تعتبر عقيدة (الماشيح) من ثوابت الأركان الأساسية في الإيمان اليهودي، وهذه العقيدة تتمحور حول شخص الملك القادم والذي سيكون ممسوحا بالزيت المقدس، وينحدر من سلالة الملك داوود عن طريق ابنه الملك سليمان، والذي سيكون ملكا عظيما، من طراز عظمتهما، وسيكون ظهوره وفترة ملكه بداية لمرحلة...
تعتبر عقيدة (الماشيح) من ثوابت الأركان الأساسية في الإيمان اليهودي، وهذه العقيدة تتمحور حول شخص الملك القادم والذي سيكون ممسوحا بالزيت المقدس، وينحدر من سلالة الملك داوود عن طريق ابنه الملك سليمان، والذي سيكون ملكا عظيما، من طراز عظمتهما، وسيكون ظهوره وفترة ملكه بداية لمرحلة جديدة للإنسانية، تتميز بانتهاء الاضطهاد لليهود، وعودتهم جميعا من الشتات الى الأرض المقدسة، وارتفاع شأنهم على جميع الأمم، التي ستعترف بفضلهم وتفوقهم، وانهم نور العالم، وسوف يفرض هذا الملك الماشيح السلام على جميع الأمم، وتنتهي الحروب، ويقوم ببناء الهيكل الثالث لليهود، ويعيد العمل بتطبيق شريعة التوراة…. وهناك تفاصيل اخرى كثيرة عن هذا الاعتقاد.
طوال فترات التاريخ، ظهر الكثير من الأشخاص الذين ادعوا المسيحانية او التصقت بهم صفة المسيح، وقد تجاوز عدد هؤلاء الأشخاص الخمسين!!....ففي فترة القرن الميلادي الأول فقط، كان هناك سبعة أشخاص ادعوا أنهم المسيح المخلص لليهود، من بينهم يسوع الناصري وقصته معروفة للجميع، وفي النصف الأول من القرن الميلادي الثاني، كان هناك ايضا شخصية مهمة ادعت المسيحانية وهو القائد اليهودي (شمعون بار كوخبا) الذي قاد ثورة يهودية شهيرة وحاول تأسيس مملكة يهودية مستقلة عن الرومان، وايده في ثورته كبار حاخامات اليهود في وقته من أمثال الراباي (يوسف بن عكيفا) وبعد ثلاث سنوات، انتهت تلك الثورة على يد الجيش الروماني، وكان مصير المسيح (بار كوخبا) القتل، كما هو الحال مع أغلب الأشخاص الآخرين الذين سبقوه بادعاء المسيحانية!
في بداية القرن السابع عشر، وعقب اشتداد اجرام وبطش محاكم التفتيش المسيحية في إسبانيا، وتنكيلها الوحشي بغير المسيحيين هناك، كاليهود والمسلمين، كان هناك اسرة لتاجر يهودي، هرب من اسبانيا واستقر بالعيش في مدينة ازمير التركية أيام السلطنة العثمانية، وكان احد ابناء هذه الاسرة، شاب يهودي ذكي ومتدين وشغوف بالعلم ومعرفة تعاليم التناخ اسمه (سبتاي تسفي او زيفي) مولود في سنة 1626
كان هذا الشاب اليهودي الذكي، والواسع الاطلاع والعلم، يمتاز بالجرأة والشجاعة، وقوة البيان والحجة، والنشاط الدائب، وصل الى مرتبة (راباي) بوقت مبكر من العمر، يبدو انه كان ايضا يمتلك كاريزما قوية، وشخصية جاذبة ومؤثرة، ويجيد بناء العلاقات، وجمع الأتباع والمريدين!
في تلك الفترة، التي كان اليهود يعانون من الاضطهاد الكنسي المسيحي الوحشي في إسبانيا، كان من الطبيعي في مثل هكذا احوال، ان تتوجه العيون نحو السماء!!!... وترتفع وتيرة الآمال في مجيئ المخلص الذي سيوقف عجلة الهلاك والإبادة للشعب اليهودي، وتزداد الأقاويل والتوقعات بقرب حلول وقت ظهور المسيح الملك الخارق القدرات.
ويبدو ان الشاب (سبتاي) قد استغل تنامي هذه المشاعر لدى الشعب اليهودي، فاعلن في عام 1648 انه قد نبأته السماء (أصبح نبيا)...وأنه هو المسيح القادم!
بعد هذا الإعلان، بدأت أعداد المصدقين بدعوته تتزايد بسرعة، نتيجة للتفسيرات التي صار يضعها لنصوص التناخ، وللتعاليم الدينية الجديدة التي صار يصدرها، وكذلك نتيجة لتفوقه على حاخامات اليهود الذين عارضوه او شككوا بدعوته.
