q

جاء في حديث عن الامام الصادق، عليه السلام، "أن الأمويين أطلقوا للناس الحديث عن التوحيد ولم يطلقوا لهم الحديث عن الشرك"، من المعروف عن الانظمة الديكتاتورية والظالمة أنها لا تجد مشكلة في الحديث عن الدين والإيمان والاخلاق والقيم الايجابية وكل ما يتناغم مع الفطرة الانسانية وايضاً ما يساعدهم على صنع شرعية سياسية وقاعدة جماهيرية.

وأكثر من ذلك؛ نلاحظ أن بعض الحكام في بلادنا الاسلامية، يظهر التقرّب الى الطقوس الدينية او المزارات المقدسة، ليظهروا الى الناس قدرتهم على احتواء الدين ورموزه، وانه ليس ببعيد عنهم، وهذا ما نلاحظه متفق عليه بين الذين حكموا في البلاد السّنية او الشيعية؛ فكما كان أنور السادات في مصر يحضر صلاة الجماعة، كان صدام في العراق، يحرص على تسجيل زيارة له لبعض المراقد المقدسة في كربلاء المقدسة او النجف الاشرف والصلاة هناك، وكذلك فعل قبلهما شاه ايران، وقبله ايضاً حكام آخرين.

ولكن؛ يتوقف هؤلاء فجأة أمام من يتكلم عن الكفر والشرك والطغيان، وهي الصفات التي ترادف بشكل طبيعي صفات التوحيد والايمان؛ لماذا؟!

ربما حاول الحكام طيلة العقود الماضية، أن يلصقوا بهذا الجانب من الحديث والخطاب طابعاً سياسياً لتحجيم القضية، وحتى يسهل عليهم قمع المتحدثين عن ذلك، سواءً كانوا على شكل تيار فكري او تنظيم سياسي، بيد أن فشل هؤلاء الحكام كان مرهوناً بقدرة تلك التنظيمات والتيارات على التمسك بـ "عروة القيم والمبادي" في حركتها، وهذا ما لاحظناه في الحركة الرسالية التي قادها الأئمة المعصومون، عليهم السلام، ومن بعدهم علماء الدين المجاهدين حتى الفترة المعاصرة من القرن الماضي.

ولذا بقي الهاجس يقضّ مضاجعهم طيلة حياتهم السياسية، لان المنهج الذي يتبعونه يتطابق مع المنهج الجاهلي الذي حاربه الرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله، واقام بدلاً عنه الحضارة الاسلامية، فبدلاً من الكبت والظلم والقسوة، تذوق الناس طعم الحرية والعدل والتسامح في ظل نظام تطابقت فيه النظرية مع التطبيق في عهد الرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله، وايضاً في عهد الامام علي، عليه السلام، ولو لفترة قليلة، بيد أن التجربة الحضارية الباهرة فرضت نفسها على التاريخ، وحددت للأمة والاجيال، المعايير الحقيقية للحكم الرشيد.

وحتى يبين الحكام أنهم ليسوا بعيدين عن تلك التجربة، وأنهم قادرون على إسعاد الناس و إرضائهم، عمدوا الى تلبية الحاجات الاساسية والظاهرية ضمن شعارات براقة تلامس المشاعر الانسانية، مثل مكافحة الأمية والإصلاح الزراعي ومساندة العمال وضمان حقوق المرأة والطفل وغيرها، ولكن...!

طريق الوصول الى هذه الطموحات يكون وفق ما يرسمه المنظرون والمفكرون من حولهم، وليست النصوص الدينية التي تضمنت نظاماً متكاملاً لحياة الانسان، وفي مقدمتها القرآن الكريم وسيرة المعصومين، عليهم السلام، فهم في الوقت يقدسون القرآن الكريم، بل وينفقون ملايين الدولارات لتجديد طباعته بشكل فاخر، او يساهمون في بناء المساجد المهيبة ويكرّمون شهر رمضان وموسم الحج وغيرها، بيد أنهم الى جانب ذلك يردفون أفكارهم وتوجهاتهم الخاصة ويعطونها الأولوية للتطبيق العملي وتلبية حاجات العصر، وذلك بذرائع شتّى، منها عدم امكانية تطابق جميع الاحكام والتشريعات على الواقع المعاصر، فلابد من "العصرنة" في المنهج و"الحداثة" في التفكير والمعالجة.

وبذلك يضعون انفسهم في موقع التشريع مكان الله – تعالى- فيبتدعون القوانين لمختلف شؤون حياة الانسان، ويعدون انفسهم البديل الافضل والاكثر عملية للواقع، بيد أن تقادم الايام وحكم التجارب هو الذي فصل بين حكم الله –تعالى- وحكم اصحاب القوانين الوضعية، ولعل ابرز مثال على ذلك؛ تحديد النسل، الذي استنسخه بعض الحكام في البلاد الاسلامية من البلاد الغربية، فبعد أن ضمن الاسلام كرامة الطفل وحياته من القتل بحجة الفقر، كما جاء التأكيد الإلهي المباشر بضمان رزقهم ومعيشتهم، يأتي البعض ويتحدث عما يسميها بـ " اطروحات اقتصادية" لتحقيق التنمية والازدهار، وهذا يتطلب تحديد النسل، لعدم التورط بتعداد سكاني كبير أمام موارد ضئيلة، وهذا ما ثبت بطلانه تماماً، لما أفرزت هذه التجربة من مساوئ كارثية على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي، فعندما داهمت بعض الدول الداعية بشدة الى تحديد النسل، جيل من الطاعنين في السن، وتراجع نسبة الشباب، ومن ثمّ تقلّص عدد طلبة العلم واليد العاملة، انقلب الرأي لديهم ودعوا فجأة الى "تكثير النسل"، بمختلف وسائل الدعاية والاعلام في الشوارع وعبر التلفاز وفي كل مكان.

وهذا ينسحب على أمثلة وحالات عديدة مثل الربا في الاقتصاد ومسائل المرأة في الاجتماع، فهم يمارسون الشرك المقنّع ويتمظهرون بما يعجب الناس ولا يتعارض مع الظاهر العام، بيد أن افرازات الظلم والطغيان تفضح منهجهم الحقيقي وفكرهم الجاهلي القائم على العصبية وحبّ الأنا والتنكّر للعقل والحكمة.

اضف تعليق