يعيش في كوكب الأرض ما يفوق 7 مليار نسمة، يتوزعون على مئات البلدان والمناطق، كلهم يشتركون في النسب الإنساني، وثمة روابط جمعية يشترك فيها البشر مع بعضهم، ومنها ما يؤلِّف ضميرا جمعيا لهم، يوحِّد بينهم في إطار المرفوض والمقبول من الأفكار والتقاليد والسلوك، ومما يرفضه الضمير الإنساني أينما كان هدر طاقة الفرد والجماعة وتشتيتها بأساليب لا أخلاقية، منها على سبيل المثال وليس الحصر (نشر البغاء).
والمعروف عن الحقبة الاستعمارية، أنها اعتمدت الإفساد لجعل أهدافها في السيطرة على الأمم الأخرى ممكنة التحقيق، وهذا هو الأسلوب الذي تقوم عليه خطط ومآرب الاستعمار البريطاني الذي أينما دخل في أية دولة كانت سارع الى نشر الفساد الأخلاقي فيها، مثل تشجيع الفساد الجنسي والزنا ونشر مواخير البغاء وتشجيع المثلية، حتى ينتشر التفسخ الأخلاقي فيها ويموت الضمير الجمعي وتسهل السيطرة على الأمة، وتوجد دلائل قاطعة على هذا الأسلوب الاستعماري عندما نطالع صفحات التاريخ المخزي للحقبة الاستعمارية.
فأينما يوجد الإصلاح تجد من يحاربه من أولئك الذين تكمن مصلحتهم (المادية، التسلطية)، في إضعاف الضمير الأخلاقي الجمعي المتكوّن من حاصل مجموع الأفراد، لذلك لا يمكن الشروع بأية خطوة تنحو الى الإصلاح ما لم تبدأ بمكافحة الفساد بأشكاله الكثيرة، ومنها وربما أشدها أثرا سلبياً، فساد الأخلاق الذي اتبعه الاستعمار كما مرَّ ذكره:
يقول الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه الموسوم بـ (الإصلاح): (من مقومات الإصلاح هو محاربة الفساد بكافة أشكاله، والحد من انتشاره، لأن نشر الفساد بين الأمة يعتبر من أهم موانع الإصلاح).
ومن المفارقات الغريبة، حين يتم نشر الفساد الأخلاقي والضمير الجمعي في إطار (الحريات)، فمن العجيب حقاً أن يذهب الإنسان الى تدمير نفسه بالتعكّز على مبادئ إنسانية عظيمة، فيخلط بينها وبين المستهجَن من الفكر والسلوك، مثلا دمج الحرية والبغاء في بوتقة واحدة، مع أنهما لا يلتقيان قط من حيث الهدف والنتيجة، فالحرية تقوّم الناس وتزيد من تلاحمهم ووعيهم، والبغاء يقع على العكس من ذلك تماما.
هنا يؤكد الإمام الشيرازي على أن: (البغاء باسم الحرية يؤدي الى عواقب اجتماعية وأخلاقية وخيمة: هدم للعوائل وتفكيك وحدة بنائها. إفساد الشباب من البنين والبنات. كثرة الطلاق، والعنوسة بين النساء. القضاء على جمال المرأة بكثرة استعمال المكياج. كثرة الأمراض الجنسية كالإيدز والأمراض الزهرية ونحوها).
لماذا فتح مواخير البغاء؟
ومن النتائج الحتمية للفساد الأخلاقي، هو فساد الضمير الجمعي، بسبب الانحلال والتفسخ الذي يسود المجتمع، لذلك لجأ الاستعمار البريطاني الى تدمير الضمير الجمعي بأسلوب التفسخ الأخلاقي، وعندما تصبح الرغبة الشهوية منطلقا لضمير الإنسان، فإن القيم والأخلاق سوف يضمر وجودها وفاعليتها الى أدنى المستويات، لهذا أمكن للمستعمرين السيطرة على الأمم والشعوب المستضعفة، ليس لأنها ضعيفة أصلا، وإنما تم إضعافها بأساليب ماكرة قتلت ضميرها الجمعي.
ومن الشواهد الواقعية والتاريخية التي أوردها الإمام الشيرازي، إثباتا لرؤيته المضيئة والثاقبة التي تفضح الأساليب المدمِّرة للأمم والشعوب، هو ما أورده الإمام الراحل تاريخيا حول تدمير الضمير الجمعي ونشر التفسخ والانحلال، قائلا سماحته في هذا الإطار:
(إن البريطانيين لما جاءوا إلى العراق قبل قرن، فتحوا في المدن المقدسة مواخير للبغاء، تحت لواء وحماية الحكومة العثمانية، وجعلوا فيها نساء سافرات غير مسلمات، وهكذا عملوا في الهند، وفي كل دولة أرادوا السيطرة عليها، فأخذوا بنشر الفساد فيها).
وتأكيدا لرؤية الإمام الشيرازي، يعمد سماحته الى اعتماد شخصيات نضالية محترمة، تثق بها الأمم بسبب تاريخها الناصع في سجلات التحرر، ومن هذه الشخصيات القائد الهندي الشهير بصلابته (غاندي)، فهذا الرجل الذي قاد أمته ضد المستعمر البريطاني، نجح نجاحا باهرا، عندما عبّأ شعبه ضد الفساد الأخلاقي والبغاء الذي عمد البريطانيون الى نشره في عموم الأمة الهندية، ولكن حين تمكن غاندي من حماية الضمير الجمعي من التفسخ والانحلال، فشل البريطانيون فشلا ذريعا، وجرّوا ذيول الخيبة والخسران وراءهم، وبقيت الهند مصانة محررة أرضا وشعبا وتاريخا وإرادة.
حدث هذا لأن القائد النموذج رفض التفسخ، وحمى ضمير الناس من الإصابة بالتفسخ، وصار لهم أسوة وقدوة ونموذجا ساروا على نهجه، فأفشل بذلك جميع المحاولات الماكرة التي سعى البريطانيون الى نشرها كي يسيطروا على الضمير الجمعي ويتحكموا به وفق ما يريدون ويرتؤون، ولكن باءت جميع محاولاتهم بالنكوص والفشل، بعد أن نهض غاندي بالضمير الجمعي للأمة الهندية.
كما يؤكد ذلك الإمام الشيرازي في قوله: (إن (غاندي) لما أراد إصلاح الهند وإنقاذها، كان يخالف البغاء والفساد أشد المخالفة، حتى أنه صام سبعة أيام لبغاء إحدى نساء جماعته في - حزب المؤتمر الذي كان يرأسه-، أما اليوم ففي الهند أماكن البغاء موجودة علناً).
مكافحة الفوضى الجنسية
وقد يتساءل أحدهم أن حقبة الاستعمار قد اندثرت، فبماذا يفيد الكلام عنها؟، والجواب هو أن الاستعمار العسكري والاحتلال المباشر قد انتهت حقبته، ولكن هناك أشكال أخرى للاستعمار بالإضافة الى أهمية الاستفادة من تجارب التاريخ لتحسين الواقع، لذلك فإن قادتنا السياسيين اليوم مطالَبون بوضع السبل الناجعة لمنع إفساد الضمير الجمعي، وعليهم الإطلاع على النتائج الخطيرة التي يخلّفها الفساد والإفساد كما فصَّلها الإمام الشيرازي في كتابه (الإصلاح)، ولابد من وضع حد للبغاء، والاكتفاء بما وضعه الشرع من قواعد ومعالجات تخص الزواج الشرعي.
فقد أشار الإمام الشيرازي الى هذه القضية في قوله: (يجب حظر البغاء من قبل الدول والحكومات، وأن يكتفي الإنسان بالزواج الشرعي وفي الإطار الإنساني الجميل الذي قرره الله عزّ وجل).
وقد جُبِل الإنسان منذ لحظة ولادته على رفض الفساد والإفساد، والنظر إليهما على أنهما من المعاول الشرسة التي تسعى لتهديم البنيان المجتمعي، من خلال نشر التفسخ والانحلال بين شرائح ومكونات المجتمع، وهو ذات الأسلوب الذي اعتمده المستعمرون للسيطرة على الأمم والشعوب الأخرى ونهب خيراتها وثرواتها بعد إلهائها بالبغاء والفساد بمختلف أنواعه.
لذلك ينبغي أن يحذر القادة اليوم من مثل هذه الظواهر التي تضرب خطوات الإصلاح في الصميم، والإبقاء على الفرد ومن ثم المجتمع مهزوزا ضعيفا منشغلا بملذاته وشهواته، تاركا المبادئ والثقافة التي تحصِّنهُ من الوقوع في فخاخ الفساد والإفساد، ومن الخطوات المهمة لردع هذا الخلل، اتخاذ الحكومات خطوات جذرية لمنع البغاء ومظاهر الفساد عبر وسائل التثقيف والإقناع، مع استخدام التشريعات القانونية ضد هذه التجاوزات، باعتبارها تهدد متانة النسيج المجتمعي وتسيء للبناء الفكري والأخلاقي المتين للأمة.
ومن المعلوم أن الفطرة الإنسانية لا تستسيغ الفساد والبغاء كونه لا يتسق مع ما ترتضيه السجايا البشرية، لذلك على من يهمه الأمر أن يقتلع جميع مظاهر الفساد والإفساد، كما يسعى الأحرار الثوريون لاقتلاع الدكتاتورية من جذورها، فهناك تشابه وتداخل وتقارب بين الطغيان والفساد.
كما يؤكد ذلك الإمام الشيرازي في قوله: (إن فطرة الإنسان وعقله تخالف الفساد، وكما أن عقلاء العالم سعوا في إيجاد التعددية ونفي الديكتاتورية عن بلادهم حتى أقلعوها بنسبة أو أخرى، فاللازم أن يحولوا دون إباحة الفوضى الجنسية ونشر المفاسد الأخلاقية، ويمنعوا من المعاشرة الجنسية غير الشرعية بين الجنسين أو الجنس الواحد مع مماثله).
اضف تعليق