منوعات - صحة

مخاوف بشأن اندلاع جائحة عالمية

ويواجه هذا التهديد المجتمع الدولي بخيار صارم: إما تصميم استراتيجية عالمية شاملة وتنفيذها، أو إغلاق الحدود والسماح للبلدان بمكافحتها كل واحدة بمفردها. ولا يوجد طريق وسط فعال. إن ما يسود من مزيج بين قومية اللقاح والحدود المفتوحة جزئيا استراتيجية خاسرة. ففي عالم منفتح حيث ستحاول...
بقلم: جان بيساني فيري

باريس- تبدو مدينة ماناوس، وهي عاصمة ولاية أمازوناس البرازيلية، بعيدة إلى أقصى حد بالنسبة لمن يعيش في أوروبا، أو آسيا، أو حتى أمريكا الشمالية. ومع ذلك، فإن متغير 501Y.V3 من فيروس كورونا الذي اكتُشف مؤخرًا، وُصف بالفعل على أنه تهديد عالمي، لأن ظهوره في مدينة أصيب فيها ثلثا السكان بالفعل في ربيع عام 2020 يشير إلى أن المناعة المكتسبة لا تحمي من الإصابة به.

ويتساءل العلماء حول ما إذا كان متغير 501Y.V3 سيحبط بعض اللقاحات الموجودة أيضًا. إذ حتى لو أمكن تعديل اللقاحات القائمة على الحمض النووي الريبي بسرعة، فإن احتمال عدم فعاليتها أثناء عملية التلقيح الشامل أمر مخيف للغاية.

ومن المؤكد أن الفيروسات تتحور طوال الوقت. ورغم أن العديد من التحورات غير ضارة، إلا أن الخطيرة منها تظهر باستمرار. وكلما زاد عدد السكان المصابين في أي لحظة، زاد احتمال ظهور فيروس متحور خطير، أو ربما سلالة جديدة. وكل شخص هو بمثابة مختبر محتمل لهذه التحورات. ومع تسجيل حوالي 600000 إصابة جديدة بفيروس كورونا يوميًا، يوجد حاليًا الملايين من هذه المختبرات في جميع أنحاء العالم. لذا فمن المؤكد أن المزيد من التحورات ستحدث.

ويواجه هذا التهديد المجتمع الدولي بخيار صارم: إما تصميم استراتيجية عالمية شاملة وتنفيذها، أو إغلاق الحدود والسماح للبلدان بمكافحتها كل واحدة بمفردها. ولا يوجد طريق وسط فعال. إن ما يسود من مزيج بين قومية اللقاح والحدود المفتوحة جزئيا استراتيجية خاسرة. ففي عالم منفتح حيث ستحاول الدول الغنية حماية سكانها بينما لا تستطيع البلدان الفقيرة ذلك، سوف تعبر العدوى الحدود مرارًا وتكرارًا، وتهزم السياسات الصحية الأكثر تطورًا. وقد اكتُشفت في ألمانيا بالفعل فيروسات متغيرة قادمة من جنوب إفريقيا وماناوس.

ونظريا، لا يحتاج الاختيار بين العمل عالميًا وإغلاق الحدود إلى تفكير. إذ يبلغ إجمالي عدد سكان البلدان التي يصنفها البنك الدولي على أنها ذات دخل منخفض ومتوسط أدنى ما يناهز أربعة مليارات. وإذا افترضنا أن سعر كل جرعة لقاح تعطى لشخص واحد هو 10 دولارات، فإن تطعيم 75٪ من هؤلاء السكان سيكلف 30 مليار دولار، وهي نسبة لا تتعدى 2% من الخسائر المالية الناجمة عن الأزمة التي تكبدتها الاقتصادات المتقدمة. وحتى من وجهة نظر اقتصادية ضيقة، وحتى لو كانت التلقيح أكثر تكلفة بعشر مرات، فإن استثمار الدول الغنية في الحد من الوباء في البلدان الفقيرة سيكون مربحًا للغاية. إن البديل المتمثل في إغلاق الحدود كليًا لاحتواء العدوى من شأنه أن يرسل إشارة مروعة، ويدمر الرفاهية على نطاق واسع.

وإدراكًا من الدول الغنية لما تواجهه من تحدي، فهي تدعم بالفعل برنامجًا يدعم الدول الفقيرة، وإن كان على نطاق أصغر كثيرًا. إذ تهدف مبادرة COVAX (كوفاكس) التي أطلقتها منظمة الصحة العالمية، والمفوضية الأوروبية، وفرنسا في أبريل/نيسان 2020، إلى مساعدة الدول المشاركة فيها في التفاوض المشترك مع منتجي اللقاحات لشراء اللقاح، والتبرع للبلدان الفقيرة بجرعات مجانية كافية لتطعيم 20٪ من سكانها. وعلى الرغم من أن هذا غير كافٍ للسيطرة على انتشار الفيروس، إلا أنه سيكون جيدًا بما يكفي لحماية كبار السن والعاملين في مجال الرعاية الصحية، وسيمثل نقطة انطلاق مهمة لاتخاذ مزيد من الإجراءات.

