كيف يستكشف علماء الاجتماع مجتمعا ما من حيث الجودة او السوء، لابد من وجود مطابقات ومعايير يتم الاستناد إليها للوصول الى تحديد جيد، وهناك روح عامة تسود المجتمع، ووفقا لهذه الروح ودرجة مطابقتها للمعايير الموضوعة عالميا، سوف يتم تحديد طبيعة ذلك المجتمع، وثبت واقعيا أن الفساد هو الخطر الأكبر الذي يواجه الفرد المسؤول وجها لوجه مجسَّدا بالإغراءات التي تلتصق بالسلطة، وينعكس هذا بصورة مباشرة على المجتمع، أما الفساد نفسه، فهو مصطلح يشير بشكل عام إلى حالات انتهاك مبدأ النزاهة.
وهناك توصيف لغوي للفساد، فقد قال الله عز وجل في كتابه الكريم: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدى الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون). الآية رقم 41 الروم، أما في معاجم اللغة فنجده في (فسد) ضد صَلُحَ (والفساد) لغة البطلان، فيقال فسد الشيء أي بطُلَ واضمحل، ويأتي التعبير على معانٍ عدة بحسب موقعه، والتعريف العام لمفهوم الفساد عربياً بأنه اللهو واللعب وأخذ المال ظلماً من دون وجه حق.
ويعرف معجم أوكسفورد الإنكليزي الفساد بأنه انحراف أو تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة، وقد يعنى الفساد، التلف إذا ارتبط المعنى بسلعة ما وهو لفظ شامل لكافة النواحي السلبية في الحياة، أما الفساد السياسي فهو إساءة استخدام السلطة العامة من قبل النخب الحاكمة لأهداف غير مشروعة كالرشوة، الابتزاز، المحسوبية، والاختلاس.
ماذا يحدث اذا سقط الانسان في فخ الفساد، وماذا لو لم يكن شخصا من عامة الناس، بل كان مسؤولا مشاركا في ادارة الدولة او المحافظة؟؟، ان فساد الانسان (المادي) قد يمنحه تفوقا على غيره، قد يكسب المال، ولكن ما فائدة (أن تكسب العالم وتخسر نفسك)، لقد ثبت علميا، أن الانسان السارق والمختلس والمحتال هو أول من يحتقر نفسه ويستصغرها وينظر إليها بلا احترام، ولكن سيطرة نفسه عليه تمنعه من الاعتراف بهذا الاحتقار الذاتي وتجعله اكثر ضعفا أمام المزايا المادية، بيد أنه لا يقدر حجم الأضرار التي يتسبب بها للمجتمع.
نقرأ عن انحراف الانسان في كتاب (عالم الغد)، وهو دراسة متجددة في كتاب (الصياغة الجديدة) لسماحة المرجع الديني، آية الله العظمى، الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (أعلى الله درجاته) يرد فيه: (إن انحراف الانسان عن الطريق الصحيح ينعكس عليه شخصيا أولا، ثم بالتالي على المجتمع والعالم والانسانية جمعاء، مخلفا تداعيات نفسية وجسمية واجتماعيةـ خاصة ان كان الفرد فاعلا ومؤثرا وقائدا في مجتمعه، فقد ورد في الحديث الشريف: إذا فسد العالِم فسد العالَم).
والقائد المسؤول هو بمثابة العالِم، وقراره مؤثر، وقد يكون في صالح المجتمع او بالضد منه، لذلك تحدث تداعيات نتيجة لمشاركته في صناعة القرار أيا كان نوعه ومضمونه وأهدافه، أما طبيعة هذه التداعيات من حيث الجودة أو الضعف والتراجع، فهي لا شك ستنعكس على المجتمع، وسوف تشترك في صناعة (روح عامة سائدة) توجه مسارات المجتمع وثقافته العامة وسلوكه الجمعي.
إذاً هذه التداعيات التي يعكسها قرار المسؤول، ستشترك بصناعة روح عامة لثقافة وسلوك المجتمع، وستخضع الى المطابقات والمعايير الصحيحة، وعند ذاك سوف يكتشف المعنيون، نتائج القرار الذي اتخذه المسؤول، فيما اذا كانت في صالح المجتمع، أو أنها تقف عكس مصالحه، وفي هذه الحالة سوف يقع المسؤول تحت سطوة الفساد، واختراقه لقواعد النزاهة، وانزلاقه في منحدر الفساد الذي سيقوده الى مضاعفة التداعيات المدمّرة للدولة والمجتمع.
هنا سوف يشترك المسؤول في صناعة الروح العامة للمجتمع، وهذه المشاركة مهمة صعبة جدا، فقد يكون الانسان سببا في صناعة روح جيدة للمجتمع او عكس ذلك، تبعا لما يقدمه القائد من أعمال وقرارات، تحدد المعالم العامة والأساسية للروح العامة السائدة في المجتمع.
وقد وردت تنويه أو إشارة واضحة عن هذا المضمون في كتاب (عالم الغد) كما نلاحظ في هذا القول: (لمعرفة تواصل المجتمع في مساراته واجتياز مراحله بصواب، لجهة توصيفه كمجتمع سليم ام غيره، يجب ملاحظة الروح العامة السائدة في هذا المجتمع، ومطابقتها للمقياس المعياري الصحيح، وفق قواعد ومتبنيات فلسفة التاريخ، فإن كانت كذلك كان المجتمع سليما، أما اذا لم تكن مطابقة لتلك القوانين الحاكمة، كان المجتمع منحرفا ومريضا ومعوقا).
ختاما، لابد من الاعتراف، بأن الانسان، أي انسان، له دور في صناعة روح المجتمع (ثقافته وسلوكه)، ويتضاعف هذا الدور عندما يكون الانسان مسؤولا، وفي الأعم الأغلب تكون القرارات الصادرة عن المسؤول مؤثرة ومشاركة في تحديد اتجاهات ومسارات روح المجتمع، وهنا تبرز أهمية صلاحية تلك القرارات، وانعكاسها بصورة ايجابية على حياة المجتمع.
ولا يمكن أن يتحقق ذلك من دون الحد من ظاهرة الفساد، ومحاصرة دور المفسدين، وكبح التداعيات الخطيرة لهذه الظاهرة التي ينبغي أن توضع لمكافحتها خطوات عملية، تبدأ من الأسرة وتثقيف الطفل على النزاهة، صعودا الى المدرسة ومحيط العمل، مع حملات التثقيف الاعلامي والتركيز على دور المؤسسات والمدارس الدينية، وأهمية قيام الجهات المعنية بمراقبة حركة وقرارات المسؤولين، ومتابعة الشباب، واحتياجاتهم، واستيعاب مشكلاتهم، خاصة الفراغ والبطالة، والعمل دائما بطريقة المشاركة الجمعية على صناعة الروح الايجابية للمجتمع ومحاصرة التداعيات السلبية لفساد المسؤولين.
اضف تعليق