الروبوتات موجودة بيننا اليوم وبقدرات مذهلة: سياراتٌ ذاتية القيادة، وطائرات من دون طيار DRONES، صغيرة الحجم تتنقل بين المباني، وترسل الأطعمة والحاجات إلى كل من يطلبها. لكن الحاجة إلى وسيط غير بشري اليوم، سيدفع بهذه الأنظمة أيضاً إلى التطور بشكل كبير والاعتماد عليها بنسبة أكبر...
في آذار 2011، تعرضت اليابان لزلزال كارثي تسبب في «تسونامي» قتل آلاف الأشخاص وتسببت أضراره بخسائر بمليارات الدولارات، في واحدة من أسوأ الكوارث في العصر الحديث. يومها، ساد الذعر من تسرب إشعاعات نووية من محطة فوكوشيما للطاقة النووية التي تعرّضت لأضرار. عملت السلطات على إرسال روبوتات لمراقبة مستويات الإشعاع ومحاولة بدء عملية التنظيف، لكن حصل ما لم يكن في الحسبان. إذ أدت الإشعاعات إلى حرق إلكترونيات الروبوتات، حتى تلك المصممة خصيصاً للتعامل مع كارثة من هذا النوع. وشيئاً فشيئاً، تحوّلت محطة الطاقة الى مقبرة ضخمة للروبوتات. أدت تلك الكارثة يومها إلى إحداث قفزة تطويرية هائلة في عالم الروبوتات. وربما نحن اليوم، مع انتشار وباء «كورونا» عالمياً، أمام قفزة هائلة أخرى، ولكن على صعيد التكنولوجيا كلها.
الفيروسات بحاجة إلى حاضن كي تعيش وتنتشر. وفي حالة «كورونا»، الحاضن هنا هم البشر. لهذا، فإن أولوية سياسات مواجهة انتشار الفيروس التي تتخذها كل دول العالم، اليوم، هي لتخفيض التواصل بين الناس الى حدوده الدنيا، والحرص على بقائهم في منازلهم، وخصوصاً في بؤر الانتشار الرئيسية. لكن البقاء في المنزل ليس بالأمر السهل. والبشر بطبيعتهم يخافون الوحدة ويحبّذون التواصل. تأمين كل ما يحتاج إليه هؤلاء لالتزام المنازل، إضافة إلى الحاجة الى مراقبة حالتهم الصحية من دون إغراق المرافق الطبية بالمصابين وإحداث فوضى، وفي الوقت نفسه الإبقاء على عجلة العمل والإنتاج، تطرح تحديات كبرى أمام التكنولوجيا بكل أشكالها، وربما تكون الطفرة التكنولوجية الجديدة قد بدأت بالفعل.
بدايةً، يمكن أن يساعد إنترنت الأشياء (IoT)، وهي كل الأجهزة المتصلة بالإنترنت كالساعة الذكية والهواتف وغيرها من الأجهزة التي تقدم شبكة من الأنظمة المترابطة والمتقدمة في تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي، في حصر انتشار الفيروس ومكافحته. هذه الأجهزة، بطبيعتها الحالية، ترسل تقارير بشكل دوري الى الشركات المصنعة التي تجمعها في ما يعرف بـ «البيانات الكبرى» BIG DATA. ومن خلال ذلك يمكنها توفير نظام إنذار مبكر للحد من انتشار الأمراض المعدية. وكمثال لذلك، فإن ساعة «آبل» الذكية تتضمّن تخطيطاً للقلب معترفاً به من المستشفيات، وفيها إنذار لذوي مستخدمها في حال استشعرت وقوعه أرضاً. وفي حالة الوباء العالمي اليوم، ستكون لتلك الأجهزة قدرات جديدة مثل فحص حرارة المستخدم وغيرها من الأعراض التي يمكن أن تؤشر إلى إصابته بالفيروس، وترسل التنبيهات إلى الفرق الطبية، ما يسهل عملية حصر انتشار الفيروس.
كما يمكن أن نتخيل في الأشهر المقبلة ــــ وكما هي الحال في مدنٍ صينية عدة الآن ــــ إنشاء المؤسسات والحكومات شبكة عالمية ضخمة من أجهزة الاستشعار للكشف عن الفيروسات بشكل جماعي. صحيح أن ذلك يتطلب كثيراً على صعيدَي التخطيط والتنفيذ على نطاق عالمي، إلا أنه ممكن، وقد فعلتها الصين أساساً. لنتخيل مدينة كبيرة وذكية، تضم ملايين البشر المكشوفين أمام أجهزة استشعار تفحص حالتهم الصحية وتتنبأ بحصول تناقل للعدوى قبل أن يرتقي ليصبح وباءً. أمر كهذا سيكون أحد أهم الإنجازات في تاريخ البشرية.
الروبوتات موجودة بيننا اليوم وبقدرات مذهلة: سياراتٌ ذاتية القيادة، وطائرات من دون طيار DRONES، صغيرة الحجم تتنقل بين المباني، وترسل الأطعمة والحاجات إلى كل من يطلبها. لكن الحاجة إلى وسيط غير بشري اليوم، سيدفع بهذه الأنظمة أيضاً إلى التطور بشكل كبير والاعتماد عليها بنسبة أكبر. يمكن، عندها، أن نتخيل سرباً من آلاف طائرات الدرونز تجوب سماء المدن لرشّ المبيدات وتوصيل «الدليفري»، والسيارات الذاتية القيادة تقوم بنقل المرضى إلى المستشفيات، من دون الحاجة إلى تدخل بشري إلا في الحالات الحرجة التي يكون أصحابها غير قادرين على التنقل أو الصعود بأنفسهم. هذه التكنولوجيا كلها موجودة الآن، ويمكن البدء باستخدامها، كما فعلت الصين التي لم تترك روبوتاً إلا استخدمته في المرافق الطبية وفي الشوارع والأزقة.
صحيح أننا اليوم في عين العاصفة، وقد تبدو نهاية النفق بعيدةً لكثيرين. لكن البشرية، عبر العصور، خرجت من كل المحن بشكل أقوى. المستقبل أمامنا، وربما «أفضل» ما يفعله فيروس «كورونا» أنه يسرّع القفز إليه... فقط.
اضف تعليق