q
إسلاميات - ثقافة إسلامية

مركز الامام الشيرازي يناقش الدولة والقوة من القسوة الى الرحمة

في عهد الإمام علي عليه السلام الى مالك الاشتر

تيمنا بالذكرى السنوية لولادة أمير المؤمنين الامام علي اقام مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث حلقة نقاشية، تحت عنوان (الدولة والقوة من القسوة الى الرحمة.. قراءة في عهد الإمام علي عليه السلام الى مالك الاشتر)، وذلك في تمام الساعة الرابعة عصر يوم الاربعاء الموافق٢٨/٣...

تيمنا بالذكرى السنوية لولادة أمير المؤمنين الامام علي بن أبي طالب عليه السلام اقام مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث حلقة نقاشية، تحت عنوان (الدولة والقوة من القسوة الى الرحمة.. قراءة في عهد الإمام علي عليه السلام الى مالك الاشتر)، وذلك في تمام الساعة الرابعة عصر يوم الاربعاء الموافق٢٨/٣/٢٠١٨ على قاعة جمعية المؤدة والازدهار النسوية في كربلاء المقدسة.

ادار الحلقة النقاشية الاستاذ حيدر الجراح مدير مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث، بادئا حديثة بمقدمة قال فيها

المعادل الموضوعي للقوة هي الرحمة. وهي ليست افتراضا يمكن له ان يتحقق او لا يتحقق. بل هي إمكانية قد تحققت في أكثر من مفترق طرق ويمكن لها ان تعود وتستمر. كان على (ع) حين نظّر للرحمة من منطلق القوة قد امتلك أسبابها وادواتها وجعلها ممكنة كأشد ما يكون الإمكان. فهو الحاكم الأوحد للدولة وهو صاحب الكاريزما التي لم تضاهى لكنه كان يستشعر الرحمة ويفيض قلبه بها حاكما للناس وحاكما على نفسه ومحكوما لرب العالمين.

بعدها يبين الامام (ع) نظام العلاقات الثلاثة للحاكم وهي العلاقة بالله وبالناس وبالنفس.

عهد الامام علي لمالك الاشتر منظومة انسانية متكاملة 

من جانبه اوضح الدكتور حيدر شوكان السلطاني الاستاذ والتدريسي في جامعة بابل كلية الدراسات القرآنية "عندما تريد أن تقرأ عهد الامام علي عليه السلام لمالك الاشتر، وتحاول من خلال ذلك أن تقرأ هذا العهد قراءة بشرية، ومن دون تدخل تلك السمات الربانية، وبالتالي تستطيع أن تنفذ إلى موازين علم الاجتماع وعلم النفس، ستكتشف اثناء قراءتك لهذا العهد قضية معينة ربما نتفق أو نختلف عليها".

"فالأمام علي(ع) وبعد رحيل رسول الله(ص)تعرض للظلم، فسلبت منه الخلافة وتقمصها فلان وفلان كما اشار في احدى خطبه، وبعد ذلك استشهدت زوجته فاطمة عليها السلام وبعدها تعرض للمزيد من البطش والاقصاء والتهميش، ولأكثر من عشرين سنة".

"الغريب أن امير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب عليه السلام وعندما جاءت الدنيا له واجتمع الناس من حوله كربيضة الغنم، كتب لنا هذا العهد الذي يضج بالإنسانية وبالرحمة، علما أن جميع علماء النفس لهم مقولة مشهورة حيث يقولون (الضحية تكتسب اخلاق الجلاد)، فالإمام علي عليه السلام قدم لنا هذا العهد، وكأنما لم يتعرض في يوم من الايام إلى الظلم والاقصاء والتهميش، فالمفترض وضمن حسابات علم النفس الاجتماعي أن هذا العهد مملوء بالمخاوف والهواجس، كتبه وكأن الرجل لم يتعرض في أي لحظة من اللحظات إلى الاقصاء".

"المعارضة العراقية وعندما جاءت إلى الحكم كتبوا الدستور بمخاوفهم، وهذا ما نلمسه من خلال الديباجة التي تضمنها الدستور العراقي، وبالتالي هم اسقطوا هواجسهم ومخاوفهم على الدستور، لكن امير المؤمنين وبعد(20)عاما من البطش والاقصاء والتهميش كتب الدستور من دون أن تكون للهواجس في هذا الدستور، كتبه وكانه يعيش في العلالي وكأني به لم يتعرض لشيء، بالتالي هذه مزية وهي جديرة بالدراسة والوقوف عندها والبحث فيها.

