ما بين الهزيمة والنصر، فارق كبير لا يمكن معرفة حجمه وتأثيراته بالدقة المطلوبة، فالهزيمة تعني الاخفاق بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى وما تجره على الطرف الخاسر من ويلات وخسائر مادية ونفسية وروحية، أما النصر فهو يعني ببساطة، النجاح بكل ما تنطوي عليه هذه الكلمة من معنى وكل ما يتبعها من مؤشرات ومضامين ايجابية في الشقّين المادي والمعنوي، والحقيقة يعزو العلماء المختصون في هذا الامر كلا النتيجتين، الهزيمة والنصر، الى أسباب كثيرة تتوزع على الجانبين المعنوي (الارادة والثقة والشعور بالتفوق والاستعداد التام) والمادي الذي يشمل (السلاح وانواعه، والتدريب، والقدرة على التحمل، وتهيئة مستلزمات القتال كافة)، ولعلنا لا نخطئ عندما نقول إن أي خلل في هذين الجانبين سوف يؤثر في طبيعة النتائج على الارض، ولكن لابد أن نفهم بأن عوامل الضعف والقوة وطبيعة السلاح له تأثير مباشر على النتائج المخطط لها في خوض المعركة، فالضعف لا شك أنه يعمل بالضد من عوامل النصر، ونوع السلاح وكمية العتاد لهما تأثير كبير ايضا على النتائج.
يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي، (رحمه الله)، في كتابه القيم الموسوم (لنبدأ من جديد) حول هذا الموضوع: (إذا كنت في مركز الضعف، وكان عدوّك في مركز القوة، كان هناك عاملان مهمّان لانهيارك، خصوصاً إذا كان البون بينك وبين عدوّك شاسعاً، فكان عدوك يملك كل أنواع السلاح، وأنت لا تملك أياً من أنواع السلاح).
ولا شك أن درجة الاستعداد للقتال لها نسبة كبيرة في التحكم بالنتيجة النهائية للمعركة، بما في ذلك نوع السلاح والعتاد وكمياته، بالاضافة الى العناصر الاخرى التي تسهم بصورة مباشرة في تحقيق النصر او التسبب بالهزيمة، فالضعف أو القوة ينتجان عن طبيعة الاستعداد للمعركة، وهو امر يكاد يكون بديهي.
كما نقرأ ذلك في قول الامام الشيرازي بكتابه المذكور نفسه: لقد (حارب جيشان، فانهزم أحدهما، فسأله الناس عن سبب انهزامه؟ قال رئيس الجيش المنهزم: كان هناك أربعون علّة لانهزامنا، الأول: فقدنا العتاد..فقال السائل: كفى، ولا أحتاج إلى عدِّك بقية العلل والأسباب ـ إشارةً إلى أن فقدان العتاد والسلاح عامل أساسي في الهزيمة)، والواقع أن فقدان السلاح الجيد والمناسب وقلة العتاد له دور أساسي في النصر او الهزيمة، إذ لا يمكن لجيش مهما بلغ من القوة والعدد، اذا لم يكن مسلحاً بأنواع جيدة من السلاح القتالي، فضلا عن الكميات المطلوبة من العتاد بأنواعه كافة، فالخلل في هذا الجانب يعني التسليم بالهزيمة مسبقا.
التمنّي لا يجلب النصر
من القواعد المهمة التي ينطلق منها القادة الميدانيون، هي قراءة الواقع كما هو، ومعرفة حدود القوة المقابلة، ونقاط ضعفها وقوتها، استنادا الى معلومات استخبارية دقيقة قائمة على الدقة التامة، ومن ثم مقارنة تلك القوة مع القوة الذاتية ونقاط ضعفها وتميزها ايضا، أي عقد مقارنة واقعية بين القوتين، حتى تتضح موازين القوى بصورة تامة للقائد، كي يتمكن من ادارة المعركة بصورة دقيقة وناجحة، ولا يجوز إدخال الوهم في هذا الجانب، ولا التمني الذي قد يكون عنصرا مباغتا لصالح الهزيمة، لذلك تعتبر الأماني من أشد الاخطاء التي قد يرتكبها القادة، فضلا عن أن الأماني الفارغة، أي التي لا تستند الى الحقائق تعد من الاخطاء التي تعود بالأذى المؤكّد على من يعوّل عليها، أو يستند إليها في تحقيق النتائج الجيدة.
