عندما يكون الانسان الأمين محل ثقة عند الجيران واهل المنطقة، وفي محيط العمل، وفي السوق والدائرة الحكومية، فانه بالضرورة سيكون سكيسب الثقة والحب عند زوجته وافراد أسرته، حتى وإن صادف تعامله مع نساء او فتيات في محيط العمل وفي اي مكان آخر...
{إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} سورة الأحزاب، الآية:72
عنوانها جميل، ومكوناتها واضحة، إنما التطبيق العملي على ارض الواقع تحتاج من صاحبها الكثير من الالتزام والانضباط ليكون اسمٌ على مسمّاه.
فالأمانة تشمل المال المودع، كما يشمل النساء الحسناوات في المنطقة السكنية والاماكن العامة، وايضاً؛ في محيط العمل، ويشمل ايضاً كل مفردات التعامل في المحيط الاجتماعي، من أصغر بائع على الرصيف، حتى أكبر موظف في الدولة يتجمهر عليه المراجعون، هذا فضلاً عن الجانب المعنوي من النعم الإلهية المسخرة للانسان، و أبرزها العقل والإرادة لاختيار الطريق الصحيح في الحياة.
المثل الأعلى للأمانة
هكذا أراد القرآن الكريم تسليط الضوء على هذه القيمة الاخلاقية والانسانية من خلال رفعها الى أعلى المستويات، فالآية الكريمة التي صدرنا بها المقال تنفتح على دلالات تعدد فيها المفسرون في تحديد المقصود من الأمانة في هذه الآية الكريمة، فمنهم من ذهب الى إنها؛ العقل، و قال آخرون: إنها خلافة الانسان لله على الأرض، وأيضاً؛ الحرية والإرادة، وتحمّل المسؤولية، ودلالات ومعاني عديدة اخرى، كلها ذات شأن رفيع في الفكر والعقيدة، ولعل شموخ هذه العناوين هو الذي يعطي المصداقية لمفهوم الأمانة، كمفردة اجتماعية يتداولها الناس فيما بينهم، فيعرفون من خلالها هوية الأمين على أموالهم وأعراضهم ممن يضمر في نفسه صفات الخيانة.
فالذي يتحمل مسؤولية عقله و إرادته وإيمانه بقيم السماء، ويعرف أنه مكلّف دون سائر المخلوقات بالرفعة والتكامل، ثمّ تولّي منصب خلافة الله –تعالى- في الأرض وفق الآيات التي تحدثت عن علّة خلق الانسان، فانه بالضرورة يكون أميناً على الحقوق والحرمات، ولن يرتكب الخيانة في معظم الحالات، إلا بحصول انقلابات نفسية و روحية بتأثير من ترسبات الماضي.
الأمانة اختبار
كما هي سائر الصفات الاخلاقية القابلة للتنمية في النفس، والمحبوبة في النظام الاجتماعي، مثل الصدق، والتواضع، والعفو التي تحدثنا عنها في مقالات سابقة ضمن عنوان "من المحفزات الاخلاقية"، فانها تمثل نوعاً من التحدي النفسي، وايضاً؛ الاختبار لقوة هذه النفس أمام مغريات الخيانة.
ومن أجل الالتفاف على هذا الاختبار، فان هذه النفس ذات التركيبة المعقدة للغاية باعتراف علماء النفس تبحث عن طرق لتغشيش الانسان –إن صح التعبير- وجعله في موقف البريء من ارتكاب أي مخالفة او ما يُعد إضراراً بالآخرين، والامثال عديدة من واقعنا الاجتماعي، فالنظر بتفحّص الى وجوه الفتيات والنساء في الاماكن العامة، وربما في المنطقة السكنية، ربما يُبرر بأنه دونما يفسره الناس بالدوافع الجنسية، حتى وإن ذهب في علاقة جنسية فانه يتأبط تبريره معه بأن ثمة تراضي في الموضوع.
وهكذا الحال في السوق والدائرة الحكومية وفي اماكن اخرى، بل وفي مختلف مجالات الحياة، فان التبيريرات تكون جاهزة عند البعض لإبعاد وصمة الخيانة عنه، ربما منها؛ "أن معظم الناس يفعلون هذا"! لتذويب هذه الوصمة تدريجياً حتى وإن كان على حساب وجود الأمانة كقيمة ومفهوم اخلاقي في المجتمع، فيكون الهمّ الأكبر هو الاستجابة للرغبات والمصالح الشخصية، ولا يهم إن كانت الأمانة موجودة أم لا.
إن كان يمكن تمرير هذا في الأماكن العامة، فان من الصعب، بل المستحيل تمريره في الأماكن الخاصة في حياة الانسان، وفي المقدمة؛ الأسرة والحياة الزوجية، فلن توجد منطقة وسطى بين الأمانة والخيانة مطلقاً، فاذا كانت هذه العلاقة المقدسة قائمة على الحب والمودة فان من غير المعقول والمنطقي إضافة مادة مخربة في هذه القاعدة.
من هنا انطلق العلماء في دعواتهم المؤكدة للتهذيب والعفّة وكل ما من شأنه تغييب او تقليل أهمية قيمة الأمانة في النفس، بل والعمل تنمية صفات تفضح الخيانة وتكشف قبحها في التعامل بين الافراد قبل ان تخترق السلوك والثقافة، ومن أهم هذه الصفات؛ المحبوبية لدى الناس من خلال قضاء حوائجهم، وتغليب مصالح الناس على مصلحته ورغباته الشخصية.
وعندما يكون الانسان الأمين محل ثقة عند الجيران واهل المنطقة، وفي محيط العمل، وفي السوق والدائرة الحكومية، فانه بالضرورة سيكون سكيسب الثقة والحب عند زوجته وافراد أسرته، حتى وإن صادف تعامله مع نساء او فتيات في محيط العمل وفي اي مكان آخر.
اضف تعليق