ومع حلول نهاية عام 2020، جمعت كوفاكس ما قيمته 2.4 مليار دولار أميريكي، وطلبت مسبقًا جرعات كافية لتطعيم مليار شخص في عام 2021، لكنها كانت لا تزال تواجه صعوبة في جمع 5 مليارات دولار إضافية مطلوبة لتمويل برنامجها غير الطموح إلى حد ما. وفي عهد الرئيس دونالد ترمب، رفضت الولايات المتحدة تقديم الدعم. وفضلا عن ذلك، يفضل مصنعو اللقاحات أسواق البلدان الغنية الأكثر ربحية، حيث تكون الحكومات على استعداد لدفع علاوة لتسريع توريد الجرعات.

ولم يكن التحذير الأخير لرئيس منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، من أن العالم "على حافة فشل أخلاقي كارثي" مفاجئا. ولكن، إلى جانب الفشل الأخلاقي، ما يحير هو فشل العمل الجماعي الذي يمثله هذا السلوك. إن المصلحة الذاتية، وليس مجرد الشعور بالواجب، تملي على الدول الغنية أن تبذل المزيد من الجهود. فلماذا لا تفعل هذا؟

إن السبب الأول هو قصر النظر. إذ على المستوى المحلي أيضًا، لا تتخذ الحكومات إجراءات كافية. ففي أوروبا، لم يرق الاستثمار في أبحاث اللقاحات وتطويرها إلى مبلغ 18 مليار دولار أمريكي الذي كرسته الولايات المتحدة لعملية Warp Speed. والغريب أن مبلغ 390 مليار يورو (473 مليار دولار) من موارد تقديم المنح التي يديرها مرفق التعافي والمرونة التابع للاتحاد الأوروبي لا يشمل التمويل المشترك لأبحاث اللقاحات.

والسبب الثاني هو الإغراء الموروث المتمثل في الاستفادة من جهود الآخرين بالمجان. إذ تمتلك حكومات الدول الغنية حوافز قوية لحماية مواطنيها، لكن دعم الدول الفقيرة قد يعطي فرصة للمستفيدين بالمجان، حيث أن مصلحة كل عنصر هي جعل الآخرين يدفعون تكلفة ما هو موجه للصالح العام. فعلى سبيل المثال، أعلن ترمب أنه سيسحب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية في نفس اللحظة التي كانت هناك حاجة ماسة إلى عمل مشترك. أضف إلى ذلك تهرب الصين من مسؤولياتها العالمية، كما أن القيادة الدولية كانت غائبة إلى حد كبير منذ ربيع العام الماضي.

والسبب الثالث هو الحكم الفوضوي. فمجال الصحة العالمية معقد ومشتت، ويتسم بالتداخل المؤسسي. ونظرًا لأن منظمة الصحة العالمية يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها مؤسسة غير فعالة ومسَيَّسة، فقد تطورت المبادرات بفضل الجهات المانحة الخاصة مثل مؤسسة بيل وميليندا غيتس، والحكومات، والوكالات العامة التي تتعاون خصيصا في هذا المجال من أجل تطوير مجموعة من المبادرات. إن خريطة التمويل الناتجة عن هذا تتحدى الخيال. وكان هذا جيدًا طالما أن مواجهة التحديات الناشئة كانت تتطلب تعبئة وموارد محدودة، لكن الوباء يستدعي العمل على نطاق مختلف تمامًا.

هل يستطيع العالم تغيير مساره؟ لحسن الحظ، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بالفعل عزمها على الانضمام إلى (كوفاكس). وحتى وقت قريب، كان يُفترض أن يكون إصلاح التجارة الدولية وتجديد المشاركة في العمل المناخي أولى أولوياتها الخارجية. وقد تحول الأحداث تنسيق جهود الوباء إلى اختبار حاسم لقيادة بايدن العالمية. ولكن إذا كانت هناك حاجة واضحة لالتزام الولايات المتحدة، فإن العمل المشترك الأوسع نطاقاً ضروري لمنع حدوث كارثة أخلاقية وطبية واقتصادية.

* جان بيساني فيري، زميل أقدم في مركز بروغل للأبحاث ومقره بروكسل وزميل أقدم غير مقيم في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، يشغل منصب رئيس توماسو بادوا-شيوببا في معهد الجامعة الأوروبية.
https://www.project-syndicate.org

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق