التفافَ النَّاس حولهُ وبتلك الطَّريقة قِياساً للخُلفاء الذين سبقوهُ لو كانت قد حصلت لأَيِّ حاكمٍ آخر لأَعلن نَفْسَهُ فوراً الزَّعيم المُطلق مدى الحياة! ولكنَّهُ، ولكونهِ رجلُ دولةٍ، كان قرارهُ الثَّابت والرَّاسخ والواضح هوَ أَن يكرِّس أَعمدة النِّظام الديمقراطي والتي نرى بعضها في النُّظُم الدِّيمقراطيَّة المُعاصِرة...

قَبْلَ [١٤] قِرناً شرْعنَ الامامُ علي بن أَبي طالبٍ (ع) [يُصادفُ يوم السَّبت القادم ١٣ رجب الأَصبّ ذكرى ولادتهِ الميمُونة في جَوف الكَعبة] أَعمدة الديمقراطيَّة ومارسها في الحياة العامَّة بكلِّ تفاصيلِها، والتي أَخذت بمفاهيمِها الكثير من شعُوب العالَم لتبني ديمقراطيَّتها عِبر التَّاريخ، وخاصَّةً الحَديث، بشَكلٍ أَو بآخر.

ولقد كانَ الجُهد الذي بذلهُ الإِمام (ع) لتحقيقِ ذَلِكَ يرقى إِلى مُستوى المُعجزة وذلك لثلاثةِ أَسبابٍ أَساسيَّةٍ؛

الأَوَّل؛ هو أَنَّهُ كان يُؤَسِّس لهذهِ الأَعمدةِ في مُجتمعٍ بدويٍّ حديثُ عهدٍ بالإِسلام، إِنتشر فِيهِ الفسادُ المالي والإِداري بشَكلٍ واسعٍ جدّاً خاصَّةً في عهدِ الخليفةِ الثَّالث، عندما فسحَ المجال لعصابةٍ خاصَّةٍ تُسيطرُ على السُّلطة! فاستولت حتى على ختمِ الخليفةِ الخاصّ!.

ولقد كانت العقليَّة البدويَّة وعقليَّة الصَّحراء والعشائريَّة وسُلطة الشَّيخ والتَّمييز العُنصري والسَّحق المُنظَّم لحقوقِ المرأَة في المجتمعِ باعتبارِها أَمَةٌ عِنْدَ الرَّجل أَو ما يُعرف بالمُصطلح الدِّيني بـ [العَورة] وسياسة الإِغارة على حقوق النَّاس كلُّها وغيرها ثقافات لازالت تُعشعِشُ في عقليَّة المُجتمع بشَكلٍ أَو بآخر وبنسبةٍ وأُخرى!.

وَلَو دقَّقنا النَّظر في جذرِ الأَسباب التي فجَّرت الحروب الثَّلاثة بوجهِ الإِمام (ع) لوجدناها إِنقلاباً على الواقع الجديد الذي كانَ يسعى لتأسيسهِ (ع)؛

* حرب الجمل ضدَّ مبدأ المُساواة.

* حرب صفِّين للعودَةِ الى الحكمِ العشائري.

* حرب النَّهروان ضدَّ مبدأ الأَغلبيَّة والوفاء بالعُهودِ.

وإِنَّ أَخطر ما واجههُ مشروع الإِمام بهذا الصَّدد هو [شرعنةُ الإِنحراف] من قِبل وُعَّاظ السَّلاطين والسُّلطة السياسيَّة الحاكِمة، فكانَ على الإِمام أَن يواجهَ ثلاث ثقافات؛

١/ هي ثقافة [عقليَّة] البَداوة المُجتمعيَّة التي تتعارض مع الدِّين بكلِّ التَّفاصيل، كما وردَ في القرآن الكريم {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.

٢/ هو [الاستبداد الدِّيني] الذي يُشرعن الانحراف بآيةٍ أَو رِوايةٍ، وأَئمَّتهُ عادةً هم وُعَّاظ السَّلاطين وفُقهاء البِلاط!.

٣/ هو [الاستبداد السِّياسي] الذي يُعِدُّ الأَنفاس ويُكمِّم الأَفواه ويقطع الأَلسنَ الطَّويلة!.

الثَّاني؛ هو حجمِ المشاكل والتحدِّيات التي واجهتها سلطتهُ والتي عادةً ما يوظِّفها الحاكم للإِنقلابِ على وعودهِ والتزاماتهِ لتكريسِ السُّلطة المُطلقة وإِعلان الأَحكام العُرفيَّة وحالة الطَّوارئ بحجَّةِ حمايةِ الأَمن القَومي للبِلادِ أو ما أَشبه! أَمّا أَميرُ المُؤمنين (ع) فلم تُثنهِ كلِّ التَّحدِّيات والمشاكل التي وصفَ سِعةَ حجمِها وخطورتِها بقولهِ {لَوْ قَدِ اسْتَوَتْ قَدَمَايَ مِنْ هَذِهِ الْمَدَاحِضِ لَغَيَّرْتُ أَشْيَاءَ} لم تُثنهِ عن الإِصرار للتَّأسيس لأَعمدة النِّظام السِّياسي الدِّيمقراطي الجديد بكلِّ معنى الكلِمة! لأَنَّهُ كانُ مُصمِّمٌ على بناءِ دولةٍ جديدةٍ بمواصفاتٍ عصرِيَّةٍ.

الثَّالث؛ أنَّهُ عليه السَّلام مارسَ كلَّ هَذِهِ الأَعمدة خلال فترةِ حُكمٍ قصيرةٍ جدّاً لم تكمل [٥] سنوات.

لم يكتفِ (ع) بالخطابِ والتَّوجيهِ والكلامِ المعسولِ والشِّعارتِ الرَّنَّانةِ والطنَّانةِ وإِنَّما مارسها وكرَّسها كمشروعٍ حقيقيٍّ حيٍّ.

إِنَّ أَسرع الدِّيمقراطيَّات في العالَم الْيَوْم إِستغرقت قرُوناً لتُمارسَ أَعمدتها ومقوِّماتها، ففي الولايات المُتَّحدة مثلاً فانَّ قانون الانتخابات أَجازَ للمُلوَّنين [السُّود] حقَّ الانتخاب [وليسَ التَّرشُّح] بعدَ أَكثر من قرنٍ ونصف من تأَسيس النِّظام الديمقراطي! أَمّا الإِمامُ أَمير المُؤمنين (ع) فقد مارسَ أُسس الديمقراطيَّة وأَعمدتَها لحظة إِجتماع الأُمَّة عَلَيْهِ لتختارهُ الحاكِم والخليفة! فرفضَ البَيعة الخاصَّة [بَيعةُ أَهل الحلِّ والعقدِ] داعياً إِلى البَيعةِ العامَّة! الحُرَّة والمُباشِرة!.

إِنَّ التفافَ النَّاس حولهُ وبتلك الطَّريقة العجيبة قِياساً للخُلفاء الذين سبقوهُ! لو كانت قد حصلت لأَيِّ حاكمٍ آخر لأَعلن نَفْسَهُ فوراً الزَّعيم المُطلق مدى الحياة! والقائد الضَّرورة! ولكنَّهُ، ولكونهِ رجلُ دولةٍ، كان قرارهُ الثَّابت والرَّاسخ والواضح هوَ أَن يكرِّس أَعمدة النِّظام الديمقراطي والتي نرى بعضها في النُّظُم الدِّيمقراطيَّة المُعاصِرة!.

إِنَّ مرحلة التَّأسيس لظاهرةٍ إِجتماعيَّةٍ أَو منهجيَّةٍ سياسيَّةٍ ما هي أَهم كلِّ المراحل التي تمرُّ بها فيما بعدُ وعلى مرِّ التَّاريخ، خاصَّةً إِذا كانت الجُهود تسيرُ بعكسِ التيَّار الذي يسيرُ بهِ المُجتمع والسُّلطة السياسيَّة ومُخلَّفاتِها، ولذلكَ يَكُونُ الثَّمنُ باهِضاً والتَّضحيات عظيمة، كلَّفت الإِمام (ع) حياتهُ التي انتهت باستشهادهِ في محرابِ الصَّلاة في مسجدِ الكوفةِ المُعظَّم!.

أَما هَذِهِ الأَعمدة التي أَسَّس لها وشرعنَها ومارسَها الإِمام (ع) فهيَ:

