قد قص علينا القرآن الكريم بعضاً من سير الأنبياء والصالحين في تربية أولادهم، مثل إبراهيم وإسماعيل ويعقوب ولقمان (عليهم السلام) وغيرهم، من السلف لتبقى قصصهم عبرة للمربين، فلا شيء في الطفولة مهم بقدر الحاجة الى تربية صالحة، ليس فقط من منطلق الكلام والتعليم، بل على المستوى الباطني ايضا، وما نلاحظه من القصص التي ذكرت في القران الكريم اعتمدت على تربية الاب وعلاقته بالولد، كما نقرا في سورة يوسف (عليه السلام ) هذه السورة التي تقص عليك أجمل القصص، وتبين مدى حرص يعقوب (عليه السلام) على تربية أولاده, حتى في اللحظة الأخيرة ب يوصيهم بتوحيد الله ولم يوص بماله ولا بشيء آخر، ولو تدبرنا بسورة يوسف لوجدنا فيها أساليب ممتازة للتربية، وإن كان أبناؤه قد دخل في قلوبهم الحسد ليوسف في البداية, لكنهم تابوا من ذلك واستغفروا الله, فغفر الله لهم, وسامحهم أبوهم وأخوهم عزيز مصر.
وهذا ما تؤكده الدراسات المشيرة لتفعيل دور الاب في تنشئة الاطفال، وما يغنيهم في التغلب على المشاكل السلوكية، واهمية وجود الاب في حياة أبنائه كعامل مهم جدا في التميز اجتماعيا وتعليميا، وإن من أعظم ما افترضه الله علينا تجاه نعمة الذرية أن نقوم على أمر تربيتهم, وتعاهدهم بما يصلح لهم أمور دنياهم وآخرتهم.
هذا المحور بيان النقاط التربوية التي جسدها الوالد مع ابنائه لنتخذ منها سبيلا في تربيتنا لاطفالنا، قال تعالى في كتابه الكريم: ((إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (5) وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)).
نلاحظ من بداية السورة تقريب الاب لولده الصغير بحيث يصل لدرجة انه يقص عليه الرؤيا، وهذا يدل على قوة العلاقة والتواصل بين الاب والابن، ثم نرى متابعة الاب لحسد ابنائه لذا ينصح ابنه بعدم قص الرؤيا على اخوته خوفا عليه.
((وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك)) تعريف الاب لابنه بفضل الله عليه واختياره لحمل الامانة.
طموح الآباء و فشل بعض الأبناء ونرى المحن والفتن التي تعترض الأسرة، كما نرى النصر والجلوس على سدة الحكم بكل تواضع.
العفو والتسامح فعندما رموا اخيهم الصغير في الجبت للتخلص منه، عفى عنهم في كبره، مقتديًا بوالده الذي عفا عن إخوته قبلاً، ويتعرفون إلى أن سبب ذلك نزغ الشيطان بينهم.
أهمية لعب الصغير فاللعب ضرورة تربوية، ولم يسمح يعقوب (عليه السلام) ابنه يوسف بالخروج مع إخوانه إلا لهذا الغرض كما قال تعالى: ﴿ قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) ونلاحظ أمرًا آخر يدعو للتأمل في الكلمة القرآنية وهي كلمة ( لا تأمنا ) التي فيها حكم الإشمام أثناء تلاوتها، والإشمام ضم الفم عند النطق بالميم دون إظهار حركة الضم عند النطق، فالتعبير القرآني يدل على اختلاس حركة الضمة، وكأن النطق يدل على اختلاس الحقيقة في النفوس والتي لا يريد الأبناء إظهارها أمام والدهم.
ترينا الآيات رعاية الله تعالى للصغير المرمي في الجب بيد إخوته، ورحمة الله تعالى وتمكينه لعبده وأنه في الرعاية الإلهية في كل مكان وزمان.
ان الشيطان يدخل بين الإخوة، فيوغر صدور بعضهم على بعض مع كونهم أشقاء فيصيرهم أعداء.
ان على الأب أن يعدل بين أولاده ما أمكن وأنه لو كان أحد الأولاد يستحق مزيد عناية فإن على الأب ألا يظهر ذلك قدر الإمكان حتى لا يوغر صدور الاخرين.
خلاصة القول يكمن في قوة العلاقة بين الأب والابن وهذا ما نلمسه حقيقة في هذه القصة، التي تصل قوتها إلى درجة أن يخبر الطفل والده بكل شيء يحدث له, حتى على مستوى الرؤى والأحلام التي يراها الصغير في منامه, وهذه العلاقة تفتح آفاق الحوار بين الأب والابن، مما يعني إطلاع الأب على كل المستجدات التي تطرأ في حياة ابنه، بحيث تسهل له علمية التعامل مع هذه المستجدات بحسب طبيعتها في الوقت المناسب، فهذه وصايا عظيمة وتوجيهات تربوية غالية من الأب لأبنه, ينبغي لكل أب أن يحفظها ويربي أولاده عليها.
اضف تعليق