العقيدة تعني أن يعتقد الانسان بمبادئ وأفكار معينة، ويؤمن بها، وهذا يعني أنه إنسان مؤمن بفكر ومبادئ معينة، وفي هذه الحالة، أي عندما يعقد الانسان علاقة بينه وبين (العقيدة، الفكر، المبادئ)، سوف يتحول الى (الهدفية)، بدلا من التيه والضياع، ففي هذه الحالة أصبح له هدفا واضحا يؤمن به ويسعى للالتزام بكل ما يقوده الى تحقيقه.
من هنا تنبثق أهمية العقيدة، ويتصاعد دورها في بناء الانسان، وتحويله من اللاشيء الى الجدوائية، وقد كتب كثير من الفلاسفة والمفكرين نظريات وبحوثا وآراء في هذا المجال، وبذلوا محاولات جادة للتصدي لحالات التيه والضياع التي يعاني منها الانسان بصورة عامة، والشباب على وجه الخصوص، بسبب حساسية هذه المرحلة العمرية، والتكوين البايولوجي والنفسي لهم في مرحلة الشباب، لذلك عندما يكون الشاب بلا عقيدة وهدف، فإنه سيكون عرضة للاستغلال الفكري والعقائدي من لدن المتصيدين، لاسيما من طلاب المال والشهوات، وقد حدث مثل هذا الاستغلال بصورة فعلية للشباب المسلم.
كما نقرأ ذلك في الكتاب القيّم الموسوم بـ (الشباب) لمؤلِّفه الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، إذ يقول سماحته في هذا الصدد: (لقد استغل جماعة من الصيادين ومن طلاّب المال والشهوات، قدرات الشباب واخذوا بأزمَّتهم، فأوردوهم موارد الاستعمار ومناهل الفساد والانحلال).
وقد حدث هذا بالفعل بالنسبة لشبابنا، في حقب وأزمنة عديدة، وفي ظل أنظمة سياسية، إما كانت تابعة للأجنبي أو أنها ذات نفس تسلطي قمعي، فسلبت من هذه الشريحة مجمل حقوقها وفرصها في التطور، واستغلتها ابشع استغلال، مأمورةً بتعليمات وأوامر أسيادها، أو مخافة الفكر المتوقد للشباب لسحب بساط السلطة من تحت أقدامها، فالوعي وعمق العقيدة وتنوير العقل للشباب، كلها تشكل عوامل تهديد للسلطة، وهذا بالضبط ما يفسر، أساليب (إلهاء) الشباب بصغائر الامور، واللهو، وتشجيعهم على الانحراف، وإهدار قيمة الوقت، وبث روح التكاسل في نفوسهم وعقولهم، كل هذا وغيره من وسائل تدمير الشباب، لجأت إليه الحكومات العميلة والقمعية.
لذلك وكما يقول الامام الشيرازي (هناك مسؤولية كبيرة على عاتق الجميع) لمعالجة أزمات الشباب، والعمل الدائم والجاد على تقليص معاناتهم، وزيادة (الثروة العقائدية) لديهم، حتى تحميهم من الانزلاق في المحظورات، وهي كثيرة، في ذلك الزمن، فكيف اصبح حجمها اليوم وانواعها في ظل الانفتاح الاعلامي على العالم أجمع؟!.
أزمات الشباب!!
من هنا يعاني شبابنا من فراغ فكري، يدفع بهم نحو المجهول، لاسيما في ظل الاهمال الذي تبديه الجهات الرسمية لهم، الامر الذي يضاعف من أزماتهم، ويجعل منهم لقمة سائغة بأيدي المتصيدين، الذين يهدفون الى تدمير طاقات الشباب، من خلال خلق الفوضى وصنع المشاكل المتناسلة على مدار الساعة، وهو أمر يعيدنا دائما، الى اهمية تحصين الشباب بالعقيدة والفكر الذي يكون قادرا على حمايتهم.
أما في حالة بقاء حالة اللامبالاة في التعامل مع قضايا الشباب من لدن الجهات الرسمية المعنية بشؤونهم، فإن ذلك من شأنه أن يجعل من أزمة الشباب مستدامة، فضلا عن قلّة اهتمام العقلاء بالشباب، في ظل تزايد الجهات المعادية للمسلمين، في عموم البلاد الاسلامية، وبلدان العالم الاخرى، حيث يتواجد مسلمون مهاجرون في أصقاع المعمورة كافة.
في هذا الصدد يرى الامام الشيرازي:(أن الفوضى وكثرة الأعداء جعلت من بلاد الإسلام في الحاضر، ترتطم في مشاكل لا حدّ لها ولا حصر، لأسباب كثيرة منها عدم متابعة العقلاء لأزمّة الشباب). وهذا يؤكد الحالة الى تدخل عقلاء القوم في هذا الشأن، فإذا غاب الجهد الحكومي لأي سبب من الاسباب المذكورة سابقا، لا ينبغي أن يغيب دور وجهاء وعقلاء الامة، إنهم مسؤولون عن التصدي لأزمات الشباب ووضع الحلول المدروسة والناجعة لها.
من هنا يحث سماحة الامام الشيرازي، وجهاء وشخصيات الامة، على حتمية مواكبة أزمات الشباب، ومتابعة اوضاعهم، والسعي للأخذ بأيديهم نحو المسارات السليمة التي تنقذهم من الزلل، إذ يقول سماحته حول هذا الجانب: (من الضروري على العقلاء من العلماء وغيرهم أن يهتموا بأزمة الشباب، ومشاكلهم فيأخذوا بأيديهم في تنظيمات صحيحة، حتى لا ينخرطوا في أحزاب الغرب والشرق أو جماعات الفساد).
ويمكن أن ننتشل الشباب من أزماتهم، والمشاكل الكبيرة التي يعانون منها، عندما يقوم المعنيون بأدوارهم كما يجب، فرعاية الشباب ليست محصورة بالجهد الحكومي فحسب، بل هناك ملاحظات واستبيانات تؤكد ان هناك خللا كبيرا في عمل المؤسسات الحكومية المعنية بالشباب، فمعظم هذه المؤسسات تنحو الى المعالجات الشكلية، وتترك الجوهر العميق للمشاكل من دون حلول، وهذا يعني أهمية أن ينزل الآخرون (من غير الرسميين) الى ساحة الشباب، لكي يسهموا بأية نسبة كانت في معالجة جزء من مشاكل الشباب، من خلال خطوات مدروسة، ويمكن التنسيق في هذه الحالة مع الآخرين، لاسيما العلماء والعقلاء من ذوي التخصص والاهتمام.
الحلول تحتاج الى السعي
إذاً نحن إزاء معضلة واضحة، لا يزال مجتمعنا يعاني منها حتى الآن، فعلى الرغم من ان الامام الراحل مؤلّف كتاب (الشباب) قد أنجزه قبل اكثر من عقدين من السنوات، وعالج فيه مشكلاتهم آنذاك، إلا أننا نلاحظ استفحال المشاكل نفسها، واستمرارها، وبلوغها مرحلة الخطورة الفداحة، في عصرنا الراهن، فشبابنا في حقيقة الامر يعاني من فراغ فكري، في ظل وفود ثقافات دخيلة عبر وسائل الاعلام المفتوحة والعاملة على مدار الساعة، بالاضافة الى الوسائل الاخرى لنقل الثقافات والافكار التي تشكل خطرا على شبابنا، أما المطلوب فهو ملء هذا الفراغ الخطير، بترسيخ العقيدة لديهم.
كما نقرأ ذلك الامام الراحل قائلا في كتابه (الشباب): (من أهم المسائل المرتبطة بالشباب العقيدة، فإن العقيدة هي التي تحمي الإنسان في مختلف المراحل الحياتية.. وتعد العقيدة الصحيحة بشكل كامل، الضمان لعدم الانجراف في مختلف المفاسد). وهذا يدل على صحة المعادلة التي تقول، كلما كانت عقيدة الشباب أقوى، كلما كانت نسبة انحرافهم أقل.
ولابد أن يرافق ملء الفراغ العقائدي، جهد متزامن في مجال توفير فرص العمل لهم، وفتح آفاق التطور أمامهم، وتقليل نسب البطال بينهم، ومراعاتهم الى اقصى حد ممكن، فمعالجة هذه الامور كحزمة واحدة، تسرّع من توجيه و وضع امور الشباب في نصابها الصحيح، وهذه القضية في حقيقة الامر تعد مسؤولية جماعية، وإن كانت بعض الادوار تتقدم على بعضها من حيث القدرة على المعالجة، ولكن يبقى العلماء من ذوي الشأن، وممن هم ذوي تخصص بمعالجة شؤون الشباب، بالاضافة الى الجهد الحكومي، فكل هؤلاء (حكوميون وأهليون/منظمات شبابية اهلية، كمنظمات مجتمع مدني تعنى بالشباب)، لهم دورهم في مساعدة الشباب، لاسيما في مجال ملء الفراغ الفكري والعقائدي كونه يمثل أخطر المهام، وأكثرها جدية، لأن بقاءها من دون علاج تعني تعريض الشباب للخواء الفكري، ومن ثم سوف تتربص بهم مخالب الانحراف بكل انواعها ومصادرها، كذلك ليس هناك مفرّ من معالجة بطالة الشباب وتقديم العلم والدراسة لهم للقضاء على الجهل المتفشي بينهم.
من هنا يؤكد الامام الشيرازي في كتابه (الشباب) قائلا: (لكي تمتلك زمام الشباب، لا يمكن أن يتم ذلك إلاّ بالجذب البنّاء والصحيح في العقيدة والعمل، بحيث يوفّر العمل للشباب من الجنسين في قبال البطالة، والعلم والدراسة في قبال الجهالة، والسكن والعلاج الصحي والحماية وغيرها في قبال عدمها).
اضف تعليق