(حينما يكون الأمل يحلّ الإبداع، وحينما يوجد نقاء السريرة تثمر الكلمة الصادقة، وكلما امتلأت القلوب بالإخلاص لله (جلّ وعلا) أشرقت بقبس الإيمان وأضاءت بأريج الفضيلة)، بهذه الكلمات المضيئة تبدأ مقدمة كتاب (أحاديث ومعجزات المعصومين) لمؤلفتهِ المرحومة والدة آية الله السيد محمد رضا الحسيني الشيرازي (أعلى الله درجاته)...
(حينما يكون الأمل يحلّ الإبداع، وحينما يوجد نقاء السريرة تثمر الكلمة الصادقة، وكلما امتلأت القلوب بالإخلاص لله (جلّ وعلا) أشرقت بقبس الإيمان وأضاءت بأريج الفضيلة)، بهذه الكلمات المضيئة تبدأ مقدمة كتاب (أحاديث ومعجزات المعصومين) لمؤلفتهِ المرحومة والدة آية الله السيد محمد رضا الحسيني الشيرازي (أعلى الله درجاته)، وهذا الكتاب سفر مبارك يضم بين دفتيه بلآلئ فاخرة، وتزخر بطونه بمبادئ وأفكار أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم، وبهذا الكتاب وهو الجزء الأول من عدة أجزاء، بدأت سليلة بيت العلم والأخلاق والفضيلة رحلتها مع التأليف يحدوها هاجس السمو عن متعلقات الحياة الفانية.
لقد فتحت هذه السيدة الكريمة عينها في مدينة كربلاء المقدسة، التي يعبق ترابها بالدماء الطاهرة وتشرفت باحتضان جسد سيد الشهداء والأجساد الزكية من أهل بيته وأصحابه (صلوات الله عليهم)، فكانت أصوات المنائر من الضريحين المقدسين وهي تصدح بكلمة (الله أكبر) تشق طريقها إلى روحها قبل اذنها، وفي ذلك المحيط المقدس وجدت الجو الملائم لها، وجدت بيتا غمرته التقوى والصلاح والعمل الصالح، وكانت تشاهد والدها الذي حمل صفات اسمه (صالح) وهو يتبتّل في آناء الليل وأطراف النهار يكثر من الصلاة والدعاء، مواظبا عليها، كثير الاهتمام بالفقراء والمحتاجين مجدّا في السعي لسد احتياجاتهم، فورثت عنه خصاله.
وكانت رحمها الله تتلقى الدروس العلمية والأخلاقية باهتمام بالغ ووعي واسع فوجدت فيها ضالتها المنشودة وكرّست لها نفسها بالعلم والتطبيق، ولم تنتزع نها مشاغلها البيتية وتربية أولادها رغبتها في التعلم واستلهام العبر والحكمة، وكان أرق ما يتلقاه قلبها المؤمن ونفسها الموالية من هذه الدروس من زوجها الإمام الشيرازي (قدس سره) هي فضائل أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (عليه السلام)، فكانت تتلهف لسماع فضيلة له حتى وإن كانت تلك الفضيلة قد طرقت سمعها مرات ومرات!.
وفي هذه الأجواء العلمية عاشت المرحومة، وأبدعت في الكتابة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، وتصدّت لكل المهام التي تقع على عاتقها أو خارج مهماتها، وكانت يرحمها الله مدرسة تربوية أخلاقية دينية عظيمة، استطاعت بحنكتها وصبرها وسعة علمها أن تربي أولادها على التقوى والورع واستلهام العلم، فصاروا من خيرة علمائنا الأفاضل الأجلاء الذين قدموا للمسلمين وللإنسانية ثراء العلم وفضائل الأخرق وسعة الآفاق، ومن أولادها الذين نهلوا من كنزها التربوي العلمي الأخلاقي الديني سماحة الفقيه الشيرازي، وهو سماحة آية الله السيد الشهيد محمد رضا الحسيني الشيرازي الذي اشتهر بمحاضراته الرصينة ومؤلّفاته القيمة وبمحبيه ومتابعيه عبر القنوات الفضائية أو الحضور في مجالسه الحسينية المباركة، وكذلك سماحة آية الله السيد مرتضى الحسيني الشيرازي، صاحب المؤلّفات العميقة النوعية التي تخوض في مجالات فكرية عميقة هدفها تنوير المسلمين والإنسانية على نحو العموم، وممن خرج من بين يديها الكريمتين أولادها سماحة السيد جعفر الشيرازي، وسماحة السيد مهدي الشيرازي وسماحة السيد محمد علي الشيرازي وسماحة السيد محمد حسين الشيرازي.
ومن المهام والمسؤوليات العظيمة التي حملتها المرحومة والدة السيد الشهيد محمد رضا الحسيني الشيرازي، مساندة زوجها الإمام الشيرازي (قدس سره)، في مشواره العلمي الشاق والطويل، وكما هو معلوم أن الإمام الراحل هاجر وتنقّل بين عدة بلدان إسلامية، فكان سماحته يبذر العلم وينشر فكر أئمة أهل البيت أينما حل، ويسعى إلى تأسيس وتطوير وتفعيل عدد كبير من المؤسسات الثقافية والعلمية، وكان سماحته يؤسس الحوزات العلمية في المدن والبلدان التي يدخلها كما في إنشاء حوزة سامراء بالعراق، والسيدة زينب عليها السلام وفي كربلاء المقدسة والعديد من المدن الإسلامية وسواها، وهذا الجهد الكبير كان يستدعي الكثير من الإسناد المعنوي الذي وفرته المرحومة فقيدة آل الشيرازي الكرام.
ولم يتوقف عطاء المرحومة عند هذا الحد، فأخذت على عاتقها الكتابة والتأليف عن بحق أئمة أهل البيت عليهم السلام، فأصدرت أربعة مجلدات، في أربعة أجزاء من كتابها الموسوم بـ (أحاديث ومعجزات المعصومين/ من كلمات الإمام الحسين، من كلمات الإمام الحسن العسكري/ الجزء الأول)، حيث تضمن عدة فصول وابواب، فجاء استهلال المجلّد الجزء الأول بالإهداء ومن ثم مقدمة الناشر، تلت ذلك مواضيع تحت عناوين عديدة منها، رفيقة القمر.. مسيرة العطاء والألم.. ونبذة عن سيرة حياتها يرحمها الله، ثم نبدأ مع الفصل الأول من الجزء الأول وهو يحمل عنوان رئيس (إلهيات)، منها صفات الله، ومعنى الصمد، ومفهوم القدر.
أما الفصل الثاني فجاء تحت عنوان ولائيات، ويضم عدة عناوين منها، أئمة الهد وأئمة الضلال، وطريق معرفة الله، وجزاء المعرفة، وغيرها من العناوين الهامة، أما الفصل الثالث فجاء بعنوان (عباديات) وتضمن جزاء العبادة، وأقسامها، وفلسفة الصيام، وأقسام الجهد، وثواب الإرشاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لنصل في هذا السفر إلى الفصل الرابع الذي حمل عنوان جهاديات، وضم عدد من المواضيع الفرعية المهمة، منها مع أبي ذر الغفاري رضوان الله عليه، ثم تلي ذلك اقتباسات واختيارات من خطب أبي ذر مع توثيق عدد من خطبه ومخاطباته الكثيرة آنذاك، في حين خصصت المؤلفة المرحومة الفصل الخامس للأدعية المختلفة التي يحتاجها الناس من أتباع أهل البيت عليهم السلام، وتتبع ذلك عدة فصول لنصل إلى خاتمة هذا الجزء المبارك الذي يضم بين دفتيه جهدا واضحا للمرحومة والدة آية الله السيد الشهيد محمد رضا الحسيني الشيرازي.
الجزء الثاني أو المجلد الثاني يحمل عنوان (نبذة عن حياة المعصومين عليهم السلام)، وتستهله المؤلفة المرحومة بسورة الفاتحة، تليها مقدمة للمؤلِّفة، ثم تبدأ الفصل الأول عن الرسول الأعظم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله، سيرته المعطرة الزاخرة بالكفاح من اجل المسلمين والانسانية، ثم الفصل الثاني وهو مخصص للإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، أول الناس إسلاما،واكثر الناس علما والمجاهد الكبر، والإمام الأول ثم نبدأ بموضوع غاية في الأهمية يعرض لخصائص الإمام عليه السلام، وحياته السياسية والعلمية والبلاغية الحافلة بالانجازات والمزايا الفريدة من نوعها عبر التاريخ، ويتم تخصيص الفصل التالي للصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام، ولادتها، حياتها وفضائلها وعباداتها، ويرد في هذا الفصل أيضا موضوع عن حجاب المرأة وكيف يحفظ كرامتها، ويعرض الفصل للمواقف العظيمة لسيدة نساء العالمين وعلمها ومواقفها وما ينبغي أن تكون عليه المرأة في جهادها ومواقفها وصبرها في المجالات كافة، ويخصص الفصل الرابع عن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، وحياته، وصفاته كالتواضع الذي يمثل شيمة العظماء، ودعوة الإمام للرفق بالحيوان الذي يتبجح الغرب بكونه أول من فعل ذلك، أما الفصل الخامس فكان من حصة الإمام الحسين عليه السلام، منذ الولادة إلى الشهادة وما ضمتهما من سيرة حياة حافلة بالثورة والرفض والصراع مع الظالمين من بني أمية، وكفاحه العظيم وصولا إلى ملحمة كربلاء المقدسة، ملحمة الطف وانطلاق شعار (كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء) الذي هزّ عروش الطاغوت منذ انطلاقه والى يومنا هذا، وضم هذا الفصل عناوين فرعية غاية في الأهمية تتعلق بحياة الإمام الحسين عليه السلام وسيرته الخالدة إلى أبد الآبدين.
ثم تتوالى فصول هذا الجزء الذي يأخذ التسلسل الثاني من كتاب المرحومة، حيث يتم تخصيص الفصول التالية، لأئمتنا المعصومين عليهم السلام، فتعرض لحياتهم الزاخرة بالمآثر والطيبات، من أفكار ومواقف يشهد لها التاريخ في مقارعة الحكام المتجبرين على تعاقب العصرين الأموي والعباسي حيث استأثر بنو أمسية بالسلطة وحرفوا الإسلام عن مساره المحمدي ولم يكن الحكام العباسيون أقل ظلما منهم، كما أن المؤلفة تعرض لسلوكيات الأئمة المعصومين عليهم السلام التي تدعهما أخلاق الدوحة المحمدية، كون أئمتنا من هذه السلالة الطاهرة، فلكل إمام معصوم جولة كبرى مع الطواغيت، في صراع لا يلين مع الظلم، وكان ولا يزال وسيبقى ذكرهم وأفكارهم تهز العروش الظالمة، كل هذا وغيره الكثير قدمته لنا المرحومة أم آية الله السيد الشهيد محمد رضا الحسيني الشيرازي، بقلمها المتوقد بالعطاء والإيمان والولاء لأهل البيت عليهم السلام، طاب ثراها، وتغمدها جلّ وعلا برحمته الواسعة، وأدخلها مقام الأئمة من أهل البيت عليهم صلوات الله وسلامه.
اضف تعليق