تُعرف الصحة في ديباجة دستور منظمة الصحة العالمية، على أنها "حالة من اكتمال السلامة بدنيـاً وعقلياً واجتماعياً، لا مجرد انعدام المرض أو العجز".
وتُفسر لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجلس والاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة الحق في الصحة، وفقاً للتعريف الوارد في المادة 12/1 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، على أنه حق شامل لا يقتصر على تقـديم الـرعاية الصـحية المناسبة وفي حينها فحسب، بل يشمل أيضاً المقومات الأساسية للصحة مثل الحصول على مياه الشرب المأمونة والإصحاح المناسب، والإمداد الكافي بالغذاء الآمن والتغذية والمسكن، وظروف صحية للعمل والبيـئة، والحصـول عـلى الـتوعية والمعـلومات فـيما يتصـل بالصـحة، بمـا في ذلـك مـا يتصـل مـنها بالصـحة الجنسـية والإنجابيـة. ويتمـثل جـانب هـام آخـر في مشـاركة السـكان في كـامل عمـلية اتخـاذ القرارات المرتبطة بالصحة على الصعد المجتمعية والوطنية والدولية.
إن حق الإنسـان في الصـحة هو حق أساسي في العديد من الصكوك الدولية. فالفقرة " 1" من المادة "١٥" من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تؤكد أن: "لكل شخص الحق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة له ولأسرته، ويشمل المـأكل والملـبس والمسـكن والـرعاية الطبية والخدمات الاجتماعية الضرورية". وينص العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المادة "12/1" على" حـق كـل إنسـان في التمـتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقـلية يمكـن بلوغه". وتؤكد المادة 12/2 من العهد على سبيل المثال، على عدد من "التدابير التي يتعين على الدول الأطـراف... اتخاذهـا لـتأمين الممارسـة الكامـلة لهذا الحق".
وبالإضافة إلى ذلك، فالحق في الصحة معترف به، في المادة "5" من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لعام ١٩٦٥، وفي المادتين"11/12" مـن اتفاقيـة القضـاء عـلى جميع أشكال التمييز ضد المرأة لعام ١٩٧٩، وفي المادة " ٢٤ "من اتفاقية حقوق الطفـل لعـام ١٩٨٩، كمـا يعـترف بـالحق في الصـحة في عـدد من صكوك حقوق الإنسـان الإقلـيمية.
علاوة على ذلك، يرتـبط الحـق في الصـحة ارتـباطاً وثيقاً بإعمال حقوق الإنسان الأخرى ويعتمد على ذلك، مثلما يرد في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، بما فيها الحق في المأكل، والمسكن، والعمل، والتعليم، والكرامة الإنسانية، والحياة، وعـدم الـتمييز، والمسـاواة، وحظـر الـتعذيب، والخصوصـية، والوصـول إلى المعـلومات، وحـرية تكويـن الجمعيـات، والتجمع، والتنقل. فهذه الحقوق والحريات وغيرها تتصدى لمكونات لا تتجزأ من الحق في الصحة.
ويشتمل الحق في الصحة على حريات واستحقاقات على السواء. وتتضمن الحريات حق المرء في التحكم في صحته، بما في ذلك الحق في عدم الخضوع للعلاج الطبي والتجارب الطبية دون رضا. وتتضمن الاستحقاقات الحق في نظام حماية صحية (أي الرعاية الصحية والمقومات الأساسية للصحة) يوفر للناس تكافؤ الفرص في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة.
ولهذا، أكدت الخطة الإستراتيجية متوسطة الأمد للأعوام 2008-2013 لمنظمة الصحة العالمية على أهمية أن تتضمن دساتير البلدان وقوانينها الأساسية نصوصا تتعلق بالصحة، وعد وجود هذه النصوص مؤشرا على تقدم البلاد من الناحية الصحية. وقد نشرت منظمة الصحة العالمية مؤخراً أول دراسة خط أساس لهذا المُؤَشِّر متضمنةً قاعدة مُعْطَيات وتحليلاً لكل النصوص المتعلقة بالصّحّة في الدساتير الوطنية. فقد ذكَرَت هذه الدراسة أنّ 135 (73%) من أصْل 186 من الدساتير الوطنية تَتَضَمَّن تدابير احتياطية متعلقة بالصّحّة وحق الحصول عليها، ومن بينها 95 (51%) دستوراً تذكر حق إتاحة المرافق والبضائع والخَدَمات الصَحَيَة، و62 (45%) منها تضمّن إشارةً داخل النص للعدالة وعدم التمييز، و111 (82%) منها تَضمَّن مادةً واحدة أو أكثر تُشَرِّعُ الحقّ بعدالة المعاملة أو الانعتاق من التمْييز.
وإذا كان مفهوم الحق في الصحة مفهوما واسعا، فان من أولويات هذا الحق هو توفير الدواء اللازم لمن يحتاجه؛ حيث أن الدواء سلعة لا يمكن الاستغناء عنها كونها ضرورية للسلامة البدنية وأيضاً في أحوال كثيرة للبقاء على قيد الحياة. ولذلك اتجهت المنظمات والهيئات والأفراد المهتمون بحقوق الإنسان للدعوة إلى أهمية ضمان توفير الدواء الجيد وبشكل يتيح للجميع إمكانية الحصول عليه.
