نحن اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بحاجة إلى استحضار دور العقل في حياتنا، لا كأداة للنجاح الدنيوي فقط، بل كمفتاح لفهم الدين، وكوسيلة لاجتناب الفتن، وتحقيق التوازن في الفكر والسلوك، وتستخدم العقل كسلاح ذو حدين يجب أن نجعل بشكل صحيح سلاح ضد الفساد وظلم وطغيان وننشر به النور ونضيء به الطريق الآخرين...

حين نتأمل في قيمة العقل، ندرك أنه ليس مجرد أداة للتفكير، بل هو المرآة التي تعكس إنسانيتنا، والميزان الذي نُقوّم به أفعالنا وأخلاقنا. العقل هو سرّ التوازن في سلوك الإنسان، وهو الذي يمنح الإنسان كرامته الحقيقية، ولذلك لا يصح أن نحكم على الناس من مظاهرهم، بل من عقولهم، لأن المظهر قد يُخدع به، أما العقل فلا يكذب.

وقد أرشدتنا الأحاديث الشريفة إلى هذا المعيار الدقيق، ففي الكافي ورد:

"إذا بلغكم عن رجلٍ حسن حالٍ، فانظروا في حسن عقله، فإنما يُجازى بعقله".

أي أن القيمة الحقيقية لأي إنسان لا تُقاس بثروته أو جاهه أو حتى كثرة أعماله الظاهرة، بل بمقدار رجاحة عقله.

القرآن الكريم يؤكّد هذا المعنى أيضًا، فهو كثيرًا ما يدعو إلى التفكر والتدبّر، ويخاطب "أولي الألباب"، أي أصحاب العقول الناضجة. وهذا يدلّ على أن العقل هو مفتاح لفهم الرسالة الإلهية، وأن من عطّله وقع في الخسران، في الدنيا والآخرة.

ولأن العقل بهذه المنزلة العظيمة، نجد في الروايات ما يؤكد أنه أصل الفضائل. ففي الحديث أن الله تعالى أرسل جبرئيل إلى آدم (عليه السلام) ليخيّره بين ثلاث: العقل، والحياء، والدين، فاختار آدم العقل، فقال الحياء والدين: "أُمرنا أن نكون مع العقل حيثما كان". هذه الرواية تكشف بوضوح أن العقل هو أصل الدين والحياء، وأنه متى وُجد استتبّ الخير كله.

بل إن العلاقة بين العقل والدين علاقة وثيقة لا تنفصم. فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام):

"من كان عاقلًا كان له دين، ومن كان له دين دخل الجنة" (الكافي).

فالعقل الصافي يقود إلى الإيمان، والإيمان الصادق يقود إلى الجنة. ومن هنا نفهم أن العقل ليس فقط وسيلة للفهم، بل هو السبيل إلى النجاة، حين يُستخدم في طريق الحق والهدى.

وما يزيد الأمر وضوحًا أن الشريعة بيّنت أن الحساب يوم القيامة سيكون على قدر ما أُعطي الإنسان من عقل. فكلّما زادت هبة العقل، زاد معه التكاليف والمساءلة. ولذلك لا يكفي أن نعقل الأمور، بل لا بدّ أن نستثمر هذه النعمة الإلهية ونحسن استخدامها فيما يرضي الله.

نحن اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بحاجة إلى استحضار دور العقل في حياتنا، لا كأداة للنجاح الدنيوي فقط، بل كمفتاح لفهم الدين، وكوسيلة لاجتناب الفتن، وتحقيق التوازن في الفكر والسلوك.

وتستخدم العقل كسلاح ذو حدين يجب أن نجعل بشكل صحيح سلاح ضد الفساد وظلم وطغيان وننشر به النور ونضيء به الطريق لآخرين.

........................................................

المصادر

 الكافي ج ١  باب العقل


اضف تعليق