١/ الأَغلبيَّة وتحديداً السياسيَّة؛ ولذلك عندما أَراد مُعاوية بن أَبي سُفيان أَن يتمرَّدَ في الشَّام على سُلطة الإِمام حاججهُ بها في رسالةٍ بعثها لَهُ يَقُولُ فيها {إِنَّهُ بَايَعَنِي الْقَوْمُ الَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ عَلَى مَا بَايَعُوهُمْ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَخْتَارَ وَلَا لِلْغَائِبِ أَنْ يَرُدَّ وَإِنَّمَا الشُّورَى لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ وَسَمَّوْهُ إِمَاماً كَانَ ذَلِكَ لِلَّهِ رِضًا فَإِنْ خَرَجَ عَنْ أَمْرِهِمْ خَارِجٌ بِطَعْنٍ أَوْ بِدْعَةٍ رَدُّوهُ إِلَى مَا خَرَجَ مِنْهُ فَإِنْ أَبَى قَاتَلُوهُ عَلَى اتِّبَاعِهِ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وَوَلَّاهُ اللَّهُ مَا تَوَلَّى} وهو أَمرٌ أَصبحَ فيما بعدُ قاعدةً وقانوناً مُتعارفاً عَلَيْهِ كما هو الحالُ في الولايات المتَّحدة مثلاً، فعندما سعى الجنوبيُّون للإِنفصالِ عن الاتِّحاد بعد أَن كانوا قد أَمضَوا على الدُّستور الاتِّحادي حاربهُم الشِّماليُّون بقيادة الرَّئيس إِبراهام لِنكُولن لتستمرَّ الحربُ الأَهليَّة أَربعة أَعوام إِنتهت بحمايةِ الدُّستور والحفاظِ على الاتِّحاد.

وفِي عهدِهِ إِلى مالك الأَشتر لمَّا ولَّاهُ مِصْرَ، أَوصاهُ بالاغلبية قائلاً {وَلْيَكُنْ أَحَبَّ الْأُمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ وَأَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ وَأَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَى الْخَاصَّةِ وَإِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَى الْعَامَّةِ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِيَّةِ أَثْقَلَ عَلَى الْوَالِي مَئُونَةً فِي الرَّخَاءِ وَأَقَلَّ مَعُونَةً لَهُ فِي الْبَلَاءِ وَأَكْرَهَ لِلْإِنْصَافِ وَأَسْأَلَ بِالْإِلْحَافِ وَأَقَلَّ شُكْراً عِنْدَ الْإِعْطَاءِ وَأَبْطَأَ عُذْراً عِنْدَ الْمَنْعِ وَأَضْعَفَ صَبْراً عِنْدَ مُلِمَّاتِ الدَّهْرِ مِنْ أَهْلِ الْخَاصَّةِ وَإِنَّمَا عِمَادُ الدِّينِ وَجِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ وَالْعُدَّةُ لِلْأَعْدَاءِ الْعَامَّةُ مِنَ الْأُمَّةِ فَلْيَكُنْ صِغْوُكَ لَهُمْ وَمَيْلُكَ مَعَهُمْ}.

٢/ الإِقتراعُ الحرُّ المُباشر وإِلغاء نظريَّة أَهل الحلِّ والعَقد، فالإِمامُ (ع) أَوَّلُ خليفةٍ يتسنَّم السُّلطة قد تمَّ إِختيارهُ بالتَّصويت الحرُّ العام والمُباشر على الرُّغمِ من أَنَّ عدد الذين انثالُوا عَلَيْهِ في منزلهِ ليبايعُوه لم يكن قليلاً كما يصفُ (ع) الوضعَ بقولهِ {فَمَا رَاعَنِي إِلَّا وَالنَّاسُ كَعُرْفِ الضَّبُعِ إِلَيَّ يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ حَتَّى لَقَدْ وُطِئَ الْحَسَنَانِ وَشُقَّ عِطْفَايَ مُجْتَمِعِينَ حَوْلِي كَرَبِيضَةِ الْغَنَمِ}.

٣/ المُعارضة السياسيَّة فلم يُجبِر الإِمام (ع) أَحدٌ على البيعةِ شريطةَ أَن لا يرفع السِّلاح بوجهِ الدَّولةِ! كما أَنَّهُ لم يقمع أَحدٌ بسبب معارضتهِ لسياسات الدَّولة ولذلكَ لم يكُن في عهدهِ سجينُ رأيٍ واحدٍ ولا سياسيٌّ تحتَ الإقامة الجبريَّة، ولقد عَمدَ لحظة تسنُّمهِ السُّلطة إِلى رفعِ القيودِ عن كلِّ الذين فرضَ مَن سبقوهُ عليهِم الإِقامة الجبريَّة كانَ منهُم [الصَّحابيَّان] طلحة والزُّبَير.

ولقد {أُخِذَ مَرْوَانُ بْنُ اَلْحَكَمِ أَسِيراً يَوْمَ اَلْجَمَلِ فَاسْتَشْفَعَ اَلْحَسَنَ وَاَلْحُسَيْنَ (ع) إِلَى أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ (ع) فَكَلَّمَاهُ فِيهِ فَخَلَّى سَبِيلَهُ فَقَالاَ لَهُ؛ يُبَايِعُكَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ قَالَ (ع)؛ أَوَ لَمْ يُبَايِعْنِي بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ لاَ حَاجَةَ لِي فِي بَيْعَتِهِ إِنَّهَا كَفٌ يَهُودِيَّةٌ لَوْ بَايَعَنِي بِيَدِهِ لَغَدَرَ بِسَبَّتِهِ}.

وعندما دعا الإِمامُ النَّاس لقتالِ الفئةِ الباغية التي قادَها مُعاوية ضدَّهُ، أَجابهُ إِلى السَّيرِ جُلَّ النَّاسِ، إِلّا أَنَّ أَصحاب عبدالله بن مسعود أَتَوهُ، فيهم عُبيدة السِّلماني وأَصحابهُ، فقالُوا لهُ؛ إِنّا نخرجُ معكُم ولا نترُكَ عسكركُم ونُعسكِرَ على حِدَةٍ، حتى ننظُرَ في أَمركُم وأَمر أَهل الشَّام، فمَن رأَيناهُ أَرادَ ما لا يحِلَّ لَهُ، أَو بدا لنا مِنْهُ بغيٌّ كُنَّا عَلَيْهِ.

فقالَ لهم الإِمام عَلَيْهِ السَّلام {مرحباً وأَهلاً، هذا هو الفِقهُ في الدِّين، والعِلمُ بالسُّنَّة، مَن لم يرضَ بهذا فهُوَ خائِنٌ جبَّار}!.

٤/ حُريَّة التَّعبير فقد {وَرُوِيَ أَنَّهُ (ع) كَانَ جَالِساً فِي أَصْحَابِهِ فَمَرَّتْ بِهِمُ امْرَأَةٌ جَمِيلَةٌ فَرَمَقَهَا الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقَالَ (عليه السَّلام)؛ إِنَّ أَبْصَارَ هَذِهِ الْفُحُولِ طَوَامِحُ وَإِنَّ ذَلِكَ سَبَبُ هِبَابِهَا فَإِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى امْرَأَةٍ تُعْجِبُهُ فَلْيُلَامِسْ أَهْلَهُ فَإِنَّمَا هِيَ امْرَأَةٌ كَامْرَأَتِهِ.

فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْخَوَارِجِ: ‏قَاتَلَهُ اللَّهُ، كَافِراً مَا أَفْقَهَهُ، فَوَثَبَ الْقَوْمُ لِيَقْتُلُوهُ، فَقَالَ (ع)؛ رُوَيْداً إِنَّمَا هُوَ سَبٌّ بِسَبٍّ، أَوْ عَفْوٌ عَنْ ذَنْبٍ}.

ولقد كتبَ الإِمامُ إِلى أَهْلِ الكوفةِ، عند مسيرهِ من المدينةِ إِلى البصرةِ لقتالِ أَهلِ الجَملِ {أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي خَرَجْتُ مِنْ حَيِّي هَذَا - إِمَّا ظَالِماً وإِمَّا مَظْلُوماً وإِمَّا بَاغِياً وإِمَّا مَبْغِيّاً عَلَيْه - وإِنِّي أُذَكِّرُ اللَّهَ مَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي هَذَا لَمَّا نَفَرَ إِلَيَّ - فَإِنْ كُنْتُ مُحْسِناً أَعَانَنِي - وإِنْ كُنْتُ مُسِيئاً اسْتَعْتَبَنِي} وهوَ مسعىً واضحٌ من الإِمام (ع) لإِثارةِ التَّفكير عند النَّاس بالرَّأي الآخر ليختارُوا فيتحمَّلوا مسؤُوليَّة الاختيار!.

لقد كانَ الإِمامُ يحرِّضُ على حريَّة التَّعبير فيرفضُ المديحَ والثَّناءَ و [المهاويل] فقالَ (ع) في جوابٍ رائعٍ على مَن أَثنى عَلَيْهِ ومدحهُ ويذكر سمعهُ وطاعتهُ لَهُ:

وَإِنَّ مِنْ أَسْخَفِ حَالَاتِ الْوُلَاةِ عِنْدَ صَالِحِ النَّاسِ أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ حُبُّ الْفَخْرِ وَيُوضَعَ أَمْرُهُمْ عَلَى الْكِبْرِ وَقَدْ كَرِهْتُ أَنْ يَكُونَ جَالَ فِي ظَنِّكُمْ أَنِّي أُحِبُّ الْإِطْرَاءَ وَاسْتِمَاعَ الثَّنَاءِ وَلَسْتُ بِحَمْدِ اللَّهِ كَذَلِكَ وَلَوْ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ لَتَرَكْتُهُ انْحِطَاطاً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ عَنْ تَنَاوُلِ مَا هُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنَ الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَرُبَّمَا اسْتَحْلَى النَّاسُ الثَّنَاءَ بَعْدَ الْبَلَاءِ فَلَا تُثْنُوا عَلَيَّ بِجَمِيلِ ثَنَاءٍ لِإِخْرَاجِي نَفْسِي إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَإِلَيْكُمْ مِنَ التَّقِيَّةِ فِي حُقُوقٍ لَمْ أَفْرُغْ مِنْ أَدَائِهَا وَفَرَائِضَ لَا بُدَّ مِنْ إِمْضَائِهَا فَلَا تُكَلِّمُونِي بِمَا تُكَلَّمُ بِهِ الْجَبَابِرَةُ وَلَا تَتَحَفَّظُوا مِنِّي بِمَا يُتَحَفَّظُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَادِرَةِ وَلَا تُخَالِطُونِي بِالْمُصَانَعَةِ وَلَا تَظُنُّوا بِي اسْتِثْقَالًا فِي حَقٍّ قِيلَ لِي وَلَا الْتِمَاسَ إِعْظَامٍ لِنَفْسِي فَإِنَّهُ مَنِ اسْتَثْقَلَ الْحَقَّ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَوِ الْعَدْلَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ كَانَ الْعَمَلُ بِهِمَا أَثْقَلَ عَلَيْهِ فَلَا تَكُفُّوا عَنْ مَقَالَةٍ بِحَقٍّ أَوْ مَشُورَةٍ بِعَدْلٍ فَإِنِّي لَسْتُ فِي نَفْسِي بِفَوْقِ أَنْ أُخْطِئَ وَلَا آمَنُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِي إِلَّا أَنْ يَكْفِيَ اللَّهُ مِنْ نَفْسِي مَا هُوَ أَمْلَكُ بِهِ مِنِّي فَإِنَّمَا أَنَا وَأَنْتُمْ عَبِيدٌ مَمْلُوكُونَ لِرَبٍّ لَا رَبَّ غَيْرُهُ يَمْلِكُ مِنَّا مَا لَا نَمْلِكُ مِنْ أَنْفُسِنَا وَأَخْرَجَنَا مِمَّا كُنَّا فِيهِ إِلَى مَا صَلَحْنَا عَلَيْهِ فَأَبْدَلَنَا بَعْدَ الضَّلَالَةِ بِالْهُدَى وَأَعْطَانَا الْبَصِيرَةَ بَعْدَ الْعَمَى.

٥/ القانون فَوْقَ الجميع؛ فلقد نازعَ الإِمامُ (ع) وهو الخليفة، في درعهِ الخاص يهوديٌّ، فاستعدَّ الإِمامُ للتَّحاكم إِلى القاضي الذي حكمَ ضدَّهُ لصالح خصمهِ، بعدَ أَن طلبَ مِنْهُ البيِّنة، إِذ كانَ الإِمام (ع) مُدَّعِياً واليهوديُّ مُنكِراً ذا يدٍ على الدِّرع، ولأَنَّ الإمام لم يملك البيِّنة ولَم يُحضِر شُهوداً، حكمَ القاضي بأَنَّ الدِّرعَ لليهوديِّ!.

بل أَنَّ الإِمامَ (ع) إِغتاظ من القاضي لأَنَّهُ كنَّاهُ عندما نادى عَلَيْهِ ليمثُلَ أَمامهُ وسمَّى خصمهُ وهذا خلافُ العدل!.

ولتوكيد المبدأ كتبَ أَميرُ المؤمنين (ع) لأَحدِ عُمَّالهِ يَقُولُ {فَلَمَّا أَمْكَنَتْكَ الشِّدَّةُ فِي خِيَانَةِ الْأُمَّةِ أَسْرَعْتَ الْكَرَّةَ وَعَاجَلْتَ الْوَثْبَةَ وَاخْتَطَفْتَ مَا قَدَرْتَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِهِمُ الْمَصُونَةِ لِأَرَامِلِهِمْ وَأَيْتَامِهِمُ اخْتِطَافَ الذِّئْبِ الْأَزَلِّ دَامِيَةَ الْمِعْزَى الْكَسِيرَةَ فَحَمَلْتَهُ إِلَى الْحِجَازِ رَحِيبَ الصَّدْرِ بِحَمْلِهِ غَيْرَ مُتَأَثِّمٍ مِنْ أَخْذِهِ كَأَنَّكَ لَا أَبَا لِغَيْرِكَ حَدَرْتَ إِلَى أَهْلِكَ تُرَاثَكَ مِنْ أَبِيكَ وَأُمِّكَ فَسُبْحَانَ اللَّهِ أَمَا تُؤْمِنُ بِالْمَعَادِ؟ أَوَمَا تَخَافُ نِقَاشَ الْحِسَابِ؟ أَيُّهَا الْمَعْدُودُ كَانَ عِنْدَنَا مِنْ أُولِي الْأَلْبَابِ كَيْفَ تُسِيغُ شَرَاباً وَطَعَاماً وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ تَأْكُلُ حَرَاماً وَتَشْرَبُ حَرَاماً وَتَبْتَاعُ الْإِمَاءَ وَتَنْكِحُ النِّسَاءَ مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدِينَ الَّذِينَ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْأَمْوَالَ وَأَحْرَزَ بِهِمْ هَذِهِ الْبِلَادَ فَاتَّقِ اللَّهَ وَارْدُدْ إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ أَمْوَالَهُمْ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ ثُمَّ أَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْكَ لَأُعْذِرَنَّ إِلَى اللَّهِ فِيكَ وَلَأَضْرِبَنَّكَ بِسَيْفِي الَّذِي مَا ضَرَبْتُ بِهِ أَحَداً إِلَّا دَخَلَ النَّارَ وَوَاللَّهِ لَوْ أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ فَعَلَا مِثْلَ الَّذِي فَعَلْتَ مَا كَانَتْ لَهُمَا عِنْدِي هَوَادَةٌ وَلَا ظَفِرَا مِنِّي بِإِرَادَةٍ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُمَا وَأُزِيحَ الْبَاطِلَ عَنْ مَظْلَمَتِهِمَا}.

٦/ حصرُ السِّلاح بيد الدَّولة؛ ولذلك فعندما تحوَّلت مُعارضة [أَصحاب الجَمل في البصرةِ ومُعاوية في الشَّام والخوارِج في النَّهروان] إِلى ميليشيا مسلَّحة تفتُك بالنَّاس وتقطع الطَّريق وتُغيرُ على المُدنِ وأَطراف الدَّولةِ لزعزعةِ الأَمْن ونشر الخوف والرُّعب في نفُوس النَّاسِ وتسلِب بُيوت المال وتنهب العامَّة وتتجاوز على القانُون وتُهدِّد السِّلم الأَهلي، أَعلن الإِمامُ (ع) الحربَ عليهِم لردعهِم وحصر السِّلاح بيدِ الدَّولة فقط.

ولقد أَشارَ الامامُ (ع) إِلى جانبٍ من الحالِ الخطيرة التي وصلت إِليها جرائم هذه الميليشيات ضدَّ الدَّولة والمُجتمع لدرجةٍ أَنَّهُ لم يكُن أَمامهُ إِلَّا قتالهُم أَو الكُفر بدينِ الله تعالى كما في قولهِ (ع) {وَلَقَدْ ضَرَبْتُ أَنْفَ هذَا الاَْمْرِ وَعَيْنَهُ، وَقَلَّبْتُ ظَهْرَهُ وَبَطنَهُ، فَلَمْ أَرَ لِي إِلاَّ الْقِتَالَ أَوِ الْكُفْرَ}.

ولكي نتخيَّل جانبٌ من صُور جرائِم هذه الميليشياتِ الخارجةِ عن القانُون لنقرأَ ما قالهُ أَميرُ المُؤمنين (ع) يصفُ بعضَ غاراتهِم على المدنيِّين الأَبرياء الآمنين؛

وَهَذَا أَخُو غَامِدٍ قَدْ وَرَدَتْ خَيْلُهُ الْأَنْبَارَ وَقَدْ قَتَلَ حَسَّانَ بْنَ حَسَّانَ الْبَكْرِيَّ وَأَزَالَ خَيْلَكُمْ عَنْ مَسَالِحِهَا وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالْأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَقُلُبَهَا وَقَلَائِدَهَا وَرُعُثَهَا مَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلَّا بِالِاسْتِرْجَاعِ وَالِاسْتِرْحَامِ ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ مَا نَالَ رَجُلًا مِنْهُمْ كَلْمٌ وَلَا أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ.

أَمَّا في النَّهروان فقد قطعُوا الطَّريق ليبقرُوا بُطُونَ الحَوامِل ويقتلُوا أَطفالهُنَّ على صدورهِنَّ!.

وفِي البصرةِ إِستولَوا على بيتِ المالِ واعتقلُوا الوالي وحلقُوا رأسهُ وأَجلسوهُ على حمارٍ بالمقلوبِ وربطوهُ بالحبالِ وأَرسلوهُ للمدينةِ!.

٧/ العدلُ والمُساواة؛ حتَّى أَنَّهُ (ع) لم يَعُد السُّلطة ذَا قيمةٍ إذا لم يتحقق في ظلِّها العدل فلقد {قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسِ؛ دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) بِذِي قَارٍ وَهُوَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ فَقَالَ لِي؛ مَا قِيمَةُ هَذَا النَّعْلِ؟ فَقُلْتُ لَا قِيمَةَ لَهَا فَقَالَ (ع)؛ وَاللَّهِ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِمْرَتِكُمْ إِلَّا أَنْ أُقِيمَ حَقّاً أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلًا}.

وكانَ (ع) يرفضُ الاستئثارِ بكلِّ أَشكالهِ فكتبَ للأَشترِ يوصيه {وَإِيَّاكَ وَالِاسْتِئْثَارَ بِمَا النَّاسُ فِيهِ أُسْوَةٌ} كما كتبَ لبعضِ عُمَّالهِ يوصيهِم {فَأَنْصِفُوا النَّاسَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ وَاصْبِرُوا لِحَوَائِجِهِمْ فَإِنَّكُمْ خُزَّانُ الرَّعِيَّةِ وَوُكَلَاءُ الْأُمَّةِ وَسُفَرَاءُ الْأَئِمَّةِ وَلَا تُحْشِمُوا أَحَداً عَنْ حَاجَتِهِ وَلَا تَحْبِسُوهُ عَنْ طَلِبَتِهِ وَلَا تَبِيعُنَّ لِلنَّاسِ فِي الْخَرَاجِ كِسْوَةَ شِتَاءٍ وَلَا صَيْفٍ وَلَا دَابَّةً يَعْتَمِلُونَ عَلَيْهَا وَلَا عَبْداً وَلَا تَضْرِبُنَّ أَحَداً سَوْطاً لِمَكَانِ دِرْهَمٍ وَلَا تَمَسُّنَّ مَالَ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ مُصَلٍّ وَلَا مُعَاهَدٍ}.

٨/ المُواطَنةُ؛ فالتَّمييزُ مرفوضٌ وعلى أَيَّةِ خلفيَّةٍ كانت، كما أَنَّ مسؤُوليَّات الدَّولة ورعايتها، كالأَمن، يَجِبُ أَن تشمِلَ كلَّ المواطنين بغضِّ النَّظر عن خلفيَّاتهِم كما في قولهِ (ع) {وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالْأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَقُلُبَهَا وَقَلَائِدَهَا وَرُعُثَهَا مَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلَّا بِالِاسْتِرْجَاعِ وَالِاسْتِرْحَامِ ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ مَا نَالَ رَجُلًا مِنْهُمْ كَلْمٌ وَلَا أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً}.

وفِي ذاتِ مرَّةٍ كانَ الإِمامُ (ع) في شوارعِ الكُوفةِ فمَرَّ بشخصٍ يتكفَّفُ وهو شيخٌ كبيرٌ طاعنٌ في السنِّ، فوقفَ (ع) متعجِّباً وقال؛ ما هذا؟ قالُوا: يا أَمير المُؤمنين إِنَّهُ نصرانيٌّ قد كَبُر وعَجِز ويتكفَّف! فقال (ع)؛ ما أَنصفتمُوهُ! إِستعملتمُوهُ حتَّى إِذا كبُرَ وعجِزَ تركتمُوه؟! أَجرُوا لَهُ من بيتِ المالِ راتِباً.

أَمَّا وصيَّتهُ للسِّبطَين الحسنِ والحُسين (ع) {وَكُونَا لِلظَّالِمِ خَصْماً وَلِلْمَظْلُومِ عَوْناً} فستظلّ تدوِّي في أُذُن الانسانيَّة إِلى يَوْمِ يُبعَثون!.

