استخدام الأدوية المتدنية أو المزيفة بدءا من الأدوية غير الفعالة إلى المواد السامة يمكن أن يكون له عواقب وخيمة، حيث يكون الأشخاص الذين يُعانون من الفقر الشديد والأكثر عرضة للمرض هم الأكثر تضرراً. بعد كل شيء، فإن أولئك الذين لديهم أموال محدودة وسوء الوصول إلى...
بقلم: ديفيد ريتشموند
لندن –حذرت حكومة النيجر مؤخرا من خطر انتشار اللقاحات المُزيفة لمرض التهاب السحايا- وهذه ليست المرة الأولى. قبل خمس سنوات، لقي مئات النيجيريين حتفهم بعد تلقيهم لقاحات مزيفة. في الواقع، لا تتعلق المشكلة باللقاحات، بل بالتوزيع الواسع النطاق للمنتجات الطبية الرديئة والمُزيفة. وهي مشكلة تؤثر على إفريقيا بشكل فظيع.
تُقدر قيمة السوق العالمية للأدوية المُتدنية (التي لا تستوفي معايير الجودة المطلوبة) أو المزيفة (من خلال تحريف تركيبها أو هويتها أو مصدرها عن عمد) بما يصل إلى 200 مليار دولار أو ما بين 10 إلى 15٪ من إجمالي سوق الأدوية. ولكن قد تكون النسبة الحقيقية أكبر من ذلك بكثير: وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، التي تعتمد إلى حد كبير على الإبلاغ الطوعي من قبل المتخصصين في الرعاية الصحية، قد لا يتم إخبارنا إلا "بجزء صغير" من جميع الحالات.
لكننا نُدرك تماما أن المشكلة خطيرة بشكل خاص في إفريقيا. ما بين عامي 2013 و2017، كانت 42٪ من الأدوية المتدنية والمزيفة المُكتشفة موجودة في القارة، مما يُقوض التقدم الذي أحرزته أفريقيا بشق الأنفس في مجال الصحة، وذلك من خلال تراجع الثقة في أنظمة الرعاية الصحية الناشئة.
وغني عن القول أن استخدام الأدوية المتدنية أو المزيفة -بدءا من الأدوية غير الفعالة إلى المواد السامة- يمكن أن يكون له عواقب وخيمة، حيث يكون الأشخاص الذين يُعانون من الفقر الشديد والأكثر عرضة للمرض هم الأكثر تضرراً. بعد كل شيء، فإن أولئك الذين لديهم أموال محدودة وسوء الوصول إلى المهنيين الطبيين والرعاية الصحية الجيدة هم الأكثر عرضة لشراء الأدوية بأسعار منخفضة في الشوارع، حيث لا يوجد ما يضمن أنها حقيقية، ناهيك وذات جودة عالية.
في النهاية، يمكن أن ينتج عن ذلك تكاليف أعلى بكثير للضحايا، الذين يتعين عليهم دفع المزيد لعلاج المرض الأصلي بمجرد تفاقمه وأي آثار جانبية من الدواء المزيف، إذا كان لديهم الحظ للنجاة. قدرت دراسة أجريت عام 2015 أنه في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، تُوفي 122.000 طفل دون سن الخامسة في عام واحد فقط نتيجة للأدوية المضادة للملاريا الرديئة أو المزيفة.
علاوة على ذلك، نظرًا إلى أن الناس لا يعرفون ما الذي يتناولونه، ناهيك عن الجرعة المناسبة، تُسهم الأدوية المزيفة والرديئة في زيادة مقاومة مضادات الميكروبات - وهو اتجاه لا يميز بين الأغنياء والفقراء.
ومع ذلك، لم يتم بذل أي جهود لوقف تُجار الأدوية المزيفة. تُشير التقديرات إلى أن كل 1000 دولار "يستثمرها" التُجار في الأدوية المزيفة، يمكن أن يُحقق هذا المبلغ أرباحًا تصل إلى 450.000 دولار. هذا المبلغ أكبر بـ 10 إلى 25 مرة من ذلك الذي يتلقاه بائعي المخدرات غير المشروعة. وتلك المكافآت الضخمة لا تقابلها مخاطر كبيرة. حتى عند القبض عليهم، غالبا ما يتجنب تجار الأدوية المزيفة أحكام السجن. يدفعون غرامة بسيطة ويستأنفون أنشطتهم.
مثل الاتجار بالمخدرات، إنه عمل يعزز ويعتمد على نشاط إجرامي أوسع، بما في ذلك نشاط الجماعات الإرهابية. في الواقع، يتم الاتجار بالأدوية المزيفة من خلال نفس شبكات الجريمة المنظمة مثل المخدرات والأسلحة غير المشروعة. هذه الشبكات تزعزع استقرار المجتمعات والبلدان، وخاصة في المناطق الهشة بالفعل مثل الساحل.
لحسن الحظ، بدأت سبعة بلدان أفريقية -غامبيا وغانا والنيجر وجمهورية الكونغو والسنغال وتوغو وأوغندا- في اتخاذ إجراءات حاسمة لمكافحة آفة الأدوية المزيفة. في هذا الشهر، ستعقد مؤسسة برازافيل، حيث أعمل كرئيس تنفيذي، لقاءا مع رؤساء هذه الدول في لومي (توغو) للتوقيع على إعلان سياسي واتفاقية ملزمة قانونًا تلزمهم بتقديم تشريعات لتحقيق هذه الغاية.
ستتضمن الاتفاقية جدولًا زمنيًا واضحًا، وستتطلب فرض عقوبات جنائية صارمة جديدة. علاوة على ذلك، وإدراكًا للأهمية الحاسمة للإنفاذ الصارم، فستتضمن أحكامًا بشأن بناء القدرات، لاسيما فيما يتعلق بمشاركة المجتمع والتنسيق بين الوكالات الحكومية. على هذا النحو، سوف تضع الأساس لحملة أوسع لضمان حصول جميع المواطنين على الرعاية الصحية الجيدة، بما في ذلك الأدوية الآمنة والفعالة.
تُمثل مبادرة لومي فرصة تاريخية لتكثيف الكفاح ضد الاتجار بالأدوية المتدنية والمزيفة. ولكن للقضاء على هذه التجارة المُدمرة، التي تودي بحياة مئات الآلاف من الأفارقة سنويا، يجب على المزيد من قادة القارة الانضمام إلى المعركة. ويجب على المجتمع الدولي أيضا دعمهم.
وقد تبنت بعض الجهات الدولية الفاعلة هذه القضية. إلى جانب منظمة الصحة العالمية، عقد مجلس أوروبا اتفاقية "ميدي كرايم"، وهي أول معاهدة دولية لمكافحة المنتجات الطبية المزيفة وجرائم مماثلة تنطوي على تهديدات للصحة العامة. وقد أصدر مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة دليلاً للممارسات التشريعية الجيدة لمكافحة الجريمة ذات الصلة بالمنتجات الطبية المزيفة.
ولكن يجب بذل جهود أكبر، ويمكن لمبادرة لومي أن تقطع شوطًا طويلاً نحو ضمان تحقيقها. لتقليل المخاطر التي تشكلها الأدوية المزيفة على الجميع، يجب على العالم تقديم دعمه.
اضف تعليق