وظيفة الطبيب هي معرفة الأمراض التي تصيب الناس ومن ثم تهيأت اللقاح المناسب لها، ولا يمكن للطبيب أن يعطي الدواء الشافي بدون معرفة حقيقة المرض من خلال أعراضه وما يشعر المريض، ويكون الدواء أكثر تأثيراً في المريض عندما يكون فعل الطبيب مطابقاً لأقواله، فنصيحة ترك التدخين تكون أقوى تأثيراً إذا خرجت من فم طبيب لا يدخن.
وهكذا المنبر الحسيني وظيفته معرفة أمراض المجتمع حتى يهيأ لها الأدوية الناجعة التي تشفيه منها، ومع عدم معرفة حقيقة أمراض المجتمع فان المنبر سيصبح حالة كمالية لا يحتاج لها المجتمع، لأنه لم يؤدي الواجب أو الوظيفة التي أسس من أجلها وهي بناء مجتمع سليم من الأمراض العقائدية والأخلاقية والاجتماعية والثقافية وغيرها من الأمراض التي تصيب المجتمعات.
وعندما يضرب البلد وباء وليس مرض محدود فعلى المتصدين أن يحشدوا كل الطاقات من أجل مواجهته ومكافحته وتهيئة كل الأدوات التي تتصدى له وقد يكون هذا الوباء عقائدياً أو أخلاقياً أو ثقافياً وغيرها، كما تدخل المؤسسات الصحية في حالة الطوارئ عندما يجتاح أي بلد وباء كالكوليرا أو الطاعون أو اي مرض معد أخر.
فهذا وباء الأخلاق قد ضرب العراق وجعله يترنح ما بين سوء الخلق وبين الفساد المالي والاداري وأصبح الأخير أكثر أعراض وباء الأخلاق انتشاراً، وهذا الوباء قد ضرب أغلب طبقات المجتمع وفئاته، حتى أصبح التعليم في المدارس لا يثمر الى النجاح والتفوق إلا بوجود الدروس الخصوصية التي تقدم من قبل نفس المدرسين، أي كيف ستكون الأجيال إذا كان معلمهم فاسد والشاعر يقول ( إذا كان رب البيت بالدف مولعا فشيمة أهل البيت كلهم الرقص ).
وهذه الدوائر الحكومية من الصعب أن تقضي بها معاملة معينة إلا بالرشوة والكثير من الرشوات أصبحت شبه رسمية تغلف بعناوين وأشكال مختلفة حتى تكون مقبولة من قبل الجميع، وهذه أنبل مهنة عرفتها البشرية وهي الطب وقد أكتسحها الفساد فهناك الكثير من الجراحين يعمل العمليات الجراحية بالمستشفيات الحكومية ولكن على المريض أن يدفع له أجور العملية في عيادته الشخصية وغيرها من الفساد المالي.
وأما سوء الخُلق فيعاني منه الكبير والصغير في الشارع وفي الأسواق وفي وسائل النقل والدوائر الحكومية وفي كل مكان، فهذا الفساد نتج عنه قيادات فاسدة لم تبق شيء إلا وسرقته حتى أنهكت اقتصاد من أغنى دول العالم وجعلته من أفقرها يطرق الأبواب من أجل المساعدات والقروض والتسول.
هذا الوباء الذي اجتاح العراق يجب أن يواجه بل يجب أن تعلن حالة الطوارئ من قبل جميع المؤسسات التعليمية والثقافية والدينية وفي مقدمتها المنبر الحسيني، وان يقدم المنبر كل ما يمتلك من أدوات ووسائل في مواجهة هذا الوباء الذي احرق الأخضر واليابس حتى أصبح البلد على حافة الانهيار، فعلى المنبر الحسيني أن يوظف كل الطاقات وأن يركز على مواجهة الفساد الأخلاقي بل يجعله بالمرتبة الأولى من النقاش والطرح والوعظ، لأن الفيروس الذي أكتسح المجتمع بشكل لا يصدق يجب أن يواجه بلقاح يكون بمستوى خطورة هذا الفيروس.
وأهم الأدوات التي تواجه هذا الوباء عندما يكون معتلي المنبر أقواله تطابق أفعاله عندها ستكون كلماته تخرج من القلب، وهذه الكلمات سيكون مقرها ومستودعها قلوب الناس فتصبح أكثر تأثيراً في النفوس، فمواجهة هذا الوباء الذي ضرب عراق التشيع والولاية من صميم مهمات ووظيفة المنبر الحسيني، ومن خلال هذه المواجهة سوف نبني مجتمعاً سليماً من الأمراض عندها ستصبح القيادات الفاسدة شاذة ليس لها مكان ما بين ابناء هذا المجتمع السليم.
اضف تعليق