q
إسلاميات - الإمام الشيرازي

منزلة الإمام علي (ع) عند رسول الله (ص)

رؤى من أفكار الشيرازي

يستعيد المسلمون في هذه الأيام فاجعة استشهاد الإمام علي بن أبي طالب (ع)، على يد الآثمين الغادرين، من أعداء الإسلام والمسلمين، ورغم أنها مناسبة في قمة الألم والحزن على قلوب المسلمين والإنسانية، إلا أنها في ذات الوقت فرصة لقراءة الشخصية النموذجية للإمام علي (ع)، والخصال النادرة، والأضداد الكبيرة...

(تربّى الإمام علي (ع) في حجر الرسول الأعظم (ص) ونشأ في بيته) الإمام الشيرازي

يستعيد المسلمون في هذه الأيام فاجعة استشهاد الإمام علي بن أبي طالب (ع)، على يد الآثمين الغادرين، من أعداء الإسلام والمسلمين، ورغم أنها مناسبة في قمة الألم والحزن على قلوب المسلمين والإنسانية، إلا أنها في ذات الوقت فرصة لقراءة الشخصية النموذجية للإمام علي (ع)، والخصال النادرة، والأضداد الكبيرة التي تحتوي عليها شخصيته المتفردة.

يحظى المسلمون بنموذج قيادي علمي أخلاقي سياسي، يندر أو ينتفي وجوده في أمم أخرى، وبإمكانهم (إنْ أرادوا)، البحث في خصائص هذا النموذج القيادي الباهر، واستخلاص الدروس من تجاربه، وتطبيقها في حياتهم، أملا بالانتقال من فوضى وشظف العيش، والانتظام الأخلاقي والإداري، وتسيير دفّة السلطة السياسية، بما يحفظ للناس حقوقهم وكرامتهم.

الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يستعرض في كتابه القيّم، ضمن سلسلة الأئمة المعصومين الـ 14، شخصية الإمام علي عليه السلام، كنيته، خصاله، علمه، أخلاقه في الإدارة والسياسة، فيبدأ في ذلك بقوله:

(كنيته المشهورة: أبو الحسن. وكنّي أيضاً بأبي الحسين، وأبي السبطين، وأبي الريحانتين، كما كنّاه رسول الله (ص) بأبي تراب لما رآه ساجداً معفّراً وجهه في التراب).

ومما يعطي زخما من نوع خاص لشخصية الإمام علي، وإثارة جانب الشغف في الإطلاع عليها، أنه (ع)، تربّى على يد خاتم الأنبياء، وأعظم شخصية عرفها التاريخ البشري، الرسول محمد (ص)، ومنه استمد تربيته، أفكاره، رؤيته القيادية في مختلف المجالات، حتى نال قرابة قريبة، ومنزلة خاصة يستحقها.

يقول الإمام الشيرازي: لقد (تربّى الإمام علي (ع) في حجر الرسول الأعظم (ص) ونشأ في بيته، وإلى ذلك يشير (ع) في قوله: وقد علمتم موضعي من رسول الله (ص) بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة).

المكانة والدرجة العالية التي وسمت شخصية الإمام علي (ع)، استمدها من تلك الرفقة العظيمة مع سيد الكائنات، الرسول الأكرم محمد (ص)، فقد كان يرى النبي وهو يدخل غار حراء ويخرج منه، كما أنه (ع) الإنسان الوحيد بالمطلق، الذي اجتمع (وحده) في بيت واحد من الرسول الأعظم (ص) وخديجة، وهذا بحد ذاته امتياز لم ينله غير الإمام علي (ع).

الإمام علي (ع) ونور وحي الرسالة

جاء في كتاب الإمام الشيرازي: يقول الإمام علي (ع): (لقد كان (ص) يجاور في كل سنة بحراء، فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة).

هذه المزايا الفريدة، كفيلة بأن تضمن للإمام علي (ع) شخصية لا تتكرر، ومكانة لا تعلوها أخرى، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل هناك أقوال لا تقبل الغموض، قالها الرسول الأكرم (ص) في حق تلميذه النجيب علي عليه السلام، مما يعزز دوره في مساندة الإسلام، بدءاً بسرّية الدعوة النبوية، مرورا بإعلانها، ومن ثم الدفاع عنها ونشرها في الجزيرة والمناطق المجاورة ثم العالم.

يقول الإمام الشيرازي: (ذكر رسول الله (ص) في كثير من الأخبار منزلة الإمام علي (ع)، منها قوله (ص): أنت أخي في الدنيا والآخرة.

وقوله (ص): أنت منّي بمنزلة هارون من موسى.

وقوله (ص): علي منّي وأنا من علي.

وقوله (ص): علي منّي بمنزلة رأسي من بدني.

وقوله (ص): علي منّي كنفسي).

هذه الأقوال التي جاءت على لسان النبي محمد (ص)، في شخصية الإمام علي (ع)، جعلت له مكانة لا تُضاهى، ولا يمكن بلوغها، فهو عليه السلام (أخو النبي في الدنيا والآخرة)، وهذا القول للرسول الأكرم (ص)، وهو يعني الكثير من المعاني والتأويلات والنتائج العميقة، منها أن كل من عادى أو يعادي الإمام علي في حياته وفيما بعدها، سوف يكون خصما للنبي (ص)، لأنهما معاً في الآخرة.

أما جملة (عليٌ مني وأنا من علي)، فهي واضحة وضوح الشمس، ولا يحتاج أحد لفهمها أو تفسيرها حتى لو كان وعيه وفهمه في أقلّ المستويات، وهي تعني فيما تعنيه أولا وأخيرا، من يعادي علي يعاديني، ولعل المعنى الأكثر بلاغة يأتي في جملة (علي مني بمنزلة رأسي من بدني)، ولنا أن نتخيل دور الرأس في الجسد!!

شخصيتهُ (ع) جمعت أضداد المكارم

كل ما جاء في أعلاه، يجعل من شخصية الإمام علي ومنزلته عند الرسول (ص)، هي النموذج الذي يجب أن يحتذي به الناس بمختلف مستوياتهم ومراكزهم ومقاماتهم، بل حري بكل ذي مركز حساس ومهم وقوي أن يتخذ من الإمام علي عليه السلام نموذجا له في إدارة مركزه الوظيفي السلطوي أو الاجتماعي أو سواه، وما خاب من خطا هذه الخطوة بصدق ونزاهة وإصرار في حياته.

كثيرون أولئك الذين مدحوا شخصية الإمام علي (ع)، منهم مبدعون في مختلف صنوف الإبداع، ومنهم خطباء، وآخرون قادة أمم عظماء، أما الشاعر صفي الدين الحلي، فقد قال في الإمام علي (ع)، أجمل ما قيل فيه (ع).

وهذا ما أكّده الإمام الشيرازي في قوله:

(جمعت في شخصية أمير المؤمنين (ع) صفات لم تجمع في أحد قبله ولا بعده، وقد جمعت فيه (ع) الأضداد من المكارم، وإلى ذلك يشير صفي الدين الحلّي في إحدى قصائده:

جمعت في صفاتك الأضداد ..... فلهذا عزت لك الأنداد

زاهد حاكم حليم شجـــــاع ..... ناسك فاتك فقير جواد

شيم ما جمعن في بشر قطّ ..... ولا حاز مثلهن العباد

خلق يخجل النسيم من اللطف... وبأس يذوب منه الجماد

جل معناك أن يحيط به الشع‍ر ... وتحصي صفاته النقاد).

في البيت الشعري الأول، يركز صفي الدين الحلي، على اجتماع الأضداد في شخصية الإمام علي (ع)، والحقيقة هذه وحدها (اجتماع الأضداد)، تعد ميزة يندر أو ينتفي تواجدها في التركيب التكويني للبشر، وأعظم هذه الأضداد، تلك الرحمة والخشوع والقدرة على العفو التي يتميز بها الإمام (ع)، يقابلها تلك الشجاعة التي قلّ نظيرها وهي تجتمع مع اللين والعفو.

ومثل هذه الأضداد كثيرة في شخصية الإمام علي (ع)، وهي مصدر تميزه وتفرّده، وحصوله على المكانة التاريخية التي جعلته من أعظم الشخصيات التي احتوى عليها التاريخ الإنساني، فهو (ع) زاهد لكنه حاكم في نفس الوقت، وهو حليم لكنه شجـــــاع أيضا، وهو (ع) ناسك فاتك، وما أعظمه حين وُصِفَ بالفقير الجواد.

إنها قيم أخلاقية رافقت الإمام (ع) حاكما، ومواطنا، في السياسة، وفي الإدارة، وفي علاقاته الاجتماعية مع الناس، وهذه لعمري أعظم الدروس التي على (القادة والمسؤولين خصوصا) والناس العاديين عموما، أن يأخذوا بها، ويتعلموها من سيرة الإمام (ع)، ويطبقوها حرفيا في حياتهم العملية والأخلاقية وسواها.

يرافق هذا السفر العظيم، في المكانة، والأخلاق، وجمع الأضداد، أعلمية الإمام (ع)، وهي التي استقاها من أستاذه (النبي الأكرم ص)، فبلغ أعظم الدرجات العلمية بين قومه، وهو صاحب القول الشهير (سلوني قبل أن تفقدوني) في إشارة لمكانته العلمية العظيمة التي صرّحَ بها رسول الأمة، ونطقها أمام الملأ.

يقول الإمام الشيرازي: (كان أمير المؤمنين (ع) أعلم الناس وأفقههم بعد رسول الله (ص)، والشواهد على ذلك كثيرة تفوق الإحصاء، منها: تصريح النبي (ص) بأعلميته على الأمة حيث قال: أعلمكم علي، وقوله: علي أعلمكم علماً وأقدمكم سلماً).

ونحن نعيش هذه الذكرى، لابد من وقفة صادقة، للقائد والسياسي والمسؤول أولا، ولكل من يتصدى لدور ما في المجتمع، علينا جميعا أن ندرس سيرة وشخصية وتاريخ الإمام علي (ع)، ومن ثم نقف الوقفة التي نتحوّل فيها إلى التطبيق الفعلي لتلك السيرة الفذة، وهو أمر ممكن مع التصميم والإيمان الحقيقي، كما أننا في حاجة قصوى بل مصيرية كي يحذوا قادتنا حذو الإمام علي (ع) في قيادة الأمة وإدارة السلطة والزهد بمزايا الدنيا مهما ازدانت.

اضف تعليق