وأضاف السلطاني "هذا العهد هو من اغنى واجمع النصوص في التاريخ الاسلامي من حيث علم (السياسة /الاقتصاد/علم النفس)، وهو يعكس عمق التجربة النفسية والثقافية للأمام علي في فهمه لطبيعة المجتمع، حيث قدم فيه برنامجا علميا وعمليا في القيادة والتدبير، ويعد هذا العهد من اطول العهود التي كتبها امير المؤمنين في حياته، لم يعهد تاريخ المسلمين أن حظي بعهد أو رسالة حقوقية كتبها قائد أو عالم من العلماء بمثل هذا العهد، ربما يقرن هذا العهد بمقاربة بسيطة مع رسالة (جان جاك روسوا) التي كتبها في رسالة التسامح، ولكن على المستوى الاسلامي لا نجد عهدا في تاريخ المسلمين كهذا العهد".

وقال السلطاني "يتضح للقارئ أن اجهزة الدولة في هذا العهد موضوعة من اجل الشعب ومصالحه فقط، فلا تجد هناك اشارة معينة لمصلحة خاصة لفئة أو لطبقة ومهما كانت هذه الطبقة نبيلة، نعم لهم مزايا بلحاظ كونهم جزء من مجتمع الدولة، بالتالي ان الحديث عن مفهوم القوة والرحمة يمكن أن يكون تحت عنوانين اثنين..

الاول: المهام الركينة في الدولة الاسلامية

"الامام في هذا العهد وضع لنا الخطوط العريضة وبين لنا حجر الزاوية الاساس في بناء الدولة، فيشير الامام بقوله لمالك الاشتر(هذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللهِ عَلِيٌ أَميِرُ الْمُؤْمِنِينَ، مَالِكَ بْنَ الْحَارِثِ الاْشْتَرَ فِي عَهْدِهِ إِلَيْهِ، حِينَ وَلاَّهُ مِصْرَ: جِبَايَةَ خَرَاجِهَا، وَجِهَادَ عَدُوِّهَا، وَاسْتِصْلاَحَ أَهْلِهَا، وَعِمَارَةَ بِلاَدِهَا.)، يقدم الامام علي عليه السلام في هذه العناوين الاربعة بوصفها الحجر الاساس لبناء الدولة، فتغطي وتتسع لمستوى المفارقات بالجوانب المتعددة

الجانب الاقتصادي: المتمثل بالخراج وهو العنوان الضريبي

الجانب الامني : المتمثل في حفظ الكيان الاسلامي

الجانب الانساني والثقافي: الموسوم في استصلاح المجتمع بتنميته والارتفاع بمستوى وعيه ومسؤوليته، الجانب المدني: المتمثل في اعمار الارض واحياءها.

"هذه العناوين الاربعة قدمها على اعتبارها عناوين في بناء الدولة، لكن اذا نظرنا في العهد نجد هذه العناوين تلزم وجود قيادة حقيقية وماهرة كي تؤلف بين تلك الاركان الاربعة، لذلك الامام ينصح مالك أن يستخدم الموظفين الاكفاء ومن اهل البيوتات الصالحة وأن يسبغ عليهم العطاء، ويعلل ذلك فيقول (إن في ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم، وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم، وحجّة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك)، وهذا موجود فعلا في القانون العراقي خاصة في الخدمة الجامعية وعند القضاة".

العنوان الثاني: دلالة الرحمة في منهاج العهد

"ينتقل الامام علي عليه السلام بعد بيان الخطوط الاستراتيجية في الدولة إلى تفصيلات عهده ومسارات حكمه الرشيد، فيوضح بعض المفاهيم والدلالات التي لا غنى لأي حاكم عنها، اذا اراد لأهله وملكه الدوام، من ابرز هذه المضامين والدلالات..

