تعد الحبوب المنومة من أكثر الأدوية شيوعاً؛ إذ يستخدمها حوالي 44% من البالغين في الولايات المتحدة الأميركية، ويقدر عددهم بنحو 10 ملايين شخص، وفقاً لآخر إحصائية صادرة عن مراكز مكافحة الأمراض الأميركية "CDC" في عام 2013.
وتكمن المشكلة في أن الحبوب المنومة تسبب بعض الآثار الجانبية الخطيرة التي تدعو للقلق والحذر، فعلى سبيل المثال، تشير النشرة المرفقة مع العقار المنوم "أمبيان Ambien"، الذي يحتوي على المادة الفعالة زولبيديم، إلى أن الآثار الجانبية المحتملة التي قد يتسبب فيها تشمل: السلوك العنيف والشعور بالارتباك والاكتئاب والهلوسة والمعاناة من الأفكار الانتحارية، بحسب النسخة الأسترالية لـ "هافينغتون بوست".
وبناءً على ذلك، مَن الأشخاصُ الذين يفترض أن يحصلوا على هذه الأدوية المنومة والمهدئة مثل عقار "أمبيان Ambien " و"لونيستا Lunesta "؟ وما الجرعات التي تجعل تلك الأدوية مسببة للمشاكل؟.
كشفت دراسة طبية جديدة نُشرت بالمجلة الأميركية للطب النفسي "American Journal of Psychiatry" عن أن الإجابة عن الأسئلة التالية أمرٌ بعيد المنال، كما أنه من الصعب التوصل إلى إجابة دقيقة.
فيما أجرى الباحثون تقييماً وتحليلاً لعشرات الأبحاث الطبية السابقة؛ في محاولة منهم للوصول إلى درجة خطورة الأدوية المنومة واحتمالات تسببها في إصابة الأشخاص بالأفكار الانتحارية، ودورها في الإقدام على الانتحار.
الحبوب المنومة مرتبطة بزيادة معدلات الانتحار
وأكد الباحثون أن الحبوب المنومة الموصوفة (يجب وصفها من الصيدلية بروشتة طبية) ترتبط بالفعل بزيادة معدلات الانتحار، لكن الأمر بذلك قد ازداد تعقيداً، حسب القائمين على الدراسة؛ إذ لم يتم التمييز بين الأفكار الانتحارية الناجمة عن إساءة استخدام بعض العقاقير والأدوية، وبين مخاطر الانتحار الناجمة عن تناول الدواء بشكل صحيح.
وبعبارة أخرى، فإن الآثار الجانبية إما ظهرت على أشخاص قد أساؤوا استخدام بعض الأدوية، أو ظهرت على أشخاص كانوا يعانون بالفعل من اضطراب نفسي (ليس ناجماً عن العقار)، وللأسف لم توضح الدراسات السابقة هذه النقطة بشكل جيد.
الأبحاث السابقة التي أجريت على العلاقة بين الحبوب المنومة والانتحار "معيبة"
أعادت الدراسة الجديدة تقييم جميع الأبحاث المنشورة التي ربطت بين الانتحار أو الأفكار الانتحارية، وبين استخدام 11 عقاراً منوماً معتمداً حتى الآن من إدارة الغذاء والدواء الأميركية "FDA"، كما شملت الدراسة تحليلاً لجميع تقارير الأمان والسلامة الخاصة بالعقاقير المضادة للأرق، وأيضاً جميع التقارير التفصيلية الصادرة عن "FDA" بخصوص حالات الانتحار المرتبطة باستخدام العقاقير المنومة منذ سبعينيات القرن الماضي.
وتشير الأدلة العلمية إلى أن استخدام العقاقير المنومة أسهم في رفع فرص الإقدام على الانتحار بمعدلات متفاوتة، التي بلغت الضعف في بعض الأحيان، ووصلت في أحيان أخرى إلى 24 ضعفاً، وذلك مقارنة بالأشخاص الذين لا يستخدمون العقاقير المنومة مطلقاً.
كما كشفت نتائج تقييم الأبحاث السابقة، عن أن فرص الانتحار أو امتلاك الأفكار الانتحارية الناجمة عن استخدام الحبوب المنومة وصلت إلى أقصى معدلاتها خلال الأيام الأولى من بدء استخدام تلك العقاقير، كما ثبت أنها تسببت أيضاً في بعض السلوكيات الغريبة مثل المشي أثناء النوم والارتباك والهلوسة وجنون العظمة.
ومن التساؤلات الهامة التي لم تُجب عنها الأبحاث السابقة: إلى أي درجة قد يؤثر تناول الحبوب المنومة جنباً إلى جنب مع المعاناة من أعراض الاكتئاب في رفع فرص الإقدام على الانتحار أو امتلاك أفكار انتحارية؟.
ومن جانبه قال بيتر روزنكيست، نائب رئيس قسم الطب النفسي بجامعة أوجستا الأميركية، وأحد المشاركين في إعداد الدراسة المنهجية الجديدة "هل تناول الحبوب المنومة بمفردها، وبغض النظر عن أي عوامل أخرى قد يجعلك تُقدم على الانتحار؟ أم أن ذلك يحدث فقط إذا كنت تعاني من بعض أعراض الاكتئاب؟ هذه بلا شك إحدى أكبر نقاط القصور في جميع الدراسات تقريباً ولم يتم حسمها حتى الآن".
الحبوب المنوِّمة تحمل بعض الفوائد
العديد من الدراسات التي حللها روزنكيست وزملاؤه كشفت عن المخاطر الصحية الناجمة عن تناول العقاقير المنومة بمختلف أنواعها، ولكنها لم تتطرق إلى بعض المعلومات الأساسية التي لا غنى عنها كي نقف على حقيقة علاقتها بالانتحار من عدمه، إذ لم يضع القائمون عليها في حسبانهم احتمالات إصابة هؤلاء الأشخاص ببعض الأعراض الاكتئابية، أو مدى تعاطيهم في الماضي للمواد المخدرة أو المشروبات الكحولية.
وأوضح روزنكيست: "اللافت للنظر أن الأبحاث أكدت على أن معدلات الإقدام على الانتحار كانت أكبر بين الأشخاص الذين كانوا يتناولون الحبوب المنومة، لكنها لم تحسم بشكل نهائي أنها كانت السبب وراء حدوث هذا السلوك الخطير".
وتابع: "قد نتفق جميعاً أن الأفضل هو الالتزام بمبدأ "الوقاية خير من العلاج"، ونبتعد عن الحبوب المنومة، لكن لم يثبت حتى الآن بشكل قاطع أنها هي السبب في الإقدام على الانتحار"، بعد استعراض كل هذه النتائج.. ما الذي يهم الأشخاص الذين يستخدمون حالياً الحبوب المنومة؟.
على الرغم من أن هذه التحذيرات قد تبدو خطيرة، لا يعني هذا مطلقاً أن الحبوب المنومة لا تفيد في التخلص من الأرق، فهي لا تزال تسهم في إحداث فوائد حقيقية لبعض الأشخاص إذا تم استخدامها بشكل صحيح وفي الظروف المناسبة.
لكن بناءً على الأدلة العلمية المتوفرة، ينبغي على الأشخاص الذين يستخدمون العقاقير المهدئة أو يفكرون في تناولها أن يضعوا في حسبانهم تلك المخاطر المحتملة والاحتياطات التي يجب اتباعها، حسبما يؤكد روزنكيست.
