مما يتوقعه وينتظره الشعب من نظام الإسلام السياسي، وعلى صفيح ساخن، تقديمه الحلول والبدائل لجملة الأزمات الاقتصادية لتكون مثل الماء البارد الذي يروي الظمآن، لاسيما وأن الجميع بات يعرف – ولو من الناحية النظرية- أن الإسلام هو الذي يحمل النموذج المتكامل للاقتصاد الناجح الذي لا اجحاف فيه ولا ظلم، يعطي كل ذي حقٍ حقه. بيد ان الواقع المأساوي الذي تعيشه الشعوب، وتحديداً في بلادنا المأزومة، وفي مقدمتها العراق، فانه يهتف مطالباً بالتطبيق العملي وايجاد المصاديق على الارض لكل ما يقال ويكتب عن الاقتصاد الاسلامي. وإذن؛ فان الاسلام السياسي يكون مطالباً قبل غيره بالتعجيل في خطواته واجراءاته في ترميم التصدعات الناجمة من سياسات الانظمة البائدة، والقائمة بعضها على الرأسمالية أو الاشتراكية او الالتقاطية بين هذا وذاك!.
التدرّج في المعالجة
كما يقال دائماً: "الداء يأتي سريعاً بينما يأتي الشفاء بطيئاً"، فالأزمات الاقتصادية المتفاقمة اساساً في بلادنا، والتي تلقي بمساوئها على مجمل الوضع المعيشي للناس، تمثل تركة او ترسبات متراكمة لعهود من السياسات الاقتصادية الفاشلة، الامر الذي يتطلب النظر فيها بغير قليل من التأنّي مع سبق دراسة مستفيضة على أمل حلّها تدريجياً.
في كتابه "اذا قام الاسلام في العراق"، يستبق سماحة الامام الراحل السيد محمد الشيرازي – قدس سره- الاحداث، ويستشرف مستقبل العراق منذ حوالي ثلاثة عقود، عندما يتحدث عن المطلوب في عملية تصحيح الوضع الاقتصادي من خلال "تعديل مواطن الانحراف وتوجيه الانحرافات الاجتماعية نحو الاعمال السليمة والشريفة، عبر ايجاد الأجواء الصالحة لذلك... ولا يصحّ المعاقبة على الأعمال السابقة أو تعطيل أعمالهم بدون ايجاد بديل وعمل صحيح يجنبهم السقوط في العمل المنحرف مرة أخرى".
ويذهب سماحته الى أبعد من هذه المشكلة في ميدان الاقتصاد، حيث يعرّج على مشكلة "البنوك الربوية بان علاجها تبديلها الى المضاربة تحت اشراف لجنة من الخبراء الاقتصاديين، منضماً اليهم علماء دينيون، أما إلغاء الربا بشطبة قلم بدون دراسة وايجاد البديل الأحسن – كتقنين المضاربة ونحوها- فذلك يوجب تهريب رؤوس الاموال من البلاد، وثانياً: سحب الناس أموالهم من البنوك مما يسبب افتقار البنوك وهي عصب اقتصادي هام للدولة، وكثيراً ما يسبب التضجّر، مما يضر بسمعة الدولة ويسبب زعزعتها اقتصادياً".
من هنا يتضح إن اهتمام وحرص الاسلام السياسي على مصير الدولة والشعب، يتجلّى في البرنامج الاقتصادي المدروس الذي يقدم البدائل المفيدة والعملية للأزمات القائمة، وإلا فان التضخم وغلاء الاسعار وقلة الموارد توجب تنفر الناس عن الحكومة وتسبب آخر المطاف سقوطها". ويخاطب سماحته المعنيين في "الدولة الاسلامية الفتية" التي كان يطمح اليها – قدس سره- بان عليها "البرمجة الشاملة والدقيقة لضمان سلامة الاقتصاد وتطويره، وعلى الحكومة ان تسمح بتكوين مؤسسات اقتصادية ولجان من أهل الخبرة في القطاعات كافة؛ من الزراعة والصناعة والتجارة الخارجية والداخلية".
التعجّل نحو السلطة
مما يؤسف له حقاً، أن يكون الاقتصاد، بمنزلة العجلة التي تحمل بعض الطامحين من "سياسيي" الاسلام السياسي، الى المراتب العليا في السلطة، بدلاً من أن يكون همّاً يُنظر اليه بعين العناية على سبيل الحل وإنقاذ الناس من معاناتهم، ومما كانوا عليه في العهد السابق. هذه الجناية الفاحشة نلحظها في حالتين من اسقاطات الاسلام السياسي في حقل الاقتصاد؛ عندما تريد استعجال التغيير في بعض المرافق والقطاعات، مثل الزراعة والصناعة والمصارف وغيرها، فتكون النتيجة عكسية وفي غير صالح الشعب، كما اشار الى ذلك سماحة الامام الراحل، وفي الحالة الثانية: عندما تهمل مسألة ايجاد البديل المناسب، بل وتزيد في انتشار فيروس الفساد الموجودة بالاساس، مما يجعل حالات مثل المحسوبية واستغلال المنصب والابتزاز وحتى اللصوصية، أمراً مشاعاً في الدوائر الحكومية وفي السوق، بل و ترويجه في المجتمع، حتى يخال الناس بأن الصحيح هو الاستحواذ على اكبر قدر ممكن من المال، بغض النظر عن المشروعية او حقوق الآخرين او تحكيم القيم والمبادئ.
وربما يطول الحديث عن معضلة الفساد المالي والاداري في العراق، الذي تحول الى اخطبوط حقيقي مخيف، يتحدى حتى النظام السياسي نفسه. وربما يكون فقدان البدائل للحل، يدفع البعض الى اللجوء الى الطرق الملتوية لاستحصال المال، لاسيما في اوساط القطاع الخاص الذي يعد القاعدة التي يعتمد عليها الاقتصاد العراقي في تحريك عجلته، والمؤشر الاول في مستوى النمو والتضخم، إذ يفتقد العراق لأي خطة متكاملة او منهج واضح للاقتصاد نابع من الدولة الحديثة النشوء، ما عدا بعض الاجراءات التي يتخذها البنك المركزي العراقي فيما يتعلق بالعملة الصعبة والسيطرة على قيمة العملة المحلية، أما الانتاج المحلي وحركة الاستيراد، فهي بنسبة كبيرة تابعة للقطاع الخاص.
وهذا تحديداً هو الذي تسبب في انفجار الشارع مؤخراً وتمخض عن تظاهرات احتجاجية عارمة في عديد المدن العراقية، وهي تطالب مسؤولي الدولة وفي مقدمتهم رموز "الاسلام السياسي"، بوقف استنزاف المال العام، والبدء بعملية اصلاحية تنتشل الاقتصاد العراقي من مستنقع التضخم والبطالة والتبعية للخارج. ولو أن الشعارات تتحدث عن ضنك العيش والظلم والتفاوت الطبقي الذي صنعه الساسة ومعهم "الساسة الاسلاميون" بسبب بذخهم الفاحش ورواتبهم الخالية، بيد أن هذه الصرخات إنما تصدر مما حذر منه سماحة الامام الراحل منذ عقود من الزمن، وهي التجاوز على العقد الاقتصادية الموجودة، وترك الناس يتخبطون في المشاكل والازمات في دوامة قاتلة.
اضف تعليق