قبل سنة قام فريق من الاركولوجيين المتحمسين بالحفر في طبقات الطين والمياه في احد الاحياء المزدحمة بالسكان في القاهرة، وهو موقع بُني على بقايا مدينة هليوبوليس الفرعونية. في هذا المكان عثر علماء الآثار على نصب ضخم اعتقدوا انه يمثل الحاكم الفرعوني رمسيس الاكبر. غير ان...
قبل سنة قام فريق من الاركولوجيين المتحمسين بالحفر في طبقات الطين والمياه في احد الاحياء المزدحمة بالسكان في القاهرة، وهو موقع بُني على بقايا مدينة هليوبوليس الفرعونية. في هذا المكان عثر علماء الآثار على نصب ضخم اعتقدوا انه يمثل الحاكم الفرعوني رمسيس الاكبر.
غير ان هذا التفاؤل سرعان ما تبخر عندما وجدوا ان النصب ليس لرمسيس الاكبر وانما لبسماتيك الاول Psamtik1 حاكم مصر في القرن السابع قبل الميلاد. واذا كان بسماتيك قد نُسي من جانب العالم الحديث فهو نال الاعجاب والتقدير في زمانه كحاكم حاسم عزز التجارة والعلاقات الدبلوماسية مع اليونان. سياسته سمحت للهيليين تأسيس مستعمرات على الاراضي المصرية لأول مرة فاتحين الباب للتجارة والعلاقات الثقافية التي استمرت لأكثر من ثلاثمائة سنة.
المؤرخون اليونانيون والهيليون اللاحقون مثل هيرودوتس في تاريخه كانوا مقتنعين بان هذه السياسة كانت الشرارة التي خلقت تحولا محوريا في ثقافة اليونان حيث انتقلت الفلسفة من الاراضي اليونانية. العديد من اولئك المؤرخين يرون انه في هيليبوليس كان المفكرون اليونانيون الاكثر عمقا مثل فيثاغوروس وافلاطون، يعلّمون اساس الميتافيزيقا وعلم الفلك والهندسة.
وفي الالفين سنة اللاحقة، تأرجحت بوصلة الدراسات التاريخية بين باحثين يحترمون المصريين كمصدر للحكمة الغربية، واولئك الذين ينكرون تلك الفكرة ويعتبرونها وهما. وفي اواسط القرن التاسع عشر رفض معظم المؤرخين الغربيين وبقوة "النظرية المصرية". في عام 1820 قام جين فرانكو شامبلن Jean francois champollion بفك رموز الكتابة الهيروغليفية المصرية عبر دراسة منحوتة الروستا المتعددة اللغات. هذه العملية فتحت كمية كبيرة من النصوص المصرية الاثرية امام الباحثين في القرن التاسع عشر الذين ادركوا بسرعة ان اسلوب المصريين القدماء في التعبير اختلف كثيرا عن ذلك الذي وُجد في نصوص مثل ميتافيزيقا ارسطو وكتابات بلوتينوس. هذا الاكتشاف أنهى الامل في النظرية الهيليبوليسية والعديد من الافكار الاخرى. هم رأوا الفلسفة "كمعجزة يونانية" وُلدت خصيصا من الثقافة اليونانية التي ألقت ضوء العقلانية على جمود الفكر الشرق اوسطي والافريقي في ما قبل الفلسفة.
ولكن بعد قرن عادت الاطروحة المصرية بقوة، عندما قام عدد من الكتاب الافريقيين والكاريبيين والامريكيين الافريقيين بإثارة انتباه الميديا بادّعائهم ان الفلسفة اليونانية سُرقت من افريقيا وخصيصا من مصر. اكاديميون مثل الدكتور موليف كيت Molefi Kete Asante من جامعة تيمبل استندوا على مختلف المصادر الرئيسية والثانوية اليونانية والرومانية والمصرية للادّعاء بان الحضارات الافريقية كانت اصل الفكر والعلوم والطب الغربيين. اما مارتن بيرنال Martin Bernal رغم انه ليس ضمن معسكر المركزية الافريقية لكنه كتب ايضا حول ما اعتقده اصول مصرية للفلسفة اليونانية وذلك في الجزء الاول من عمله (اثينا السوداء، 1987). وحين قام عدد آخر من خبراء الحضارة القديمة بالنظر عن قرب بتلك الحجج، اكتشفوا تفسيرات غير منسجمة للنصوص بالإضافة الى الادعاءات الزائفة مثل الادعاء بان ارسطو سرق الفلسفة المصرية من مكتبة الاسكندرية (المكتبة بنيت بعد وفاة الفيلسوف). علماء المصريات والكلاسيك رفضوا الادّعاء بالتاثير الكبير لمصر على الفكر اليوناني.
باحثون تقف خلفهم مؤسسات اكاديمية ثقيلة مثل البرفيسوره Mary Lefkowit في كلية ويلسلي اختزلوا القضية الى قول بسيط وهو ان المصريين ركزوا على الاسطورة بينما اليونانييون فضلوا العقل والمنطق. افريقيا لم تعلّم شيئا لليونانيين في مجال الفلسفة، وكل ادّعاء آخر هو نوع من الفنتازيا او التمنيات السياسية، انظر (ليس من افريقيا: كيف اصبحت المركزية الافريقية سببا لتعليم الاسطورة كتاريخ، 1997).
من المدهش ان معظم اولئك الذين يجادلون سواء لصالح التأثير المصري او ضده تجاهلوا دراسات هامة كشفت عن اشياء مفاهيمية نادرة وسط نصوص مصرية قديمة تعود لآلاف السنين. حالما يتم استعمال الافكار القديمة، فان تلك النصوص تكشف عن افكار مشابهة لبعض مظاهر الفلسفة اليونانية الكلاسيكية مثل نظرية الاشكال ونظرية العناصر الاربعة والتنظيم العقلاني للكون. عندما ينظر المرء بهذه التشابهات المفاهيمية الى جانب العلاقات المصرية الهيلينية الحارة طوال فترة ما قبل سقراط بدءً من القرن السابع قبل الميلاد فصاعدا، فان امكانية ان تكون الفلسفة الغربية استمدت بعض حوافزها الاولى من حضارة شمال شرق افريقيا لا تبدو ضربا من الخيال. اذاً لننظر بسرعة في بعض هذه المظاهر.
الواحد والمتعدد في مصر القديمة
على خلاف ما كان في اليونان الكلاسيكية فان الكوسمولوجيا المصرية، المفاهيم الميتافيزيقية والاخلاقية لم تتبلور عبر قرون قليلة. بدلا من ذلك فهي كانت محصلة لألف عام من العمل الفكري خلاله طور مئات الكهنة طرقا للتعامل مع التحديات في صنع معنى للكون. وكجزء من تلك العملية، برزت العديد من المدارس الفكرية الدينية وهي تتنافس عادة لتأسيس قداستها المتعالية كخالق متسامي. هذا الصراع المحموم فتح وبلا قصد العديد من الانجازات الفكرية في نهاية الالف الثاني قبل الميلاد، والذي ادى الى تقدم ملموس في الافكار المصرية مشابه للمنطلقات الاساسية للفكر الهيلنستي والهيلينية المتأخرة.
في كتاب (الاجابات الثيولوجية لأمارنا، 2004)، بيّن عالم المصريات الالماني البارز جان اسمان Jan Assmann كيف بدأت العملية في القرن الرابع عشر قبل الميلاد عندما تسلم اخناتون العرش. هو سعى الى تحطيم المؤسسات الدينية القوية التي وقفت في طريقه اثناء السعي الى السلطة المطلقة باستعمال الرؤية السائدة قبل العلوم لإنهاء تعدد الالهة المصرية، فقام بتحريم تام لتعدد الالهة واستبدلها بكينونة واحدة: (اتين)، التجسيد الشخصي لقرص الشمس، او الطاقة الشمسية. مقتفيا اثر المفكرين ما قبل سقراط الذين تعقّبوا مصدر الكون لعنصر منفرد، قام اخناتون بنشر ودعم فكرة ان الطاقة الشمسية ليست فقط دينية وانما هي العنصر الوحيد الذي نشأ منه كل الكون. كل مكون للواقع المرئي جرى وصفه كـ "تطور" او نشوء من تلك الطاقة. اما عالم الالهة غير المرئية، عالم تحت الارض والارواح جرى نبذها كمجرد حكايات قديمة. المعابد جرى غلقها، الكتابات المنحوتة التي تشير الى آلهة اخرى تمت ازالتها، وحتى تجسيدات الالهة الاخرى جرى تحطيمها. كان هذا اول شكل للوحدانية في التاريخ جرى تبنّيه كتشريع رسمي للمملكة.
هذا الالغاء السريع لمجموعة ضخمة من الاديان خلق اذى كبيرا للنخبة المصرية الفكرية. هذه النخبة اعتادت على رؤية عقائد دينية متعددة متعايشة في مصر. التحطيم كان مفاجئا جدا لدرجة حالما توفي الفرعون، فان الكهنة الذين اطيح بهم قاموا بإعادة تأسيس النظام الثيولوجي القديم وبحماس استثنائي لكنه الان بخاصية جديدة تقوم على التسوية او التوفيق بين التعددية التي كان يتم تمجيدها في نظام الآلهة القديم والوحدانية الاخناتونية.
استجاب الكهنة لتحدي اخناتون في الواحدية بطريقة اعتمدت على الكتابات الهرمسية وحتى جهود اليونانيين القدماء امثال بارمنديس وزملائه للكشف عن الوحدانية المختبئة خلف تعددية العالم المرئي. الكهنة المصريون اعادوا بناء الافكار القديمة ليعرضوا كينونة دينية مختبئة، تمثلت بالشمس كمكون وباعث للحياة في الكون. في صراعهم مع المصطلحات المحدودة في زمانهم، حاول القساوسة الاشارة الى هذه الخصائص غير المادية لهذا الكائن الاسمى المجهول بتسميته بـ "الواحد" او "المختفي" او "شبيه الروح". هم ادّعوا بانه لا يمكن الوصول اليه باللغة او الفكر وانه شغل مكان انطولوجي منفصل. ومن المفارقة، ان نفس القساوسة ادّعوا ايضا ان ملايين الالهة والمكونات الاخرى للكون كانوا باستمرار يطورون اجزاء من هذه الكينونة المتجاوزة للوصف، والتي بقيت حاضرة مع انها غير مرئية في الكون. المصريون عادة استعملوا كلمة "Amun" او (المختفي) كاساس قصصي للاشارة الى كينونة متعالية بلا اسم كانت في نفس الوقت واحدا موحدا مختبئا لا محدود والعدد اللامتناهي للكون. هذا التأكيد على الاحادية اللامرئية للكون المرئي ربما كانت سابقة للفكرة اليونانية الايلية بان العالم المتعدد من التصورات الحسية يخفي او يسيء تمثيل الواقع الحقيقي، والذي هو وجود شمولي احادي.
العناصر الاربعة في مصر واليونان
في كتاب (City of the Ram-man:The story of Ancient Mendes,2010) يوضح الاركولوجي الكندي Donald.B.Redford بانه في مدينة ميندس المصرية طور القساوسة فكرة ان الكائن المتعالي في تجسيده لنفسه وبثه الحياة في الكون يُشار له عبر اربعة عناصر. هذه الفكرة ركزت على عقيدة قديمة بان الرقم اربعة يمثل كلية وكمال الكون. يجب القول ان هناك القليل من السوابق لهذه النظرية. في مينديس، القساوسة حددوا الرقم باربعة طبقا للقبول العام بفكرة كلية الكون.
الحكماء في ميندس استعملوا نعجة اسطورية باربعة رؤوس للتعبير عن هذه الفكرة. كل رأس يمثل اله، الذي بدوره يمثل عنصرا واهبا للحياة. ولهذا، osiris يمثل الماء و Re يرمز الى الشمس او النار، و Shu يرمز الى الهواء بينما Geb يمثل الارض. وعندما يتحدون يشكلون الوجود الاسمى. النعجة ذي الرؤوس الاربعة هي التي تشكل وتحفظ الكون.
كل من لديه معرفة اولية بالفلسفة في ما قبل سقراط سيلاحظ تشابها قويا مع نظرية طُورت في القرن الخامس قبل الميلاد للفيلسوف اليوناني امبيدوكلس Empedocles. متأثرا بفيثاغوروس يُعتبر امبيدوكلس مدينا بادخال نظرية العناصر الاربعة للفكر الغربي. هو ايضا ربط كل عنصر او (اصل) كما يسميه باله منفصل: زيوس كان الهواء، هيرا كانت الارض، هادس تمثل النار والشمس، اما نيستس تمثل الماء. امبيدوكلس ايضا ادّعى بانه عندما تتحد العناصر الدينية الاربعة فهي تشكل الكينونة الاسمى التي يسميها "sphairos". الفيلسوف استخدم رمزية الحب والكفاح في توضيح الكيفية التي تتحد وتتشظى بها تلك العناصر.