وبعد فترة من النشاط الدعوي الجديد الدؤوب، وبعد أسفار متعددة قام بها المسيح الجديد الى مناطق عديدة من العالم، اصبح هناك الالاف من المصدقين به الذين انضموا الى اتباعه الأخذ عددهم بالازدياد.
وصار الكثير منهم يترقب إعلان اللحظة التي سيعود فيها اليهود بصحبة ملكهم المسيح الى ارض الميعاد، وقام الكثير من اليهود ببيع وتصفية أملاكهم، انتظارا لساعة شد الرحال للعودة المظفرة!!!
بعد ازدياد رقعة الاتباع في السلطنة العثمانية، وبعد اشتهار أمر الملك المسيح اليهودي، والضجة التي رافقت ظهوره، قامت السلطات العثمانية، بالقبض عليه، لتدارك خطره، ووأد حركته التي تهدف الى تأسيس مملكة مستقلة في فلسطين الخاضعة في ذلك الوقت للحكم العثماني، فتم تقديم (سبتاي تسفي) الى المحاكمة بتهمة بث الفتنة والفرقة.
وقد عقدت له محاكمة كبيرة حضرها كبار المسؤولين في الادارة العثمانية، ويقال ان السلطان العثماني (محمد الرابع) حضر بنفسه المحاكمة من وراء ستار!
واثناء المحاكمة، حدث ما لم يكن بالحسبان...فقد أعلن المسيح الجديد توبته، وتراجعه عن دعوته، واعتناقه الدين الاسلامي!!...الامر الذي ادى بالسلطان العثماني الى إصدار عفو عنه...بعد ان أصبح مسلما، واتخذ اسما اسلاميا!
وقد حاول الكثيرون تفسير سبب اعلان (سبتاي تسفي) اعتناقه الإسلام، فهناك من قال انه تم تخييره بين الإعدام وبين الإسلام، وهناك من يقول ان المترجم اليهودي أوحى له بهذه الفكرة، وآخرون يعتقدون أنها كانت حركة تكتيكية ذكية منه للتخلص من العقاب ولمواصلة دعوته تحت غطاء الاسلام وبعيدا عن سخط الدولة!!..وهناك تأويلات أخرى.
ومهما يكن السبب، يبقى الأهم هو تأثير (حركة النذالة) هذه - كما يقول المصريون- او (الدكة الناقصة) كما يصف العراقيون، على اتباع هذا المسيح الجديد!!
يقول عالم الاجتماع وعلم النفس الأمريكي البروفيسور (ليون فيستغر) في كتابه الماتع والرائع (عندما تفشل النبؤة):
ان كثير من الذين يؤمنون بفكرة ما إيمانا صادقا وعميقا، يصعب عليهم التخلي عن تلك الافكار حتى لو اتضح لهم خطأها، بل ان اغلبهم يصبحون اكثر تمسكا بها، واكثر شراسة بالدفاع عنها، ويحاولون إعادة قراءة الأحداث من جديد، من أجل تركيب تفسيرات وتأويلات، تثبت صحة ما اعتنقوا من إيمان!
وهكذا كان الحال مع الكثير من اتباع هذا المسيح الجديد، فقد حاول المؤمنون به، ان يضعوا تأويلات تفسر تراجع مسيحهم وخذلانه لهم، وتعطيهم اطمئنان نفسي بأنهم لم يكونوا مخطئين، وانهم اتبعوا الإيمان الصائب!
فقال البعض منهم، ان الشخص المسجون ليس هو المسيح المخلص، وانما هو شبه له، القي على الشيطان، وان مسيحهم قد ارتفع الى السماء، وسف يعود قريبا لاستكمال رحلة النصر الى أرض الميعاد!
ومع مرور الوقت، وحتى بعد وفاة (سبتاي تسفي) عام 1676 في ألبانيا، ظل الكثير من أتباعه، متمسكون بإيمانهم بأنه هو المسيح الحقيقي، وصاروا يضعون تأويلات تفسر اعتناقه للإسلام، وأنها جزء من التخطيط الإلهي، من أجل انتصار دعوة ذلك المسيح، وتسيدها على العالم، وان المسيح لم يمت، وإنما ارتفع للسماء...وسوف يعود مرة أخرى!!
وصار المؤمنون به يهرعون الى النصوص المقدسة لاستخراج اشارات وعلامات تدلل على مصداقية ايمانهم!!
ان دعوة وحركة (سبتاي تسفي)، تعتبر اخر دعوة للمسيحانية، ذات أهمية وصدى واضح، وتأثير ملموس.
فلا زال يعتقد بدعوته بعض أتباعه الذين أصبحوا يسمون بيهود (الدونما) وتعني (العائد او التائب) لهم وجود في تركيا، وان كان اغلب اليهود يعتبرونهم خارجين عن اليهودية، وكذلك يعتبرهم بعض المسلمين، من المتسترين بالإسلام!!
اضف تعليق