على أن الإغلاق هذه المرّة لن يكون قاسياً مثلما حصل خلال فصل الربيع الماضي أقلّه بدايةً، إذ سيقتصر على الأعمال غير الأساسية وكذلك المسارح وأماكن السهر والتجمّعات، كلّ هذا في ظلّ غضبٍ شعبي متعاظم حول العالم ضدّ الإغلاق، ومخاوف من انعكاساته النفسية والاقتصادية...
بعد 11 شهراً على تفشّي فيروس كورونا في العالم، وفي ظلّ عدم توفّر لقاح أو علاج متاح لجميع الناس بشكل رسمي، وعلى قاعدة «إن كنتَ مطرقة فسيبدو كلّ شيء لك كمسمار»، تجد الحكومات الأوروبية نفسها مضطّرة للعودة إلى فرض إجراءات الإغلاق لمواجهة «الموجة الثانية» من الفيروس، أو كما وصفته المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل بـ:«الشتاء الطويل والصعب». على أن الإغلاق هذه المرّة لن يكون قاسياً مثلما حصل خلال فصل الربيع الماضي (أقلّه بدايةً)، إذ سيقتصر على الأعمال غير الأساسية وكذلك المسارح وأماكن السهر والتجمّعات. كلّ هذا في ظلّ غضبٍ شعبي متعاظم حول العالم ضدّ الإغلاق، ومخاوف من انعكاساته النفسية والاقتصادية، على رغم تحذير الخبير في «منظّمة الصحة العالمية»، الدكتور ديفيد نابارو، من أن «الموجة الجديدة ضارية».
هل هناك «موجة ثانية» فعلاً؟
ثمّة وجهتا نظر مختلفتان في هذا الشأن. الأولى يُعبّر عنها أنتوني فاوتشي، مستشار البيت الأبيض ومدير «المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية»، في حديث إلى صحيفة «واشنطن بوست»، حيث يقول إنه «من أجل انتهاء الموجة الأولى، يجب أن يصل عدد الإصابات الإيجابية بكوفيد-19 إلى رقم واحد منخفض (تحت العشرة)». ويضيف: «بعد ذلك، ستحدث موجة ثانية عندما يعود الفيروس بعدد إصابات مرتفع». أما وجهة النظر الثانية فيُعبّر عنها الدكتور مايك تيلدسلي، من جامعة وارويك، في تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، حيث يوضح أنه «يمكن التفكير في الأمر مثل الأمواج على البحر. يرتفع عدد الإصابات ثمّ يتراجع مرّة أخرى، كلّ دورة هي عبارة عن موجة واحدة من فيروس كورونا». ويضيف: «مع ذلك، لا يوجد تعريف رسمي. الأمر ليس علمياً بشكل خاص، وكيفية تحديد الموجة أمر اعتباطي».
وبمعزل عن التسمية، إن كانت موجة أولى مستمرّة أو ثانية كما سَمّتها دولٌ أوروبية، فإن أعداد الإصابات اليومية الجديدة بالفيروس تظلّ مقلقة. في أوروبا، تُحصّن البلدان نفسها لمواجهة موجة ثانية من «كورونا»، مثل إسبانيا حيث أغلقت خمس مناطق حدودها يوم الجمعة الماضي، ومن بينها مدريد، بعدما وافق نواب الأمة الخميس الماضي على طلب الحكومة تمديد حالة الطوارئ الصحية لمدة ستة أشهر. من جهتها، تُعدّ بريطانيا الدولة الأكثر تضرّراً جراء تفشّي الفيروس في أوروبا، مع أكثر من 45 ألف وفاة فيها. وبحسب دراسة أجراها معهد «إمبيريال كوليدج» في لندن و«إيبسوس-مورس» شملت أكثر من 85 ألف متطوّع بريطاني، تبيّن أن عدد الإصابات حالياً يتضاعف كلّ تسعة أيام! وسيخضع نحو 11 مليون شخص في إنكلترا، أي ما يعادل خمس عدد السكان، خلال الأيام المقبلة، لتدابير محلية هي الأشدّ صرامة في مواجهة «كورونا»، مع الإعلان أمس الجمعة عن تشديد الإجراءات في عدّة مناطق.
وفي ألمانيا، ستُغلَق الحانات والمطاعم والمرافق الثقافية والترفيهية ابتداءً من اليوم حتى كانون الأول/ ديسمبر، في حين ستُحظر إقامات السياح في الفنادق. والهدف من هذه «الإجراءات الخفيفة» هو الحدّ من عدد الإصابات من دون إغلاق الأعمال والمصانع. بدورها، ستمنع فرنسا، التي تجاوزت حصيلة الوفيات فيها 36 ألفاً، سكّانها من مغادرة منازلهم من دون تصاريح، ما يعيد إلى الذاكرة تدابير العزل المنزلي الصارمة التي شهدها العالم مطلع الربيع. وقال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون: «كما هو الحال في أجزاء أخرى من أوروبا، نواجه موجة ثانية تفوق طاقتنا وأصبحنا نعرف أنها ستكون على الأرجح أكثر صعوبة وفتكاً من الأولى»، مؤكداً في الوقت نفسه أن تدابير الإغلاق هذه المرّة ستكون أقلّ تشدّداً. وعلى الرغم من ارتفاع معدّلات الإصابة، أثارت إجراءات السلامة التي فرضتها الحكومة الإيطالية غضب المواطنين. وأطلقت الشرطة الغاز المسيّل للدموع بعد أن احتشد المتظاهرون في جميع أنحاء البلاد ضدّ الإغلاق. كما شهدت إسبانيا وألمانيا احتجاجات مماثلة، ضدّ ما وصفه الناس بـ«الإجراءات الوحشية».
الكارثة الأميركية
يبدو أن في العالم كارثتين، الأولى هي الوباء العالمي، والثانية هي الوباء في الولايات المتحدة، إذ سَجّلت البلاد، الخميس الماضي، عدداً قياسياً جديداً للإصابات بـ«كوفيد-19»، متجاوزةً للمرّة الأولى عتبة الـ 90 ألف إصابة جديدة في يوم واحد، وفقاً لإحصاء جامعة جونز هوبكنز. إلا أنّ عدد الوفيات اليومية ما زال مستقرّاً ومنخفضاً نسبياً، وهو يتأرجح بين 700 وألف حالة وفاة كلّ يوم منذ شهر آب/ أغسطس الماضي. في الوقت الراهن، الخطر يكمن بشكل خاص في شمال الولايات المتحدة وغربها الأوسط، في ظلّ حملات انتخابية مستهترة يقوم بها دونالد ترامب، حيث يمكن رؤية العديد من مناصريه من دون كمّامات ومن دون تباعد وسط حشود بالآلاف تتجمّع حوله، علماً أن الرئيس الأميركي يكرّر أمام أنصاره أنه لن يغلق البلاد مجدداً. على المقلب الآخر، يعتمد منافسه، مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن، أسلوباً أكثر فعّالية لضمان صحّة مؤيّديه، الذين يتجّمعون حوله داخل سياراتهم، أو ضمن دوائر رُسمت لهم على الأرض.
اللقاح الروسي
قدّم «صندوق الاستثمار الروسي المباشر» طلب تسجيل سريع، بموجب «برنامج استخدام الطوارئ والتأهيل المسبق»، للقاح «سبوتنك-في» ضدّ «كورونا»، إلى «منظّمة الصحة العالمية». ومع هذه الخطوة، تكون روسيا أول دولة أعطت موافقتها على استخدام لقاح ضدّ الفيروس، وأول دولة تقدّم لقاحها إلى المنظمة. و«برنامج التأهيل المسبق للعقاقير»، الذي تديره «الصحة العالمية»، هو برنامج تابع للأمم المتحدة، يساعد على ضمان أن تُلبّي العقاقير المُنتجة معايير الجودة والسلامة والفعّالية. وإذا ما حصلت روسيا على الموافقة، سيصبح لقاح «سبوتنك-في» متاحاً على مستوى العالم في فترة زمنية أقصر.
اضف تعليق