تعد الموضوعات التي طرحها السيد الشيرازي في (فقه الإقتصاد) مخرجات للبنية الإجتماعية الإقتصادية من جانب، والفكر الإسلامي من جانب آخر، بعد أن كانت المدخلات مجموعة الأفكار النظرية العامة التي طرحها السابقون، وربما استطاع إعادة صياغتها في نمط مختلف ففي مسألة يناقش لزوم تساوي الناس في الفرص...
يبحث الإمام محمد الحسيني الشيرازي في كتابه المتخصص (فقه الاقتصاد) بجزئيه الأول والثاني موضوعات متخصصة ومتنوعة، ابتداءً من مفهوم الإقتصاد في اللغة والإصطلاح، إلى الإقتصاد موضوعاً، وحكماً وفلسفة، ثم يستعرض في رؤيته في المسألة (5) بتساؤل مهم قوله: (هل يمكن تطبيق الإقتصاد الإسلامي؟) وفي المسألة التالية (6)، يناقش الإشكال على تطبيق الاقتصاد الإسلامي وجوابه، ثم يشير إلى اهتمام الإسلام بالإقتصاد.
يناقش الإمام الشيرازي موضوعة الإقتصاد بمعناه اللغوي والتعريفات المتعددة بقوله: يشمل كل توسط في المسير لا يرتبط أحياناً بالعيش كالشرط في العبادة، وإن كان ربما يقال ان بينهما عموماً مطلقاً لأعمية العيش من الاقتصاد بمعناه الاصطلاحي.
ويطرح الإمام الشيرازي أيضاً تعريفات منقولة عن القدماء وعن علماء الغرب والشرق، فبعضهم عرف الإقتصاد: بأنه المبادلات والمعاملات المربوطة بالمال، وبعضهم عرّفه بأنه كيفية التحصيل والتوزيع للثروة، وبعضهم عرفه بأنه ما يحتاجه الإنسان في حياته من ما يقيم جسده من محصولات الطبيعة أو العمل، وبعضهم عرفه بأنه علم الثروة، إلى غير ذلك.
ثم يستطرد في عرض ما أمكن من نشأة تاريخ الإقتصاد قديماً، والى يومنا الحاضر، ويطرح التوسع الحاصل في الإقتصاد بما لم يكن له مثيل في الأزمنة السابقة، ثم يطرح أسس كل بحث إقتصادي بأمور أربعة هي: (الملكية)، و(العمل)، و(رأس المال) و(الإدارة)، وعلى هذا فاللازم التحقق منه في أمثال هذه المسائل وما يتبعها من الأمور(1).
ثم يناقش في المسألة (8) اهتمام الإسلام بالاقتصاد أيما اهتمام، وقد ألف فقهاء الإسلام مستنبطين من الكتاب والسنة والإجماع والعقل كتباً متعددة أمثال كتاب التجارة والإجارة والرهن والمضاربة والمزارعة والمساقات والقرض والهبة والإرث والشفعة والصلح والجعالة والوديعة والشركة والحجر والضمان والحوالة والوكالة والكفالة والصداق والوقف والوصية والكفارات والأطعمة والصيد والعتق والديّات، كما انه يربط الإقتصاد أيضاً بفروع أخرى ومؤلفات أخرى بقوله: كما أن الإقتصاد يتفرع على بعض الكتب الأخرى أمثال النذر والعهد واليمين والخلع والنكاح (حيث المهور) إلى غير ذلك.
وقول أيضاً أن أمثال هذه الكتب المذكورة المدونة تستأثر بأكثر من ربح فقه الإسلام، والمسائل المدونة المرتبطة بهذه الكتب أكثر من مئة ألف مسألة.
إن رأي الإمام الشيرازي في قوة دعائم الإسلام وقدرته الفائقة على معرفة النفس الإنسانية جعله لأن يحرض ويشوق الناس إلى العمل والإجتهاد في الكسب بما لا مثيل له في دين أو قانون ويورد قول الله سبحانه وتعالى: (وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) (التوبة: 105)، ويورد أيضاً طائفة كبيرة من روايات آل البيت تناولت مختلف الشؤون الاقتصادية.
تعد الموضوعات التي طرحها السيد الشيرازي في كتابه المتنوع (فقه الإقتصاد) مخرجات للبنية الإجتماعية -الإقتصادية من جانب، والفكر الإسلامي من جانب آخر، بعد أن كانت المدخلات مجموعة الأفكار النظرية العامة التي طرحها السابقون، وربما استطاع إعادة صياغتها في نمط مختلف تماماً عما سبقه، ففي مسألة (9) يناقش لزوم تساوي الناس في الفرص بقوله: اللازم الاهتمام التساوي الناس في الأمور الإقتصادية، فإن الناس من أب واحد وأم واحدة، وأكرمهم اتقاهم، واللازم ان يحب الإنسان لغيره ما يحب لنفسه، ويطرح نظرته في تقسيم المال في ثلاثة أمور:
الأول: إعطاء موظفي الدولة حقوقهم العادلة حسب الكفاءة ونحوها.
الثاني: إعطاء المحتاجين بقدر حاجتهم -وفي هذين الأمرين لا تساوي-.
الثالث: إعطاء الناس من العطاء مجاناً بالقدر المتساوي(2).
ويطرح في مسألة (10) فكرة التساوي في الإقتصاد الإسلامي بقوله: يعرف الإنسان الناحية الإقتصادية وأنه كيف يمكن رفع المستوى الإقتصادي في مجتمع متأخر؟ وكيف يمكن للمجتمع الإستفادة من كل القدرات والطاقات المعطلة في المجتمع، سواءً القدرات الإنسانية أو الطاقات الكامنة في الأرض والماء والغابات وغير ذلك.
ويناقش فكرة ارتفاع المستوى المعاشي والإقتصادي في مجتمع ما، وما هو الهدف من الارتفاع؟ ومدى التأثير لهذا الإرتفاع في الأوضاع الإجتماعية والأخلاقية والدينية؟ وأي أضرار تنجم عن هذا الإرتفاع من حيث الإقتصاد؟ وستكون حتماً رفاهية كطبقة كبيرة من المجتمع، وربما يصاحبها انحطاط الأخلاق وتردي وضع الديانة، لأن (الإنسان ليطغى أن رآه استغنى) (سورة العلق: 6)، ولأن المترفين من طبيعتهم الكفر والجحود والانغماس في الملذات.
إذن الإمام الشيرازي يناقش انعكاس النمو الإقتصادي والتضخم على سلوكيات الأفراد وعلى القيم والمعتقدات الدينية، مستنداً في ذلك إلى كتاب الله، فالثروة والمال والغنى الزائد عن الوضع الطبيعي من المحتمل أن يغير صاحبه، ويعقب بقوله: (ولذا ذم الله سبحانه وتعالى أن يكون المال دولة بين الأغنياء، حيث يستشهد بقول رسول الله(ص): (الفقر فخري) (3) وذم الله المترفين، حيث قال سبحانه وتعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ)(سبأ: 34).
ويمضي الإمام الشيرازي في مناقشته إلى اعتماد فكرة نقيض الغنى من وجهة نظر إسلامية بقوله: ولذا يذم الإسلام الفقر في حال أنه يذم الغنى أيضاً، فقد ورد: الفقر سواد الوجه في الدارين (4).
ثم يورد أفكاراً تشمل الجانب المادي (الغنى)، والجانب المعنوي (العلم) والجانب الوظيفي (الرئاسة)، ويقترح أن تكون بدون آفة، ويقترح أيضاً على الغني والعالم والرئيس أن يواظبوا، أن لا ينهاروا ويسقطوا في حمأة آفة هذه الأمور، حيث يسبب ذلك ذهاب دنياهم وآخرتهم(5).
ويستمر الإمام الشيرازي في مناقشة إشكاليات الاقتصاد المعاصر ووضع البرامج العلاجية لها من خلال عدة مسائل طرحها، ففي المسألة (11) يطرح فكرة التنافيان في عالم الاقتصاد مما أدت إلى بؤس البشر، وفي المسألة التي تليها يطرح الإمام العلاج المنحرف للاقتصاد المنهار بقوله: لقد حدثت مشكلة اقتصادية كبرى في العالم المعاصر، وهي: أن ثروات العالم انحصرت في أيدي قليلة، بينما أكثرية البشر تعاني من آلام الفقر وعدم القدرة حتى على الحاجات الأولية.
ويتوصل سماحته إلى نتيجة مفادها: أن المال صار دولة بين الأغنياء من أهل العالم، وقد تبع ذلك مفاسد جمة من السرقة وبيع النفس للذة في الرجال والنساء وليسدوا جوعهم والاتجار والعصابات والحروب والإضطرابات والمظاهرات وغيرها، مما جعلت العالم ساحة كبيرة للإنحراف، بالإضافة إلى كثرة الأمراض النفسية والعصبية وتفشي القلق والأمراض الجسدية التابعة لسوء التغذية، وغير ذلك.
