى يستضيء بأنوارهم ويجعلهم مناراً يهتدي بهم).
لقد مضى من شهر رمضان الذي نعيشه الأن ثلاثة أرباعه، ولم يبق منه سوى أسبوع واحد، وما علينا سوى أن نتمسك بالعترة الطاهرة، وبمعرفة وتعريف سيرة أئمتنا الأطهار، وأن نوضح حياتهم ومواقفهم وتجارب العظيمة ونوصلها إلى أبعد نقطة من العالم، ولدينا الوسائل الممكنة والقدرات الفاعلة لتحقيق ذلك، فيما لو قررنا استثمار شهر رمضان لتحقيق هذا الهدف استثمارا جيدا وصحيحا.
اضف تعليق