تقع مهمة إحياء الشعائر على عاتق الشباب الحسينيين، وكل قلب يحب الإمام وكل لسان يردد اسمه وتضحياته، وكل روح تهفو من بعيد إليه، لتعيش الأجواء العاشورائية في مثل هذه الأيام، فتحيط بها نفحات الإيمان التي تهب من مرقد سيد الشهداء، لتملأ القلوب العطشى لذكراه وزيارته، لهذا يستغل ملايين المحبين زيارة العاشر من محرم ويعيشون لحظات انتظار مجيء شهري (محرم وصفر) لتبدأ مساعي الأتباع بمهمة إحياء الشعائر الحسينية المقدسة التي طالب بإحيائها أئمة أهل البيت عليهم السلام.
كما أورد ذلك الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في كتابه القيّم الموسوم بـ (الاستفادة من عاشوراء)، حيث يقول سماحته: (أكد الأئمة الطاهرون عليهم السلام على أهمية إقامة الشعائر الحسينية ولزوم عَقد مجالس الحزن والعزاء وإحياء ذكريات عاشوراء وتجديد الحداد على مصائب الحسين ع).
وقد يتبادر الى أذهاب بعض محبي أئمة أهل البيت عن ماهية الشعائر وطبيعية وكيفية إقامتها، وفي هذا الصدد فإن المقصود من الشعائر ومنها الشعائر الحسينية، كل أنواع العزاء المتعارف إقامته عند الشيعة وتشملها الآية الكريمة: ( ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)، وقد أكد الأئمة الطاهرين عليهم السلام في روايات كثيرة على أهمية هذه الشعائر وعلى لزوم إقامة مجالس الحزن والعزاء وإحياء ذكريات عاشوراء وتجديد الحداد على مصائب ابي عبد الله الحسين (ع) وبينوا ما لذلك من عظيم الأجر وجزيل الثواب عند الله تبارك وتعالى.
فهناك تأكيد شديد من الإمام الشيرازي على نشر أهداف الإمام الحسين وتوضيح المواقف التي يسعى بعض الأداء الى إحاطتها بالغموض، حتى يقبل الجميع على المشاركة الفعالة في إحياء هذه الشعائر المقدسة، إذ يقول سماحته: (يلزم علينا أن نعمل لكي نعرض قضية الإمام الحسين عليه السلام ومبادئه وأهدافه من خلال أحدث وسائل الإعلام، عن طريق محطات البث المرئي والمسموع والانترنت والكتاب والشريط المدمج الأقراص الالكترونية، وكل ما يصدق عليه الإعلام، وإيصالها الى العالم أجمع).
المحافظة على روح التشيّع
إن هدف الحفاظ على روح التشيع، يعد من أهم الأهداف التي يسعى لها القائمون والمشرفون على إحياء الشعائر، فنشاطات المواكب الحسينية، والمشاركة في العزاء، وخصوصا التركيز على مضامين (الردّات) الحسينية، حيث يتم التركيز على الخلل السياسي والاقتصادي ومكامن الظلم التي تلحق بالشعب وخصوصا مظاهر وصفقات الفساد، كل هذا يكون هدفا لهذه المواكب، لذلك على الجميع المشاركة في إحياء هذه المواكب والعزاء والشعائر على أفضل الوجوه.
كما يؤكد على ذلك الإمام الشيرازي في كتابه القيّم ذاته إذ يقول: (علينا أن نقيم مجالس العزاء لأبي عبد الله الحسين عليه السلام على أفضل نحو ممكن، لأن بقاء الإسلام الى آخر الزمان هو الهدف الذي من اجله استشهد الإمام الحسين عليه السلام).
وهكذا يبدو هدف الإمام الحسين عليه السلام واضحا، وهو نشر المبادئ والتعاليم الإسلامية في عموم العالم، كونه الفكر الإنساني المعتدل الذي يحترم قيمة الإنسان ويساوي بين الجميع، ويحرص على كرامة الإنسان، ويرفض السياسة العنيفة، ويطالب بعدم استخدام القوة، إلا عندما تكون بمثابة (آخر العلاج الكي)، أو في حالة الدفاع عن النفس فقط، كما هي سياسة الإمام علي عليه السلام التي أخذها من الرسول الأكرم حيث لم يبدأ القتال مطلقا، لذا فإن نشر هذه القيم العظيمة، والتركيز على نش روح التشيع والاعتدال وتخفيف التوتر والاحتقان يأتي في خدمة الإنسان والدين، معتمدين في ذلك على منهج وأسلوب إحياء الشعائر المقدسة.
لذا يضيف الإمام الشيرازي في هذا الخصوص قائلا: إن (إحياء عاشوراء وأمثالها هي التي حفظت لنا روح التشيع والتمسك بالقرآن والعترة الطاهرة، وفي ذلك قال الإمام الصادق عليه السلام: تلاقوا وتحادثوا العلم، فأن بالحديث تجلى القلوب الرائفة، وبالحديث إحياء أمرنا، فرحم الله من أحيا أمرنا).
وهكذا فإن إحياء الشعائر يقود الى عدة نتائج متعددة الأهداف والمنجزات على الصعيد الفكري التثقيفي، وتعضيد الروح الإيمانية، والنهوض بالوعي الشبابي بشكل أخص، ونشر المبادئ الحسينية بين جميع المسلمين، خصوصا أن الأوضاع العالمية تجري من سيء الى أسوأ وأن التطرف ينتشر في أصقاع العالم، والاحتقان والاحتراب يغزو العديد من الأمم والدول خصوصا في الشرق الأوسط، وهذا يستدعي تحركا ملحوظا لمعالجة هذه الاختناقات عبر التأكيد على الفكر الحسيني الذي يعد الحل الأمثل لما يعانيه العالم والمنطقة من تدهور فكري وأخلاقي.
إرشادات ونصائح الإمام الشيرازي
نظرا للرؤية الثاقبة التي يمتلكها الإمام الشيرازي على السياسات العالمية والتضارب الفكري وتصادم الإرادات والمصالح، واحتدام حالة التنمر والاستقواء، فقد بات من المهم بل والحتمي أن تطبق بعض النصائح والمقترحات من أجل التخفيف من مظاهر التطرف والاحتقان والصراعات والحد أو القضاء على المسببات التي تقف وراءها.
ولطاكما انشغل الإمام الشيرازي في القضايا التي تهم المسلمين والعالم أجمع، وهو يحث الجميع على أهمية التخفيف من التوتر العالمي، وينصح الإمام الشيرازي الهيئات الدينية والمنظمات الإسلامية والأحزاب الحرة وعموم الطبقة السياسية باتخاذ إجراءات وخطوات معينة من أجل تغيير أوضاع المسلمين والوضع العالمي كله فيقترح الإمام الشيرازي حزمة من الإرشادات منها:
- التخلي الكامل عن التطرف والعنف، وعن التعامل الخشن، وعلى المسؤولين والقادة الابتعاد عن القسوة حتى لا تنفض الجماهير وتبتعد عنهم.
- التحلي بالأخلاق الفاضلة في التعامل بين المسؤولين والمواطنين.
- العمل الدائم على نشر الوعي والثقافة بين الناس جميعا، وتهيئة الظروف المناسبة لتحقيق هذا الهدف.
- ينبغي أن يكون المسؤول نموذجا للمواطن من حيث الأمانة والأخلاق والالتزام بالقيم والمبادئ الحسينية.
- ينبغي أن يكون هنالك تركيز على تحقيق الوحدة الإسلامية، وهو هدف سعى من أجله الإمام الشيرازي في مناسبات عدة وخصص مؤلفات مهمة لهذا الهدف الحيوي.
- نشر روح الإسلام الحق، وإبعاد الأفكار والسلوكيات المتطرفة التي تشوه الإسلام وتجعل الآخرين ينظرون بشك وريبة الى الدين والمسلمين.
- أهمية التزام الفكر الحسيني ونشره، وترويج فكر أئمة أهل البيت عليهم السلام لما يمثله من اعتدال واقتراب من روح الإسلام المحمدي الحق.
- أن يسعى الجميع كل حسب المستطاع لنشر الفكر الحسيني والعمل من حيث التطبيق بروح المبادئ الحسينية.
- من المهم أن تكون هناك حملات إعلامية ثقافية ترافق المناسبات الدينية وخصوصا ذكرى استشهاد الإمام الحسين (ع) في العاشر من محرم، واستثمار الزيارة المليونية الهائلة في أربعينية الإمام الحسين، لنشر الفكر الحسيني الذي يمكن أن يسهم بنشر نبرة الاعتدال ليس في العالم الإسلامي وحده وإنما في العالم كله.
- وأخيرا ينبغي أن ترافق هذه الزيارة في كربلاء المقدسة وهي زيارة العاشر من محرم وذكرى استشهاد سيد الشهداء، خطوات واضحة المعالم لإيصال الفكر الحسيني الى أبعد المديات، ولعل الهدف من إحياء الشعائر المقدسة هو نشر هذا الفكر الإنساني عالميا لكي يصبح عالمنا أقل توترا وتطرفا واحترابا.
اضف تعليق