٩/ نوعيَّةُ العلاقةِ بين الحاكمِ والمحكُومِ [لا للتَّقديس]؛ فلقد شرعنَ الإِمامُ (ع) مفهوم الرَّقابة والمحاسبةِ من خلال تبرير الثَّورةِ على الحاكمِ إِذَا تحاوزَ وظلم، قائلاً {إِنَّهُ قَدْ كَانَ عَلَى الاُمَّةِ وَالٍأَحْدَثَ أَحْدَاثاً، وَأَوْجَدَ النَّاسَ مَقَالاً، فَقَالُوا، ثُمَّ نَقَمُوا فَغَيَّروا}.

وَقَالَ (ع)؛ وَقَدْ لَقِيَهُ عِنْدَ مَسِيرِهِ إِلَى الشَّامِ دَهَاقِينُ الْأَنْبَارِ فَتَرَجَّلُوا لَهُ وَاشْتَدُّوا بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: مَا هَذَا الَّذِي صَنَعْتُمُوهُ؟ فَقَالُوا خُلُقٌ مِنَّا نُعَظِّمُ بِهِ أُمَرَاءَنَا! فَقَالَ؛ وَاللَّهِ مَا يَنْتَفِعُ بِهَذَا أُمَرَاؤُكُمْ وَإِنَّكُمْ لَتَشُقُّونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ فِي دُنْيَاكُمْ وَتَشْقَوْنَ بِهِ فِي آخِرَتِكُمْ وَمَا أَخْسَرَ الْمَشَقَّةَ وَرَاءَهَا الْعِقَابُ وَأَرْبَحَ الدَّعَةَ مَعَهَا الْأَمَانُ مِنَ النَّارِ.

إِنَّ الحاكِمَ ليسَ نصفُ إِلهٍ ليتميَّز عن النَّاس ويكلِّمهُم من علٍّ أَو مِن وراءِ جِدارٍ، بل ينبغي أَن يعيشَ حياتهُم.

يَقُولُ الإِمامُ (ع) {أَ أَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ الْعَيْشِ فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلَافِهَا وَتَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا أَوْ أُتْرَكَ سُدًى أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلَالَةِ أَوْ أَعْتَسِفَ طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ}.

كما كتبَ (ع) للأَشترِ يوصيهِ بالرَّعيَّةِ قائلاً {وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ وَالْمَحَبَّةَ لَهُمْ وَاللُّطْفَ بِهِمْ وَلَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ وَإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ وَتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ وَيُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلِ الَّذِي تُحِبُّ وَتَرْضَى أَنْ يُعْطِيَكَ اللَّهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ}.

وأَضافَ (ع) {وَأَمَّا بَعْدُ فَلَا تُطَوِّلَنَّ احْتِجَابَكَ عَنْ رَعِيَّتِكَ فَإِنَّ احْتِجَابَ الْوُلَاةِ عَنِ الرَّعِيَّةِ شُعْبَةٌ مِنَ الضِّيقِ وَقِلَّةُ عِلْمٍ بِالْأُمُورِ وَالِاحْتِجَابُ مِنْهُمْ يَقْطَعُ عَنْهُمْ عِلْمَ مَا احْتَجَبُوا دُونَهُ فَيَصْغُرُ عِنْدَهُمُ الْكَبِيرُ وَيَعْظُمُ الصَّغِيرُ وَيَقْبُحُ الْحَسَنُ وَيَحْسُنُ الْقَبِيحُ وَيُشَابُ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ}.

وكتبَ (ع) إِلى أَحدِ عُمَّالهِ يحذِّرهُ بقولهِ {فَحَادِثْ أَهْلَهَا بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ وَاحْلُلْ عُقْدَةَ الْخَوْفِ عَنْ قُلُوبِهِمْ وَقَدْ بَلَغَنِي تَنَمُّرُكَ لِبَنِي تَمِيمٍ وَغِلْظَتُك عَلَيْهِمْ}.

وَإِلَى آخرَ كتبَ يَقُولُ (ع) {فَاخْفِضْ لَهُمْ جَنَاحَكَ وَأَلِنْ لَهُمْ جَانِبَكَ وَابْسُطْ لَهُمْ وَجْهَكَ وَآسِ بَيْنَهُمْ فِي اللَّحْظَةِ وَالنَّظْرَةِ حَتَّى لَا يَطْمَعَ الْعُظَمَاءُ فِي حَيْفِكَ لَهُمْ وَلَا يَيْأَسَ الضُّعَفَاءُ مِنْ عَدْلِكَ عَلَيْهِمْ}.

‏ nazarhaidar1@hotmail.com

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق