طائفة المورمون المسيحية، وهي تعتبر من الطوائف المسيحية التي نشأت حديثا - نسبيا- في امريكا حوالي عام 1830م على يد شخص اسمه (جوزيف سميث) والذي يعتبره أتباع الكنيسة المورمونية، النبي المؤسس لهذه الطائفة، الآخذة بالازدياد والانتشار، حيث بلغ افرادها حوالي خمسة عشر مليون مسيحي، يعيش...
يتداول بعض رابايات اليهود، في معرض السجال العقائدي مع المسيحيين، طرفة تدور حول العلاقة المسيحية – اليهودية، وهذه الطرفة مفادها:
ان مسيحيا طيبا ظهر له الرب!!.... فسأل ذلك المسيحي ربه قائلا:
لماذا يا رب خلقت المورمون؟
فأجابه الرب:
من اجل ان تعرفوا وتقدروا مشاعر اليهود نحوكم!!
قد تبدو هذه الطرفة غير مفهومة لبعض الاعزاء من القراء الكرام، لكني اتمنى ان تكون الفكرة واضحة لديهم عند استكمال قراءة المقال!
في البداية، نحتاج الى عرض نبذة مختصرة عن طائفة المورمون المسيحية، وهي تعتبر من الطوائف المسيحية التي نشأت حديثا - نسبيا- في امريكا حوالي عام 1830م على يد شخص اسمه (جوزيف سميث) والذي يعتبره أتباع الكنيسة المورمونية، النبي المؤسس لهذه الطائفة، الآخذة بالازدياد والانتشار، حيث بلغ افرادها حوالي خمسة عشر مليون مسيحي، يعيش حوالي ستة ملايين منهم في الولايات المتحدة الأمريكية.
وإستنادا إلى تاريخ الكنيسة المورمونية فإن منشأ مصطلح المورمون هو نبي كان إسمه النبي مورمون والذي قام بنقش كتاب المورمون على ألواح ذهبية ثم ظهر على شكل ملاك لمؤسس الكنيسة المورمونية جوزيف سميث في عام 1827 واخبره عن موقع الألواح الذهبية التي تحتوي على نصوص مقدسة، حيث كانت مخبأة في تل كومورا في مدينة مانشستر بولاية نيويورك، وحسب الرواية التاريخية فإن الألواح كانت تحت حماية ملاك حيث قام جوزيف سميث بتلقي ترجمة الألواح من الملاك وكانت الألواح عبارة عن تأريخ المستوطنين الأوائل لقارة أمريكا تمت كتابته من قبل النبي مورمون، والذي قام بتكليف جوزيف سميث بمهمته النبوية، ليكون نبيا يعمل على نشر وتصحيح الإيمان المسيحي!
وقد أطلق النبي (سميث) على كنيسته الجديدة اسم (كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة)
ولدى المورمون كتب يعتقدون بأنها مقدسة، بالإضافة الى العهد القديم والعهد الجديد، ومن أهم تلك الكتب هو (كتاب مورمون)، والذي يعتبرونه التكملة للكتاب المقدس، وبالإضافة الى ذلك، لديهم أيضا كتب اخرى مقدسة، مثل كتاب (لؤلؤة كثيرة الثمن)، وكتاب (المبادئ والعهود)... ويعتبرونها اضافات تكميلية للعهد الجديد.
يشترك المسيحيون المورمون مع بقية الكنائس المسيحية في بعض أصول الإيمان المسيحي، مثل الاعتقاد بألوهية يسوع المسيح، والتعميد، وغيرها…. ويختلفون معهم في امور اخرى.
يمتاز المسيحيون المورمون بأنهم ينشطون في خدمة كنيستهم، وفي الدعوة الى عقيدتهم، وكذلك يمتازون بالتشديد على اهمية الاسرة وترابطها، ولا يقيمون اي علاقات جنسية قبل الزواج، ويعتبرون شرب الخمر والتدخين من المحرمات، ويتميزون كذلك باعتقادهم ان النبوة مستمرة، ولازال لديهم الى الان انبياء يخلف أحدهم الاخر!
يعتبر المورمون أنفسهم جزءا من الديانة المسيحية، ولكن معظم الكنائس المسيحية ترفض ذلك، وتعتبرهم فرقة مهرطقة ضالة، ولا تستند الى الإيمان القويم، وقد حدث الاصطدام مبكرا بين الكنيسة المسيحية وبين المورمون، الذين تعرضوا الى الإضطهاد بسبب عقيدتهم التي لم تلق ترحيبا من أغلبية المسيحيين الذين حاربوهم بشدة وعنف، وكان مصير نبي المورمون، ان اقتيد مع اخيه، ليتم تصفيتهم جسديا!