اولا: أن الدولة وأن كانت في الاصل مؤسسة اجتماعية، وذلك لان طبيعة الاجتماع تقتضيها، لكنها في الاسلام تتخذ بالإضافة إلى صفتها الاجتماعية طابعا دينيا ايضا، لان المجتمع الاسلامي هو مجتمع ديني في الدرجة الاولى، إلى جانب ذلك فإن المزية في الدولة الموجودة في عهد الامام علي عليه السلام، كونها دولة دينية لها صلة في السماء وبعالم الغيب، لكنها لم تكن دولة كهنوتية تحكم باسم الدين وتضطهد الاخرين المخالفين لها وهي تكمم الافواه وتصادر الحريات، نعم هي دولة دينية الا انها تسمح للأخر أن يعبر عن رأيه، هي دولة دينية لكنها تسير وفق مقاصد العدل والحق.

ثانيا: "ايضا من ضرورات الحكم الصالح محبة الحاكم لرعيته وان يشعرهم بذلك بعيدا عن التكلف والتعالي فهي ضرورة تماما كالعدل، وأي حاكم يلزم نفسه بالمحبة والعدل فانه يجعل من رعيته اصدقاء له واحباء ولو كان على غير دينهم، وبهذا تستقيم له الامور ويعم الامن والهدوء بلا جيوش وجنود، وذلك لان كل واحد من رعية السائس العادل هو قوة وعدة وجندي يحافظ ويدافع، فالمشاركة والمخالطة الوجدانية تدفع بالحاكم نحو معرفة حاجات الشعب، فيعمل لأمالهم وهذه المخالطة لها ابعاد نفسية مهمة، منها مثلا.. اذا احس المجتمع وتلمس عطف الحاكم ولطفه اتجاههم كان اسرع في استجابته لأوامر الحاكم".

"من الموارد المهمة في هذا العهد أن الدولة في فلسفة الامام وفي فلسفة عهده تحترم شخصية الامة، وتسمح لها بالمراقبة في برنامجها ومشاريعها الثقافية والسياسية والاجتماعية، ولها الحق ايضا في التعبير عن قضاياها وقناعاتها وافكارها ومشكالها، عبر وسائل الاحتجاج المشروعة والتظاهر السلمي والنقد البناء في وسائل الاعلام وضمن الحدود القانونية والشرعية، وعلى الحاكم أن ينفتح على مطالب الامة وعلى ما يعانوه من مشاكل ومصاعب.

"ايضا من الموارد المهمة أن جهاز الدولة ومن اجل أن يحقق اهدافه الموسومة في خدمة رعاياه، عليه أن ينتخب ويلتصق بالقيادة القوية والكفوءة في(النزاهة/الامانة/القدرة)، والامام يشير في عهده إلى هذ العنوان بقوله (ثمّ الصق بذوي المروءات والأحساب، وأهل البيوتات الصالحة، والسوابق الحسنة، ثمّ أهل النجدة والشجاعة، والسخاء والسماحة، فإنّهم جماع من الكرم)، وهكذا نجده في جهاز القضاء بوصفه من اهم وأبرز عناوين الدولة الثلاثة، ويشدد على المواصفات الدقيقة أن تتوفر في القاضي".

"ما يميز الدولة في العهد انها تقرب العلماء لتستفيد من آرائهم ومعارفهم في معالجة معضلات الدولة، فيقول (وأكثر مدارسة العلماء، ومناقشة الحكماء في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك، وإقامة ما استقام به الناس قبلك)".

النقطة الاخيرة: الموازنة بين اللين والرحمة من جهة وبين القوة والشدة بوجه المخالفين والمفسدين من جهة اخرى.

"ففي جانب من هذا العهد شاهدنا كيف تصوير الرحمة والعطف، وفي جانب اخر نجد التشريعات الجنائية أو جرائم الفساد المالي في العقوبات واضحة وبينة في هذا العهد، وهي تصب في مصلحة المجتمع ايضا حفظا للنظام، فمثلا يقول في لزوم تأديب المحتكرين (وليكن البيع بيعاً سمحاً، بموازين عدل، وأسعار لا تجحف بالفريقين من البائع والمبتاع. فمن قارف حكرة بعد نهيك إياه فنكل به، وعاقبه في غير إسراف).

 بالتالي تبين:

اولا: أن هذا العهد امتاز بالسعة والشمولية التي تعالج المفارقات، التي يعيشها الانسان المسلم والامة المسلمة بمختلف المستويات الحياتية.

 ثانيا: أن الحكم أنما قام لصالح الامة ولا مزية لشريحة أو طبقة خاصة دون اخرى امام القانون وتشريع الدولة، فالإنسان هو العنوان الحضاري القيمي في المنظور الالهي.

ثالثا: عالج هذا العهد أبرز قضية شغلت الانسان واتعبته وهي قضية استبداد الحكام وعلوهم في الارض مفسدين، فكشف سبل الحل والتعامل الحسن عندما يريد الحاكم اصلاح مجتمعه ودوام استقراره.

 رابعا: أكد على لزوم انتقاء الكفاءات التي تتولى المفاصل الاساسية في اجهزة الدولة، ممن تتمتع بالقوة والامانة والسمعة الحسنة، ولا يشوب تاريخها عيب.

خامسا: امتاز بالتوازن الهادئ والهادف بين الرحمة والعطف الوجداني وبين القوة والصرامة في تمثيل النظم القانونية، بلا محاباة لأي فردا أو جماعة.

المداخلات:

هل يمكن قراءة العهد قراءة بشرية؟

باسم الزيدي الباحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث، "يرى بأن العهد فيه من الكنوز ما يعجز عنه اللسان بالوصف، فهل يمكن قراءة العهد قراءة بشرية وتطبيقها في الوقت الراهن، ام هي مجرد تجربة تاريخية يمكن تناولها من جانب تاريخي، بالتالي اذا قلنا فعلا يمكن تطبيقها فكيف نترجم هذا النص إلى ادارة عملية، خصوصا وأن هناك مجموعة من الدول الاسلامية وبالمقابل هناك تسعة نظريات للحكم في الاسلام".

اقامة الدولة هل هو هدف أم وسيلة

- حامد عبد الحسين الباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، "يتساءل هل اقامة الدولة هو هدف أم وسيلة في ضوء هذا العهد، ولماذا اغلب المجتمع الاسلامي هدفه اقامة الدولة الاسلامية حصراً، وكيف تقام دولة اسلامية في ظل غياب من هو كأمير المؤمنين؟.

شخصية فريدة ولن تتكرر

- محمد الصافي الباحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث، "يعتقد انه خلال(1400) عام لم تمر تجربة كتجربة الامام علي عليه السلام، خصوصا وأن تلك الفترة كانت من الفترات المضطربة امنيا، ولكن لماذا لم يتأثر المسلمون على مدى الفترة المنصرمة بهذا النهج؟، وهنا يمكن استنتاج حقيقة كون شخصية الامام علي عليه السلام هي شخصية فريدة ولن تتكرر، وهنا نستشف قضية اخرى كون الرعية تتأثر تأثرا مباشرا بشخصية الحاكم، وهذا ما لمسناه بشكل واضح وملموس ايام الرسول الكريم (ص)وايام خلافة الامام علي عليه السلام".

اضاف الصافي "بل على العكس من ذلك في الفترات اللاحقة انعكس التسلط والاستبداد والدكتاتورية والوحشية انتقلت إلى الشعب، وذلك لمجرد كون الحاكم متوحش ومتسلط ومستبد، وهذه اشكالية يمكن تشخيصها في صلب المجتمعات الاسلامية وهي لا تتعلق فقط بالحاكم، فالحاكم عندما يكون مستبد الشعب لماذا يكون مستبد فمن المفترض أن يثور ويرفض هذه المبادئ، خاصة وهو يمتلك ارثا عظيما وكبيرا من التجارب، بالتالي يتبين أن المشكلة اجتماعية في المقام الاول".

مفخرة في منهج الدولة الصالحة

- حيدر الاجودي الباحث في مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية، "يجد أن عهد الامام علي عليه السلام يعد مفخرة في منهج الدولة الصالحة، وهو يعد ايضا منهاجا واقعيا في السياسة الاسلامية، لذا فإن التقرير الدولي للأمم المتحدة قد اورد بعض فقرات هذا العهد، وذلك بغية الاقتداء بالسياسة الحكيمة لأمير المؤمنين عليه السلام في تطبيق بنوده، على العكس ما جاء في الكثير من الدساتير ومن اعلان حقوق الانسان بعد الثورة الفرنسية".

اضاف الاجودي "إن نهج امير المؤمنين عليه السلام وعدالته مع الناس جميعا وعهده السياسي والاداري، يدعونا إلى مناقشة اصول الحكم في القواعد الاسلامية العامة، وهي تشير إلى التشبع بالأخلاق والعدل والانصاف بالناس والرحمة بهم، أما من يشذ عن هذه الثوابت الاسلامية فهو حتما يقع في خانة وعاظ السلاطين، الذين يبررون للسلطات الجائرة والمستبدة وسواء تلك التي تحكم باسم الاسلام وأن الاسلام منها براء، وسواء كان ذلك في زمن الامويين والعباسيين أو حتى في العصر الحاضر".

يكمل الاجودي "وهنا يمكن طرح سؤالين الاول.. كيف نوظف فقرات العهد على ابناء المجتمع المسلم قبل الحكام، السؤال الثاني..هل اخذ الحكام الذين جاءوا بعد الامام علي عليه السلام ببنود العهد، خصوصا تلك الدول التي حكمها اتباع امير المؤمنين امثال الدولة الفاطمية في مصر وما شاكل".

الامم تعيش محنة افكارها

- الشيخ مرتضى معاش رئيس مجلس إدارة مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، "يرى أن الامم تعيش محنة افكارها، فالأفكار التي تترسخ في البنية الثقافية للامم يمكن أن تجعلها سعيدة ويمكن أن تجعلها شقية، فبعض الامم قد تحمل فكرة العنصرية، وهذه الفكرة تساهم في خلق النزاعات والصراعات، ايضا بعض الامم تؤمن بالفرق بين الغني والفقير ففي الهند على سبيل المثال هناك طبقة تسمى (طبقة المنبوذين)، بالعراق مثلا المجتمع يؤمن بفكرة العمل في القطاع العام، بالتالي نحن متورطين بأزمة مالية كبيرة نتيجة هذا الايمان وهذا الاعتقاد".

اضاف معاش "بالتالي هذه الافكار هي التي تجعل الامم تعيش في حالة بؤس، الامام علي عليه السلام من خلال عهد مالك الاشتر، اراد أن يسلط الضوء على الافكار الجميلة والجيدة التي يمكن أن تخلق مجتمعات تتمتع بالرفاهية والتقدم والعزة الانسانية، لكن بعض المجتمعات اليوم والعقائد والفلسفات في الحكم السياسي وحتى غير السياسي، هي تؤمن بقسوة الدولة حيث يعتبرون الدولة الناجحة هي التي تمارس القمع، خصوصا وأن هناك تسلح غير محدود من قبيل شراء الدبابات والاسلحة وحتى الاسلحة النووية، بالتالي هم يعتبرون السلاح يمثل هيبة الدولة والقمع والقتل، لذلك عندما يخرج الشعب للتظاهر وعندما يعبر عن رأيه تخرج جحافل الجنود وتقمع هذه التظاهرات ويزج الناس بالسجون".

يكمل معاش "هذا المفهوم في القسوة هو الذي يخلق عملية الانحطاط والانهيار في الدولة، الدولة الفاشلة، والدولة الفاسدة هي التي تتراكم فيها عملية (القمع /الخوف /عدم الرضا/ الخيانة)، كل تلك الرذائل تأتي من خلال مفهوم قسوة الدولة، على العكس من ذلك اذا كانت الدولة تبتني على الرحمة هذا المفهوم يخرج جميع الفضائل عند الانسان، لذلك فالإمام علي عليه السلام اراد أن يخرج جميع فضائل الانسان ويبرزها، بالتالي اليوم هناك دراسات عديدة تصب في مصلحة تصيير الدول إلى ناجحة وأخرى فاشلة، لذا فإن احد عوامل نجاح الدولة هو بناء السلم الاجتماعي وتحقيق العقد الاجتماعي".

يضيف ايضا "فهل الدولة القاسية تستطيع أن تحقق سلما اجتماعيا ناجحا؟، الجواب لا تحقق الا سلما ظاهريا قائما على الخوف، بينما السلم الاجتماعي قائم على الالتزام الاختياري للإنسان بالواجبات المنوطة به، ويرى أن هذا السلم يحافظ على حقوقه الاساسية كانسان، كذلك هي تساهم في عملية الغاء التفاوت الطبقي، بينما الدولة القاسية تمارس عملية الطبقية وهذا ما اشار اليه عهد مالك الاشتر في الكثير من الفقرات، فاليوم هناك مشكلة كبيرة في العالم تتمثل بصعود الاغنياء بشكل كبير جدا واتساع طبقة الفقراء واضمحلال الطبقة الوسطى، هذا مما يؤدي إلى عملية اختلال السلم العالمي والاجتماعي".

كما يوضح معاش "كذلك الوظيفة الاساسية للدولة هي حماية كافة انواع الحقوق (الاقتصادية/السياسية/التعليمية/الصحية)، ومنها حرية التعبير وحرية المعارضة التي طالما اكد عليها الامام علي عليه السلام حتى في تعامله مع الخوارج، وهذا مما يؤكد على الدولة الناجحة التي فيها معارضة وفيها حرية التعبير، الدولة الفاشلة هي التي ليس فيها رأي آخر، لذلك لابد أن نذهب وراء ذلك العهد لبناء دولة الرفاهية ودولة الحقوق ودولة الحريات، هذه اشارات وكنوز مدفونة في داخلنا، بالتالي الامام علي عليه السلام اراد أن يثير هذه الامور حتى نذهب وراء الامور الخيرة، وراء بناء الفضائل واستخراج الفضائل الانسانية بعيدا عن(الخوف/النفاق/القسوة)".

يختم معاش "وحتى في تربية ابناءنا وفي اسرنا هي قائمة على القسوة وعلى العنف، بالتالي نحن وقعنا في محنة الافكار وفي (المحنة الذئبية)، فنحن من خلال ذلك نربي الانسان أن يكون ذئبا، وهو بطبيعته في قمة الوحشية، والفتك الموجود في المجتمع والخوف والخيانة كلها هي من الحالات الذئبية، التي تؤسس لدولة القسوة والدولة الفاشلة".

تطبيق الرحمة والسلم الاهلي من دون قوة

- محمد علي وجواد كاتب في شبكة النبأ، "يطرح المسألة المعيارية حول قضية القوة والرحمة، خاصة وأن عهد الامام علي عليه السلام لمالك الاشتر يتضمن بنود وقوانين يسعى إلى تطبيقها جميع حكام العالم خاصة على مستوى عالمنا الاسلامي، لكن المعايير التي تحدد القوة هي غائبة إلى حد ما، فهل هي قائمة على اساس العنف والكراهية والقسوة، ام هناك معايير اخرى يؤكد عليها الامام من خلال هذا العهد كالتقوى والورع، سؤالي هنا كيف تتمكن القوة من تطبيق الرحمة والسلم الاهلي، فالقوة احيانا ترمز للفرض وللدكتاتورية لكن في نفس الوقت هي تمثل عامل حزم ضروري يحتاج اليه الحاكم العادل، حتى يطبق الاحكام الاسلامية وايضا يطبق الرحمة التي هي تمثل السلم الاهلي، فهل هناك علاقة بين الاثنين أن تطبق الرحمة والسلم الاهلي من دون قوة".

الامام علي عليه السلام ظلم مرتين

- الشيخ لؤي الناصري من اهالي القطيف، "يرى أن الامام علي عليه السلام ظلم مرتين فظلم من اعدائه اولا وظلم من شيعته ثانيا، فحينما كتب الامام علي عليه السلام هذا العهد امر شخصا من خواصه أن يطبق هذا العهد، وهو بطبيعة الحال لا يتصف بصفات الامام امير المؤمنين وهو بشر عادي، بالتالي نحن اليوم لا توجد لدينا ازمة معرفية بل عندنا ازمة ارادة في أن نكون أو لا نكون، فيأتي شخص مثل (كوفي عنان) الامين العام للأمم المتحدة الاسبق ويصر على جعل عهد مالك الاشتر(رض) مصدر من مصادر قوانين الدولة العصرية، وهو شخص مسيحي ليس له دخل بالإسلام، فهناك (200)دولة بشرية تجتمع وبعد أن تؤسس لجان تخصصية لدراسة هذا العهد، ثمِّ توافق على جعل عهد مالك الاشتر احد مصادر التشريع في الدولة العصرية".

