لعل أكثر الجائحات التي اجتاحت العالم والتي أولى المؤرخون اهتماما بها أكبر هي جائحة الطاعون، ويبدو من روايات المؤرخين العرب المسليون وغيرهم أن جائحة الطاعون تمر وتنتشر في العالم بشكل دوري وتبدأ من الشرق لاسيما من أواسط آسيا وتتجه الى الغرب بشكل دائم ومستمر. ويذهب...
لعل أكثر الجائحات التي اجتاحت العالم والتي أولى المؤرخون اهتماما بها أكبر هي جائحة الطاعون، ويبدو من روايات المؤرخين العرب المسليون وغيرهم أن جائحة الطاعون تمر وتنتشر في العالم بشكل دوري وتبدأ من الشرق لاسيما من أواسط آسيا وتتجه الى الغرب بشكل دائم ومستمر.
ويذهب الكاتب أحمد العدوي في كتابه "الطاعون في العصر الأموي" الى تعداد عشرين طاعونا في هذا العصر الأموي بمعدل ظهور له في كل أربع سنوات ونصف وفق قوله، وكان أخرها الطاعون الذي سمي الطاعون الجارف في البصرة سنة 130هـ وهو في سنوات نهاية العصر الأموي.
وقد كانت جائحة الطاعون تضرب بلاد مصر كل عشر أو خمسة عشر سنة في عصر المماليك في القرن التاسع الهجري، وقبل ذلك كانت تضرب شمال أفريقيا أيضا كل عشر أو خمسة عشر سنة أو خمس وعشرين سنة كما نقل الرحالة الشهير ليون الأفريقي ذاكرا إياها بأنها تقع بشكل دوري وفق بلقاسم الطبابي في كتابه "الموت في مصر والشام ج1" وكان ليون هذا والذي اسمه الحسن بن محمد الوزان الزناتي الفاسي قد عاش في القرن العاشر الهجري فكان معاصرا وشاهدا على الحدث.
وكانت العرب قبل ذلك تسمي الطاعون "رماح الجن" مما يشير الى أمرين أولهما أن العرب في الجاهلية قد عرفت الطاعون واستمر ذكره بهذا الاسم في كتب الأدب في الإسلام، وثانيهما تلك المقاربة في الذهن العربي ومن ثم الاسلامي في المماهاة بين الجن والمرض وهو يستبطن أمرا أهم وهو علاقة المرض في الذهن العربي الجاهلي والاسلامي بكائنات غير مرئية، وهو ما يوافق نسبتها الى الجن باعتبارها كائنات غير مرئية وكان ذلك الأصل في نسبة المرض الى الجن في الثقافة العربية القديمة.
ورغم أن كتب التاريخ المطولة عند العرب المسلمين لم تفرد فصولا بأمر الجائحات ولم تولها أهمية قصوى في الشرح والتحليل، ويبدو أن ذلك لاعتيادها في التاريخ وملازمتها لأحوال الناس اضافة الى منهج المؤرخين في الكتابة عن الملوك والسلاطين في المتون وتأخير الحوادث الى هامش ما يكتبون وهنا يروون عن الجائحات والوباءات، لكن صاحب المقدمة ابن خلدون أشار الى آثاره ومايترتب عليه من خراب العمران واضمحلال الدول وأنه يأتي عليها وهي في آخر الهرم ومايتركه انتقاص البشر بسببه فيؤدي الى انتقاض العمران في الأرض، ورغم هذا لم يذكر عنه شيئا من التفاصيل، وقد اهتمت بجائحات الطاعون كتب الحديث وكتب الطواعين وتحدثت عنها بشيء من التفصيل أما كتب الحديث فلأن الحديث المروي عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ذكرها وحذر منها.
.فقد ذكر صحيح مسلم في باب الطاعون والطيرة والكهانة سبعة عشر رواية في الحديث عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الطاعون والحذر منه وفي باب الشهادة جاء ذكر الطاعون مرتين أحدهما قال: (الشهداء خمسة: المطعون.. وهو من مات بالطاعون.. والمبطون والغرِق وصاحب الهدم.. من تحته.. والشهيد في سبيل الله عز وجل) وثانيهما (الطاعون شهادة لكل مسلم) ومحاور الاحاديث السبعة عشر التي يرويها مسلم أحدهما أن الطاعون عقابا حل على قوم من بني اسرائيل وثانيهما التحذير من الخروج من الأرض التي وقع فيها الطاعون أو الدخول الى هذه الأرض، وأما في باب الشهادة فان محور الحديثين هو الشهادة لمن مات بالطاعون من أهل الاسلام.
وفي المحور الثالث نجد أن عقيدة وثقافة الاسلام هي عدم تأثيم المصابين بجائحة هذا الوباء واقتصار تأثيمه على قوم من بني اسرائيل مضى زمانهم ولم يمتد التأثيم باصابته الى من سواهم من الاقوام والأمم، وهو خلاف عقيدة وثقافة المسيحية في العصور الوسطى التي عدت وباء الطاعون غضبا الهيا مستمرا يصيب به الله كل الأمم والأقوام كامتداد للعقوبة التوراتية، بل نجد في الاسلام تكريما لمن أصيب به فهو شهيد في عداد شهداء الاسلام وهي تتضمن الرحمة الالهية خلاف مبدأ العقوبة المسيحية.
وأما كتب الطواعين فهي ظاهرة متميزة في تاريخ الآداب الاسلامية وقد أحصى الكاتب عبد القدوس الهاشمي في بحث له مهم أكثر من سبعين مؤلفا حول الأوبئة والطواعين، ويبدو أن هناك من سبقه في هذا الاحصاء كما يشير هو الى ذلك ذاكرا أن كل من كتب في ذلك بدأ بأبي الدنيا تـ 281هـ وكتابه "الطواعين" -الطواعين والأوبئة في التاريخ الاسلامي، عبد القدوس الهاشمي، نسخة ألكترونية-
وهو يعكس حجم المساحة الهائلة لهذه الأوبئة في حياة المجتمعات القديمة، فهو لا يلبث كل عقد أو عقد ونصف من الزمان حتى يعاود بالظهور واجتياح البلاد كما يستشف في متابعات تاريخية في اختفائه وظهوره، ونتيجة ذلك صارت الناس في عصر الاسلام تؤرخ به.
وأشهر طواعين الاسلام هي الخمسة طواعين التي أسماها أبو الحسن المدائني بالطواعين العظام وهي كما نقل عنه: طاعون شيرويه على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سنة ست من الهجرة، ثم طاعون عمواس عهد عمر بن الخطاب –لم يذكر السنة التي وقع فيها- مات فيه خمسة وعشرون ألفا، ثم طاعون سنة ست وتسعين مات فيه في ثلاثة ايام كل يوم سبعين ألف، ثم طاعون الفتيات سنة سبع وثمانين للهجرة، ثم طاعون سنة احدى وثلاثين ومئة للهجرة وامتد ثلاثة أشهر من رجب الى رمضان، وكان يحصى فيه في سكة المربد كل يوم ألف جنازة وكان قبل ذلك وقع طاعون في الكوفة في سنة خمسين للهجرة وفق ماجاء في "الفتوحات الربانية على الأذكار النووية، محمد علي بن محمد علان الشافعي، ج 2".
لكن المؤرخين الطبري وابن الأثير يروون أنه في سنة تسع وأربعين من الهجرة، ونقل ابن قتيبة في "المعارف" نحوا من العدد الذي ذكره المدائني مع زيادة أو نقصان، وقال سمي بطاعون الفتيات لأنه بدأ بالفتيات العذارى في البصرة وسمي أيضا بطاعون الاشراف لما مات فيه من الاشراف وكان أكثر البلاد التي ضربها هي البصرة وواسط والكوفة والشام – م ن، ص 109.
وقد لازم الطاعون عصر الدولة الأموية في ظهوره المتكرر حتى اختفى باختفائها كما بدا في المصادر التاريخية، ثم عاود الظهور في عصر العباسيين الأول والمتأخر لا سيما في عصر المقتدى العباسي تـ 487هـ.
وقد ظلت تلك الجوائح من الأوبئة لاسيما الطاعون منها تجتاح العراق على مر العقود والقرون كلما اجتاحت العالم والغالب فيها زمنيا أنها تبدأ في فصل الربيع وتنتهي في فصل الصيف والغالب فيها ايضا أنها تبدأ من الشرق وتجتاح العالم كله الى الغرب.
وكان أول الوباء الذي أصاب العراق في تاريخ الاسلام وهو المدون من تاريخه سنة تسع وأربعين من الهجرة في الكوفة، وبعضهم عده في سنة خمسين من الهجرة، لكن القول الأول للمؤرخ الطبري وأبن الأثير ولم يذكروا كم هلك فيه، ثم طاعون سنة خمس وستين من الهجرة وفيه هلك خلق كثير وقيل له الطاعون الجارف وفق رواية الطبري في حوادث سنة خمس وستين ولعله هو طاعون الفتيات، ثم عاود الظهور في سنة تسع وستين وفيه مات ابو الأسود الدؤلي وكان من السادات التابعين وأعيانهم وفق الشيخ عباس القمي في كتابه الكنى والالقاب وقد أسماه الطاعون الجارف أيضا ولعله هو طاعون الأشراف ومات فيه ثلاث وثمانون ابنا لأنس بن مالك وهو رقم مبالغ فيه، ومات لأبي عبد الرحمن بن أبي بكرة أربعون ابنا وكان وقوعه في شوال فكره الناس البناء والزواج فيه، وكان الهيثم بن عدي يبرر تلك الكراهية لموت بضعة عشر آلاف فيه من العرائس وكان يطين البيت على أهله اذا ماتوا فيه وفق أبي محمد عفيف الدين عبد الله بن عبد الملك المرجاني في كتابه "بهجة النفوس والاسرار في تاريخ دار هجرة النبي المختار"، ثم طاعون واسط الذي وقع في سنة مئة وأربعة عشر من الهجرة وفق رواية الطبري ثم أخرها في العراق في ظل حكم بني أمية هو طاعون سنة مئة واحدى وثلاثين من الهجرة وكانت تلك السنة هي أخر سنوات الحكم الأموي فقد شهدت تحركات حلفاء بني العباس ووصلت جنودهم بقيادة بن قحطبة الى الفرات وغالبا ما تنتج تلك الطواعين عن الحروب والأزمات وقد تقدم ما ذكره المدائني من انتشار الموت وأعداد الموتى في هذا الطاعون وعلى مدى ثلاثة أشهر.
وقد استمرت الأوبئة في العراق في العصر العباسي وماتلاه من دول وممالك وقد ذكرت أحداثه ووقائعه مصادر التاريخ التي أعقبت كتاب تاريخ الرسل والملوك المعروف بتاريخ الطبري وتاريخ الكامل في التاريخ لابن الأثير، فقد حدث تفشي لوباء الطاعون ومرض السعال بين الناس في سنة مئة وست وتسعين من الهجرة في ظل خلافة الهادي العباسي، ثم عاود الظهور في سنة مئتين وثمان وخمسين من الهجرة وهي بذلك تكذب مقولة اختفاء الطاعون في عصر بني العباس الأول، وفي سنة مئتين وتسع وخمسين ظهر مرض غريب في بغداد هلك به خلق من أهل بغداد أسموه القفاع، وفي سنة ثلاثمئة من الهجرة ظهرت أمراض وعلل بين الناس ورافقها ظهور داء الكلب وانتشاره في البادية، وفي سنة ثلاثمئة وأربع وثلالثين من الهجرة حصلت أمراض وأوبئة في بغداد بسبب الجوع والقحط، وفي سنة ثلاثمئة وست وأربعين ظهرت أمراض وأوبئة وكثر الموت بها وفق ما أورده باقر أمين الورد في كتابه "حوادث بغداد في اثتي عشر قرنا" ثم وقعت في العراق تسع جائحات من الطاعون وغيره من الأوبئة في القرن الخامس الهجري وست جائحات منها في القرن السادس الهجري وجائحتين في القرن السابع الهجري وفق ما ذكره د.عبد الحسين مهدي الرحيم في كتابه "الخدمات العامة في بغداد".
لكن الورد يذكر جائحة واحدة في هذا القرن أصابت أهل بغداد في حلوقهم وخوانيقهم ومات بسببها خلق كثير، ثم الجائحة الكبرى التي اجتاحت المشرق والمغرب الاسلاميين في القرن الثامن الهجري التي تحدث عنها ابن خلدون ويقول عنها الورد أنها كانت قادمة من المشرق وأنه لم تسلم منها عائلة من عائلات بغداد ان لم يأتي على كل أفرادها فانه يفتك ببعضهم، لكنه تحدث عن جائحة أخرى أصابت بغداد في سنة سبعمئة وست وأربعين من الهجرة وقد شملت العالم كله نقلا عنه ويقول أنها عمت سائر الدنيا وتسببت بموت نصف سكان العالم ولعلها هي التي أرادها ابن خلدون في روايته.
ثم عاود هذا الطاعون الظهور مرة أخرى في القرن الثامن الهجري أيضا في سنة سبعمئة وأربع وستين من الهجرة وقد هلك بسببه خلق كثير في بغداد ولعله في كل العراق لأنه شمل كل البلدان العربية وفق ما نقله الورد، وهو ما يدعونا الى القول بان حديث المؤرخين عن أوبئة وطواعين بغداد انما يشمل العراق كله أو بعض أجزائه، ثم عاود هذا الوباء الظهور مرة أخرى في بغداد قادما اليها من دمشق في سنة سبعمئة وأربع سبعين من الهجرة وانتشر في سائر البلاد المجاورة لبغداد، ثم أعقبه طاعون رهيب في بغداد في سنة سبعمئة واثنين وتسعين من الهجرة بلغ فيه الوفاة كل يوم مئة شخص من أهل بغداد ثم اجتاح وباء الطاعون بغداد وكل العراق في سنة سبعمئة وتسع وتسعين من الهجرة وكانت ضحاياه بالآلاف وفق ما أورده الورد وكان هذا الطاعون هو خاتمة طواعين القرن الثامن الهجري التي يبدو أنها أسوأ الطواعين التي اجتاحت العالم ووصلت الى العراق.
وأما في القرن التاسع الهجري فقد اجتاحت العراق والعالم سبع طواعين في بعض منها كادت أن تخلوا البلدان من أهلها لاسيما طاعون سنة ثمانمئة وتسع عشر من الهجرة، وبعض منها جاء على أكثر أهل بغداد والعراق لاسيما طاعوني سنة ثمانمئة واحدى وأربعين من الهجرة وسنة ثمانمئة وأربع وسبعين من الهجرة وأخطر هذه الطواعين هو طاعون سنة ثمانمئة وسبع وتسعين من الهجرة وقد شمل العالم كله ومات فيه ربع سكان العالم وفق الورد وهو الطاعون الشهير الذي حدث في العالم فيما يقابل تأريخه الهجري من التاريخ الميلادي في سنة ألف وأربعمائة وواحد وتسعين من الميلاد، لكن القرن العاشر الهجري وهو ما يقابل القرن السادس عشر الميلادي لم تتم الاشارة فيه الى وباء الطاعون وغيره عند الورد وغيره من المصادر.
وأما في القرن الحادي عشر الهجري ويقابله القرن السابع عشر الميلادي فقد أصاب العراق أربعة أوبئة من الطواعين كان أولها في سنة ألف وخمس وأربعين من الهجرة وكانت الوفيات عدة الاف من الناس في اليوم الواحد، ثم أعقبه تفشي هذا الوباء مرة أخرى في سنة ألف وثمان وأربعين، وفي سنة ألف ومئة وواحد من الهجرة عاود الطاعون ظهوره وفتك بالناس فتكا ذريعا وقد عاد الى التفشي مرة أخرى في السنة الثانية بعد الألف والمئة من الهجرة ويقابل من التقويم الميلادي سنة 1690 م وقد ذكره الورد باسم أبو طبر وقد بلغت الوفيات فيه نحو ألف نسمة في اليوم الواحد لكن الاستاذ جعفر الخياط في ترجمته "رحلة فريزر الى بغداد" وتعليقاته عليها ذكر أن هذا الوباء من الطاعون والذي اسماه الناس (أبو طبر) ظهر وانتشر سنة 1689م وهو ما يقابل الطاعون السابق في سنة ألف ومئة وواحد من الهجرة.
فقد تفشى هذا الطاعون في بغداد في سنة 1689م وأسماه البغداديون "أبو طبر" وقد فتك بـ "100 ألف" وفق رواية بعض المؤرخين ولعل الـ " 100 ألف " هم كل ضحاياه في العراق وليس في بغداد حصرا، ونجد أن وصف عصابة مجرمة ظهرت في بغداد في سبعينات القرن العشرين باسم أبو طبر هو استعادة لذاكرة بغدادية مأساوية قديمة هي مأساة هذا الطاعون.
ثم عاد الطاعون الى بغداد في سنة 1690م وجاءت العدوى فيه من مندلي يحملها الهاربون الى بغداد من هذا الوباء الجائح وما لبث أن انتشر في كل أرجاء العراق وكان أشد فتكا، ثم ما لبث ان اجتاح الطاعون مدينة الموصل في سنة 1737م وأصاب من الأهالي الألف في كل يوم وانتقل الى بغداد فهلك به خلق كثير لم تتوفر احصائية عنهم، ثم ظهر هذا الداء الجائح مرة أخرى في بغداد في سنة 1772م وكان قد انتقل اليها من اسطنبول وفي رواية فإنه قد مات بهذا الطاعون في بغداد سبعون ألفا ولعله رقم مبالغ فيه لكن من المؤكد أن خلقا كثيرا قد ذهب فيه وقد أعقبه انقطاع الأمطار في سنة 1775م فامحلت الدنيا وارتفعت الاسعار وعمت المجاعة وسني القحط، وفي نهاية تلك السنة عاد الطاعون مرة أخرى وحصد الكثير من أرواح الناس.
ثم عاود الظهور في سنة 1802م ولم تتوفر احصائية عن هلكى الناس في هذا الداء العضال حتى اذا جاءت سنة 1820م ظهر وباء جديد هو الكوليرا قادما من الهند الى البصرة، ويروى انه فتك بخمسة عشر ألف من أهلها ثم اجتاح كل العراق وصولا الى الشمال ومرورا بالوسط والجنوب وكانت حصة بغداد فيها كبيرة وفق ما أورده الاستاذ جعفر الخياط في تعليقته على الترجمة المزبورة، التي نقل فيها شاهد عيان هو الرحالة البريطاني جيمس بيلي فريزر الذي زار بغداد في سنة 1838م عن مشاهداته في بغداد بعد جائحة الطاعون الأخرى في سنة 1831م ونقل عن مصادره التاريخية والمحلية في بدء هذا الوباء في أوائل هذه السنة ووفق روايته تم اخفاءه واهماله من جانب المسؤولين فأدى الى انتشاره واجتياحه البلاد، وهي تكشف أن هذا أسلوب كل الحكومات في كل العصور وهو ما شاهدناه في عصرنا الحديث هذا.
وينقل هذا الرحالة عن المقيم البريطاني في بغداد أنه التزم هو وعائلته ومجموع العاملين لديه بالحجر الصحي وتجنب الملامسة وهو ينسب هذا التصرف الى طبيعته الأوربية التي استفادت من تجارب انتشار جائحات الامراض في أوربا واقتدى به بعض المسيحين العاملين معه فنجوا ونجت أسرهم –نذكرها للعبرة- وأما أهل بغداد فانهم ماجوا وهاجوا ولم يتعاملوا برؤية وروية صحية فهلك الكثير منهم.
ويشرح الرحالة فريزر عقيدة أهل بغداد في القضاء والقدر في مواجهة هذا الوباء وكيف أنهم حين هربوا فانهم نقلوا العدوى معهم الى مناطق الهرب وأنهم كشفوا عن ايمان غير راسخ بالقضاء والقدر الذي يقتضي المواجهة وليس الهرب وهو محق في شرحه وتعليله.
وكان عدد الموتى وفق روايته تبلغ في اليوم الواحد ما يزيد على الألف لاسيما ما بين اليوم السادس عشر الى اليوم الحادي والعشرين من شهر نيسان، ولعل بالجمع يبلغ العدد أكثر من سبعة ألاف وهو رقم مقبول بحثيا.
ويقدر الباحث المرحوم جعفر الخياط العدد من الموتى بهذا الوباء الجائح بثلثي سكان بغداد. وهناك صور من البشاعة والأسى والألم ينقلها هذا الرحالة وغيره من المؤرخين عن هذه الجائحة التي أصابت بغداد ما يدع الانسان يشعر بمرارة الدنيا وجزع الحال على صنوف البلاء التي رافقت وواجهت هذه البلاد ولذلك أعرضنا عن نقل كامل رواياتهم وكل صور مشاهداتهم.
وفي القرن العشرين أول وباء أصاب بغداد هو الطاعون و كان في العام 1910م ومات فيه كثير لم يفصح عن عددهم، وفي سنة 1917م تفشى مرض الكوليرا في بغداد وبعد سنتين عاد وباء الطاعون في سنة 1919م ومات فيه ستمائة شخص وفيه ولأول مرة جرت عملية التطعيم ضد هذا المرض في العراق، لكنه ما لبث ان عاد في بغداد في سنة 1922م ثم أعقبه تفشي وباء الكوليرا في سنة 1923م وقد فتك بالناس فتكا ذريعا، وفي سنة 1948م ظهر وباء الجدري في سبع محافظات عراقية وقامت السلطات الصحية في البلد بإعلان التلقيح العام ضد هذا المرض وكان هذا أخر أوبئة العراق في القرن العشرين اعتمادا على ما أحصاه باقر أمين الورد.
وهو ما يدعو الى العبرة واتخاذ الاجراءات الواجبة والالتزام بالتعليمات بمواجهة جائحة فيروس كورونا، سلّم الله بلادنا ومجتمعنا من هذا الشر المستطير ولاحول ولاقوة الا بالله العلي العظيم..
اضف تعليق