q

الدعارة أقدم مهنة في التاريخ، قننتها الكثير من الدول الاوربية واصبحت نشاطا مهنيا معترفا به كأي نشاط عملي اخر.

في الكثير من المناطق المخصصة لممارسة هذه المهنة، يتم عرض اجساد العاهرات عن طريق الاكشاك الزجاجية، حيث تتخذ وضعية الجلوس او الوقوف امام المارة، وتكون تلك العاهرات من دول واشكال والوان متعددة.

الفاحشة تعرض نفسها شفافة، واضحة، وبحماية قانونية توفرها لها الدولة.

الشفافية التي اصبحت عنوانا عريضا للممارسات الاقتصادية ثم انسحبت الى مجالات السياسة وبقية النشاطات الانسانية، وهي التي بدأت عبر مقولات العلاقات الانسانية الشفافة، ومكاشفة الاخرين ومصارحتهم بماضي الشخص المتحدث، وما يفكر فيه او يعتزم القيام به.

هذا العنوان العريض لايعدم من روج له في مساءلة سياسات دول تجاه دول اخرى، وعادة مايكون الطرف السائل هو الاقوى من الناحية الاقتصادية والسياسية، كما نلاحظ ذلك في علاقات دول اوربا مع نظيراتها من دول العالم الثالث والرابع وحتى العاشر، والتي اطلقت عليها تسمية اخرى اكثر تلطيفا وهي الدول النامية.

الشفافية في اللغة تعني الشيء الشفاف الذي لا يحجب ما وراءه فمعنى شف أي رق حتى يرى ما خلفه أي تعنى الوضوح وهي عكس التعتيم والسرية ولعل استخدام هذه الكلمة اصطلاحا لا يختلف كثيراً عن معناها اللغوي.

وهي أحد أهم مبادئ الحوكمة وتعود هذه الأهمية إلى أنها السلاح الأول لمحاربة الفساد والاختلاسات والتربيطات التى كثيراً ما نسمع عنها. فغياب الشفافية هو الذي يفتح الباب على مصراعيه لعقد صفقات الفساد من تحت المنضدة (يعني في الخفاء) أما مع وجود الشفافية فإنه يصعب حينها إساءة استخدام السلطة لصالح فئة تعمل في الخفاء.

استخدمت الشفافية كثيرا في بدايتها عبر شروط الدول المانحة للقروض والهبات لإنشاء مشاريع في دول اخرى، ودائما مايستخدمها صندوق النقد الدولي او البنك الدولي من خلال مطالبة المدينين بحسابات ختامية شفافة.

والشفافية التي طالما رفعها الغرب في وجه الكثير من الدول تشبه شفافية الاكشاك الزجاجية لمهنة الدعارة، فكل شيء في السلوك الغربي على مستوى الحكومات يجب ان يخضع لهذا المبدأ حفاظا على الصورة العامة لتلك الحكومات امام شعوبها ومواطنيها حتى لو تشابهت هذه الشفافية مع شفافية الاكشاك الزجاجية، عرضا للأجساد والفاحشة تحت حماية القانون.

رغم الشفافية التي تستنزف الكثير من الاحاديث والتقارير، الا ان البيت الزجاجي لأكبر منظمة كروية تحكم العالم وهي (الفيفا) كشف زجاجه ورقّ وشفّ، حتى من ورقة التوت التي حجبت عوراتها طيلة سنوات ترؤس العجوز السويسري سيب بلاتر على كرسي الرئاسة لهذه المنظمة منذ العام 1998 ، واستقالته الاخيرة التي ربما تكون تسوية للإفلات من العقوبة، والتي عقدها مع المحققين الامريكيين من تحت الطاولة.

وهو لب المسألة فيما يتعلق بكشف ملفات الفساد التي اطاحت بالرئيس العجوز للجمهورية الكروية العالمية، والتي سقطت فيها رؤوس كبيرة، وهناك قابلية لسقوط رؤوس اخرى جديدة سواء من الجمهورية الكروية نفسها او من جمهوريات كروية محلية اخرى.

يكتب في بروجيكت سنديكيت أستاذ التنمية المستدامة، ومدير معهد الأرض في جامعة كولومبيا، في موضوعه (مصيدة الإفلات من العقاب):

يبدو أننا نعيش في عالم الإفلات من العقاب. فمزاعم الفساد التي أحاطت بالاتحاد الدولي لكرة القدم أدى مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل وظيفتيهما. ولكنهما فعلا ذلك، جزئيا، عن طريق اختراق العوالم الضبابية من السرية المالية التي خلقتها وتحميها وزارة الخزانة الأميركية، وهيئة الإيرادات الداخلية، والكونجرس الأميركي (الذي لا يتوانى في حماية الملاذات الضريبية الآمنة في الكاريبي).

ويضيف: في بعض المجتمعات والقطاعات الاقتصادية، أصبح الإفلات من العقاب الآن منتشراً إلى الحد الذي يجعل الناس يعتبرونه أمراً حتميا.

فعندما يُنظَر إلى السلوك غير الأخلاقي من قِبَل كبار الساسة ورجال الأعمال على نطاق واسع باعتباره "أمراً طبيعيا"، فإنه يمر إذن بلا عقاب من جانب الرأي العام، وبالتالي يتعزز وصفه بالسلوك المعتاد ــ الأمر الذي يؤدي إلى خلق "فخ الإفلات من العقاب".

والشفافية التي دوخ الغرب العالم بها، ويطالب الاخرين بها قبل مطالبته نفسه اولا بها، سيعتزم ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني طرحها أمام مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى في ألمانيا والطلب والحث كذلك على تعزيز مكافحة الفساد في ظل فضائح الفساد في الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا).

 

اضف تعليق