شهدت دول العالم في تاريخها الماضي والحديث الكثير من صور الوصول الى الحكم والقبض على السلطة، وكان كثيرا من تلك الصور يحمل مفارقات غريبة، ادت الى نتائج كارثية على مجتمعات تلك الدول ومجتمعات دول اخرى.
فعلى سبيل المثال التجربة الالمانية في عهد هتلر، ووصوله الى منصب مستشار ألمانيا في 30 يناير 1933 والتي كانت نقطة التحول السياسي في حياته هي فترة الكساد العظيم الذي أصيبت به جمهورية فايمار (ألمانيا) في عام 1930.
وبعد أن وصل هتلر إلى منصب المستشار، أحبط كل محاولات خصومه للفوز بأغلبية المقاعد في البرلمان. وكان ماكان من تطهير وعزل المناوئين لهتلر عن جميع المؤسسات الحكومية في المانيا وانفراده بالحكم، وقاده ذلك الى شن حرب عالمية ثانية لأجل اشباع طموحاته في التوسع والهيمنة.
ومثال اخر من بلداننا، ففي العراق وصل البعثيون الى السلطة عن طريق الانقلاب العسكري في العام 1968، ثم انقضاض صدام حسين على رفاقه وقتلهم واقصائهم ليكون الحاكم المستبد بأمره ويقود العراق الى ماقاده اليه من خراب ودمار، بحثا عن زعامة قومية متفردة.
عرّف علماء السياسة السلطة بأشكال متعددة. وخلاصة هذه التعاريف «القدرة على تحقيق الأهداف الفردية أو الجماعية بشكل يؤثر على السلوك، وأحياناً على الأفكار وعقائد الآخرين، وإجبارهم على الاستسلام والطاعة بشتى الطرق والوسائل».
والسلطة الشرعية هي النظام السياسي القائم على منابع وأسس، ولها أيديولوجيات وقوانين، أو تستند إلى رأي الشعب وقبول عامة الناس. أما السلطة غير المشروعة: فهي النظام السياسي القائم على الإجبار والإستبداد والإنقلاب. وعندما تنتشر السلطة في المجتمع، بالشكل الذي تسيطر فيه على الحكومة والمجتمع يطلق عليها الحكم والقيادة، وكما تم تقسيم السلطة إلى مشروعة وغير مشروعة، كذلك يتم تقسيم الحكومة إلى شرعية وغير شرعية.
في كتابه (السبيل الى انهاض المسلمين) والذي ضمنه طروحاته الاسلامية حول الحركات السياسية الاسلامية وتنظيمها وصولا الى الحكومة الاسلامية، يحدد المرجع الديني الراحل الامام السيد محمد الشيرازي سبل الوصول الى الحكم في العالمين القديم والحديث بثلاثة امور:
1 - الحظ، كأن يولد الإنسان في بيت الملوكية، أو بيت السيادة، والمقصود بالحكم أعم من الحكم الوراثي والاستخلافي، وسائر مناصب الدولة حيث إن رأي الفرد - لا الأمة - دخيل في الوصول إلى الحكم، مثلاً ابن الملك يصل إلى الملوكية، ومن يهواه الرئيس ـ من المتملّقين له - يهيئ الرئيس الأجواء لإيصاله إلى الحكم، حيث إن بيد الرئيس الدعاية والمال والسجن، ومن الواضح أن هذه الأمور كفيلة بإيصال مَن يشاءه الرئيس إلى ما يشاء، وهكذا بالنسبة إلى سائر مناصب الدولة.
ولا علاج لذلك إلاّ بأن تكون القدرة موزعة بالأحزاب والصحف والإعلام الحر، حتى يقف القادرون أمام قدرة الرئيس، وحين توزيع القدرة، مع وجود المنهاج الصحيح، لا يكون الناس نهب أوامر الرؤساء، يفعلون ما يشاؤون، تارة باسم (الحق الإلهي)، وتارة باسم (الديمقراطية)، وتارة باسم (أنا ربكم الأعلى).
2 - الخداع، بأن يجتمع جماعة من العسكريين ومن إليهم، ثم يقفزون على الحكم بالسلاح ثم يفعلون مايشاؤون من الانغماس في الملذّات، وقتل الناس، ومصادرة أموالهم، وملء السجون بهم، وخراب البلاد، كما فعله عبد الناصر، وعبد الكريم، وعبد السلام، والبكر، وصدام، وببرك، وأمثالهم من الذين جاؤوا إلى الحكم بالسلاح.
وهذا القسم، كان في الزمان السابق متداولاً بدون الاستعمار، وفي العصر الحاضر يتعارف ذلك بمعونة الاستعمار في قضايا معروفة، ولا تحصد البلاد من وراء أمثال هؤلاء الحكام إلاّ الدماء والخــراب والقتل والحرب والسجن والتعذيب والاضطرابات، والإضرابات، والمظاهرات والثورات.
وقد يأتي الحاكم إلى الحكم وحينما يصل يمهّد الجو لنفسه، ليعمل بعنف يصادر الحريات، ويسلب الأموال، ويملأ السجون، ويحطم البلاد، اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، بتحطيم الكفاءات، واستقطاب الإمعات، ومن الواضح أن الحكم لا يبقى مع العنف، فقد قال علي (عليه السلام): (من علائم زوال الحكومات تقديم الأراذل وتأخير الأفاضل).
والسبب واضح، حيث إن (الإمعّة) لا تأتي منه الإدارة، لعدم كفاءته فيأخذ الحكم في الذوبان حتى يسقط.
ولا يخفى أن صفة حاكم كهذا: أنه يقطع عهده بأصدقائه، ويحاول الانتقام من المحسنين إليه، ويقتل الناس، ويتنكر لعهوده، ويتخلى عن الرحمة، ويسلب أموال الرعية، إما لنفسه إذا كانت له شهوة جمع المال، وإما باسم المشاريع العمرانية أو تحت ستائر أخرى، وترى البلاد في عهده أقرب إلى الشعارات من الحقائق، والكل يسبح بحمده، ويذكرون له ما لا يتصف به، ويحتقرون أعمال الآخرين، إلى غير ذلك من لوازم الفردية.
ولو قرأ الإنسان في العهد البعيد أحوال فرعون وشدّاد، وفي العهد المتوسط أحوال معاوية وهارون، وفي العهد القريب، أحوال أتاتورك وبهلوي وعبد الناصر وستالين وماو، ومن إليهم، لرأى كل ما ذكرناه في أحوالهم رأي العين.
ومن لوازم مثل هذه الحالة، أي يصطف في قبال الحاكم الذي يكون هكذا، ذوو كفاءات ينقصونه، ويذكرون مثالبه، ويهيئون الأجواء ضده، حتى يسقطوه فتمتلئ الشوارع والأندية، والكتب وغيرها بفضائحه وآثامه.
3 - الكفاءة، ولذلك عند الديمقراطيين شرائط خاصة في الحاكم بالإضافة إلى اختيار أكثر الشعب له، أما عند الإسلام فالأمر أفضل، لأن الإسلام يرى من شرائط الحاكم الخوف من الله تعالى، والعدالة، بالإضافة إلى شرائط خاصة فيه، واختيار الأمة له، ومن الواضح أن من يخاف الله في باطنه لا يظلم ولا يتجاوز عن القانون لأجل مصالحه وأهوائه.
أما ما نرى في بعض الناس من أنهم كانوا يخافون الله ظاهراً، ثم يعملوا بالأهواء، فمن الممكن أنهم كانوا يخشونه سطحياً لا عميقاً، فظهر عمقهم عند الوصول إلى الحكم، كما أن من الممكن أنهم انقلبوا (أفإيْن مات أو قتل انقلبتم).
وعلى أي حال، فالجمع في (الحاكم) بين رقابة الله ورقابة الناس أفضل من اشتراط (رقابة الناس) فقط.
اضف تعليق