إليكم بعض المعلومات والنصائح الهامة التي يجب على الأشخاص الذين يتناولون الحبوب المنومة إدراكها جيداً:
1- إذا كنت تعاني من الاكتئاب فإن تناول الحبوب المنومة قد يشكل خطورة عليك، من المعروف أن الأرق والاكتئاب بينهما علاقة معقدة ومتداخلة، لذا من الضروري حال تناول علاجات لكلا المرضين أن يكون الأطباء على دراية كاملة بالعقاقير التي تتناولها.
قال جورج فون ماكول، رئيس قسم الطب النفسي والسلوك الصحي في جامعة أوجستا، وأحد المشاركين في الدراسة: "الأدلة العلمية لم تؤكد أن تناول الأدوية المنومة حال الإصابة بالاكتئاب قد يعرضك لخطر الانتحار، لكن المؤكد أن تناول تركيزات عالية من العقاقير المهدئة قد يتسبب بالفعل في وفاتك".
2- الفترة الأولى من تناول الحبوب المنومة هي الأخطر على الإطلاق.
كن متيقظاً وراقب نفسك بشكل دائم، وأبلغ الطبيب فوراً حال تعرضك لأي أعراض جانبية غير اعتيادية بمجرد البدء في تناول الحبوب المنومة؛ إذ أثبتت الدراسة المنهجية الأخيرة أن مخاطر الإقدام على الانتحار تكون في أوجها خلال الأيام الأولى من تناول الحبوب المنومة.
ومن الأعراض والعلامات الخطيرة التي يجب التنبه لها، وهي تعني في هذه الحالة أن الدواء لا يعمل بالشكل الصحيح: المشي أثناء النوم، والمزاج الاكتئابي، والشعور بأن حالتك تسوء، أو بأن تتوارد على عقلك أفكار انتحارية. ويؤكد روزنكيست أن المريض في هذه الحالة يجب أن يتوقف فوراً عن تناول العقار ويتصل بطبيبه الخاص.
3- الحبوب المنومة قد تكون قاتلة حال تناولها مع بعض الأدوية الأخرى والخمور.
أكد التقرير أن الحبوب المنومة قد تتسبب في وفاة الشخص حال تناولها في نفس الوقت مع بعض الأدوية الأخرى أو الخمور، حتى إذا حرص الشخص على الالتزام بالجرعة المحددة، ولنا مثالٌ حي في وفاة الممثل الأسترالي الشاب هيث ليدجر خلال عام 2008.
لذا يجب عليك التأكد من أن الطبيب يعرف كل شيء عن الأدوية التي تتناولها إذا وصف لك بعض الحبوب المهدئة، ويجب أن تحصل منه على موافقة صريحة بأنه لا خطورة من تناول تلك العقاقير مع الحبوب المهدئة في الوقت نفسه.
4- انتبه جيداً للتحذيرات المكتوبة في النشرة المرفقة مع الدواء
قد يبدو الأمر واضحاً، لكنه يستحق التكرار: يجب استخدام الحبوب المنومة الموصوفة حسب التوصيات المتبعة، فلا تحصل على تركيزات أعلى من الجرعة الموصى بها، ولا تستخدمها مطلقاً عقب تناول الخمور والمشروبات الكحولية، ولا تتناول أي أدوية أخرى معهاً إلا إذا أعطاك طبيبك الضوء الأخضر للقيام بذلك.
وأضاف التقرير أنه ينبغي الذهاب للسرير خلال 15 دقيقة من تناول الحبوب المهدئة، ويجب النوم لفترة لا تقل عن 7 أو 8 ساعات، وهو الوقت الموصى به؛ لأن تأثير العقار المهدئ يزول بعد انقضاء هذه الفترة وتستطيع بعدها الاستيقاظ لمزاولة أعمالك الروتينية دون مشاكل.
ولكي نلخص هذه النصائح كلها، يجدر القول إن تلك الحبوب المنومة تعد عقاقير بالغة التأثير والفاعلية، ويجب استخدامها فقط تحت إشراف الطبيب مع الانتباه للتحذيرات المتعلقة بها.
اضف تعليق