هناك صور ظاهرة حسنة أو سيئة يراها الناس في تعامل الإنسان وصنيعه، وهناك صور مخفية لا يراها الآخرون قد تكون حسنة أو سيئة. لكن الإبداع الحقيقي الذي نقصده في حديثنا هو قدرة الإنسان في رسم صور روحية وإيمانية داخل نفسه تجاه الآخرين، وليس شرطاً أن يروها...
مطلب يثير حالة الاستغراب عند الكثيرين لأن جمالية الصور وإبداعها تظهر في أعين من رآها وتأمل فيها، خصوصاً أن موهبة الرسم موهبة فريدة تميز بها رسامون محترفون عن غيرهم، لكن:
هل بمقدور إنسان رسم صوراً إبداعية وإن لم يكن رساماً في يوم من الأيام؟!!.
كم رساماً محترفاً يقبل أن يرسم صوراً لا يراها الآخرون؟!!.
كيف يُعجب الناس بصور لم يروها ولم يعرفوا راسمها؟!!.
ولكي يكون المطلب أكثر وضوحاً.. فالتعاملات البشرية هي في حقيقتها صور متنوعة يرسمها كل شخص عن نفسه في عيون الآخرين...
فحينما يتعامل الإنسان بمستوى عالٍ من الخلق والإحسان فهو يرسم صوراً جميلة عنه في عيون الآخرين، بالمقابل إذا تعامل مع غيره بسوء الخلق والإساءة فهو يرسم صورة بشعة عنه في عيون الناس.
لكن.. هناك صور ظاهرة حسنة أو سيئة يراها الناس في تعامل الإنسان وصنيعه، وهناك صور مخفية لا يراها الآخرون قد تكون حسنة أو سيئة.
لكن الإبداع الحقيقي الذي نقصده في حديثنا هو قدرة الإنسان في رسم صور روحية وإيمانية داخل نفسه تجاه الآخرين، وليس شرطاً أن يروها أو يعلموا بها، لأن سر جماليتها وإبداعها يكمن في كتمانها!!.
هل فكرت أن تكون أول صورة تفكر في رسمها في مسجد أو زيارة لشخص أساء إليك أو حاقد عليك؟!!
هل فكرت في رسم صورة جميلة في قلبك لمن أساء الظن بك فضلاً عمن أحسن إليك؟!!.
هل فكرت في رسم صورة تواصل خفي مع رحم أو إنسان لا يعتقد أنك تذكره بدعاء أو صلة؟!!.
هل فكرت في رسم صورة إحسان لإنسان أفضل من صورة إحسانه إليك؟!!.
هل فكرت في رسم صورة عمل صالح لأموات تصل بها البعيد منهم قبل القريب؟!!.
هل فكرت في رسم صورة دعاء لشخص لقيته في طريق أو مررت بجانب داره؟!!.
هل فكرت في رسم صورة صدقة خفية لا يراها الناس في يديك؟!!.
هل فكرت... هل فكرت... هل فكرت...
أغلب البشر لا يفكر ولا يلهث إلا وراء صور الماديات المقيتة والمصالح الزائلة!! لذلك تمثل تلك الصور الروحية ضرب من ضروب الخيال عندهم.
لكن بمقدور أي إنسان أن يكون رساماً محترفاً قادراً على رسم صوراً إبداعية مخفية عن الناس بشرط نقاء قلبه وسريرته، وتهذيب نفسه، والسعي لنيل مرضاة الله والنبي محمد وأهل بيته الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
ومن تلك الصور الجمالية التي نستحضرها صور إبداعية رسمها الإمام السجاد عليه السلام في دعاء في مكارم الأخلاق وذلك حينما قال: (وأَبدِلنِي مِن عُقُوقِ ذَوِي الأَرحَامِ المَبَرَّةَ، ومِن خِذلَانِ الأَقرَبِينَ النُّصرَةَ، ومِن حُبِّ المُدَارِينَ تَصحِيحَ المِقَةِ).
حينها يمكن لأي منا أن يرسم صورة فريدة له عند الناس لا تدوم جماليتها إلا بموازنة عجيبة عبر عنها الإمام السجاد عليه السلام فقال: (لَا تَرفَعنِي فِي النَّاسِ دَرَجَةً إِلَّا حَطَطتَنِي عِندَ نَفسِي مِثلَهَا، ولَا تُحدِث لِي عِزّاً ظَاهِراً إِلَّا أَحدَثتَ لِي ذِلَّةً بَاطِنَةً عِندَ نَفسِي بِقَدَرِهَا).
ولعل من آثار الإكثار من رسم الصور الروحية والإيمانية تجاه الناس هو سمو النفس ورقيها، والقرب من رضا الله عز وجل وعناية محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين، وقد تظهر جماليتها للناس بعد موت راسمها المحترف، لكن المفاجأة الحقيقية أن يشير النبي وأهل بيته الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين إلى راسمها المتخفي بين الناس يوم القيامة.
اضف تعليق