في كل عملية انتخابية، في بلد مثل العراق، تتعرض مؤسسات الدولة الرئيسة ووزاراتها إلى تغييرات جوهرية، ليس في آلياتها، ووسائلها، وأهدافها، إنما في مسؤوليها، وموظفيها، ولا تكاد تستقر الوزارة، وتأخذ مسارها المرسوم لها، حتى يأت وزير آخر لا يقوم بعمل يماثل عمل الوزير السابق إلا...
يتفق عموم الشعب أن مؤسسات الدولة ووزاراتها، تحتاج إلى إصلاحات، للنهوض بها، وتطويرها، لأداء مهماتها وواجباتها، المحددة في قوانينها وأنظمتها الداخلية. فمؤسسات الدولة، سواء التشريعية، أو التنفيذية، أو القضائية، ليست مؤهلة -إلى حد كبير- لتلبية احتياجات المواطنين، فضلا عن جودة خدماتها.
وان التغييرات التي تطرأ على الأجهزة الدولة، من خلال العمليات الانتخابية الدورية، تهدف أساسا، ليس إلى تغيير المسؤولين في هذه الأجهزة، وحسب، بل إلى تغيير سياسات هذه الأجهزة، اتجاه تحقيق أهدافها وغاياتها، التي أنشأت من أجلها. فعلى سبيل المثال: إن انتخاب عضو مجلس نواب جديد، غير عضو مجلس النواب السابق، ليس هدفه استبدال هذا العضو، وحسب، بل هدفه تحقيق مطالب المواطنين التي عجز عنها النائب السابق. كما أن اختيار وزير لوزارة ما، بدلا عن الوزير السابق مثلا، ليس المقصود به استبدال الوزير السابق فقط، بل المقصود به، تغيير سياسات تلك الوزارة وبرامجها، لتتمكن من تحقيق أهدافها أو تطويرها، وصولا لتحقيق رضا المواطن المنشود.
والأمر ذاته، ينطبق بالتمام والكمال، على انتخابات مجالس المحافظات، وعلى انتخاب المحافظين أيضا، فليست أهداف انتخابات مجالس المحافظات، استبدال وجوه قديمة، بوجوه جديدة، بل، استبدال القديم الذي لم ينجز وعوده الانتخابية، بعضو محافظة آخر يمكن أن يستفيد من تجربة الأول، ويفي بوعوده التي قطعها لناخبيه، فيعنى باحتياجات المجتمع المحلي الذي منحه صوته وثقته.
إلا أن فكرة انتخاب نائب لم يستطع أن يفي بوعوده الانتخابية، بنائب ثان، يمكن أن يفي بوعوده الانتخابي، أو أن فكرة استبدال مسؤول، لم يتمكن من تلبية احتياجات المواطنين، لاسيما الخدمية منها، بمسؤول آخر، يمكن أن يغير سياسات الوزارة وبرامجها، ويحقق طفرة نوعية، في أداء مؤسسته العامة، فكرة ترتطم -على مستوى الواقع- بعقبتين أساسيتين: الأولى اجتماعية، والثانية سياسية.
أما العقبة الاجتماعية؛ فهي العقبة التي تتعلق بالمواطنين أنفسهم، فليس غالبية المواطنين، عندما يتوجهون إلى صناديق الاقتراح، على مستوى الحكومة الاتحادية، أو على مستوى الحكومات المحلية، يدركون -تماما- أنهم يذهبون من أجل انتخاب ممثل لهم، أفضل من الممثل السابق، لأنهم -بالأصل- لم يقيموا أداء الممثل السابق، ولم يحيطوا علما بأداء الممثل اللاحق. وفي الغالب يقدمون على تغيير الممثلين، بناء على الرغبة في التغيير، أولا، وبناء على التأثيرات السياسية للقوى السياسية التي تمتلك اليد الطولي، ثانيا.
في الواقع، إن السبب الحقيقي، وراء هذه العقبة، هو أن دور المواطنين، في العملية الانتخابية، هو دور محدود جدا، يبدأ من دخول المواطن إلى المحطة الانتخابية، وينتهي بخروجه منها. أي إن دور المواطن في العملية الانتخابية، التي تستمر، لمدة أربع سنوات، لا يتعدى ساعة من يوم. وما بين الانتخاب الأول والانتخاب الثاني، فان المواطن غائب تماما. بل، إن المواطن في الغالب يعتقد أن دوره هو الاختيار فقط، وما بعد الانتخاب، فهو دور الممثل المنتخب، ودور الأحزاب والمنظمات المجتمعية، ولا دور آخر له.
وأما العقبة السياسية؛ فهي العقبة التي تتعلق بالتنظيمات السياسية، فهذه التنظيمات تسعى دائما إلى استبدال المسؤولين التنفيذين، لا على أساس المهنية، والكفاءة، والنزاهة، وهي معايير يكاد أن يتفق عليها عالميا، بل، على أساس الحزبية والولائية، فهي تريد أن تحصل على نصيبها في المؤسسات الحكومية، وحسب، وتقوم باستبدال المسؤولين التنفيذيين في هذه الوزارة أو تلك، على أساس أن المسؤول البديل هو من عندها، أو هو جزء منها، سواء كان المسؤول الأول مهنيا أم لا، نزيها أم لا. فالأصل أن البديل من المفترض أن يمثل مصالحها الحزبية والمالية، وذلك بغض النظر عن كل المؤهلات، والمهارات، والخبرات التي يمتلكها.
هذا يفسر ظاهرة الاستحواذ الكامل على بعض مؤسسات الدولة من طرف بعض الأحزاب السياسية، حيث يقوم الوزير باستبدال غالبية مسؤولي الوزارة الفاعلين، سواء كانوا محسوبين على الوزير السابق من الحزب الآخر أم غير محسوبين، وسواء كانوا مهنيين أم لا، وسواء كانوا نزيهين أم لا، لأن الهدف الأصلي، لمثل هذه الاستبدال، هو ليس تحقيق أهداف الوزارة وغاياتها، بل، هو المجيء بأشخاص يمثلون الحزب، كون أن الوزارة هي حصة الحزب من الانتخابات.
وهكذا؛ ففي كل عملية انتخابية، في بلد مثل العراق، تتعرض مؤسسات الدولة الرئيسة ووزاراتها إلى تغييرات جوهرية، ليس في آلياتها، ووسائلها، وأهدافها، إنما في مسؤوليها، وموظفيها، ولا تكاد تستقر الوزارة، وتأخذ مسارها المرسوم لها، حتى يأت وزير آخر لا يقوم بعمل يماثل عمل الوزير السابق إلا عمل استبدال المسؤولين والموظفين في الوزارة، وهكذا دواليك.
قد يكون واحد من أهم أسباب تعثر وزارات الدولة ومؤسساتها، هو عدم استقرار مسؤوليها وموظفيها، حيث يقضي الوزير وقتا طويلا في النظر، فيمن يحل محل من، وفي تنصيب الأشخاص الذين رشحهم الحزب، للعمل في الوزارة، بينما لا تحظى خدمات الوزارة، ومراجعيها إلا بالنزر اليسير من ذلك الاهتمام، فضلا عن مدى توافر شروط التنصيب، كالمهنية؛ والكفاءة؛ والنزاهة؛ وغيرها.
إن نظرة سريعة، لكل الكتل السياسية التي جاءت بمسؤولين، يمثلونها في الوازرة، أو جاءت ببعض أعضاء اللجنة الاقتصادية لديها (وزير الظل)، للنظر في عقود الوزارة، واستقطاع النصيب الأكبر لها، أو استبدال بعض موظفي الوزارة بآخرين موالين لها، من داخل الوزارة، أو من خارجها - وهكذا في تعيينات المحافظات- لا نجد ما يشير إلى وجود بصمة لهؤلاء المسؤولين الظاهرين والباطنيين، في الإصلاح والاعمار، وفي التحسين والتطوير، وفي الخدمة والجودة.
هذا الإخفاق، وهذا التلكؤ، وهذا الفشل، لا يكاد ينكره أحد من هؤلاء المتنفذين السياسيين، علاوة على وعي المواطنين جميعا، في أن ممثلي هذه الكتل ووزراءها وموظفيها المحسوبين عليها هم سبب أساسي من أسباب عدم حصولهم على الخدمة، وتلبية احتياجاتهم الأساسية. هذا ناهيك عن أن كل ما يصيب مؤسسات الدولة - شئنا أم أبينا- من الإخفاق والفشل، يعصب برأس الوزير.
1. في الواقع أن التفكير السليم للوصول إلى خدمات وانجازات مشهودة، سواء للمسؤولين الاتحاديين أو المحليين، إنما يتحقق في إتباع النصائح الآتية: ليس المهم الأشخاص، بل المهم الأهداف والغايات: رائع أن يعلن الوزير لموظفي وزارته، بشكل جدي، أنه لا ينوي تغيير الموظفين، ويصدق القول معهم، وأنه سيهتم بأهداف الوزارة وغاياتها فقط. حيث فشل الكثير من المسؤولين من أول الأمر؛ وخلقوا لهم عداوات لم تنه، حتى بخروجهم من الوزارة، والسبب معروف، وهو أنهم فكروا أولا بتغيير الأشخاص من (أنصار الوزير السابق)، بغض النظر عن خبراتهم ومهاراتهم، بل، المهم أن ينظر المسؤول الجديد في أهداف، ووسائل وأدوات الوزارة أو المؤسسة، الواردة في قانونها، أو نظامها، أو خطتها الإستراتيجية، فيقر ما يقر، ويعدل ما يعدل، ويضيف ما يضيف. ولا يفكر في انتماءات وتوجهات الأشخاص، لأنها ببساطة ليست معيارا للنجاح.
2. ليس هناك فيتو على أي موظف، وهذا الميدان يا حمدان: جيد أن يطلب الوزير من جميع الموظفين أن يشتركوا بتحقيق الأهداف والغايات، ولا يستثني أحد، لا على مستوى الموظفين، فيطلب من بعض الموظفين الاشتراك بالخطة دون الموظفين الآخرين، وعلى على مستوى الهيكل التنظيمي، فيطلب من بعض الدوائر الاشتراك، دون الدوائر الأخرى. فتوزيع المهمات والمسؤوليات بين الجميع، سبب أساسي للنجاح.
3. الوقت كالسيف؛ إن لم تقطعه قطعك: كثير من المسؤولين وقعوا بفخ الوقت عند تنفيذ مشروعاتهم وبرامجهم المخططة، والسبب يعود إلى أنهم لم يكونوا حاسمين في التخطيط للوقت، ولم يكونوا يهتمون بالوقت، وبعضهم إنما وقع في فخ عدم احترام الوقت، بسبب أداء بعض الموظفين، المغرمين بتأجيل أعمالهم إلى غد وما بعده، تحت مبررات مختلقة، واقعها الكسل والإهمال.
4. ضع في جيبك الأيمن الكارت الأخضر، وفي جيبك اليسر الكارت الأحمر: لا ينبغي أن يتساوى الموظفون مع بعضهم بعضا، فمنهم من يعمل، ومنهم من يعمل بجد، ومنهم من لا يعمل أو لا يريد أن يعمل. لذلك لا يجب أن يحظى الجميع بالقدر نفسه، وبالتكريم نفسه، بل ينبغي أن يحظى العاملون بالتقدير، وأن يحظى غير العاملين بالمساءلة. ومن الأخطاء الكبيرة التي يرتكبها المسؤولون أنهم يساوون - دائما - بين الموظفين في التقدير والتكريم، بغض النظر عن نشاطاتهم، مما دفع الكثير من الموظفين المبدعين إلى التراجع والكسل، أسوة بغيرهم ممن يأخذون الراتب نفسه، وكتاب الشكر نفسه. فتتحول الوزارة أو المؤسسة -بفضل هذا التساوي- إلى مجموعة من الاتكالين والتبريرين الذين لا يباشرون العمل إلا بتوجيه أو أمر من المسؤول.
5. تابع ثم تابع ثم تابع ثم قيم: إن ثمرة النجاح تحصد بمتابعة العمل، والتأكد من إنجازه على الوجه الصحيح، فلا تنجز المشاريع بالتخطيط فقط، ولا تنجز بالتوجيه فقط، بل تنجز بالمتابعة المستمرة والدائمة لها. فكثيرة من المسؤولين ظنوا –واهمين- أنهم ناجحون، لأنهم خططوا، وأمروا بالتنفيذ، ولكنهم غفلوا المتابعة والتقويم والتقييم. فالوزير الناجح، والمسؤول الناجح، هو الذي يتابع بنفسه ما خطط له، ويختار متابعين جيدين، لهم خبرة وثقة، لكيلا يفوته شيء.
6. النتائج هي الفيصل بينك وبين الآخرين: من الأخطاء الكبرى للمسؤولين أنهم دائما يتحدثون عن خطط وبرامج سينفذونها، نعم (سينفذونها)، لكن، متى؟ وكيف؟ لا أحد يعمل بالضبط، وينفقون على دعايات الخطط أموالا كثيرة. وفي الغالب لا ترى تلك المشاريع النور، ولا يشعر بها المواطنون، لأسباب مالية أو تخطيطية أو غيرها. وإذا ما أنجزت تنجز مشلولة عاجزة عن مواكبة منافسيها. هم وحدهم رجال الأعمال الذين يبنون المصانع، ويشغلون آلاتها، ويعلبون بضائعها، فيسوقونها إلى الزبائن، ويتابعون أثرها عليهم، وعلى صحتهم، ثم يعدلون فيها -ما استطاعوا- بناء على رغبة زبائنهم. لذلك تراهم ناجحين دائما.
.....................................
اضف تعليق