اضاف الناصري "بل اعظم من ذلك استطاع هذا الرجل المسيحي أن يجعل (نهج البلاغة) من مصادر التشريع والقانون في الامم المتحدة، نحن المسلمين ونحن الشيعة خاصة الله سبحانه وتعالى اعطانا كنزاً معرفياً لا ينضب وهم محمد واهل بيته الاطهار صلوات الله عليهم وسلامه عليه، ونشروا تلك الكنوز وتلك المعارف وهي موجودة بيننا، ولكن هل نمتلك الارادة كي نحول تلك المعارف إلى سلوك واخلاق نعيشها في حياتنا اليومية، ايضا قبل أن نطالب الدولة أن تطبق عهد مالك الاشتر هل سألنا انفسنا هل طبقنا جزء من عهد مالك الاشتر في حياتنا الشخصية، فالارتقاء يبدأ من القاعدة ويصل إلى القمة (فكما تكونوا يولى عليكم)، بالتالي أن يأتي مسيحي ويرفع اسم الامام علي عليه السلام في أروقة الامم المتحدة فهناك نص مكتوب(الناس صنفان: أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)، فهذا الشخص يحتاج منا كل التقدير والاحترام لأنه استطاع ان يبرز عهد الامام علي لمالك الاشتر ".

 التعليق على المداخلات

يرد الدكتور حيدر شوكان السلطاني بأن المشكلة بالأساس هي مشكلة انسان وهي متجذرة وبنيوية، وهي تكاد أن تتركز في (الارادة/الافكار/ التفكير/طريقة التعامل)، ايضا عند دخول رسول الله (ص) في يوم فتح مكة كان هناك صوتان، صوت يقول (اليوم يوم المرحمة) وصوت اخر يقول (اليوم يوم الملحمة)، كلا الصوتين وقع تحت حراب المشركين حيث التعذيب والظلم، وهذا يرجع إلى ترجمة الانسان لنفسه وإلى طريقة تفكيره".

"ايضا من المشاكل الموجودة عندنا هي الافكار التي تدور في المجتمع، فهناك فكر (قاتل/ميت/غير نشط)، وهذا ما حاول التعرض اليه المفكر الجزائري (مالك بن نبي)، حيث عرض حقيقة المجتمعات الاسلامية التي تخرج الافكار الميتة وتتداولها وتخرج الافكار القاتلة وتتحارب من اجلها، فعهد الامام علي عليه السلام يعتبر من الافكار النشطة، لكن مساحة ايصاله استقرت على مستوى العالم الشيعي فقط ولم تتعداه الى العالم السني، وهو لم يترجم ولم يتحول إلى الواقع العملي نتيجة اسباب كثيرة".

"منها هي بنية الشخصية العراقية، فالبعض يرى أن احد مشاكنا هو خطاب امير المؤمنين، وهذا ما كتبه عالم الاجتماع العراقي (علي الوردي)، فالمجتمع العراقي هو مجتمع مزدوج الشخصية خاصة وأن الامام عليه السلام وعندما يقدم لهم خطاب عالي، فالمجتمعات تتقمص هذا الخطاب وتلهج به وبعد ذلك يأتيها حكام دون مستوى ذلك الخطاب، بالتالي هذا الخطاب اصبح يشكل مشكلة فالناس تريد انسان كعلي (ع)، وهذا لن يكون بحكم القواعد الانسانية والاجتماعية التي يعيشها الحكام العرب".

"ايضا البعض يشير إلى ضرورة بناء دولة اسلامية حقيقية وأن تكون بيد المعصوم، خصوصا وأن القرآن الكريم لا احد يستطيع فهمه وتطبيقه بالشكل المطلوب الا الامام المعصوم، الشيء الاخر أن الشعوب الاوربية استطاعت استعمال العقل ووصلت إلى مراحل متقدمة، فكان هذا العهد يشكل لها منارة ومساحة للتقدم، ايضا أن النظام الدكتاتوري فعلا هو نظام بغيض لأنه لا يعطي للأخرين حرية التفكير بل يجعلها محصورة بيد الحاكم، بالتالي أن بعض رجال الدين هم ايضا يتحملون هذه المشكلة كونهم وحدهم من يحتكرون المعلومة، اخيرا أن هذا العهد كله رحمة وهو لا يستخدم القوة الا في حماية وحفظ الرحمة".

اضف تعليق