أول قاعدة صحية أرساها الإسلام، ودعا المسلمين للعمل بها هو تأكيده على أهمية الصحة والمعافاة، وحسن الاستفادة من هذه النعمة والحفاظ عليها، وعمل على تعزيزها وتنميتها. فخير علاج للمرض هو أن نتفادى الوقوع فيه. لذلك أمر الإسلام بالوقاية اتقاء لأي مكروه يمكن أن يقع، سواء...

يكثر الحديث في هذه الأيام عن الأمراض والأوبئة المعدية التي يمكن أن تصيب الإنسان، وتؤثر على صحته وصحة المجتمع، لاسيما في ظل انتشار واسع النطاق لهذه الأمراض، في مناطق متعددة من العالم، كمرض السارين ومرض كارونا ونحوهما. وفي أثناء ذلك يجري الحديث عن مدى إمكانية إصابة المؤمنين والمسلمين بالأمراض المعدية، ومدى تناقضه مع مبدأ الإيمان بالله عز وجل والتوكل عليه، والإجراءات التي توصي بها الشريعة الإسلامية للوقاية من هذه الأمراض، أو الحد منها عند الإصابة بها.

لا شك أن الأصل في الإنسان الصحة والعافية، والاستثناء هو المرض والسقم، وصحة الإنسان في المنظور الصحي لها بعدان: البعد الأول يتعلق بصحته الفردية، من حيث حماية الإنسان من المخاطر والأضرار التي قد تؤدي إلى مرضه وتؤثر على صحته، وتشمل الصحة الفردية الصحة الجسمانية والنفسية والعقلية والروحية.

والبعد الثاني؛ يتعلق بالصحة العامة، من حيث القيام بكل الأعمال والإجراءات التي تتخذ لتحسين صحة المجتمع والمحافظة عليها من غائلة المرض والوقاية منه، والتحكم في انتشار الأمراض المعدية، وتعليم الأفراد أصول الصحة الشخصية، وتنظيم الخدمات الطبية والتمريض لاكتشاف المرض في بوادره والوقاية منه، وتنمية الجهاز الاجتماعي حتى يتمكن كل فرد من الارتقاء إلى مستوى معيشي باعث على الصحة، وحتى يمنح كل مواطن حقوقه الطبيعية في الصحة وطول العمر.

وبغض النظر عن أن الأمراض-لا سيما الأمراض المعدية- كانت من صنع الإنسان، قاصدا كان أم عامدا، لإيذاء بني جنسه، أو بسبب تغيرات أحدثها الإنسان في موازين هذه الكون؛ فإن كل الوقائع الحاضرة والماضية تؤكد بما لا يقبل الشك حقيقة واحدة، وهي أن ليس هناك إنسان عاش على وجه الأرض قديما أو حديثا إلا وقد تعرض لمرض ما أو أصابه مرض ما، سواء كان صغيرا أم كبيرا، وسواء كان رجلا أم امرأة، وسواء كان إنسانا عاديا أو نبينا مرسلا، وسواء كان مؤمنا أم كافرا، كما حدثتنا الشرائع السماوية عن الأمراض التي تعرض لها الأنبياء والأولياء والصالحون والمؤمنون أثناء أداء رسالاتهم، وكانت جزء من الامتحان الرباني، زيادة في الثواب والعطاء الجزيل.

ولأن الإنسان أيا كان بلده، أو لونه أو جنسه أو دينه أو مذهبه هو عرضه للأمراض المختلفة، فان الإسلام اهتم بصحة الإنسان اهتماما منقطع النظر قبل وقوع المرض تارة، وبعد وقوعه تارة أخرى، وعد الصحة حقا من الحقوق الأساسية لكل إنسان، تستند المسؤولية فيها للفرد والمجتمع والدولة.

وأول قاعدة صحية أرساها الإسلام، ودعا المسلمين للعمل بها هو تأكيده على أهمية الصحة والمعافاة، وحسن الاستفادة من هذه النعمة والحفاظ عليها، وعمل على تعزيزها وتنميتها. وقد جاءت نصوص كثيرة حول أهمية الصحة والعافية، فعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه يقول (الصحة أفضل النعم) ويقول الأمام الصادق (النعيم في الدنيا الأمن وصحة الجسم وتمام النعيم في الآخرة دخول الجنة (لئلا يعرض الإنسان نفسه للمكارة أيا كانت حيث إن (درهم وقاية خير من قنطار علاج) وإن (الحمية رأس كل دواء) فخير علاج للمرض هو أن نتفادى الوقوع فيه. لذلك أمر الإسلام بالوقاية اتقاء لأي مكروه يمكن أن يقع، سواء أكان ذلك مرضا أم ضررا متوقعا.

وتعد النظافة والطهارة عنوانا دائما للوقاية من أي مرض، وهي جزء من تعاليم الإسلام، وجزء من العبادة المقررة على المسلم، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) فإذا علمنا أن عدد الصلوات خمسة، ما عدى السنن، وعلمنا اشتراط الوضوء للطواف بالبيت العتيق، ولمس المصحف (لا يمسه إلا المطهرون) أدركنا تأثير الوضوء الوقائي (النظافة) وفوائده الصحية في تخليص الأجزاء المكشوفة من البدن من الأوساخ التي تعلق بها باستمرار، وفي تنشيط الدورة الدموية العامة.

ليست نظافة البدن وطهارته من العبادات فقط، بل إن طهارة ونظافة الثياب هي أيضا من العبادات (وثيابك فطهر) فطهارة الثياب شرط لصحة الصلاة التي لا تقع ولا تقبل إلا بهذا الشرط، وهذا يتطلب من الإنسان حرصا دائما على طهارة ملبسه من جميع النجاسات، ولا يخفى ما لهذا الأمر من قيمة في أبعاد الإنسان عن مصادر التلوث بالعوامل المعدية.

وتحظى نظافة البيئة وطهارتها باهتمام الإسلام، حيث إن الشريعة الإسلامية تدع إلى حماية البيئة والمحافظة عليها من التلوث، وتجعل تلوث البيئة من نجاسة أو مخلفات أو مواد سامة من الإفساد في الأرض، يحاسب الله تعالى عليه حسابا شديدا. إذ من المعلوم أن تلويث الماء يؤدي إلى مخاطر جسيمة، وأضرار بالغة، ويمنع أسباب الحياة، فكان أمر رسول الله بمنع تلوث الماء، وذلك بنهيه عن البول في الماء الراكد، حيث قال (لا يبولن أحدكم في الماء الراكد) وذلك لان البول ينجسه، ويلحق الضرر بمن استعمله، وكذلك التغوط بالماء، وكل ما يتلوث به الماء، ويصيب الإنسان في صحته كإلقاء فضلات المصانع، والحيوانات النافقة، والقمامة في الأنهار والترع وغيرها.

ولمنع الوقوع في المرض ابتداء اهتمت الشريعة الإسلامية بمأكل الإنسان ومشربه أيضا، حيث أباح الإسلام أنواعا من الطعام والشراب، وحرم أنواعا أخرى (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) ومن الأنواع التي حرمها الله على الإنسان هي لحم الطيور الجارحة، ولحم لخنزير، ولحم الميتة، ولحوم الحيوانات المفترسة، ولحوم الحيوانات الجارحة، والدم المسفوح والخمر (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب)، وإنَّ تحريم الخَمْرِ والمخدراتِ يُمكن عده أهم مُنجزات شريعتنا الغرَّاء في مجال الطِّب الوقائي؛ إذْ إنَّ التزام المجتمع باجتناب هذه الخبائث يَقِيه من الوقوع في براثن العديد من الأمراض المُهلِكة، ويحمي الأجِنَّةَ من التَّشوُّهات، ويَقِي الأفرادَ من الحوادث...

وفي حال الوقوع في المرض، لاسيما الأمراض المعدية، فقد وضع الإسلام تعاليم واضحة لعزل المرضى المصابين بداء معد في البيوت أو المستشفيات، وعدم السماح لهم بالاختلاط بالآخرين، وعلى المريض أيا كان موقعه أن يراعي الله في الناس في صحتهم، وفي ذلك اشار رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بقوله: (لا يورد ممرض على مصح) أي لا يأتي صاحب الإبل ليوردها الماء؛ وعلى الماء أبل أخرى صحيحة تشرب قبله؛ فيؤدي ذلك إلى اختلاطها، فتحصل العدوى، وينتشر المرض، لذا منع الإسلام خلط المريضة بالصحيحة.

وهكذا يكون عزل المصابين بالأمراض المعدية مثل الخانوق؛ والسل الرئوي؛ والجدري؛ وداء الكلب؛ والكوليرا؛ وانفلونزا الخنازير؛ وفايروس كارونا ضرورة حتمية حث عليها الإسلام ليصون الحياة، ويبقي على سلامتها، ويدفع عن الإنسان الأذى والمكروه، وما يعكر صفوة الحياة ويعطلها. فعلى المصاب أن يخلد للراحة أياما عدة للحد من انتشار المرض، وما يؤذي الناس فيكون سببا في إصابة غيره من الناس من جراء الاختلاط بهم في المساجد والأسواق والمحلات العامة.

