نسب البطالة التي تعاني منها الدولة العراقية، لم تأتي من فراغ، بل هناك أسباب واقعية واضحة، يقف في المقدمة منها، التعليم الفاسد، ومساهمته في مضاعفة نسب الخريجين العاطلين عن العمل، بالاضافة الى آلاف الشباب المعطلين أصلا عن اداء دورهم، ولا شك أن فساد التعليم يتسبب بهذه النتائج عندما لا يقوم على أسس علمية، وحينما يفتقر للتخطيط والدقة، ولا يضع آلية واضحة للاستفادة العملية من الشباب الذين يتم تخريجهم بعد سنوات من الجهد.
فالذي يحدث في هذا المجال، أن الجامعات تقوم سنويا بتخريج الآلاف من الطلبة، بطريقة آلية وتلقي بهم الى الشوارع والفراغ، فلا يجدون الأماكن الانتاجية التي تحوّل تعليمهم الى منتجات وسلع ومشاريع تسهم في دعم الاقتصاد، فيصبحون بذلك ثقلا إضافيا على الدولة والمجتمع، بدلا من أن تسهم طاقاتهم في تقوية المشاريع الانتاجية التي ينبغي أن تشد من عضد الاقتصاد الوطني، لكن ما يحدث هو العكس تماما كما يؤكد واقع الحال.
وهناك من يعتقد أن المنهجية التي تقوم عليها آلية التعليم فاشلة تماما، كونها تقوم على اعداد مناهج مستنسخة، لا تتسق مع الحاجة الفعلية، لذلك تحتاج المناهج في التعليم، الى تأني وصبر، ومطاولة في قضية المعالجة، ولا بأس في الاستفادة من الخبرات والكفاءات المشهود لها في هذا الجانب، في الدخل، وكذلك في الخارج، فهناك دول وشعوب عانت من قضية المناهج، وانعكاسها السيّئ على حياة الناس، إذ في الغالب تخلق لهم مشكلات كبيرة تتعلق في عملية توحيد الأمة او الشعب، وبث روح التعاون والألفة والتقليل من نسب البطالة، والبحث بجدية عن الحلول التي تجنب الشباب والخريجين التخبط واليأس والهجرة الى خارج البلد.
ولا شك أن الاسباب التي تقف وراء هذه النتائج المؤسفة، معروفة لكن المشكلة لا احد من المسؤولين أو الجهات المعنية يحرك ساكنا لمعالجتها، وهذا التراجع والاهمال يدخل في باب فساد التعليم، فالدول المتقدمة وتلك المستمرة في طور التقدم، تخطط مسبقا لاستيعاب الشباب بالصورة الصحيحة، وفقا لحاجة القطاع الانتاجي لهم، فالقضية تعاونية تخضع للتخطيط السليم، ولكن هناك قصور وتقصير في هذا المجال، سببه الأول فشل التعليم وفساده.
أما ما نقصده حول قصور الخطط التعليمية، فيعزوها الخبراء والمعنيون الى عدم قدرة التعليم على مواكبة ما يستجد علميا في مسار التطورات العالمية، ويعني القصور وجود خلل ذاتي في المنهج التعليمي نفسه، أي أن فحواه ومضمونه لا يرتقي الى عنوانه، والسبب في قصوره الذاتي، وعدم كفاءته، وضعفه او انعدام الفائدة منه بسبب تقليدية المنهج نفسه، ويحدث هذا بفعل الفشل الذي يعتري آليات التعليم، والفساد الذي يتغلغل في ادارة التعليم في عموم المراحل، لاسيما المرحلة الجامعية التي تنتهي بها المراحل الدراسية باستثناء الدراسات العليا.
فساد التعليم وتدهور الشعوب
يقف فساد التعليم وراء حالات التدهور التي تعاني منها الشعوب المتخلفة، فاذا عرفنا أن التطور البشري قائم على عملية التعليم، فإننا يمكن أن نقدّر فداحة ما تتعرض له شعوبنا ودولنا الاسلامية من حيف وتأخّر في هذا المجال، بسبب إهمال القائمين على إدارة العملية التربوية والتعليمية لجانب مهم يقع في لبّ التعليم، ألا وهو تحديث المناهج بما يصب في صالح التعليم وهي تعني باختصار إمكانية مجتمع ودولة ما على التعامل العصري مع كل ما يتعلق بالعلم.
لذلك لا فائدة من التعليم اذا كان يعاني من الفساد، علما أن ثمة مؤشرات وشواهد واضحة، يمكن أن تفصح عن فساد ادارة عمليات التعليم في اكثر من مرحلة، ومن ملامح هذا الفساد، الاسلوب البليد الذي تصر عليه ادارة التعليم في عملية التوصيل المعلومات لمعظم المناهج، وتقليدية بث المعلومة العلمية وتوصيلها الى الطلبة، هذه العلامات اذا حضرت، هذا يعني أن منهج التعليم مريض، ويعاني من مشكلات حقيقية، وهي حتما تتعلق بفساد الادارة والتوصيل والعملية التعليمية برمتها.
ويرى الخبراء المعنيون بالتعليم، أن فساد العملية التعليمية، هو السبب الرئيس الذي يقف وراء تدهور الشعوب وتخلف المجتمعات، بسبب عدم تحصيلها للوعي الثقافي الكافي لرفع سقف المطالبات الشعبية لصانع القرار، ولذلك تبقى البطالة حاضرة، وتبقى نسب الفقر عالية، ويبقى الشباب في حالة من اليأس، ولا يفكرون بما يخدم الدولة، بسب الجهات الفاسدة التي لا تمنح الفرصة المناسبة للشباب.
كذلك هناك مشكلة الإهمال الحكومي للقطاع الخاص وتوظيفه لاستيعاب الطاقات الشبابية من الخرجين الجدد، فضلا عن تقاعد القطاع نفسه عن اداء دوره كما ينبغي، لذلك تزداد نسبة الفقر والجهل بين افراد المجتمع، علما أن الشعوب غير المتعلمة تقبل بأقل الحقوق وأبسط الخدمات، بل هي لا تفكر بالحرية إلا ما ندر، وهذه الأوضاع تشجع الحكام وحكوماتهم على الإيغال بمصادرة حقوق الفقراء، فيسهم ذلك في ضعف التعليم، وهكذا تبقى دائرة الفساد والتخلف مغلقة، ما لم يتم الشفاء التام للعملية التعليمية من المشاكل والمعوقات التي تعتريها بسبب الفاسدين اذا لم يتم وضع حد لهم، وهذه مهمة الحكومة، والجهات التي تقوم على ادارة التعليم في الوزارة المعنية وفي الجهات الحكومية المتخصصة بادارة التعليم.
مواكبة التعليم المعاصر
من الممكن وضع حد لحالات الفساد التي تتلبس ادارة التعليم في البلاد، فقد سبق لبلدان وشعوب أخرى كثيرة عانت من هذه المشكلة، ولكنها استطاعت أن تتخلص منها بالمثابرة والتخطيط والإصرار على إيجاد الحلول المناسبة، ووضعها موضع التطبيق بحرص وحزم ودقة في التنفيذ من اجل تخليص المجتمع من الفاسدين لاسيما في التعليم.
إن الجميع يؤكدون لاسيما أصحاب الشأن، بأن تخليص التعليم من الفساد، يقوم على عدة خطوات معظمها عملية اجرائية، ولكن من المهم أولا معرفة العلل والمشاكل والأمراض التي يعاني منها التعليم، حتى نضمن القضاء على بطالة الخريجين، وحتى نتأكد من أن التعليم لا يلقي بهم الى البطالة ومقاهي الفراغ التي تطفئ مواهبهم وتلفي طاقاتهم وتجعلهم لا يفكرون إلا بالهجرة ومغادرة البلاد.
يقول المعنيون بالتعليم حول المشاكل المحيطة بهذا القطاع، أن ثمة أسبابا واضحة ومعروفة، واخرى خفية، تقف وراء إصابة عمليات التعليم بالضعف أو الشلل التام، وقد سبقت الإشارة الى بعض هذه الأسباب، لكن هناك عدة اسباب، منها على سبيل المثال طريقة اعداد التدريسي، فعندما يتم تهيئة كادر تدريسي متطور، مواكب لأساليب التعليم العالمية المتطورة، ومطلع على ما يستجد في هذا الميدان، فإننا سوف نتجاوز أهم العقبات في هذا المجال، لأن المعلم المتطور في أساليبه التعليمية، يكون قادرا على خلق أجيال متعلمة، ويسهم في صناعة عقول علمية تساعد على تقدم المجتمع والدولة، وهناك من يضيف شرطا على هذا الرأي.
فإعداد الطالب والخريج اعدادا علميا جيدا لا يكفي وحده، اذا لم تتخذ الجهات المعنية الخطط العملية التي تستوعب الخريجين، وتساعدهم على تطبيق معلوماتهم الى منتج سلعي اقتصادي يدر عليهم ارباحا تجعلهم يشعرون أنهم جزء من المجتمع وانهم يضعون قدراتهم ومواهبهم في المكان الصحيح، لذا فالعملية تعاونية، يشترك فيها تخطيط الجهات المعنية لاستيعاب الشباب، بعد انتها مرحلة التعليم الجامعية، وهذا الحل الصحيح يستدعي القضاء التام على الفساد والمفسدين في القطاع التعليمي.
اضف تعليق