الفساد لا ينشأ من تلقاء نفسه، بل يوجد حيث يوجد المفسدون، ولا يمكن أن ينجو منه أحد في دائرة تأثيره، ولا يمكن لأي إصلاح جدي أن يتم في وجوده، وقضية محاربته مطروحة وبإلحاح شديد منذ أمد بعيد.

ومع ذلك فوتيرته لم تتناقص، بل ارتفعت درجته واتسعت رقعته.. وطوق نفسه بمناخ من أوجه الفساد الصغيرة.. التي أوقعت أناسا من مستويات أدنى، واستطاعت البيروقراطية الفاسدة أن تبقي عليه نهجا ومذهبا.. بل واصبح نمطا معيشيا نحيا فيه …لأنه حين يتعمم الفساد لا يعود بوسع أحد أن يتحدث عنه أو الإعتراض عليه.. طالما أن دائرته اتسعت فشملت شبكة واسعة.. من مصلحتها غض النظر أو السكوت عما يدور.

إذ يلجأ المفسدون إلى إشاعة نهجهم الخاص على أوسع نطاق ممكن بين ضعاف النفوس، بحيث لا يعود بوسع أي أحد الاعتراض أو الاحتجاج ضده.. عملا بالقاعدة القائلة أنه إذا اراد الفاسد حماية نفسه فإن عليه أن يفسد سواه أيضا، فما أن يعم الفساد و يتورط فيه الكل.. حتى تتكون آلية تضامنية تلقائية بين المفسدين يتستر فيها الكل على الكل.. فلا ترى، بعدها، من هم عناصر الفساد أو الفساد نفسه..

وبذلك لا يصبح امر الفساد منحصرا في بضعة أشخاص فاسدين.. إنما يتحول إلى منهج متكامل يوفر أصحابه البيئة المناسبة لتعميمه وتحويله إلى وضع أليف.. يصبح معها مجرد النقاش حول الفساد ضرب من العبث.. حينها يفقد الفرد قدرته على المقاومة بالتدريج، وتعلو لديه نوازع الأنانية، ويتخلى عن مبادئه وقيمه كما يتخلى عن إحترامه للقانون والنظام.. ثم ينتهي به الحال إلى التخلي عن إنسانيته وإحترامه لذاته وللآخرين.

وأي خطوات لمحاربته تبقى مجرد احاديث.. تجعلنا سعداء حين نسمع أو نقرأ انه جرى ضبط بعض بؤر الفساد، وان إجراءات ستتخذ ضد من يثبت تورطهم فيها، ونكون أكثر سعادة حين نقرأ أو نسمع أن لا أحد من الفاسدين سيكون محميا من المحاسبة، لكن كثيراً ما يجري تقديم أكباش فداء غالبا ما يكون أصحابها في دائرة الحلقات الأضعف، أو من الذين انتهت صلاحية استعمالهم، ويقدم الأمر على أنه حملة لمكافحة الفساد، والتي تنتهي بالتهليل والتصفيق، وتعود كل حليمة إلى عاداتها القديمة راضية مرضية ولا خوف عليها ولا هي تحزن. فيما الأمر أبعد ما يكون عن ذلك.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق