اليوم حكام المسلمين أمامهم الفرصة الكبيرة، لكي يتعلموا من نهضة الإمام الحسين عليه السلام، ويكرّسوا الثقافة العاشورائية المنصفة ويغرسونها في عقولهم أولا وينشرونها بين الناس جميعا، فالمسلمون اليوم يعانون من الجهل، ويمزقهم الظلم والتفرقة، وغياب الإصلاح الحسيني، أما الحكومات فرصة عظيمة لتكريس مبادئ النهضة الحسينية بين الجميع...
(إن المسلمين اليوم بحاجة إلى نهضة ثقافية شاملة يستلهمونها من سيرة الإمام الحسين عليه السلام) الإمام الشيرازي.
لا تستحق أمة المسلمين ما هي عليه اليوم من مكانة متدنية، حيث تتصدر عالمنا اليوم أمم كانت تقبع في الظلمات، وجاء الإسلام وقادته الأوائل العظام لينقذوا البشرية آنذاك ويظهروها إلى النور بعلمهم وعدلهم وإنسانيتهم، وكانت أسباب تقدم المسلمين منظومة من القيم المتماسكة التي تتصدى للظلم والتمايز والاستئثار.
على أساس رفض القيم المتخلفة الظالمة بزغت النهضة الحسينية حيث الظلم السلطوي الأموي بلغ أقصاه، فما عاد السكوت مجديا، ولا غض الطرف مقبولا ولا مجاراة الطغيان طريقة ملائمة لمواصلة الحياة الكريمة، فتفشت قيم الضلال، وانتشرت قيم الشر والهوان، وتقوّت طبقة من المنافقين الانتهازيين الذي أيّدوا يزيد وباركوا طغيانه وظلمه وفساده.
انحرف الإسلام في عهد يزيد وساد الجهل، واضمحلت الثقافة، وتردَّت قيم التقدم، وانتعش قانون الغاب، وكان المطبلون الانتهازيون كثراُ، فشدّوا على يد الطاغية وجمّلوا قراراته وخطواته، وسكتوا عن الظلم والانحراف وضياع العدالة، وأصبحت الاستقامة في خبر كان، فيما تهشمت المثل والمبادئ والقيم الإسلامية، وتدهورت الثقافة حتى بلغت الحضيض.
رافق ذلك غياب قطعي للإصلاح، وانكفأ صوت الحق، وتنمّر يزيد وصحبه المنافقين وزاد الفسق والمجون، وتراجعت القيم الاجتماعية المنصفة لتبلغ أدنى مستوياتها.
هنا كان لابد من صوت تاريخي ثائر، وثورة مضيئة تأخذ مكانتها وتأثيرها من قوة نهوضها ومضامينها المشرقة، ومن توقيتها الذي واجه قمة التنمّر الأموي عبر يزيد الطاغية المستهتر، فانطلقت جولة الإصلاح الحسيني على يد الثائر الأعظم الإمام الحسين عليه السلام، سبط الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، لتعلن مبادئها على الملأ، حيث تبلورت في محور الإصلاح (إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي).
وأولى الخطوات بدأت بفضح الانتهازيين ودعمهم المزيّف للطواغيت الجائرين وفي مقدمتهم يزيد، حيث زيّن له المنافقون المنتفعون أفعاله الظالمة، وإصراره على حرف مسار الإسلام نحو الخطل والزلل، وهنا تلاقت مصلحة الطرفين الحاكم المستبد الظالم الفاسق والانتهازي المنافق المنتفع، ولكن كان الإمام الحسين عليه السلام لهم بالمرصاد، فكشف زيفهم وانحرافهم عن الإسلام أمام الأمة قائلا:
(وإنما عاب الله ذلك عليهم لأنهم كانوا يرون من الظَلَمة الذين بين أظهرهم المنكر والفساد فلا ينهونهم عن ذلك، رغبة فيما كانوا ينالون منهم، ورهبة مما يحذرون.. والله يقول: *فلا تخشوا الناس واخشوني).
الخلاص في مبادئ الفكر الحسيني
لو أننا استطلعنا واقع المسلمين اليوم فسوف نجد أنه ليس بأفضل حال عما كان عليه في عهد يزيد، فالجهل لا يزال يعيث في العقول انحطاطا، والثقافة لم تأخذ دورها كما يجب، لهذا يستوجب الأمر نهضة ثقافية كبيرة تأخذ مضامينها وأفكارها ومبادئها من النهضة الحسينية التي لم تهادن الجهل ولا الجاهلين.
طلب الإصلاح في أمة المسلمين الذي أعلنه الإمام الحسين عليه السلام في ثورته، لا يزال هو الهدف الأكثر حاجة وإلحاحا لأمة الإسلام، فلو أننا ناقشنا الأنظمة السياسية وحكامها فسوف نجد أنها متعثرة ويشوبها الظلم والتعسف، أما حين نبحث في منظومة القيم لدى الغالبية فسوف نجد ما هو وافد دخيل مسيء إليها، وهذا يؤكد حاجة الأمة للإصلاح والنهضة الثقافية الشاملة.
الإمام الرحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يقول في كتابه القيّم ( من حياة الإمام الحسين ع): (الأمة الإسلامية اليوم بحاجة إلى نهضة ثقافية تسلتهم الدروس من نهضة الإمام الحسين عليه السلام، ولو أننا بحثنا عن أسباب نهضة الإمام الحسين عليه السلام بوجه يزيد ومحاربته، لوجدنا أنها جاءت بهدف الحفاظ على الإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولطلب الإصلاح في أمة جده رسول الله صلى الله عليه وآله).
وقد رصد الإمام الشيرازي قضايا المجتمع الإسلامي اليوم، ولاحظ بعينه الثاقبة وبصيرته المتوقدة طبيعة العلاقات الاجتماعية والحياتية عموما، وقارن بينها وبين ما كانت عليه إبان حكم يزيد والعصر الأموي، فوجد أن المسلمين اليوم لا يختلفون كثيرا عن مسلمي ذلك العهد، بل هناك بينهم اليوم من يرفض الإصلاح، ولا يلتزم بالقاعدة العظيمة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، ولاحظ سماحته التمسك بشكل الدين وليس بجوهره، وهذه مشكلة كبيرة يجب أن يتخلص منها كل مسلم يؤمن بالنهضة الحسينية وينتمي إليها.
فأن نقوم كمسلمين بتأدية الصلاة والصيام والحج والفرائض الأخرى، هذا وحده لا يكمّل ديننا، ولا إخلاصنا لله وللدين وللرسول الأكرم وللإمام الحسين عليه السلام، الدين الكامل هو ما توجبه الصلاة من (نهاية للفحشاء والمنكر)، هذا النقص لاحظه الإمام الشيرازي في المجتمع الإسلامي وأكد على أهمية القضاء عليه في مساعٍ فردية وجماعية، وهذا الالتزام الحقيقي هو الذي يعطي الفارق بين المسلمين اليوم وبين ما كانوا عليه في عهد يزيد.
يقول الإمام الشيرازي: (إن الإسلام لا يكون حصراً في الصلاة والصيام والحج وما أشبه، وإلاّ فإن هذه الأمور كانت موجودة بنحو أو بآخر في عهد يزيد.. والمسلمون اليوم وإن وجدنا فيهم صلاة الجمعة والجماعة والحج والمساجد العامرة والصيام في شهر رمضان وغيرها؟ لكنهم بعيدون عن الإسلام، وإلاّ فإن هذه الأمور كانت في عهد يزيد، ومع ذلك حاربه الإمام الحسين عليه السلام).