لذلك فإن التزام بقواعد الوقاية الصحية في الإسلام ليس مرهونا بمدة محددة، ولا بسن معينة، وإنما يستمر الالتزام به طيلة حياته، لأنها جزء من عقيدته، فاذا تخلف عن تنفيذها يكون قد ترك تكليفا شرعيا، وعطل حكما من أحكام الإسلام، يؤثم عليه، وبهذه الديمومة يضمن الإسلام وجود مسلم قوي ومجتمع نظيف.

وخلاصة ما تقدم يمكن القول إن الشريعة الإسلامية قد ركزت على سلامة صحة الإنسان، وإبعاده عن كل ما يضر بصحته، وذلك من خلال وسائل متعددة أهمها ما يأتي:

1. الوسيلة الأولى: تشريع مجموعة من التدابير التي تهدف لوقاية الإنسان مما يضر بصحته، ومنها:

أ‌. التدابير المتعلقة بالطعام والشراب، كالاعتدال في تناول الطعام والشراب، فقد نهى الله عز وجل عن الإسراف في الأكل والشرب فقال (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا) كما دعا الله عز وجل إلى تجنب تناول الأطعمة والاشربة الضارة بصحة الإنسان، مثل لحم الميتة، والدم، ولحم الخنزير، حيث قال تعالى (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير...).

ب‌. التدابير المتعلقة بالنظافة والطهارة، مثل الوضوء والغسل والسواك، ونحو ذلك. ولأهمية الطهارة فقد اشترطها الله عز وجل لصحة الصلاة التي هي عمود الدين، وأمر عبادة المؤمنين عند قيامهم إلى الصلاة بالوضوء فقال (يأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين).

ت‌. تدابير التحرز من الأمراض المعدية، فقد قال رسول الله (إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض، وأنتم فيها فلا تخرجوا منها) وهذا الحديث يدل على مشروعية الحجر الصحي الذي يعد من أبرز معطيات العصر الحديث في المجال الصحي.

ث‌. تدابير للوقاية من الأمراض النفسية: والمتمثلة في ضرورة الإيمان بالقضاء والقدر، والخشوع أثناء العبادات، وممارسة الرياضة البدنية، فالإيمان بالقضاء والقدر يجعل الإنسان متصفا بالصبر على المصائب، والقناعة بما قسمه الله له، ويجعله يحتسب الأجر فيما يتعرض له من مصائب.

2. الوسيلة الثانية: أما الوسيلة الثانية فهي إقرار الإسلام مبدأ العلاج ودعوته إليه: حيث جاء الإسلام بهذا المبدأ، ودعا إلى التداوي، وحيث عليه، سواء كان ذلك عن طريق التداوي بالغذاء، أو بالعبادات والرقي والأذكار أو بغيرها من العلاجات، فقد جاء الحديث أنه (لك داء دواء، فإذا أصاب دواء الداء برأ بأذن الله عز وجل).

3. الوسيلة الثالثة: وأما الوسيلة الثالثة فهي أن الإسلام قد حرم الجناية على حق الإنسان في سلامة صحته، فلم يجوز لأحد أن يعتدي على صحة الإنسان في جسده أو عقله أو نفسه، وأوجب عقوبة على كل اعتداء على إنسان لا يستوجب الاعتداء عليه، ولا فرق بين الاعتداء على صحة الإنسان بالقتل أو الجرح أو التعذيب أو إلقاء الغازات السامة عليه، وتعريضه للأشعة الضارة، ونقل الأمراض إليه عن طريق حقنه بالمواد الضارة بصحته، أو نقل دم يحمل أمراضا معينة إليه أو تلويث بيئة وغيرها من حالات الضرر التي تصيب صحة الإنسان وسلامته البدنية والنفسية والعقلية.

4. الوسيلة الرابعة: وأما الوسيلة الرابعة؛ فهي حث الإسلام المسلمين على التحلي بالصبر والحكمة والتأني حين تحل بهم مصيبة المرض، فلا يتبرم من المرض، ولا يسخط، لأن ذلك ليس من خلق المسلم، فالرضا بقدر الله تبارك والتسليم الكامل بذلك، والتوجه إلى الله وحده بالدعاء والضراعة يحقق الأمن والأمان في قلب المؤمن، ويزيل من النفوس الهم والغم...

.......................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...
http://ademrights.org
ademrights@gmail.com
https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق