يكاد يجزم المعنيون بشكل قاطع بأن أهم مراحل العمر إنتاجا وحركة وحيوية هي مرحلة الشباب، وربما لهذا السبب يؤكد علماء الاجتماع على أن الأمة التي يتفوق شبابها عددا على الفئات العمرية الأخرى، تعد من الأمم الحيّة، أو الأكثر حيوية من سواها، وهو رأي لا أظن نختلف عليه، ولكن في الغالب لا يتنبّه الإنسان الى هذه المرحلة المهمة من عمره، وقد لا يقدر الامتيازات والقدرات التي تمنحها مرحلة الشباب للإنسان، ولذلك قد تنتهي وتذوب في بحر الزمن من دون الاستفادة منها.
يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (ما أقرب الدنيا من الذهاب والشيب من الشباب).
فهناك مقارنة بين رحيل الدنيا على عجالة، وبين رحيل الشباب بالسرعة نفسها، لذا على الإنسان أن يتنبّه جيدا، كي لا تتسرب من بين يديه هذه المرحلة وهو يلهو وينشغل في أمور لا تجدي نفعا، لا في الحياة الدنيا ولا في الدار الأخرى، وهذا التنبّه يحتاج الى عقل يسبق عمره في النبوغ والوعي، لأن الإنسان يضيع في دوامة مغريات الحياة التي تجتذب الشباب أكثر من غيرهم، لينتهي الى لا شيء، فالتركيز هنا على عطاء الشباب أمر حيوي وحتمي لتطوير الفرد والأمة.
وقد لا يكون الشاب هو السبب الأول في عدم استثمار مرحلة الشباب جيدا، أي هناك معوقات خارجية ربما تمنعه عن الإبداع والارتقاء، منها على سبيل المثال، حالة الإهمال التي تتعرض لها شريحة الشباب على المستويين الرسمي (الحكومي)، والأهلي، ولهذا الإهمال نتائج خطيرة تصل حد الكوارث.
يقول الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه الخاص عن الشباب، والذي حمل عنوان (الشباب): إن (إهمال الشباب وعدم الاهتمام بهم يؤدي إلى كوارث متعددة. منها ضياع هذه الطاقة الشبابية الهائلة بنفسها، وعدم استفادة المجتمع من مواهبهم وطاقاتهم الكامنة فيهم).
ولا يتوقف الأمر على هذه النقطة الخطيرة، فهناك نتائج لا تقل خطرا عمّا سبق ذكره، ونعني بذلك حالات الانحراف العديدة التي تفتح ذراعيها للشباب بسبب إهمالهم، أو تناسيهم، أو عدم توفير الأسس والقواعد المناسبة لاستغلال طاقاتهم واستثمارها أفضل الاستثمار. وهذا ما يدفع بالشباب الى الإيغال في الفساد والتراجع والاعوجاج.
كما يأتي ذلك في قول للإمام الشيرازي: إن (انحراف الشباب نحو الهدم، بالفساد والأعمال غير الأخلاقية، واستعمال المواد المخّدرة، والانجذاب إلى الأحزاب الشرقية والغربية، بما فيها من أديان مزيّفة صنعها المستعمرون في بلادنا).
انتشال الشباب من الضياع
هنا يبرز دور أساس للمراجع العظام، والمرجعيات الدينية التي تؤمن بأنها مسؤولة عن الجميع، ومن باب أولى أنها لا تهمل أهم شريحة في الأمة، وهي شريحة الشباب، حيث يحتاج هذا الأمر للمتابعة والتخطيط وتوزيع الأدوار على المثقفين الموثوق بهم، مع توجيههم بما يتوجّب عليهم فعله، في مضمار مداراة الشباب ومراعاتهم، وملء أوقات فراغهم بما يدفع بهم وقدراتهم ومواهبهم نحو الأفضل دائما، فالشباب بحاجة الى من يدير لهم أمورهم المتعددة بصورة سليمة في مجالات التوعية والتثقيف وتطوير المهارات الفكرية والمادية.
كما يؤكد على ذلك الإمام الشيرازي في قوله: (يجب أن يكون لدى المراجع جماعة من المثقفين الدينيين الزمنيين الثقاة النزيهين ليأخذوا زمام أولئك الشباب الذين ينخرطون في منظمة المرجع، ويكون شأن أولئك الثقاة إدارة أمور الشباب وإدارة هذه الجهة الخاصة).
ولا شك أن لكل حوزة فريق عمل يتوزع على اختصاصات، فهناك فريق إداري يعمل على إدامة عمل المنظمات والمؤسسات الدينية الثقافية الإعلامية المختلفة مع أهمية إدامة التبليغ، وهنالك فريق إبداعي ينتج الأفكار ويطورها بما يتناسب مع أفكار المراجع العظام، وعلى العموم يوجد هناك تنظيم مرجعي حازم لا يقبل التلكؤ أو التباطؤ أو الإهمال لما يحتاجه الناس، وخصوصا الشباب منهم، لأن المراجع العظام يعرفون جيدا مدى أهمية الأمور التي يحتاجها الناس والشباب منهم على وجه مخصوص، حيث تنطوي قضية توضيح المسائل المختلفة على أهمية قصوى.
فلابد أن يفهم الجميع، وأولهم الشباب أجوبة المسائل المختلفة، حتى يكونوا عارفين بأمور دينهم ودنياهم ولا تأخذهم مغريات الحياة بعيدا عن شاطئ النجاة، ولأن الشباب حديثي عهد بالمسائل الشرعية المختلفة، ولا يفهمونها مثل كبار السن أو الكهول، فهذا يتطلب متابعة خاصة من المراجع العظام، لكي يكون الشباب أكثر معرفة على شؤون الدين والدنيا، وهذا بدوره يجعلهم أكثر حصانة ضد الانحرافات المخلفة في مجالات الحياة المتعددة، وخصوصا تلك التي قد تبيح لهم بعض المحرمات عندما تصلهم من مصادر غير موثوق بها، ومعادية للدين والإنسان.
يقول الإمام الراحل في هذا الجانب: لابد أن يكون (لكلّ مرجع جماعات يحفّون به لإدارة شؤون المسلمين، بعضهم لأجل إدارة الحوزة العلمية، وبعضهم لأجل إدارة شؤون الوكلاء، أو لجواب المسائل الواردة، أو لأمور المؤسسات الدينية).
تثقيف الشباب من كل المستويات
ويستمر الدور الحوزوي بعمله الجدي الدؤوب في نشر وتطوير أركان التثقيف، خصوصا بين الشباب، من الجنسين ذكور وإناث، على أن يكون العمل في هذا المضمار تصاعديا، ولا يتوقف عند حد، خصوصا توجيه طاقات الشباب، وعدم تركها تتحرك عشوائيا، وينبغي أن يستمر الاهتمام على نحو متزايد بما يزيد من ثقة الشباب بالجهد الذي تبذله المرجعيات لإدامة الاهتمام بالشباب وما يحتاجونه على الصعيدين المادي والمعنوي التطويري.
من هنا يذكّر الإمام الشيرازي المعنيين بأهمية الشباب وتوفير ما يحتاجونه قائلا: (من الواجب الاهتمام بشأن الشباب ـ بنين والبنات ـ اهتماماً متزايداً بتوفير حاجاتهم، وتوجيه طاقاتهم إلى حيث صلاح أنفسهم، وبلادهم، ومجتمعهم).
وبعد أن ظهر أمامنا تحدٍ إعلامي جديد، لابد من الحذر الشديد على الشباب من المرجعيات الدينية التي تأخذ على عاتقها رعاية الشباب، والحرص على عدم إضاعة الفرص المتاحة لتطوير قدراتهم ووعيهم وثقافتهم، لأن هناك سيولا جارفة من الأفكار التي تبثها مختلف وسائل الإعلام المتطورة، مع نقلها لآلاف المعلومات المضللة والمنحرفة، حيث يطمع الغربيون والشرقيون على حد سواء، بكسب عقول الشباب، وهذا يعني فقدان المسلمين لطاقات شبابهم وإبداعهم وهي خسارة كبرى للأمة، فضلا عن كونها خسارة فادحة للشباب أنفسهم.
فينبِّه الإمام الشيرازي حول هذه النقطة بالقول: (من الواضح أن الشاب إذا رأى طعاماً طيباً لا يجنح إلى الطعام الآسن الذي تهّيئه له شبكات الغرب والشرق من الفساد، شأنه شأن كل جائع حيث يتناول الفاسد إذا لم يجد الطيب من الطعام والشراب).
أما الوسائل والطرائق التي يمكن من خلالها تحصين الشباب وعموم الناس من السموم الفكرية التي يبثها الإعلام العالمي، فإن الحل المناسب هو بناء أسوار شاهقة حصينة من العلم والوعي والثقافة، تحمي الشباب من الانخراط في أحابيل الثقافات والأفكار المضللة المتحايلة، ويتم ذلك من خلال مضاعفة أعداد المكتبات، وطبع الكتب والمجلدات التي تحمل في بطونها ما يليق ويتفق وينسجم مع ذائقة الشباب، كل حسب مستواه العمري والثقافي، فهذا الأسلوب يمثل الحل الناجع لمواجهة الأفكار الخبيثة والثقافات الدخيلة ما يمنح الجميع حصانة فكرية حامية للعقول والفكر والألسن عندما تتفوه، بل وحتى السلوك يصبح مع زيادة الوعي حضاريا دينيا متوازنا.
لهذا السبب يصرّ الإمام الشيرازي على هذا الأسلوب التثقيفي البنّاء فيقول:
(يلزم تهيئة المكتبات والكتب اللائقة بشأن الشباب حسب مستوياتهم العمرية والثقافية والاجتماعية).
اضف تعليق