ويتحدث القانون الدولي لحقوق الإنسان بوضوح عن حق الجميع في الحصول على الأدوية المقررة طبيا بشكل منتظم وآمن وبسعر في المتناول، مع التأكيد على عدم حرمان شخص أو مجموعة أشخاص من حقهم في الحصول على أية أدوية مقررة طبيا سواء بسبب العنصر، أو العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الميلاد أو الملكية أو أية وضعية أخرى.
وفي التعليق العام" رقم 14 " الصادر عن لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عام 2000 حول الحق في الصحة ركزت اللجنة على إتاحة الحصول على الأدوية الأساسية (وهي قائمة من الأدوية تُحددها الحكومات وتعتبرها أهم الأدوية الواجب توافرها، واعتبرت اللجنة أن إتاحة الحصول على الأدوية الأساسية يعتبر "الحد الأدنى للالتزامات الأساسية الواجبة على الدول" وذلك بموجب العهد الدولي.
مع هذا كله، يبدو أن التمـتع الكـامل بـالحق في الصـحة لا يـزال هدفـاً بعيد المنال لملايين الناس في جميع أنحاء العـالم. وفي حالات عديدة، يزداد هذا الهدف ابتعاداً، خاصة لأولئك الذين يعيشون في حالة مـن الفقر. فالكثير من الفقراء ومن متوسطي الدخل إذا كانوا لم يجدوا من يعتني بصحتهم، فأنهم لا يجدون – أيضا - من يعينهم على توفير الدواء أو تحمل كلفه العالية!
حيث تشير إحصاءات منظمة الصحة العالمية أن عدد الناس الذين يعانون من الآلام بسبب عدم قدرتهم على الحصول على العقاقير يٌقدر بعشرات الملايين. وفي العديد من البلدان تشكل الأدوية ما يزيد عن نصف إجمالي النفقات الصحية وغالباً تكون غير متاحة للمستهلكين الذين يحتاجون إليها ولا يستطيعون تحمل تكلفتها. ولا يزال ما يقرب من 90% من السكان في البلدان النامية يشترون الأدوية بأسعار تفوق قدراتهم المالية ويتعرضون في أغلب الأحيان إلى خطر النفقات الكارثية. وأكدت منظمة هيومان راتس ووتش في تقريرها لها والذي يحمل عنوان "أرجوكم.. لا تجعلونا نعاني أكثر.. الحصول على عقاقير تخفيف الألم حق إنساني" عجز سكان بعض المناطق في العالم في الوصول إلى أنواع معينة من العقاقير.
وبناء عليه ومن أجل تمكن الإنسان في الحصول على الصحة بما فيها توفير الأدوية يستلزم القيام بالآتي:
1- اعتماد إستراتيجية وطنية لكفالة تمتع الجميع بالحق في الصحة، استنادا إلى مبادئ حقوق الإنسان.
2- ينبغي أن تكون المرافق والسلع والخدمات الصحية متوفرة بتوزيع جغرافي متوازن يُتيح لجميع فئات السكان الوصول إليها، خاصة الفئات المهمشة أو الأكثر عرضة للخطر، مثل النساء والأطفال والمراهقين وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة وغيرهم.
3- إن المساواة في الحصول على المستحضرات الصيدلانية الجيدة هي مكون أساسي من مكونات تعزيز النظام الصحي وإصلاح نظام الرعاية الصحية الأولية لاسيما في البلدان المنخفضة الدخل والبلدان ذات الشريحة الدنيا من الدخل المتوسط. لذلك، فإن التمويل المستدام والفعال للأدوية والأسعار المعقولة من الأمور الضرورية لضمان الحصول على الأدوية وهما من اللبنات الأساسية لإطار عمل منظمة الصحة العالمية في إتاحة الأدوية.
4- ينـبغي لضـحايا انـتهاك الحـق في الصـحة سـواء أكانوا أفرادا أم جماعات أن تتوفر لهم إمكانية الوصول إلى وسـائل الانتصـاف القضـائية الفعالـة أو أي وسـائل انتصـاف أخـرى عـلى كـل مـن المسـتويين الوطني والدولي، وينـبغي أن يكـون مـن حـق جميـع الضـحايا الذيـن تعرضـوا لمثل هذه الانتهاكات أن يحصلوا على تعويض مناسب، يمكـن أن يـأخذ شـكل العـودة إلى وضـع سـابق، أو الـتعويض، أو الترضـية أو ضـمانات بعـدم الـتكرار. وينـبغي أن تتصدى لجان لحقوق الإنسان، أو جمعيات حماية المستهلكين أو جمعيات لحقوق المرضى أو مؤسسات مماثلة على المستوى الوطني لما يقع من انتهاكات للحق في الصحة.
خلاصة الموضوع: إن الصـحة حـق أساسـي من حقوق الإنسان لا غنى عنه من أجل التمتع بحقوق الإنسان الأخرى. حيث يحق لكل إنسـان أن يتمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه ويفضي إلى العيش بكرامة. ويمكن السعي إلى إعمال الحق في الصـحة عـن طريق نهج عديدة ومتكاملة مثل وضع سياسات صحية، أو تنفيذ برامج الصحة التي تضعها منظمة الصـحة العالميـة، أو اعـتماد صكوك قانونية محددة.
..........................................
اضف تعليق