ويستطرد السيد الشيرازي في عرض الإشكاليات بقوله: لقد بين علماء الغرب والشرق غالباً في علة حدوث هذه المشاكل كلاً أو بعضاً أموراً بعيدة عن الواقع، فقال بعضهم: إن العلة في الفقر وما نجم عنه من الأعراض والأمراض هي قلة موارد الأرض مع كثرة البشر، وقال آخرون: إن المشكلة نشأت من زيادة البشر، فاللازم تقليله بأمرين:
الأول: الحروب المبيدة لكميات كبيرة حتى يبقى القدر الملائم لمقدار الثروة.
الثاني: تحديد النسل بما لا يكون معدل الولادات الجديد أكثر من معدل الأموات.
بينما يطرح قوم آخر: ليس لنا أن نهتم لمعاناة كثير من البشر من الجوع والحرمان، وأي وجه لهذا الإهتمام.
ثم قال الملحدون من هؤلاء القوم: إن ذلك من غلط الطبيعة التي لا تفهم وجوب الكفاءة بين أفراد البشر وبين موارد الطبيعة، وهل للإنسان أن يهتم بغلط الآخرين؟
وتطرح فئة أخرى الأسباب بقولها: إن هذا الاختلاف نتيجة طبيعة العالم الصناعية، حيث سرعة الحركة والانتاج، والسرعة توجب أن تكون هناك قلة رفيعة بيدها وسائل الإنتاج والثروة لتتمكن من الإنتاج السريع والتقدم العلمي والفني، ومن المعلوم أن التقدم بحاجة إلى المليارات، ولو لم تكن المليارات، كيف تتمكن البشرية من غزو الفضاء.
ويبدي الإمام الشيرازي رأيه بإعادة جديدة لصياغة السؤال بقوله: من اللازم أن يوجه السؤال هكذا: هل أن الموارد الموجودة في عالم اليوم كافية للبشر الموجود اليوم؟، فإذا كان الجواب (الكفاية) يأتي سؤال آخر، هو فمن أين حدثت هذه المشكلة؟ وما هو علاجها؟ ثم نقول: إذا اخترنا الشق الأول: وهو أن الموارد كافية لعدد البشر الموجودين الآن، يأتي سؤال ثان، وهو هل أن الموارد تكفي لبشر المستقبل مهما كثروا أم لا تكفي إطلاقاً إلا (للبشر الحالي) أم أنها تكفي لعدد خاص أكثر من البشر الحالي.
فالجواب يصيغه بقوله: من غير المشكوك فيه أن الموارد الموجودة داخل الأرض تكفي للبشر الحالي كما يدل على ذلك إحصاء الثروة وإحصاء الأفراد، والمشكلة إنما حدثت من الإفراط في جانب والتفريط في جانب الثروة. والطاقات التي يجب أن توزع وتستخرج صارت على أقسام:
الأول: عدم الاستخراج في جانب.
الثاني: سوء التوزيع في جانب ثان.
الثالث: التخريب في جانب ثالث.
وعلى هذا، فسوء التوزيع زاد في المشكلة بعد المشكلة الأولى (وهي عدم الاستخراج لبعض الثروة) والمشكلة الثالثة، فهي التخريب، فإن قسماً كبيراً من الثروة تصرف في التخريب مثل صنع الأسلحة والإسراف والتبذير والتجمل الفارغ والمباهات وما إلى ذلك.
لذا:
1- أكد الإسلام على العمل واستخراج ما سخره الله للإنسان من كنوز الكون.
2- أكد على عدم كون المال دولة بين الأغنياء.
3- أكد على أنه لا ضرر ولا ضرار (6).
أما في ما يتعلق بالسؤال الثاني: وهو أنه أي قدر من البشر في المستقبل تكفيه موارد الأرض؟ وإذا زاد عدد البشر عن ذلك، فماذا يصنع بالزائد؟.
فيجيب بقوله: أنه لا ينبغي الإشكال في أن الموارد الممكنة في الأرض محدودة، وأن البشر قابل للنمو بما يزيد عن هذه الموارد، ولنفرض أن الموارد قابلة لكفاية مئة ضعف من البشر الحالي، وواضح أن البشر يتصاعد بالولادة تصاعداً هندسياً لا حسابياً، وعليه فإذا وصل البشر إلى ما لا يكفي للموارد لأكثر من ذلك العدد، كان اللازم التوقف في الإنتاج البشري، إذا لم يوجد مورد جديد يستخرجه العلم ولم يتمكن البشر من الوصول إلى سائر الموارد الكونية الموجودة.
ويطرح الإمام الشيرازي علاجاً بقوله: أما حساب موارد الأرض وطرق كيفية استخراجها، وكيفية تقسيم الموارد بالعدل، بأنها تكفي لأي قدر من البشر فلها مدارس خاصة لا يهم التعرض لتفاصيلها في البحث الإقتصادي الذي نحن بصدده.
ويستمر الإمام الشيرازي طرحه لأهم معضلات الإنسان في التملك والكسب والعمل والثروة فيطرح في المسألة (13) مالكية الإنسان بقوله: إن مالكية الإنسان في طول مالكية الله تعالى، ومن الممكن أن يكون هناك مالك آخر، لأن الملك أمر إضافي، ولا بأس بتعدد الإضافات.
وفي المسألة التالية (14) قول السيد الشيرازي: إن الله فوض الملكية المحدودة للإنسان لكل شيء، في حدوده الإسلامية المقررة، وقد يزعم بعض الناس أن الإسلام لم يقرر الرق أو قرره مرحلياً لمدة محدودة حتى يلغى تلقائياً، وذلك لاستحالة أن يقرر الإسلام الشيء المخالف للعقل، أو لأن الإسلام دين التحرير والتحرر (7).
ويناقش الإمام الشيرازي في المسألة (22) الملكية بين الإفراط والتفريط، بقوله: أن الملكية غريزية، وإنكار ذلك في الإنسان الأول يساومه إنكار سائر غرائزه، والمنع إذا وصل إلى البديهي لم يمكن له الإستدلال، فهو إذا منع أحد كون الإنسان الأول كان ذا حب وبغض وشهوة وحب ذات، إلى غير ذلك.
وقوله: (إن المال الزائد مثله، مثل السلاح، والحاكم والعلم والحرية إنْ أُطلقت أوجبت الفساد، وإلا فلا تلازم عقلي بين الأمرين، فاللازم المنع عن الفساد لا عن أصل الأمور المذكورة، ولذا فالقول الوسط هو القول بالملكية، حيث يلزم القول بملكية الإنسان بقدر فكره وعمله بالشروط المقررة(8).
ويطرح الإمام الشيرازي رأياً اقتصادياً في توزيع المال بقوله: المال يكون في قبالة خمسة أشياء: العمل الجسدي، العمل الفكري، المواد، العلاقات الإجتماعية، وشروط الزمان والمكان وما أشبه، ويفصل ذلك بقوله:
أما الأول: وهو العمل الجسدي، ويناقش منه وجه استحقاق العامل للأجر وقدر استحقاقه لذلك الاجر، وحجم إنتاجه، وهل كل إنتاجه له أو بعضه، وما قدر ذلك البعض؟.
وأما الثاني: وهو العمل الفكري، ويتعلق بما يلي:
أ) قيمة الفكر.
ب) أفضلية الفكر عن العمل.
ج) قيمة الفكر بعضه إلى بعض.
الثالث: وهو المواد الأولية، فيقول: الإنسان المستحوذ على المواد الأولية له تلك المواد وله أن يأخذ المال في قبالها.
الرابع: وهو كون المال في مقابل العلاقات الإجتماعية، والعلاقات الإجتماعية على قسمين:
القسم الأول: ما كانت العلاقة صداقة ونحوها، وهذا يوجب الضيافة والهدية والهبة والصلة والوقف والنذر المالي، والصدقة، والوصية، وما أشبه ولكن يشترط في صحة ذلك ستة أمور:
الأول: أن لا يكون لإحقاق الحق.
الثاني: أن لا يكون لإبطال الباطل.
الثالث: أن لا يكون لإبطال الحق.
الرابع: أن لا يكون لإحقاق الباطل.
الخامس: أن لا يكون سرقاً من المعطي.
السادس: أن لا يكون فوق شأن الآخذ.
أما القسم الثاني: فهو فيما إذا كانت من جهة القرابة كالإرث، فإن الإنسان إنما يرث نتيجة عمل غيره لأمور:
الأول: في الغالب أن الوارث سعى أيضاً في تحصيل الإرث، لأن العائلة يسعى بعضهم لبعض بحكم اتصالهم ووحدة دارهم ودكانهم وبستانهم.
الثاني: لأن المُورّث يريد ذلك فهو كالقسم الأول، فإن المورث يريد أن يعطي سعيه لغيره، فالمقتضى أن له سعيه، وأنه يحق له أن يعطي سعيه للوارث.
الثالث: غلبة فقر الوارث مما يوجب أنه إذا أخذت الدولة الإرث، كان اللازم عليها إدارة الورثة.
الرابع: أنه إذا قرر أخذ الدولة للإرث، لم يكن للعامل الشوق (الدافع) الكافي في عمله.
الخامس: إن معنى أن تأخذ الدولة الإرث أخذها الضرائب بغير عدالة.
وأخيراً خامساً: شروط الزمان والمكان، الذي وصفه سماحته بقوله كون المال في قبالة شروط الأمان والمكان وما أشبه.
ويناقش الإمام الشيرازي في المسألة (31) الملكية الفردية في الإسلام بقوله: لا إشكال في أن الإسلام أقر الملكية الفردية، كما أقر إلى جانب ذلك الملكية الجماهيرية، والظاهران مالكية الإمام أيضاً صورة أخرى من صور المالكية الجماهيرية.
وبهذا فإن الإسلام يفرق بين منهجي الرأسمالية والإشتراكية الوضعية، فالأول: الرأسمالي يجعل الأصل، الملكية الفردية والملكية الإجتماعية استثناء لما تقدم من أن الأصل عندهم: (دعه يعمل دعه يمر).
والثاني: الاشتراكية والشيوعية، يجعل الأصل الملكية الإجتماعية، والملكية الفردية استثناء، لكن الإسلام يجعل الأصل كلا الأمرين الملكية الفردية في مكان، والملكية الاجتماعية في مكان آخر، ويعرض آراء (الإشتراكية) حول الملكية الفردية بقوله أما (الإشتراكية) فإنه تخصص الملكية الفردية بغير المنابع العامة والملكية الاجتماعية بالمنابع العامة، وليس هذا كالإسلام، إذ التخصيص غلط، كما تقدم في نقد المنهج الاشتراكي.
ويبحث الإمام الشيرازي مسألة مهمة في حق التملك قوله: (كل شيء خلقه الله في الكون قابل لأن يملك، بالشروط المقررة للملك كالحيازة في المباحاة، إلا ما استثنى وهو أمران:
1- ما استثنى الشريعة قابلية للملك.
2- بعض أقسام الأرض، وهي ما كان ملكاً للإمام أو لعامة المسلمين فهما وإن كان ملكاً في الجملة، إلا أنهما ليستا قابلتين للملكية الفردية بالحيازة ونحوها.
ويناقش الإمام الشيرازي شروط تملك الأرض بشرطين هما:
الأول: أن يكون الإنسان محيياً لها بنفسه، فالإحياء بالإستيجار ونحوه لا يسبب ملكية المستأجر، بل يملكها المحيي.
الثاني: أن لا يكون القدر المحيى من الأرض زائداً على حاجته، وفي كليهما نظر(9).
ويبحث الإمام محمد الحسيني الشيرازي في كتاب (فقه الاقتصاد) بجزئه الثاني مسائل متعددة ومتنوعة تتراوح من حال الأراضي في الوقت الحاضر إلى مسألة (40) التي تبحث في أقسام المال الذي يتحصله الإنسان وقوله: المال الذي يتحصله الإنسان قد يكون بدون عمل، وقد يكون بعمل، والذي يحصله بدون عمل قد يكون من باب التكامل كالخمس والزكاة التي يحصل عليهما الفقير، وقد يكون من باب أن صاحب المال أراد ذلك، كالإرث والوصية والنذر والصدقة والوقف والهبة، أما الذي يحصله بعمل، قد يكون بعمل فردي، وقد يكون بعمل غير فردي، والعمل الفردي قد يكون عملاً سيئاً أوجب المال للصرف كالديات والضمانات، وقد يكون عملاً حسناً عمله لربح نفسه وربح من وراءه، كإحياء الموات والصيد وحيازة المباحات.
ويطرح بعض أسس الأوضاع المالية على وفق التشريعات الإسلامية بقوله: (ومن التشريعات الإسلامية، التشريعات المالية، ولذا جعل الخمس والزكاة، وجعل الخمس ثابتاً، والزكاة مختلفة، وجعل مصرف الخمس شيء، ومصرف الزكاة شيء آخر (10).
ويشير الإمام الشيرازي إلى مبحث خاص يتعلق بشؤون بيت المال بقوله: ثم إنه يمكن أن يشكل الآن بيت المال، لا كونه وزارة الإقتصاد والمالية لأنها لشؤون الموظفين ونحوهم، بل مؤسسة مستقلة تابعة لولي الأمر، ويكون له فروع في البلاد لجمع المال وتوزيعه حسب المقررات الشرعية في الجمع والتوزيع، فإذا زاد عن حاجات المنطقة أرسل إلى بيت المال المركزي، وإذا نقص عن حاجات المنطقة أخذ من المركزي، ويقوم هذا البيت بالإضافة إلى ذلك بأمرين آخرين:
الأول: قبول الودائع المالية بدون إعطاء ربا، بل بصورة القرض إلى البيت ليصرفه هو في إقراض المحتاجين بدون ربا أو بصورة المضاربة ليصرفه هو في إعطاء الطالبين بصورة المضاربة أو ليقوم هو بالمضاربة، وإذا ربح من وراء المضاربتين كان الربح لبيت المال، وإذا خسر من ورائهما كانت الخسارة على بيت المال.
الثاني: قبول الودائع الوقتية بعنوان الوديعة والعارية ليعطي المال في وقت طلب صاحبه فيكون كالجاري في البنوك الحاضرة.
ويبحث الإمام الشيرازي مقومات الإقتصاد السليم في فقه الإقتصاد، الجزء الثاني تحت عنوان مسألة (4): الإنسان في حالة الخوف لا ينتج حيث أن فكره مشغول فينصرف بدنه عن الإنتاج، والمعنويات إذا كانت منهارة لأجل اليأس ونحوه لم يتمكن الإنسان من الإنتاج، ولذا نرى أن الشعوب الواقعة تحت الإستعمار المباشر، كشعب فلسطين لا ينتجون شيئاً.
ويقول الإمام الشيرازي: أن من الأمور المهمة في أصل الإقتصاد وفي الرشد الاقتصادي توزيع الأعمال كماً، وملاحظة الكيف في إسناد الأعمال الموزعة إلى الأفراد(11).
ويناقش في مسألة (13) البنك التجاري والبنك وماهية عمله، وسياق تعامله بقوله:
البنك مؤسسة لها أنشطة خاصة في الأمور النقدية عيناً أو اعتباراً والفرق بين هذه المؤسسة والمؤسسات المالية الأخرى أن البنك له شخصية قانونية، ولذا فهي مضطرة إلى اتباع قوانين وضوابط خاصة تضعها الدولة له، وليس كذلك المؤسسات المالية الأخرى، وعلى هذا فالبنك يحتوي على ثلاثة أمور:
1- الضوابط القانونية، الدولة الإسلامية لها الحق في جعل هذه الضوابط لأجل مصلحة المسلمين.
2- الربا الذي تتعاطاه البنوك، وهذا حرام أخذاً وعطاءاً، وإن كان بعنوان أنه أجرة المحل والكتاب وما أشبه.
3- سائر الأعمال من حوالات وكفالات وغيرها والكل جائز، إذا لم يكن خلاف ميزان إسلامي مثلاً لا يحق للبنك المعاملة المجهولة.
ويستمر الإمام الشيرازي في عرض مباحث فقه الإقتصاد تحت عناوين متخصصة في مجال الصيرفة والبنوك وتقسيماتها مثل البنك المركزي، والبنك التجاري، ودور البنك المركزي في المحافظة على توازن النقد وقوته، مع المقارنة بين دور البنوك في القانون الرأسمالي، وكيف يتحكم في الإقتصاد، وكيف يكون البنك شرعياً، مع عرض لأوراق النقد وأخطبوط البنك، مستعرضاً أيضاً في مسائل أخرى الرقابة الحرة، ودور الدعم في ارتفاع وانخفاض الأسعار، مع عرض نظرية الإسلام في فروع التضخم، وتحليل لأسباب التضخم، كذلك يناقش في مسألة (22) الأزمة الإقتصادية، ومدى ارتباطها بالدكتاتورية، وكيفية معالجتها.
اضف تعليق