إن السياسي الناجح هو الذي يكون إيجابياً، ويخلق في نفسه مزيداً من القدرة، فمثلا جملة (هذا الأمر لا يفيد) و(لن نقدر عليه) و(لا نصل إلى الهدف) و(ليس هنالك مخرج من المشكلة) و(لا أجد ما يمكن عمله)، إلى غير ذلك الجمل، لا تفيد السياسي إلاّ تأخراً، والجماعة (كالحزب) إلاّ انحطاطاً...
ثمة لوازم ومتطلبات ينبغي على السياسي توفيرها والالتزام بها، حتى يكون بمقدوره النجاح في المهام المنوطة به، ومن هذه المتطلبات الموكولة به أو التي يفترض بالسياسي الالتزام بها، بل ولعلها أول حزمة اللوازم المطلوبة، هي معرفته للناس، أو الوسط المجتمعي الذي ينشط ويتحرك فيه، بمعنى أن السياسي لا يمكن أن يعمل في وسط اجتماعي يجهل طبيعة ولا يعرف صفات أفراده.
أما السبب في أهمية هذه المعرفة من قبل السياسي، فإنها تكمن فيما تقدمه للسياسي من قدرة على معرفة التعامل مع الأفراد كلٌ وفق الطريقة التي تتناسب مع مؤهلاته وقدراته وطبيعة شخصيته، مما يسهل على السياسي التعامل الصحيح مع الجماعات كافة، خاصة أنها تتكومن من مجموع الأفراد، مع الحاجة إلى معرفة الأفراد بصورة جيدة، من أجل معرفة طريقة التعامل معهم بما يتناسب وطبيعتهم.
يقول الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيم الذي يحمل عنوان (شروط تقدم الجماعات):
(إن أول شيء ينبغي على السياسي عمله هو معرفة الناس، حتى يتمكن أن يضع كل أحد في موضعه، ويعامل كل فرد وكل جماعة المعاملة اللائقة به وبها).
أما لماذا تكون هناك حاجة للسياسي كي يعرف الناص بصورة جيدة، فإن هؤلاء في الحقيقة لا يطلبون السياسي لكي يحل لهم مشكلاتهم الكبيرة أو غيرها، وإنما تتقدم حل المشكلات قضية أخرى، ألا وهي أهمية أن يستمع السياسي بصورة جيدة للناس وهم يشرحون له مشكلاتهم، نعم فحالة الإصغاء من السياسي للناس تعد أهم من حل المشكلات بطريقة عشوائية أو اعتباطية، لذلك من الأفضل أولا أن يستمع السياسي بصورة جيدة ويصغي للناس بطريقة تجعله أقرب إليهم، ومن ثم تمكنه من حل المشكلات التي يقدر على حلها، أو ما هو ممكن الحل منها، خصوصا أن النبي (ص)، أكد على أهمية تعامل الإنسان بالأخلاق مع الآخرين أولا، فإذا كان السياسي والغني وغيره، غير قادر على يسع الناس بأمواله، فعليه أن يسعهم بأخلاقه.
يقول سماحة المرجع الشيرازي:
(يجب أن يعرف السياسي والإنسان عموما أن الناس لا يطلبونه لحل مشكلاتهم، وإنما يريدون منه الاستماع الجيد لمشكلاتهم، ثم حل الميسور من تلك المشكلات، وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله: إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم).
إذن من شروط نجاح السياسي أن يكون عارفا بالمحيط الاجتماعي الذي ينشط فيه، لكي يحقق النجاح المطلوب.
أهمية الإلمام بأخطاء الآخرين
وثمة شرط آخر من شروط نجاح السياسي، وهو يتركز على أهمية معرفة السياسي للخطأ أو الأخطاء التي يرتكبها الآخرون، مع أهمية مراعاة الظروف والأسباب التي تؤدي إلى ارتكاب الخطأ من قبل الإنسان ضمن الرقعة الجغرافية التي يعمل فيها السياسي، ومن المهم أيضا أن يكون معروفا درجة بشاعة الخطأ، فلابد أن تكون الأخطاء متباينة فيما تسببه من أضرار للمجتمع، لاسيما أن بشاعة الخطأ تختلف بين زمان وآخر، وبين ظروف وأخرى.
لهذا فإن المسؤول أو السياسي مطالب أن يلاحظ الأخطاء بصورة جيدة وعميقة، ومن ثم يدرسها بعمق، ثم يعرف درجة اختلافها من فرد إلى آخر، ومن جماعة إلى أخرى، حتى يمكن له أن يقدّر بشاعتها، وما هي النتائج السيئة التي تلحقها بالآخرين.
حيث يقول الإمام الشيرازي حول هذا الأمر:
(يجب على الإنسان السياسي أن يلاحظ الأخطاء التي تصدر عن الآخرين، مراعياً الظروف المحيطة بالخطأ، ولذا قد يكون خطأ واحد من إنسان واحد، مختلفاً في درجات البشاعة بين زمان وزمان وشرط وشرط).
أما الشرط الآخر من شروط النجاح، فهو يتعلق بنشاط السياسي نفسه، وهمته ومتابعته وطاقته وقدرته على الانجاز، فإذا كان ذات همة وإرادة ضعيف، ويتكئ دائما على الأعذار حتى لا يقوم بالأعمال المطلوبة نه، فإنه في هذه الحالة سوف يخسر الكثير من مكانته بين جماعته، كذلك فإنه سوف يخسر دعم الآخرين له، وربما يفقد قيمته ومكانته وثقة الناس به عندما يتهرب دائما من القيام بمهامه، بسبب العجز والكسل والخمول الذي يهيمن على أدائه، وكل ذلك لأنه شخصية متكاسلة ذرائعية غير مستعدة لأداء عملها كما يجب، ونتيجة لخموله وعجزه وتهربه من مسؤولياته سوف يخسر الكثير فضلا عن هبوط درجته ومكانته بين الجماعة والمحيط الاجتماعي الذي ينشط فيه.
يقول الإمام الشيرازي:
(تختلف درجة ومكانة الإنسان والسياسي في الجماعة باختلاف فهمه وحزمه وهمته بالنسبة إلى الهدف، فقد يكون سياسيا فاتر الهمة لا يؤمن بالهدف إيماناً كاملاً، وقد لا يفهم الهدف حق فهمه، وقد لا يكون حازماً عند سيره إلى الهدف، وكل ذلك مما يقلل من قيمته، ويجعله سياسياً فاشلاً).
التخلص من الروح السلبية
وحتى لا يخسر السياسي مكانته بين المحيط المجتمعي، عليه أن يقضي على الذرائع التي يتحجج بها، كما أنه مطالب بالتخلص من الروح السلبية التي تتلبس كيانه، وعليه أيضا طرد جميع الأفكار المحبطة، وترك التشاؤم جانبا، والاندفاع بقوة وحزم وحماسة عالية لانجاز كل ما مطلوب منه من مهام لا يحتاج انجازها سوى الهمّة العالية، والإرادة القوية، والاستعداد تام للقيام بما يوكَل له من مهمات وأعمال كي ينجزها على أفضل وقت.
أما في حالة حدوث العكس، أي حين يتلكأ السياسي ويتهرب من مسؤولياته، كما نلاحظ ذلك لدى بعض السياسيين العراقيين الذين ينشغلون في مصالحهم ومآربهم الخاصة، تاركين الشعب في حالة يرثى لها بسبب تردّي الخدمات، أو حالة العوز التي تدهم المعوزين والفقراء، وثمة الكثير مما يعاني منه العراقيون بسبب عدم قيام الساسة بواجباتهم، وكسلهم وعجزهم وعدم حزمهم لكثير من الأمور التي تصب في صالح المجتمع، أما إذا كان الأمر يتعلق بمصالحهم فإنهم سرعان ما يصبحوا أقوياء ويمتلكون إرادة من حديد لأن الأمر يتعلق بمصالحهم!!، لذلك لابد أن يتجنب السياسيون الأفكار السلبية، والروح المريضة التي تصيبهم بالتشاؤم والخمول.
يقول الإمام الشيرازي حول هذا الموضوع:
(لابد أن يجتنب السياسي الأقوال المثبطة، والروح السلبية والفكرة التشاؤمية).
لذلك فإن السياسي الناجح هو القادر على تأدية واجباته بأفضل صورة ممكنة، لا أن يبحث عن الحجج الواهية والأعذار الكاذب لكي يتملص من مسؤولياته كما يحدث لدى بعض الساسة العراقيين من الذين تسنمّوا مناصب مهمة، لكنهم عندما يتعلق الأمر بتنفيذ التزاماتهم وتعهداتهم حيال الشعب، يتحول كل شيء إلى هباء، وعند ذاك يتذرعون بألف سبب وسبب كي لا يؤدون واجباتهم كما يجب، فيستعينون على أكاذيب وحجج مفضوحة تقودهم بالنتيجة إلى خسارة ثقة الناس بهم كما حدث مع بعض السياسيين الذين فقدوا مكانتهم للأسباب المذكورة، وعلى العكس منهم أولئك السياسيون الإيجابيون.
حيث يقول الإمام الشيرازي:
(إن السياسي الناجح هو الذي يكون إيجابياً، ويخلق في نفسه مزيداً من القدرة، فمثلا جملة (هذا الأمر لا يفيد) و(لن نقدر عليه) و(لا نصل إلى الهدف) و(ليس هنالك مخرج من المشكلة) و(لا أجد ما يمكن عمله)، إلى غير ذلك الجمل، لا تفيد السياسي إلاّ تأخراً، والجماعة (كالحزب) إلاّ انحطاطاً).
اضف تعليق