من هنا يأتي قول الامام الشيرازي في هذا الصدد: (من الأخطاء: الأماني الفارغة ـ حتى في أصغر الأشياء). ولعل واقع المسلمين يبيّن بوضوح أن التمني يشكل عنصرا حاضرا على الدوام في حياتهم، أو حتى في ادارة الصراعات، من دون أن يكون هناك استعداد مادي فعلي للمواجهة، فهناك مسلمون يتمنون كثيرا خارج نطاق ما يحمله الواقع من مؤشرات، فتذهب بهم أمنياتهم الى نتائج كبيرة لا يمكن أن تتحقق من دون جهد كبير وتخطيط مسبق وتوفير مستلزمات النجاح التام والتي لا تعتمد على التمني بل على الفعل الواقعي والقدرة الحقيقية الموجودة على الارض.
وقد أشّر الامام الراحل، هذه الحالة لدى المسلمين، أي حالة التمني الفارغ الذي لا يستند الى الحقائق، فذكر سماحته قائلا في كتابه حول هذا الموضوع: (هناك مسلمون يظنون أنّ الأماني كافية لإنهاضهم، ولذا لا يكدحون إلاّ لأجل ثوب يلبسونه أو طعام يأكلونه أو…، ولكن هل الأماني تكفي؟). بالطبع لا يمكن للاماني ان تكون كافية لتحقيق النصر والنجاح، بل هي سبب رئيس من أسباب الفشل والهزيمة إذا كان الامر يتعلق بمقاتلة عدو يتربص بك، ويحاول ان يلحق بك الهزيمة، فيما تذهب الاماني بعيدا بك، وقد تتوهم النصر من دون قتال حتى؟!.
أسباب النصر ذات طابع كلّي
من الامور التي ينبغي فهمها ومعرفتها بصورة جيدة، بخصوص النصر والهزيمة، أن الاسباب التي تشترك في تحقيق النصر كثيرة ومتضافرة ومتداخلة بعضها مع البعض الآخر، ولذلك لا يمكن لسبب واحد او عنصر واحد فقط أن يحقق النصر المأمول، على سبيل المثال لو كانت القوة القتالية تحمل أسلحة متطورة وأعتدة كافية، فإن الامر المتوقع من هذه القوة هو تحقيق النصر، ولكن السلاح والعتاد وحدهما لا يضمنان النصر، بمعنى هناك اسباب وعوامل اخرى كثيرة لها تدخّل مباشر وغير مباشر في تحقيق النصر، وهذا يعني بالضبط ان النصر لا يتم ولا يتحقق بعنصر واحد، بل يقول الخبراء المعنيون ان اسباب النصر ذات شروط ومستلزمات كليّة مترابطة مع بعضها، على خلاف الهزيمة التي يمكن لأي عنصر أو نقص معين يقود إليها!. وهذا يدل على أن الهزيمة على العكس من النصر، يمكن أن يؤثر في نتيجتها سبب او عنصر واحد، فلو افترضنا أن القوة القتالية مجهزة بأقوى الاسلحة ولكنها مهزوزة من الناحية المعنوية ولا تشعر برغبة واندفاع للقتال، فهل يمكن لها ان تحقق النصر مع قوة تقف بالضد منها على الارض؟؟، الجواب لا يمكن أن يتم ذلك من دون تحلّي المقاتلين بالروح المعنوية العالية التي تدعم قوة السلاح، وتؤثر بصورة كبيرة في نتائج المعركة على الارض.
لذلك يؤكد الامام الشيرازي على هذه الحصيلة عندما يقول سماحته حول هذا الامر بكتابه نفسه (إذاً.. سبب واحد كافٍ لتحقيق الهزيمة.. ولكن لا يمكن تحقيق النصر إلا بتوفر كل الأسباب). من هنا يمكن أن نستخلص بالنتيجة أن ثمة الكثير من الاسباب والعوامل تسهم في تحقيق النصر ولكن الاخفاق ربما يحدث نتيجة لسبب واحد، لذا يتساءل الامام الشيرازي بوضوح قائلا: (هل أن الأسباب منحصرة في بعض الأمور أم في جميعها، أم هناك أسباب أخرى؟). وهذا التساؤل يقودنا الى أهمية العلم، والتنظيم، والقيادة الحكيمة، بمعنى لكي نكون مقاتلين أشدّاء، علينا بالعلم، وسعة الأفق والذكاء، والتدريب، والاستعداد المعنوي والنفسي والمادي، مع توافر العناصر المادي لنا، كالأسلحة والعتاد وما شابه، خلاف ذلك من الصعب او المستحيل تحقيق النصر.
يقول الامام الشيرازي في هذا المجال: (فهب أنّا وحّدنا الجهود، ووفرنا القدر الكافي من أهل العلم، ونظمنا شؤوننا، وسلّمنا الأمر إلى قائد حكيم، ثم لم يكن لنا علم بالحياة، ولم تتوفر لنا الأسلحة الكافية، فهل ننجح؟. الجواب: كلا، إلا إذا أخذنا بسائر أسباب الحياة، وسائر مقومات الرقي والتقدم).
اضف تعليق