q

هل أصبحت ظاهرة الفساد ذات بعد عالمي؟، هذا السؤال يستدرج أسئلة أخرى لها علاقة به، ومنها، هل هناك مؤشرات تدل على أن الفساد صار عالميا، وأين يتركَّز الفساد بصورة لافتة، هل الشرق فعلا (دولا وإمارات وشركات ومنظمات وسواها)، هو المكان الأكثر فسادا في العالم، ثم ما هي الأسباب التي تقف وراء ذلك، ومن الذي يشجع على اتساع وانتشار هذه الظاهرة التي تنخر بالفعل مجتمعات ودولا، لاسيما تلك التي تعاني من سوء الادارة، والتي تجمع بين (الغنى في الثروات الطبيعية/ النفط وسواه/ وبين الفقر) بسبب سوء حكوماتها، ونعني بها الدول المتأخرة، بل حتى الدول المتطورة والتي تتحلى بنظام قضائي رادع، لم تعد بمنأى عن مافيات وعصابات وعناصر الفساد التي ما تفتأ تعبث في الانظمة السياسية والاجتماعة للدول المتقدمة وسواها، وهذا ما دفع المختصين الى توصيف هذه الحالة بالظاهرة العالمية، بسبب تفشيها على نحو واسع ومتصاعد في دول عديدة وأصقاع واسعة من المعمورة.

هناك منظمات غربية يُقال أنها مستقلة، كما تعلن ذلك هي عن نفسها، ويقول القائمون على هذه المنظمات ذات المنشأ الغربي، أنها تختص بالشفافية ومحاربة الفساد وتكشف عن جميع الامور التي تدخل في هذا الاطار، من خلال انشطة إحصائية استقصائية تكشف من خلالها عن قوائم موسمية او سنوية، عن الدول الأكثر فسادا في العالم، (والفساد هنا يتعلق بإدارة الأموال بالدرجة الأولى) غسيلا، او اختلاسا، أو تهريبا، وما الى ذلك، ونظرا لمنشئها الغربي (الملتبس)، تركز هذه المنظمات (المستقلة) على الفساد دول الشرق المتأخرة، وغالبا ما تعلن أن الدول الفقيرة المحكومة بأنظمة فردية، دكتاتورية، ذات نزعة مستبدة متسلطة، هي الحاضنة الأكبر لإنتاج الفساد في العالم، فيما نجد أن المنظمات المذكورة نفسها، تتغاضى عن ذكر الاسباب التي تجعل من دول الشرق الفقيرة، او تلك التي تقودها أنظمة مستبدة، تتكرر سنويا في المراتب العليا للفساد العالمي، وهكذا يتم اتهام مجتمعات وشعوب الشرق، بأنها حاضنة للفساد ومنتجة له، أما البحث عن دور الغرب في ذلك، فلا تقترب منه المنظمات المذكورة؟.

لذلك لابد من تسليط الضوء على السياسة الغربية المتبعة في هذا المجال؟، وهذا يتعلق بالإجابة عن السؤال الوارد في صدر المقال، والذي يتعلق بدور الغرب في الفساد العالمي، فهل فعلا هناك دور للغرب (ونقصد الحكومات الغربية، والشركات المعنية بالاقتصاد، والتجارة، والمال)، في تزايد مستويات الفساد عالميا، او لنسأل بطريقة أوضح، هل هناك دور للغرب في نشر الفساد (الحكومي) وسواه في دول الشرق، لاسيما البلدان الفقيرة منها (والغنية بمواردها وثرواتها الطبيعة)؟، كما هو الحال مع بعض الدول العربية (ومنها دول الخليج على سبيل المثال)، او بعض الدول الأفريقية؟.

في الاجابة عن هذا السؤال، هناك ما يثير تساؤلات عديدة، حول الجهات التي تعبث في المال العام في الدول الشرقية، العربية وغيرها، فهذه الجهات العابثة هي الانظمة السياسية التي تحكم تلك البلدان، وغالبا ما يكون قادة هذه الدول طواغيت فرديين، يقودون الدولة كما يحلو لهم وفق رؤى وقرارات شخصية وخبرات متدنية، ورعاية خاصة للمنافع والمصالح الفردية والعائلية للحكام، والمقربين منهم من عصابات ومافيات وما شابه، هؤلاء هم الذين يعبثون باقتصادات الدول الفقيرة، ومواردها وثرواتها، فيقومون بعمليات احتيال واختلاس ومصادرة اموال كبيرة وتهريبها بألف طريقة وطريقة الى البنوك الغربية، لاسيما السويسرية، والتي تقوم بدورها باستقبال هذه الاموال الضخمة المهرّبة، وتضعها في بنوكها بأسماء مستعارة، وتوفر لها السرية والامان التام، وبعد الايداع والاطمئنان يبدأ الحكام وذويهم وعصاباتهم، يتصرفون بتلك الاموال الضخمة ببذخ مثير لانتباه الجميع، فهؤلاء الافراد يشترون اضخم الفلل والمنتجعات واليخوت وقاعات الميسر والدعارة وما شابه، ويدخلون اكبر صالات لعب القمار في العالم، ويصرفون في اليوم الواحد ما يعادل ميزانية دولة، يحدث هذا علنا واحيانا يحاط بسرية تامة يوفرها الغرب بنفسه! لسراق المال العام من حقوق واموال وثروات الشعوب المنهكة فقرا وحرمانا.

يحدث هذا في الغرب، في الوقت الذي ينتقد فيه الفساد في الشرق، وينسى او يتناسى المنتقدون الغربيون، أنهم هم الذين يوفرون الغطاء القانوني لأموال الفساد الضخمة التي - على الرغم من تهريبها الى بنوكهم بطرق لا قانونية- إلا أنهم يستقبلونها ويحمونها من اجل الاستفادة منها عبر التعاملات البنكية او سواها، هنا ينسى الغربيون او يتناسون الفساد وأصحابه وما سيلحقه من أضرار فادحة بالدول والشعوب الفقيرة، هذا النسيان والصمت الغربي يأتي مقابل الفوائد التي يحصلون عليها من أموال الفساد في الشرق!.

هل نحن بحاجة الى إيراد أدلة عما استنتجناه وتوصلنا له وعرضناه في مثالنا هذا؟، أم هل نذكِّر الغرب ومنظماته المستقلة للشفافية او سواها، بآخر فضيحة مالية كان مسرحها البنوك السويسرية، التي يطمئن لها المال العالمي أينما كان بسبب سمعتها السليمة في التعاملات البنكية، فإذا كان النموذج البنكي الغربي (السويسري) يقع تحت طائلة الفساد وفقا لفضيحة (سويس ليكس) المدوية، هل يصح أن يتنصل الغرب من مسؤوليته في نشر الفساد عالميا، خاصة ما يتعلق بتشجيع القادة الطغاة على تهريب أموال شعوبهم بشتى طرق الاحتيال والقمع؟

والسؤال الذي يمكن ان نثيره هنا، هل يجرؤ الطواغيت وأذنابهم على سرقة المال العام، اذا لم يجدوا من يأويه لهم في الغرب؟؟، بالطبع لا يجرؤ هؤلاء على القيام بمثل عمليات الفساد هذه.

لذلك بالنتيجة، هذا التشجيع الغربي لإيواء المال المختلَس او المسروق او المغسول وما شابه، له دور في نشر الفساد المالي العالمي، إنْ لم يكن له الدور الرئيس، وهذا يتناقض مع الاتهامات الغربية للشرق بالفساد (مع وجوده فعلا في دول ومجتمعات شرقية)، فمن يرعى عمليات الفساد ويحث عليها ويشجعها أولى بالاتهام من غيره، من هنا لم تعد مثل هذه الادعاءات الغربية مقنعة حتى للغربيين أنفسهم، كونها تنطوي على فساد مبطّن يفضح ما يعلن عنه الغربيون من حرص مزيَّف على محاربة الفساد المالي عالميا.

اضف تعليق