أصبح من الواضح جداً والملحوظ، التغير السلوكي للموظف العراقي بعد عام 2003، من كان منهم في الوظيفة قبل هذا العام ومن جاء بعده.
في الجانب الإيجابي، كان الموظفون أسرةٌ واحدة، يتواصلون فيما بينهم، حتى بعد ساعات الدوام الرسمي، ويعين أحدهم الآخر في عمله، ويسد مكانهُ حتى في غيابه، ويحضرون إلى العمل مبكرين ونشطين، ويعملون لساعاتٍ طويلةٍ، دون تذمرٍ أو تعب، بالرغم من كون الراتب الشهري قد لا يكفيهم، سوى أجور نقلهم إلى أماكن عملهم.
في الجانب السلبي، في تسعينيات القرن الماضي بالتحديد، تفشت الرشوة والإختلاس، ولكن على نطاق ضيق، بسبب فساد الحكومة، وبسبب مقدار الراتب الشهري المنخض، والذي قد لا يتعدى الدولار الواحد شهرياً! وكذلك بدأ الموظف يعمل بعد الدوام في دوائر الدولة في القطاع الخاص، ليوفر ما يحفظ كرامته في العيش البسيط.
بعد عام 2003 إنتفى الجانب الإيجابي عند الموظف، وظهر الجانب السلبي بأبشع صورة، سواءً في ذلك من الموظف القديم أو الجديد! لماذا؟
يقول بعض الناس: إذا فسد الراعي فسدت الرعية وإذا صَلُح الراعي صَلُحت الرعية، وهو كلام ليس دقيقاً، فما نراه أن مافيات الأحزاب بلعت أكبر الرعاة الصالحين، أما عن طريق التهديد أو الطرد أو الإغتيالات، وأما الرعية من الموظفين، فأصبح دينهم دنانيرهم بعدما رأوه من علماء السوء والرذيلة، وباتت الأنانيةُ واضحةٌ عليهم، فهم يبتكرون شتى الوسائل لابتزاز المواطن.
إن ما حصل من تغير في سلوك الموظف، ليس نتيجة تراكمات ما قبل 2003 فقط، بل وتحصيل حاصل لما رآه بعد عام 2003، من إنكشاف سريرة أغلب من كان يتبجح بالشرف والأمانة والدين! والذي من الشراهة ما لا يملأ عينهُ ملك قارون وفرعون!
لقد أوجز المرجع الديني الكبير "محمد سعيد الحكيم" في بيانه بعد سقوط النظام عام 2003، ما سيحصل، والذي حصل فعلاً، حيث قال: فقرٌ مع دين خيرٌ من رخاءٍ بدونه؛ لقد خسر أغلبنا أمانته وشرفه ودينه بعد الرخاء، وهذا ما أكده لي أغلب الموظفين باعترافهم حينما كانوا يتحسرون على أيام زمان، ويقولون: كنا فقراء ولكن كان يرحم أحدنا الآخر، ولكن اليوم ونحنُ أغنياء لم يَعد يسأل أحدنا عن أحوال الآخر!
بقي شيء...
على الموظف العراقي العودة إلى النفس، وليعلم بأنهُ هو من ظلم نفسهُ لا غير.
اضف تعليق