ان سبب رفض الكنيسة المسيحية لعقيدة المورمون، يمكن تلخيصه بأسباب تعتبر جوهرية لدى الكنيسة مثل اعتقاد المورمون بكتب اضافية الى جانب الكتاب المقدس، وكذلك بسبب خروج المورمون عن ثوابت قانون الايمان المسيحي.
والسبب الاهم هو، ان المورمون يتبعون نبي كاذب ادعى ان السماء تواصلت معه، واقنع اتباعه بهرطقات مضللة وبدعة زائفة، تخالف الثوابت الايمانية التي سطرتها نصوص العهد الجديد.
ان هذه النظرة التقيمية للكنيسة المسيحية نحو طائفة المورمون، تجعلنا بحاجة الى معاودة قراءة السيناريو التاريخي لتشكلات العقيدة المسيحية نفسها، ومتابعة مراحل تطورها، والتي ابتدأت تأخذ برادايم الديانة المستقلة، مع بداية مرحلة تدوين النصوص المسيحية المقدسة، حيث كانت باكورتها، رسائل بولس الرسول، وتعليماته، وشروحه للعقيدة الجديدة، والتي أصبحت التأصيل الأساسي للإيمان المسيحي الحالي، واحتلت الحيز الأعظم من مساحة تدوينات العهد الجديد.
ادعى بولس التواصل المباشر مع السماء، من خلال ظهور الرب المسيح له، وكذلك من خلال الوحي والإلهام السماوي الذي يتلقاه، بشكل مباشر، وبدأ يمارس وظيفته النبوية التي كلفه الرب بها، ويدعو الآخرين الى اتباع الطريق الوحيد للخلاص، من خلال القبول بالعقيدة الجديدة، والتي من ضمن أركانها، التوقف عن العمل بتعليمات التوراة، فلا داعي بعد الان للختان او التقيد بشرائط الاكل والطعام (الكوشر)...معتبرا ان الخلاص يأتي بالإيمان فقط، وليس بالالتزام بالناموس.
اضافة الى ذلك، فتح بولس باب الجدل حول طبيعة الإله ووحدانيته، التي تحددها نصوص العهد القديم، وبشكل صارم، على ان الرب هو إله واحد، ليس معه آخر، بينما نجد العقيدة المسيحية تتحدث عن اله معه الهين اخرين ليصبح اله ثلاثي الابعاد.
موقف اليهود من الديانة الجديدة في ذلك الوقت، كان تماما، مثل موقف الكنيسة المسيحية من المورمون، حيث ان اليهود بدأوا يواجهون دعوة جديدة، تخبرهم ان كتابهم المقدس (التاناخ) لم يعد كافيا، وان عليهم التزام الكتاب الجديد!
وان تعليمات الناموس، الذي جاء به نبيهم موسى، واخبرهم ان عليهم الالتزام بها للابد، لم تعد ضرورية ولا حاجة لها!
وانهم معاشر اليهود، وطوال القرون العديدة، لم يكونوا يفهمون حقيقة نصوص كتابهم المقدس، وعليهم ان يتعلموا معنى تلك النصوص وغاياتها من السيد بولس الرسول الذي كلفه الرب بهذه المهمة، من دون شهود على حقيقة ذلك التكليف!
ان رد الفعل الطبيعي لغالبية اليهود، كان تكذيب ادعاءات بولس وجماعته، والالتزام بكتابهم المقدس وتعاليمه، وهو بالمصادفة يشبه تماما نفس مفارقة الرفض المسيحي لادعاءات النبي جوزيف سميث وتعاليمه، والتشبث بالالتزام بالكتاب المقدس، وتعاليم العهد الجديد!
ومن هنا يتضح ان المعايير التي جعلت الكنيسة المسيحية ترفض عقيدة المورمون، وتعتبرهم اتباع بدعة هرطوقية ضالة جاء بها نبي كاذب، هي، وللمفارقة، نفس المعايير التي جعلت حاخامات اليهود وعلمائهم، يرفضون العقيدة المسيحية في الحقبة التأسيسية لها، وينظرون لتلك الجماعة الايمانية ورسولهم بولس، بنفس نظرة الكنيسة للمورمون ونبيهم!!
ان هذه المفارقة التاريخية الطريفة، تجعلنا نفهم حقيقة مشاعر اليهود ونظرتهم تجاه العقيدة المسيحية، وبالتالي تجعلنا نفهم مغزى النكتة اليهودية، المذكورة في صدر المقال!
اضف تعليق