من أكبر الأخطاء والسلبيات التي يرتكبها قادة السلطة حين يستأثرون بالسلطة ومزاياها، ويمنحون العطايا لذويهم كأبنائهم وأخوتهم، وأصدقائهم والمؤيدين لهم، نلاحظ تصاعد أوار الثورة على من يقود الحكم الفاسد، وتقض مضجعه أصوات الناس وهي تسأله: لماذا الاستبداد والفساد، وأين هي الشورى في إدارة الحكم...
(إنّ أوّل سؤال يسأله الناس للحكام: أين هي الشورى؟) الإمام الشيرازي
لكل سلطة عدد من الأشخاص قد لا يتجاوزون أصابع كف اليد، هؤلاء هم من تنتهي على أيديهم صناعة القرار، قد يكونوا رؤساء أحزاب أو حركات وسواها، لكنهم بالنتيجة هم من يتحكم بصياغة القرار ومضامينه ونتائجه، يحدث هذا في الأنظمة البرلمانية، وفي بعض النظم قد يكون عدد المتحكمين في القرار أقل من هذا العدد، فإذا فسدوا أفسدوا وأفشلوا الدولة ومؤسساتها.
ما هو موقف الشعب من صناع قرار بهذا النوع؟ لابد أن يثور الشعب ويغضب ويحتج عندما يلمس أن رؤوس السلطة أو النظام يحتاط بالظلم ويتلفّع بالفساد، ولا يتعامل مع حقوق الناس بإنصاف، ويكيل الأمور بأكثر من مكيال، فيلحق الضرر بالناس البسطاء أو الفقراء المعوزين، أما الأقوياء والمؤيدون له فإنهم في مأمن حيث تتضاعف امتيازاتهم المادية بلا وجه حق، وهي مغانم غير مشروعة لأنها تقع تحت يافطة الظلم وتأتي على حساب حقوق عامة الشعب.
تشتد مشكلة أنظمة الفساد عندما يكون قادتها من ذوي الشخصيات الازدواجية، فما يزيد الأمر سوءاً حين يدّعي الحاكم الإسلام لكنه لا يلتزم في سياسته وإدارته بمبادئه، بل قد يكون أبعد الناس عن هذا الالتزام، وفي هذه الحالة يكون الغضب الجماهيري عارما ومستشيطا، فسرعان ما تبدأ الاحتجاجات العارمة ضد الحاكم الذي يعلن انتسابه للإسلام ويحكم الناس بحكم الطغاة المستبدين والفاسدين، لذلك لا يعبأ الناس بادّعاء رؤوس السلطة بأنهم إسلاميون، لأن الشعب ينظر إلى الأفعال والنتائج وليس لأقوال هذا السياسي أو ذاك.
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) يقول في كتابه القيم (الشورى في الإسلام):
(عندما لا يفي الحاكم بوعوده، سوف ينفضّ الناس من حوله ثم يثورون عليه حـتى إسقاطه).
عدم تطابق الوعود مع التنفيذ أزعج الجماهير التي تعطّشت للحكم الإسلامي، ومنحته الفرصة لكي يحكم بالعدل ووفق المبادئ التي أقرّها العدل الإلهي، وحين لمست مؤشرات الاستبداد وعلامات الفساد عند قادة السلطة، وأنهم يدّعون الإسلام ولا يطبقون تعاليمه في حكم الناس، سرعان ما تباعدَ عنهم الشعب، وكفّوا عن تأييدهم ثم بدأت مرحلة تقويضهم وإسقاطهم من دفة الحكم، وهكذا تساقط بعضهم شر سقطة، ولا يزال الآخرون في طور السقوط المتوالي.
الإمام الشيرازي أشار إلى هذه النتائج فقال:
(الحكومات في العصر الحاضر، التي قامت باسم الإسلام لم يمضِ سوى زمن يسير حتى انفضَّ الناس من حولهم، ثم عملوا على تقويضهم، فبعضهم سقط وبعضهم قرُبَ سقوطه).
الاستبداد والفساد يصنعان الفشل
من أكبر الأخطاء والسلبيات التي يرتكبها قادة السلطة حين يستأثرون بالسلطة ومزاياها، ويمنحون العطايا لذويهم كأبنائهم وأخوتهم، وأصدقائهم والمؤيدين لهم، نلاحظ تصاعد أوار الثورة على من يقود الحكم الفاسد، وتقض مضجعه أصوات الناس وهي تسأله: لماذا الاستبداد والفساد، وأين هي الشورى في إدارة الحكم، ولماذا هذا الظلم الذي يجعل من حياة الناس كالجحيم؟
وعادةً ما تأتي أجوبة هؤلاء الفاسدين مزيّفة مخادعة هدفها تهدئة غضب الجماهير وامتصاص نقمتها، فتأتي أجوبة الحكام عرجاء كاذبة مضللة ومليئة بالزيف، كل ذلك حتى يهدأ الغاضبون المحتجون على الفساد، فيقول الحكام نحن لسنا مستبدين لاحظوا مؤسسات الحكم التي تلتزم بالشورى والمشاركة في صنع القرار، ولكنه يبقى كلامهم كالهواء في شبك، إذ تكذّبه أفعال وسياسات الرؤوس المتحكمة بالقرار.
الإمام الشيرازي يؤكد على:
(إنّ أوّل سؤال يسأله الناس للحكام: أين هي الشورى؟ وطالما أن الحكام يختارون الاستبداد ، فتارة يقولون: إن الشورى ليست بواجبة، وأخرى يقولون إنها من شأن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) فقط، وثالثة يقولون: بأننا نستشير، ألا ترون لدينا مجلس أمة ومجلس لقيادة الثورة ومجلس للوزراء وما أشبه ذلك؟!).
من الأساليب المكشوفة لمثل هؤلاء الساسة، أنهم يبذخون بأموال الأمة على أعوانهم والمؤيدين لهم، ويظنون بذلك أنهم سوف يبقون إلى الأبد في كرسي السلطة، ولا يعتبرون أو ينتصحون بالتجارب الاستبدادية التي يضج بها التاريخ القريب والبعيد، فيلجأ القادة الفاسدون إلى تقريب المتملقين المهرجين والمطبلين لهم ويبذخون عليهم من أموال الشعب بلا رادع من ضمير أو دين، وفي نفس الوقت يبعدون الكفاءات ويفتحون بوابات الزنازين للمفكرين.
ويخشون الرأي الآخر أشد الخشية حتى لو كان صادقا، والهدف منه هو الإصلاح وليس الطمع بالسلطة، لكن الاستئثار بالسلطة يعمي البصائر والأبصار، فينظر أصحاب السلطة إلى الأصوات الناصحة على أنها طامعة بالسلطة لا أكثر.
يقول الإمام الشيرازي:
(في ذات الوقت الذي يتكلم فيه الحكام عن الديمقراطية والشورى نجدهم يستدرجون إليهم المصفقين والمهرجين والمُرتزقة والامعّات بأموال الأمة ليسبّحوا بحمدهم في الإعلام، ونجدهم يفتحون أبواب السجون لأصحاب الفكر والـرأي، والويل لمن فتح فمه بكلمة واحدة، ظناً منهم أن السجون ستقمع الصوت الحر والإرادة النبيلة).
على القادة قراءة التاريخ جيداً
ما يزيد في الأمر غرابة، ذلك الإصرار العجيب الغريب للحكام الذين يمعنون أكثر في سرقة أموال الشعب، ويتجاوزون على ثروات الأمة، وينهبون حقوق الجماهير، مستخدمين أقسى أساليب القمع الذي يصل حد القتل بالرصاص الحي لكل من يرفع صوته محتجّا أو مطالبا بحقوقه المشروعة، فهذا هو الأسلوب المعروف للحكام الطغاة الفاسدين، القمع والقتل والمحاصرة ومضاعفة أعداد السجون، مع الإيغال بتخريب البلاد في المجالات كافة وصولا إلى الدرجة التي يصبح فيها الناس أذلاء خائفين مفزوعين من بطش الحاكم وقواته التي لا همَّ لها سوى تطبيق القرارات الجائرة لسيدهم الذي يغدق عليهم بالعطايا والمكرمات.
لهذا يقول الإمام الشيرازي: (لهذا ترى الحكام أكثر إمعاناً في سلب الأموال، وقتل الناس الأبرياء، وتكثير السجون، وتخريب البـلاد، وإذلال العباد)، فالسلطة الغبية لا تفكر في بناء الدولة والعقول الرصينة، بل تسعى لزيادة السجون حتى تلقي فيها أصحاب المواهب والطاقات القادرة على نقل الدولة من قائمة التخلف إلى الدول المتطورة.
من البديهيات المحسومة أن الجماهير تعرف أساليب الحكام المستبدين والمسؤولين الفاسدين، متناسين ومهملين لتلك الدروس التاريخية التي عصفت بكل الحكام البائسين، حتى أصحاب الإمبراطوريات الكبرى التي أسقطها استبداد السلاطين وفسادهم، كما تذكر صفحات التاريخ عن الحكم الأموي الإرهابي المستبد، وطغيان الحكام العباسيين، وصولا إلى الإمبراطورية العثمانية التي سقطت تحت وابل الفساد والظلم الذي ألحقته بالأمة.
هناك مسؤولون فاسدون لا يقرؤون التاريخ، ولا يستفيدون حتى من التجارب القمعية القريبة وسقوط عروشها، فإنهم قريبون جدا من حافة السقوط، لأنهم يعمهون في فسادهم وظلمهم، متمنطقين بعطايا السلطة وسحرها ونسوا أنها بالنسبة للعظماء كالإمام علي عليه السلام، ومع أنهم يعلنون انتماءهم للإسلام وبعضهم يتبجحون بانتمائهم للإمام علي عليه السلام، لكنهم مستمرين في طريقهم إلى السقوط كما سقط غيرهم من الفاسدين المستبدين.
الإمام الشيرازي يقول:
(لقد زالت الخلافة الأمـوية ولم تعد، لأنها مارست الإرهاب والاستبداد، كذلك جاء العباسيون وحكموا بالحديد والنار ثم سقطوا، والشيء نفسه للإمبراطورية العثمانية التي سقطت واندثرت بل لم يترحم عليها أحد).
هكذا تنطفئ السلطة وطغاتها، وينتهي الاستبداد بأصحابه إلى مزابل التاريخ التي تبقى مهيَّأة لاستقبالهم، لأن مصيرهم المحتوم معروف مسبقا، فهل سيكون رعاة الاستبداد والفساد دروسا لحكام وقادة اليوم، هذا ما يجب أن يتنبّه له القادة والمسؤولون حاليا، إنهم يجب أن يتعلموا جيدا من تجارب السابقين وأخطائهم كي لا يقعوا في المصير المؤسف كالسابقين.
اضف تعليق