هل كان امبيدوكلس متأثرا بميندس؟
ليس من غير المعقول وصول الاله بالرؤوس الاربعة الى الشواطئ اليونانية اثناء حياة امبيدوكلس. بعد ذلك قام الفرعون احمس الثاني ببناء معبد في ميندس فقط قبل قرن من ميلاد امبيدوكلس. وفي اعقاب الخطوات التي قام بها بسامتيك، وسّع احمس التجارة والعلاقات الدبلوماسية مع العديد من المدن الهيلينية.التحالف مع حكام اليونان كان ضروريا للحفاظ على الحكم لأن الفرعون اعتمد على الجنود اليونانيين المستأجرين كي يُبقي اعداءه تحت السيطرة. قيل انه ساعد في اعادة بناء المعابد في اليونان وارسل المجوهرات الثمينة كهدايا لحكام سبارطة و لندوس و ساموس وحيث كان فيثاغوروس منشغلا ببناء علاقات وثيقة مع حاكمه الطاغية بوليكراتس.
وسواء كان امبيدوكلس لم ينقل افكاره مباشرة من مصر او عبر وسطاء فيثاغوريون مثلما تقترح بعض المصادر القديمة، فانه من الواضح ان التشابه بين عقيدته وتلك التي لدى اقرانه المصريين هي مثيرة للدهشة.
الذهن ونظرية الاشكال
خاصية اخرى للفكر المصري اقتربت من الفكر اليوناني القديم هي فكرة ان الكون عقلاني ومنظّم طبقا لمبادئ عقلية.
في أعقاب موت اخناتون بدأ الكهنة بالتعامل بلا تحفظ مع فكرة الذكاء والتعبير الالهي. في البدء كانت فقط الالهة جرى تصورها كنتاج للفكر الدقيق. ولكن حالا، جرى توضيح الخلق في كليته كنتاج لكل من العقل الالهي(الذي اطلق عليه المصريون القلب) والكلمة الآمرة (التي اسموها اللسان).
في ظل حكم الفرعون الملقب بـ Shabaka بلغ هذا المنظور الجديد أعلى مستوى له مع اهتمام اكثر تعقيدا في عملية الخلق التي لم تكن معروفة قبل العالم الهيليني. عالم المصريات الامريكي جيمس بريستد كانت له فكرة احدثت تحولا راديكاليا عندما اكتشف في المتحف البريطاني نصا ثيولوجيا شغل غرفة مظلمة. التحليل الدقيق للنص سمح له ليرى ان مؤلفيه عرضوا مبادئ عقلية كسبب للخلق. النصوص اشارت الى اله المهن الحرفية كاله متعالي، واشارت له "بالقلب" بما يعني انه كان الذكاء والقول الآمر لجميع الالهة والبشر.
الامريكي عالم المصريات J.P.Allen اوضح في (Creation through Hieroglyphs:The cosmic grammatology of Ancient Egypt,2007) كيف ميز الثيولوجيون بين الاشياء و"الكلمات الدينية" ليدركوا بان ptah (اله الحرف والمعمار)عندما حوّل المادة قبل الوجود الى كون، هو اتبع مجموعة محددة من الاشكال.المكونات المختلفة للكون كانت تمثل نسخا من مفاهيم اصلية (اشكال)، بنفس الطريقة التي اعتقد بها المصريون ان الهيروغلوفية مثّلت مفاهيما.
هذا التقييم لقي صدى في عمل الباحث باتريك بولان وكذلك المتخصص في الفن المصري Whitney M.Davies. في العشرينات من القرن الماضي اوضح بولان كيف ان المصريين استعملوا التعابير "الكلمات الدينية" للاشارة للمفاهيم عن الاشياء بدلا من الاشياء نفسها. وفي عام 1970 اندهش Aavies من الافلاطونية الكامنة بما اعتبره ميتافيزيقا مصرية. هو جادل بعناية في "افلاطون في الفن المصري"كيف ان هذه الميتافيزيقا – التي يتألف فيها العالم من نسخ من كلمات دينية- انعكست في فن الحضارة، لأن الفنانين اتبعوا نسبا رياضية وقائمة متكاملة من "انواع المستويات" ليصفوا الواقع. ديفز ذهب الى درجة اقترح بأن هناك ارتباط عميق بين الفكر المصري ونظرية افلاطون في الاشكال. طبقا لـ Assman لخصت "الافلاطونية ما قبل النظرية" نزعة الكتابات المصرية لترى الاسماء او المفاهيم كما رُتبت هيراركيا في قائمة كاملة للكون. المصريون يرون ان تلك المفاهيم مرتبطة باله الحكمة الذي عُرف بـ "ملك الكلمات الدينية"وهو قيل ايضا مخترع الكتابة على مر الزمن. ولهذا ليس من المدهش، في الثيولوجي، ان يبدو اله الحكمة والكتابة (Thoth) ككلمة دينية تأمر الكون بالوجود طبقا لأشكال ما قبل الوجود.
حوارات افلاطون المتوسطة واللاحقة احتوت على وصف للكون كنسخ غير تامة للسلسلة الاصلية للاشكال. في حوار Timaeus مثلا، جعل افلاطون تيماس يصف اسطوريا، كيف استخدم مهندس الكون الاشكال كنموذج لإخراج الكون من الفوضى. طوال هذا الحوار والحوارات السابقة، جرى وصف الحرفي او المهندس بـ"Demiurge" كـ "ذهن" و "عقل"، يأمر الكون طبقا لنسب ومبادئ رياضية. ان ما هو مدهش اكثر هو ان افلاطون يعرض وصفا مختصرا لإله المصريين وذلك في اثنين من حواراته، لكي يوضح دور الالهة في التوسط بين الاشكال الدينية والنصوص المكتوبة.
استنتاج
في الستينات من القرن الماضي لخص عالم المصريات الفرنسي Jean Yoyotte القضية الواسعة عندما حاول حل لغزها الاساسي: حتى لو ان اليونان القديمة ومصر اختلفتا في اسلوبهما في تناول المفاهيم، فان بعض افكارهما القيّمة كانت متشابهة (انظر Lapense rephilosophique en Egypt,1969). Yoyotte اصر على التمييز بين اليونان الفلسفية ومصر ما قبل الفلسفة. ان حكماء مصر أكّدوا على العناصر الاربعة التي تؤطر وحدة الواحد والتعددية، بالاضافة الى دور الذكاء الديني في الكون قبل وقت طويل من مولد اول فيلسوف يوناني. وهكذا، لو وضعنا جانبا اختلاف اساليب التعبير، فانه من المعقول تماما ان المفكرين الهيليين استوردوا وتبنّوا الافكار المصرية لأغراضهم الخاصة.
اطروحة يويوت تبقى حية اليوم عندما كشف فريق جديد من المتخصصين مثل الكلاسيكية الامريكية سوزان ستيفن والفيلسوف روبرت هان عن الارتباط بين الفلسفة اليونانية القديمة ومصر القديمة (انظر Susan Stephens، جمهورية افلاطون المصرية، 2016). ومع احتدام النقاش، فان الاكتشاف الاخير في الهيليبوليس سلّط الضوء مرة اخرى على بسامتيك الاول، خالقا فرصة جديدة لاستكشاف دوره في ربط حضارة شمال شرق افريقيا القديمة بجنوب اوربا الفتية.
مؤرخو العالم القديم يميلون للاتفاق بان الزخارف المصرية والتقنيات ازدهرت في الفن اليوناني القديم وفي الهندسة المعمارية والطب. الشيء المتبقي الذي بحاجة الى حل هو معرفة ما اذا كانت السياسات الدبلوماسية والاقتصادية الفرعونية ايضا ساعدت في تحفيز الفكر الغربي. اذا كان تقييم يويوتي داعما لهذه النظرية فان كفة الدليل تشير الى ان ميراث بسامتيك الاول كان المساعدة في خلق الظروف لانطلاق الفلسفة الغربية. في عالم مسكون بشبح الانعزالية الشعبوية والرعب من الاجانب، يقف هذا الميراث كتذكير بليغ بالإمكانات الكبيرة الكامنة في التبادل الحضاري بين الامم.
اضف تعليق