q
إسلاميات - الإمام الشيرازي

كيف نطبق قانون السلم العالمي؟

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

إن البشرية والعالم أجمع وعوا أهمية السلام، واتفقوا – وإن اختلفوا مع بعضهم- في قرارة أنفسهم، بأن السلم والسلام هو السبيل الوحيد لمواصلة الحياة، وما عدا ذلك، سيكون سببا في انحدار البشرية كلها في هاوية حرب طاحنة، تلقي بنتائجها المأساوية على الجميع، لذلك فإن الجميع مطالبون بالمشاركة الجادة والمسؤولة...

يصف المراقبون الشرق الأوسط اليوم تبعا لما يجري فيه من تداعيات، بأنه كتلة نار ملتهبة يمكن أن تشتعل في أية لحظة، وقد تشعل العالم كلّه معها، لتزداد احتمالات الدخول في حرب ثالثة عالمية لا تُبقي ولا تذر، كونها ستكون حربا غير تقليدية، بسبب الترسانة النووية الهائلة التي باتت متاحة لقادة (مجانين) أو مرضى، لا يترددون في هوسهم ورغبتهم بتدمير العالم، لمجرد أن مصالحهم تضاربت أو تصادمت فيما بينها.

ولكن الجميع يعرف أن الحوار يمكن أن يحلّ أكثر المشكلات تعقيداً وأشدّها استعصاءً، فلماذا يصعّد بعض قادة الدول نبرة التهديد ضد الآخر، ولماذا يصبح هذا التهديد صانعا لتهديد مقابل في صور مفضوحة لاختبار الإرادات؟ فهل هي معركة أفراد وقادة معدودين؟ أم ستطال نتائجها جميع شعوب ودول العالم؟، ثم لماذا لا يعبأ المتصارعون بنتائج الكارثة التي ستلحق بمن لا ناقة لهم ولا جمل في هذه الصراعات المجنونة؟

الإنسان هو الكائن الأعلى مسؤولية من بين الكائنات في الأرض، وهو المسؤول الأول عن نشر السلام والاستقرار فيها، بل هو مأمور بمهمة زرع السلام في بكل بقعة من بقاع الأرض، ولا تنحصر هذه المسؤولية بالحفاظ على نفسه، بمعنى يتسع نطاق هذه المسؤولية ليشمل حماية الآخرين أيضا من مخاطر الحروب.

الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يؤكد في كتابه الموسوم بـ (الفقه: السلم والسلام) على:

(إن الإنسان ليس مأموراً بحفظ نفسه وسلمها وسلامها فقط، بل مأمور بحفظ غيره وسلمه وسلامه أيضاً).

ومع اتساع الحياة، سواءً من حيث أعداد البشرية التي تجاوزت 7 مليار نسمة، أو من حيث تطور الاحتياجات الغذائية أو الحياتية المختلفة ومضاعفتها، هذا أدى بالنتيجة إلى ازدياد الصراعات بصورة لافتة وبنسبٍ كبيرة وغير مسبوقة، وقد وعى قادة العالم ومفكروه هذه الحقائق جيدا.

فصاروا يرددون مفردتيّ السلم السلام في جميع المحافل والمؤتمرات، كما أدرك الجميع ما تمثله الحروب من مآس، فصار الإعلام والندوات والمناسبات المختلفة، تركز على وجوب دعم السلام والاستقرار في جميع أنحاء العالم، وجعله حقيقة ثابتة وهدفا لا يجوز التنكّر له، تحت تبريرات واهية كما يحدث مع اختبار الإرادات وهي حجة واهية.

نلاحظ ذلك في قول الإمام الشيرازي:

(السلم والسلام كلمة ترددها الألسن في المحافل الصغيرة والكبيرة، الدولية والمحلية، خصوصا في هذا العصر الذي تقدم في علومه وحضارته، كما تقدم في أسباب التناحر، فإن الحياة حيث صارت ضيقة إلى أبعد الحدود).

محاولات الاستحواذ والهيمنة مستمرة

ولكن لا تزال صراعات (الأنا) تفرض نفسها بقوة على المشهد العالمي، فتبرز الصراعات والمضاربات بين حين وآخر، بسبب حب الذات ومحاولة الاستحواذ على المغانم، والسعي بكل السبل للتخلص من الشر وإبراز العضلات، وهذا ما قاد دول العالم إلى حدوث تصادمات هائلة، فحدثت الحروب والمظاهرات والثورات، وتعددت الأسباب التي تجعل من العنف سائدا في عموم العالم.

أمر مؤكد أن يفرض العنف نفسه بقوة على الطابع العام للمعمورة، طالما أن القادة يفكرون بهذه الطريقة الجوفاء، فالكبار يريدون كل شيء لهم، ولا تعنيهم الشعوب والدول الضعيفة أو الأقل قوة، والأخيرة تسعى للتكشير عن أنيابها في محاولة للحصول على حقوقها، هذه هي معايير ومؤشرات النظام الدولي الذي يحكم العالم اليوم، فأين يا تُرى مسحة التعقّل والحكمة لدى القادة؟

يقول الإمام الشيرازي في تفسيره لهذه الظاهرة العنفية:

(لأنّ الكل يريد كل الخير لنفسه ويريد إبعاد كل الشر عنها، تصادمت المصالح في إرادة الاستحواذ، وفي هذا الإطار تنشأ الحروب والثورات والإضرابات والمظاهرات وأسباب العنف).

ولعل المؤشرات الدالّة على مشكلة البشرية بخصوص خطر الحرب وخصوصا في الشرق الأوسط، تتجسد بكثرة المطالبات بالسلام عبر وسائل الإعلام المختلفة التي باتت تصل إلى أبعد نقطة من العالم، وحين تشتد المطالبات بفرض السلام والتمسك به، كما يحدث اليوم في الشرق الأوسط، فهذا دليل قاطع على خطر الحرب التي تلوح في الأفق.

وهذا بالطيع يشير بقوة إلى فداحة المأزق الذي تعاني منه البشرية نتيجة لازدهار نبرة الحرب، وابتعاد أو اضمحلال فرص السلام، وهو ما يعني دخول الشرق الأوسط والعالم في نفق مظلم له بداية، ولكن قد لا تكون له نهاية سوى الدمار الشامل للمعمورة.

هل نحن نبالغ في رسم المشهد الشرق أوسطي والعالمي بهذه الصورة المخيفة؟، إن كل من ينظر بعيون ثاقبة وبصيرة متمرسة وذكاء متخصص، سوف يصل إلى ما وصلنا إليه من إن العالم يقف على حافة الهاوية، وقد يبدأ هذا الانحدار من منطقة الشرق الأوسط التي يدور فيها اليوم صراع أجوف يتم فيه استعراض قوة لا يمكن للعاقل أن يجد له أي تبرير سوى داء العظمة الذي يصيب بعض القادة المجانين.

الحاجة إلى تطبيق قانون السلم العالمي

يقول الإمام الشيرازي عن ذلك:

(كلما اشتد البحث عن السلم والسلام في الوسائل الإعلامية وغيرها، وعلت الأصوات في ترويج كلمة السلام وتكرارها، ربما دل ذلك على مدى مشكلة البشرية ومعاناتها وصعوبة الوصول إلى السلام وتعقد مسالك سبلـه وضياع معالمه).

هذا الواقع الشرق أوسطي العالمي المتأزّم، يبيّن لنا بجلاء كم يحتاج عالمنا اليوم إلى تطبيق قانون خاص وعادل لمفردات السلم والسلام العالمي، هذا القانون يمكن أن يكون هو السفينة أو القارب الوحيد القادر على إنقاذ العالم من طوفان الحرب القادم، لذلك يجب أن يوضع هذا القانون في بنود وخطوات ومضامين عادلة، تحفظ لجميع الأمم والشعوب والدول حقوقها، وتبعد عن البشرية شبح الحرب الذي يتربص بها، خصوصا ما يحدث اليوم في منطقة الشرق الأوسط.

نقرأ ذلك في كلمات الإمام الشيرازي الواضحة حيث يقول:

(من هنا تتضح الحاجة إلى تطبيق قانون السلم والسلام ومعرفة مقوماته في مختلف مجالات الحياة).

إن البشرية والعالم أجمع وعوا أهمية السلام، واتفقوا – وإن اختلفوا مع بعضهم- في قرارة أنفسهم، بأن السلم والسلام هو السبيل الوحيد لمواصلة الحياة، وما عدا ذلك، سيكون سببا في انحدار البشرية كلها في هاوية حرب طاحنة، تلقي بنتائجها المأساوية على الجميع، لذلك فإن الجميع مطالبون بالمشاركة الجادة والمسؤولة عن إخراج العالم من المأزق الذي يحيط به اليوم وينشب أنيابه فيه كي يجعله ينزف دماءه حتى الفناء التام، وهذا سوف نلاحظ أن لا أحد في العالم كله كسب شيئا، حتى من يعتقد أنه المنتصر في الحرب، سوف يكتشف يعد فوات الأوان بأن الحرب قد قادته إلى الهاوية التي ما كان يتوقع آثارها ومآسيها وخسائرها.

هذه الأسباب والنتائج، يجب أن يدرسها الجميع قبل وقوعها، فما فائدة أن تحصد التجارب بعد أن يقع الفأس في الرأس، الفائدة تكمن في وضع الخطوات الحكيمة وتنفيذها، وهذه الخطوات تبدأ بتطبيق قانون السلم والسلام العالمي الذي يجب أن يحفظ في بنوده وخطواته، السلم في جميع بقاع العالم، وهذه حاجة فعلية وعى الجميع الحاجة لها، لكن علينا أن نحرص على تطبيقها وليس التشبث بها لفظيا فقط.

يقول الإمام الشيرازي:

(في هذا العصر بالذات التفت الإنسان إلى ضرورة البحث عن السلم والسلام، وصار الشغل الشاغل للناس في وسائلهم الإعلامية وغيرها، ومدارسهم الخاصة ومدارسهم الدولية، فصاروا يتكلمون في الشرق والغرب عن السلم والسلام).

هكذا يمكن أن يصل قادة العالم - لاسيما بخصوص أزمات الشرق الأوسط - إلى نتائج تبعد الجميع عن حافة الهاوية، أما ما يحدث الآن، فكما يبدو إننا نقترب كثيرا من حافة الانحدار، لهذا على جميع الأطراف أن تتخذ الخطوات الصحيحة عبر حوار صحيح، لتجنيب الشرق الأوسط والعالم مأساة حرب جديدة طاحنة.

اضف تعليق