ان الأفعال والأحداث التي تتسم بالعنف، والتي يقوم بها بعض المتطرفين الذين ينسبون أنفسهم للإسلام زورا وبهتانا، لا تمثّل سوى أنفسهم، إنما الإسلام هو دين الرحمة والسلم واللاعنف، وهو الرابط الروحي العظيم الذي يقوّي التمساك الإنساني والقيم النبيلة بين المسلمين بعضهم مع بعض، وبينهم وبين الأمم الأخرى دون استثناء...
بين حين وآخر تُثار موجات مسيئة للإسلام، وتُلصق بمبادئه وتعاليمه صفات وأفعال لا تمت للإسلام بصلةٍ، في حين أنه بعيد كل البعد عن العنف والتطرَّف، وقريب حد الالتصاق بالسلم كمنهج حياة، وطريقة عيش وتعامل مع الأمم الأخرى.
يعرَّف العنف على أنه تعبير عن القوة الجسدية التي تصدر ضد النفس، أو ضد أي شخص آخر بصورة متعمدة، أو إرغام الفرد على إتيان هذا الفعل نتيجة لشعوره بالألم، بسبب ما تعرض له من أذى. وتشير استخدامات مختلفة للمصطلح إلى تدمير الأشياء والجمادات (مثل تدمير الممتلكات).
يستخدم العنف في جميع أنحاء العالم كأداة للتأثير على الآخرين، كما أنه يعتبر من الأمور التي تحظى باهتمام القانون والثقافة، حيث يسعى كلاهما إلى قمع ظاهرة العنف ومنع تفشيها. ومن الممكن أن يتخذ العنف صورًا كثيرة تبدو في أي مكان على وجه الأرض، بدايةً من مجرد الضرب بين شخصين والذي قد يسفر عن إيذاء بدني وانتهاءً بالحرب والإبادة الجماعية التي يموت فيها ملايين الأفراد.
في حين أن التطرّف بحسب العلماء والباحثين المختصين تعبير نسبي يستعمل لوصف أفكار أو أعمال ينظر إليها من قبل مطلقي هذا التعبير بأنها غير مبرّرة. أما من ناحية الأفكار، فيستعمل هذا التعبير لوصم الأيديولوجية السياسية التي تعدّ بعيدة عن التوجه السياسي للمجتمع.
ويستعمل هذا التعبير من ناحية الأعمال في أغلب الأحيان، لوصم المنهجيات العنيفة المستعملة في محاولة تغيير سياسية أو اجتماعية. وقد يعني التعبير استعمال وسائل غير مقبولة من المجتمع مثل التخريب أو العنف للترويج لجدول أعمال معين.
السِلْم من المبادئ الأساسية التي اعتمدها الإسلام في العلاقات الفردية والجمعية على حد سواء، وحتى بين الدول، فهو المبدأ الأساس التي تقوم عليه نظرية اللاعنف التي نهض بها وتصدى لها وألَّفها الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، ودعا إلى اعتمادها لتقويم وتغيير العلاقات البشرية من أدناها (بين الأفراد)، إلى أقصاها (بين الأمم).
الإمام الشيرازي يقول في كتابه القيّم الموسوم بـ (اللاعنف في الإسلام):
(من أهم المبادئ التي قام عليها الإسلام، السلم واللاعنف في مختلف مجالات الحياة، ومع مختلف الأطراف).
مبادئ الإسلام لن يرقى إليها الشك
هذا المبدأ يؤكّد بأن أي فعل يقوم على التطرف والعنف، لا علاقة له بالإسلام ولا بمبادئه وقيمه الإنسانية التي لن يرقى إليها الشك، ويجب أن يتم التقييم على أساس مبادئ الرسالة النبوية وكيفية التعامل مع المختلف وحتى مع المضاد فكريا أو سلوكيا، فالرسول الأكرم (ص) بعد عشر سنوات من الكفاح، تعرض فيها المسلمون إلى أبشع أساليب التنكيل والتعذيب والتهجير والحصار والقتل، حين دخل مكة منتصرا، قال لمناوئيه من قريش (اذهبوا فأنتم الطلقاء).
هذا الفعل النبوي يستند إلى مبادئ الإسلام وقيمه وفكره الذي يضع السلم في المقدَّمة، ويرفض التطرف ويجافي أساليب العنف في تعاملاته مع المختلفين، ويثبت التوثيق التاريخي أن الإسلام نقل البشرية من القمع والاستبداد إلى ربوع العدالة، وابتعد عن العنف بكل أشكاله، إلا ما يدخل في إطار الدفاع عن النفس وتجنّب الموت المؤكَّد، هذه هي مبادئ الإسلام التي ترفض رفضا قاطعا كل الأفعال التي تقوم على العنف والتطرف.
الإمام الشيرازي يقول في المصدر نفسه: (الإسلام الحنيف جاء إلى البشرية ليخرجها من الاستبداد والجور ويأخذ بيدها نحو العدالة والأمان، لا أن يرمي بها في متاهات البطش والعنف التي لا يجنى منها سوى الويل والآهات).
هذه هي التربية النبوية وهذه هي المبادئ والأخلاقيات التي غرسها في نفوس أفراد الأمة، وقد تحوّل ذلك المجتمع الغاطس في الظلام، من عاداته السيئة التي تميل إلى البطش والخشونة والاعتداء على الآخرين، إلى عادت وأعراف أخرى نقيضه للعنف والتطرف، وبهذه السياسة الأخلاقية المتينة، بُنِيَت الأسس المتينة التي تجرّم العنف ولا تشجّع عليه بتاتاً.
السلم واللين من ركائز الفكر الإسلامي
لكن مع كل الجهود التي بذلها النبي محمد (ص)، كي يتخلص المسلمون من نزعة العنف والتعصّب والتطرف بكل أشكاله، ويعتمدون اللين والسلم في تعاملاتهم وعلاقاتهم، إلا أن هناك من بقي خارج دائرة هذه القيم العظيمة، ولم يأبه لها ولم يتمسك بها، فراح البعض يلجأ إلى العنف بحجة الدفاع عن الإسلام، لكنهم لا يمثلون المسلمين ولا الإسلام، إنما الأخير براء منهم، ولا يمثلون إلا أنفسهم.
الإمام الشيرازي يؤكد هذا المنحى قائلا: (على الرغم من أنّ الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله، عكف على تربية المسلمين على اللين واللاعنف وبذل كلّ ما بوسعه من أجل إخراجهم من نزعات الجاهلية الأولى، إلاّ أنّ البعض منهم لاسيما المنافقين، لم تؤثّر فيه تلك التربية حيث بقيت أنفسهم تميل إلى طبائعها القديمة التي منها العنف والبطش).
وما يدل على الرفض القاطع للعنف، ونبذ التطرف، أن جميع الأديان لها نظرة واحدة من العنف، وموقفا واحدا من التطرف، أنها جميعا حثَّت البشر على السلم واللين والتعاون، ومكافحة التطرف بكل أشكاله، وهذه هي الركائز القوية التي قام عليها الإسلام، ونمتْ وتطورت عليها أفكاره وأخلاقياته، فلا يجوز لأحد أن يلجأ إلى العنف ثم يُنسب نفسه للإسلام الذي حثّ على السلم واللين وبث الأمان في ربوع الأرض.
أيضا يدل هذا على أن الأفعال العنيفة التي يرتكبها بعضهم باسم الإسلام، لا تعني أنها جزء من مبادئه أو تعاليمه، إنما هي حالات شاذة لا علاقة لها بجوهر الفكر الإسلامي، القائم على التعاون والانسجام واعتماد القيم التي تقرّب بين بني البشر وتطفئ جذوة الشر في التعاملات والعلاقات الإنسانية.
هذا المعنى أو هذه المضامين تثبتها وتؤكّدها الآيات والروايات الشريفة التي تتقارب من بعضها في تأكيد أهدافها، فهي تقوم على زرع القيم النبيلة في قلوب الناس ونفوسهم، وتشجّع على السلم واللين في التعامل وليس العكس، ولا ينحصر هذا في العلاقات الفردية، فحتى الأمم والدول عليها نبذ العنف ورفض التطرف، حفاظا على الكينونة البشرية متقاربة ومتماسكة.
الإمام الشيرازي يؤكد هذا المنحى في قوله: (يكفي الإنسان أن يلقي نظرة سريعة على الآيات والروايات الشريفة المتطرّقة إلى منهجية الرسالات السالفة في إدارة البلاد وهداية العباد، فيتجلّى له واضحاً أنّ كافة الرسالات السماوية كانت لها سياسة واحدة قد دعا إليها جميعها. فما هي تلك السياسة التي اتّفقت عليها رسالات السماء؟، إنّها سياسة اللين واللاعنف والغضّ عن إساءة الآخرين).
لكن من الغريب أن تظهر شبهات تسعى إلى تشويه الإسلام، وتلصق به تهمة التطرف، وتروّج لشبهة (العنف الإسلامي)، في حين أن الإسلام له قطيعة تامة مع العنف بكل أشكاله، ويرفض التعصب والتطرف بشكل قاطع، ويدعو في جميع مبادئه إلى التعاون البشري البنّاء، وجعل السلام هو الرابط الأقوى بين بني البشر على مستوى الأفراد والدول والأمم أجمع.
فيستدرك الإمام الشيرازي قائلا حول هذه النقطة: (من الشبهات الغريبة التي أثارها مناوئو الإسلام وروّجها بعض الجهلاء من المسلمين، هي أنّ الإسلام العزيز يدعو إلى العنف والقوّة، ويحارب سبل السلام مع الآخرين).
نستخلص مما تقدَّم، أن الأفعال والأحداث التي تتسم بالعنف، والتي يقوم بها بعض المتطرفين الذين ينسبون أنفسهم للإسلام زورا وبهتانا، لا تمثّل سوى أنفسهم، إنما الإسلام هو دين الرحمة والسلم واللاعنف، وهو الرابط الروحي العظيم الذي يقوّي التمساك الإنساني والقيم النبيلة بين المسلمين بعضهم مع بعض، وبينهم وبين الأمم الأخرى دون استثناء.
اضف تعليق