مساعٍ وخطوات لتطبيق النهضة الحسينية
حكام المسلمين اليوم وحكوماتهم، لا تروق لها النهضة الحسينية إلا بقبولها لفظيا أو الانتماء اللفظي لها من بعضهم، وإذا تحدثنا عن تطبيق مبادئ النهضة الحسينية، فإننا لا نجد لها صدى أو حضورا أو تطبيقا في إنصاف الناس، لا تزال الثقافة هزيلة، والوعي ضامر، والجهل متسيّد، وهذا ما يحدث في واقعنا اليوم، المطلوب هو العكس تماما، لذلك قام الإمام الحسين بفضح يزيد، بل وفضح جميع الطغاة على مر التاريخ، وها هي العروش تهتز بمجرد ورود مبادئ الفكر الحسيني (لقد تمكن الإمام الحسين عليه السلام من فضح يزيد وبني أمية وأثبت أنهم لا يمثلون الإسلام، كما فضح الطغاة على مرّ التاريخ)، ويضيف الإمام الشيرازي:
(لقد أصبح المسلمون اليوم في وضع أسوأ مما كانوا عليه في عهد يزيد وطغاة بني أمية، فهناك العشرات من الحكام المستبدين الطغاة الذين سيطروا على رقاب المسلمين إما بنظام وراثي، وإما بنظام انقلابي عسكري، وإما بخداع الشعب، أو بفرض من المستعمرين).
اليوم حكام المسلمين أمامهم الفرصة الكبيرة، لكي يتعلموا من نهضة الإمام الحسين عليه السلام، ويكرّسوا الثقافة العاشورائية المنصفة ويغرسونها في عقولهم أولا وينشرونها بين الناس جميعا، فالمسلمون اليوم يعانون من الجهل، ويمزقهم الظلم والتفرقة، وغياب الإصلاح الحسيني، أما الحكومات فرصة عظيمة لتكريس مبادئ النهضة الحسينية بين الجميع.
تبدأ هذه الخطوات بالابتعاد عن الإيمان اللفظي الشكلي بالفكر الحسيني، والبدء بتطبيقه حرفيا على واقع المسلمين في الدول الإسلامية، في عهد يزيد كانت الممارسات الإسلامية الشكلية موجودة، لكنها لم تستطع كبح الظلم الأموي، اليوم نحن بحاجة إلى غرس الصلاة والصيام والمبادئ الإسلامية في القلوب والنفوس لكي تتحول من النمط السطحي الشكلي، إلى الجوهري الذي يرتفع بمستوى حياة الناس وعقولهم وتفكيرهم وسلوكياتهم التي سوف تقوم على الإيمان والعدل والإنصاف والإصلاح الفاعل.
(إن يزيد أراد للأمة الإسلامية أن تبتعد عن القرآن الكريم وعن نهج رسول الله صلى الله عليه وآله، وعن العترة الطاهرة عليهم السلام.. والمسلمون في يومنا هذا قد تركوا الإسلام والقرآن والعترة الطاهرة، لذا فإن المسلمين اليوم بحاجة إلى نهضة ثقافية شاملة يستلهمونها من سيرة الإمام الحسين عليه السلام) هذا ما أكده الإمام الشيرازي.
العلماء، المثقفون، المفكرون، النخب كافة، من لبّ واجباتهم اليوم، الاسترشاد بمضامين وأفكار ومبادئ النهضة الحسينية واستلهامها في إطار مسعى ثقافيا منظّما كبيرا عميقا متواصلا، حتى تتوالد الفرص المتتابعة للنهوض بالمسلمين، والعودة بهذه الأمة العريقة إلى سابق عهدها، واتخاذها المكانة العظيمة التي كانت تتبوّأها، الفكر الحسيني، الثقافة العاشورائية، النهضة الحسينية، هي طريق المسلمين إلى الرفعة والسؤدد.
يطالب الإمام الشيرازي (العلماء والمثقفين ويحثّهم على أن يسعوا إلى تثقيف الأمة الإسلامية لكي ترجع إلى الإسلام من جديد وترفض هذه المخالفات الصريحة من قبل الحكومات ضد الإسلام).
الخلاصة يمر المسلمون في منعطف خطير، حيث تتكالب عليهم الأطماع، وحملات الهجوم على قيمهم ودينهم وأصالتهم متواصلة، وجميع الحلول لن تأتي من خارج هذه الأمة، طبقة الحكام أولا هي الأكثر مسؤولية في مسار التصحيح عبر القرارات الصحيحة، العلماء والمفكرون يقع عليهم الجانب الفكري الديني التربوي، عامة الناس لن تُعفى من المسؤولية، المساعي الجماعية كل في أولوية مسؤوليته، هي التي يمكنها استلهام النهضة الحسينية والخلاص من كل مظاهر الانحراف والتخلف.
اضف تعليق