اليوم الخميس هو آخر أيام عيد الأضحى المبارك.. سننتظر لمدة عامٍ كامل حتى نعيش هذه المناسبة مرة ثانية.. إذاً هي مناسبة لا تُتاح إلا مرة واحدة كل سنة، وهذا يكرس أهميتها عند المسلمين.. العيد الآخر هو عيد الفطر.. وهو فرحة الصائم.. وفرحة للمسلمين أجمعين.. سمّي بالعيد تمييزا له عن الأيام السائدة.. بعد الأضحى يفرح حجاج بيت الله الحرام بعد أداء شعائر الحج.. لا ينتهي العيد عند سمة الفرح.. ترافقه أخلاقيات وتقاليد قمة في الأصالة.
أهم ما يقتضيه الأضحى المبارك.. أخلاقيات وعادات تمسَّكَ بها المسلمون.. وتوارثوها جيل عن جيل.. فيسّرتْ حياتهم.. ووطدتْ دعائم المجتمع.. وضخَّت روح الإسلام في قيم أصيلة.. لازمت حياة المسلمين.. وبنتها خير بناء.. وقارعت الشر مقارعة الغريم اللدود.. ترى ما هي هذه الأخلاقيات والقيم والعادات.. وهل لا يزال مسلمو اليوم ملتزمين بها.. هل ساعدتهم على تطوير الحياة ومفرداتها العصيبة.. ثمة سؤال لحوح.. هل استفاد المسلمون من هذه الأخلاقيات؟.
احترام الكبير
في صبيحة الأضحى يفتح الابن عينيه.. ينهض من الفراش.. يغتسل ويمشط شعره.. وقبل أن يتناول فطوره يأتي الى أبيه يقبّل يديه ويتمنى له أسعد الأمنيات وأجملها.. وأولها أن يقسم له الله الحج اذا لم يحج سابقا الى بيت الله الحرام.. يذهب الى أمه ويفعل الشيء نفسه.. تنهض البنت من فراشها وتقوم بما قام به الأخ تماما.. الأصغر يبدأ بمعايدة الأكبر.. تقليد لم يبرح الأسرة المسلمة منذ أن تأسس العيد والى يومنا هذا.. من هذا السلوك ينمو الاحترام والعلاقة المتينة بين أفراد العائلة.. لينتقل الى المجتمع عموما فنكون أمام نسيج راقي متماسك متين غير قابل للتفكيك.
ينتقل الناس من محيط الأسرة الى الجار الأول والثاني والثالث وهلمّ جرى.. يحيّون بعضهم البعض.. ويحرصون في كل ذلك على أن يبدأ الصغير بالتحية والتهنئة والتمنيات الطيبة.. ويتبادل بعضهم الهدايا.. هنا يأتي دور الكبير لكي يزرع الابتسامة في قلب الصغير.. فأوجدت (العيدية) وهي عبارة عن هدية عينية او نقدية تُعطى من الكبير الى الصغير.. وحرص الناس على هذا التقليد منذ أقدم الأزمان كونه وسيلة تُسعد الأطفال والشباب معا.
زيارة الموتى
للأموات حصتهم أيضا في الأعياد.. فليس الأحياء وحدهم من ينتظر العيد بفارغ الصبر.. الموتى أيضا ينتظرون العيد.. يزورهم الأهل.. يقدمون لهم العطايا على أشكال مختلفة.. يتقدّم ذلك الدعاء وقراءة الآيات القرآنية وتوزيع الثواب بطريقة متبادَلة مقابل قراءة سورة الفاتحة للميّت.. وثمة عادة درج عليها أهل الأموات وهي لإلقاء حفنة من الماء على القبر.. وأحيانا غسله.. وكأنها يتعاملون مع أحياء وليس أموات.. يجلس زائر القبر.. وعينه في الشاهدة.. يخاطب أباه أو أمه.. أخاه أو أخته.. صديقه أو قريبه.. وكأنه يجلس أمامه وجها لوجه.. وأحيانا يستذكر معه شريط حياته.. يبكي في الغالب.. ولكن قد يضحك حينا عندما يستذكر واقعة طريفة مع الميت.. يحدث هذا دون قصد أو تخطيط.. الموتى وإن رحلوا عن عالمنا.. فهم معنا لن ننساهم بدعائنا وصلاتنا وزياراتنا الى المراقد المقدسة.. ولطالما قرأنا لهم سورة الفاتحة حتى يطيب مقامهم ويهدأ مضجعهم ويتوسع لحدهم.
بعضهم لا يؤيد زيارة القبور في الأعياد لدى مذاهب او طوائف أخرى.. لكن مذهب الشيعة الجعفرية.. لا يرتاح لهم بال إلا بعد زيارة موتاهم.. طيلة أيام العيد.. فيمكن القيام بالزيارة في أول وثاني وثالث ورابع أيام العيد.. والغالبية تفضل زيارة الموتى في اليوم الأول من العيد كتعبير عن حبهم ووفائهم.. في مقبرة السلام في كربلاء المقدسة.. بدأت الأسر تشتري قطع أرض خاصة لدفن موتاهم كي لا يتفرقوا عن بعضهم.. فمثلما جمعتهم الدار الأولى في بيت وأسرة واحدة.. لا يتمكن الموت من التفريق فيما بينهم.
زيارة الأئمة (ع)
حرص المسلمون الشيعة خاصة على زيارة المراقد المقدسة في الأعياد.. في المدن المقدسة يتجمع الزوار الكرام عشيّة عيد الأضحى لأداء الزيارة ليلا، في زيارة لها قيمة عليا.. إنها زيارة عرفة المعروفة بقيمتها ومكانتها عن الله تعالى.. وعند الفجر تبدأ صلاة العيد (لبيك اللهم لبيك) في اجتماع حاشد للمسلمين وفي صوت هادر خاشع عميق يؤدون طقوس هذه الزيارة المباركة.. هذه الطقوس بقيت قائمة وشامخة منذ أن بدأها الرسول الأكرم وداوم عليها آله من الأئمة عليهم أفضل الصلاة والسلام.. لا يُخفى أن الهدف منها تقوية أواصر العلاقات الدينية والعقائدية والانسانية والاجتماعية بين جموع المسلمين.. وللشيعة في هذا الإطار قصب السبق.
في النجف حيث مرقد سيد البلغاء وداحي باب خيبر إمامنا علي بن ابي طالب.. يتجمع الشيعة ومن باقي المسلمين أيضا.. يزرون هذا المرقد الشريف.. يتبركون به.. يزورون الموتى في مقبرة وادي السلام بالنجف.. يقرؤون الأدعية والآيات القرآنية.. ويقدمون ثوابات مختلفة.. هي تقاليد وأخلاقيات لن يتخلى عنها شيعة أمير المؤمنين.. هدفها تعميق الإيمان والتقوى في النفوس وتوطيد العلاقات الجيدة وتعميد النفوس والقلوب بالأخلاقيات الحميدة.
عقائدنا لن ننساها
بعضهم يقول لا جديد في ما تفعلون.. وربما لا نفع فيه.. بعض الملحدين يسخر منّا ونحن نؤدي هذه الطقوس ونتمسك بهذه الأخلاقيات.. ونستظل بهذه القيم.. الملحدون يعيبون علينا عقائدنا وأفكارنا.. وفي نفس الوقت يقولون أنهم يؤمنون بحرية الفكر والرأي.. وأن الانسان حر فيما يختار من أفكار.. ثم يرون أن لا داعي من هذه الطقوس والزيارات للقبور ولمراقد المقدسة.. هكذا يناقضون أنفسهم بأنفسهم.. أما أخلاقياتنا وطقوسنا وقيمنا.. فهي وجودنا كله نحن الشيعة.. هذا هو جوابنا إن أردوا جواب.
ومثلما يريدون حريتهم في الفكر والقول والرأي.. وهناك من يغالي اكثر في حرية السلوك.. ويدّعون الحرية.. سنطالبهم بتطبيق ما يدعونه على أنفسهم.. أما نحن فلدينا خطّنا ومنهجنا وطقوسنا وأخلاقياتنا.. هي دروس قائمة لنا.. لن يمحوها أحد.. ولا ينسينا لها طارئ أو ضغوط .. راضين بها ومرْضيّين.. مؤيدين لها قانتين.. متمسكين بها ومستفيدين.. مرسخّين لها الى أبد الآبدين.
اضف تعليق