للاعتذار آثر كبيرة يتركها في النفوس، ومن الأفضل ان تتعاضد الجهود كافة لجعله نمطا وسلوكا داخل المجتمعات والاسر، ولا يتم ذلك الا بأخذ المؤسسات التربوية والتعليمية والدينية دورها لغرس تلك الفضيلة في الأبناء، والتأكيد على تحري الدقة في التزام الجميع بعرض مواقف إيجابية تساعد على اتباع المسلك الجميل...
من منا لا يخطأ بحق الآخرين؟ من منا لا يلجأ الى الاعتذار في أحيان كثيرة؟ بالتأكيد الكل يحتاج الى هذا المبدأ الهام من مبادئ الحياة العامة، فالاعتذار لا يمكن لأحد ان يتجاهله طالما يعمل ويتجول في الأماكن العامة والخاصة.
بعض الأخطاء تصدر من الافراد دون قصد لإرتكابها، فتكون سببا لإزعاج الطرف الآخر دونما يشعر، وحين يشعر لا يكون امامه حل للخروج من مأزق الاحراج الا الاعتذار، وليس معيب على الفرد ان يقدم اعتذاره، ففي مواطن متعددة يأتي لصالح الشخص المعتذر الذي اقدم على هذه الخطوة.
في الماضي كنا نسمع اخبار عن انفصال شخصين كانت تسود بينهما علاقة زوجية طيبة خالية من المشاكل، اذ يحصل الفراق لعدم تنازل احد الطرفين والمبادرة بالاعتذار، وفي هذه الحالة قد يكون السبب ليس التعنت والتزمت فحسب، بل قد يكون انعدام هذه الثقافة لدى العديد من الأزواج مما يؤدي الى تفاقم الأمور وتطورها وصولا الى طريق مسدود.
ولم نسمع ذات يوم عن انموذجين تمكنا من تغليب لغة العقل على العصبية، وتقديم الاعتذار على انه الوصفة السحرية التي تعالج التصدعات في العلاقات الاسرية والاجتماعية، ولكي نكون اكثر إنصافا قد تحصل مثل هذه التصرفات لكنها لم تأخذ صداها بين الافراد مثلما اخذت الظاهرة السلبية او التصرف الخاطئ.
نحن اليوم ليس بصدد طبيعة الاعتذار بين الزوجين، فكما هو شديد الأهمية بين الزوج والزوجة، لا يقل أهمية عنه الاعتذار بين الأشخاص على اختلافهم، وكما اسلفنا بانه لا يوجد شخص على وجه المعمورة يتمتع بالكمال والمثالية بشكل مطلق.
وما دمنا ليس كذلك، وجميعنا نرتكتب الأخطاء بحق الآخرين، علينا ان نتعرف على افضل الطرق لتقديم الاعتذار، فثقافة الاعتذار ليست من الأمور السهلة، وتحتاج الى جهد كبير ومران كثير للتعود عليها ومزاولتها مع الشخص الذي نخطأ بحقه، ومن الأفضل الا نتردد في قول كلمة (آسف)، فهي مفتاح رضى الآخرين عليك ومحل زيادة لقدرك ومكانتك في قلوبهم عندما تقوم بشيء خاطئ.
في بعض الحالات يواجه المرء صعوبة لا يمكن وصفها عند ارتكابه الأخطاء، وفي أحيان متعددة يرفض تقديم الاعتذار ظنا منه بأنه سيكون من الأشخاص الضعيفة بنظر الآخرين، ولم يتمكن من تجاوز هذه الأفكار السلبية، وبالنتيجة تخيم عليه وتجعله شخص غارق في بحر الخجل والتخبط.
في مقال بمجلة أبحاث علم النفس اللغوي Journal of Psycholinguistic Research، قدم عالما النفس ستيفن شير وجون دارلي إطاراً من أربع خطوات توضح فنون الاعتذار.
تتمثل الخطوة الأولى بالتعبير عن الندم جراء ما فعلته امام الآخرين، كأن تقول أنا آسف لأنني رفعت صوتي أمامك بالأمس، أو أعتذر لسوء تصرفي معك، حاول أن يكون الاعتذار نابعاً من داخلك، وانتق كلماتك بعناية، وكن صادقاً مع نفسك ومع الشخص الذي تعتذر له.
اما الخطوة الثانية هي الاعتراف بالمسؤولية، وفهم تأثير ما فعلت أو ما قلت، وتتطلب تلك الخطوة أن تتعاطف مع من ظلمته، بينما تأتي في المرتبة الثالثة من الخطوات هي خطوة التعويض، أي تقديم الاعتذار للشخص امام انظار ومسمع الأشخاص الذين حصل الخطأ بحضورهم.
ورابع خطوات الاعتذار وفق المقال هي خطوة الوعد بأن الأمر لن يتكرر، وتعتبر بمثابة رسالة اطمئنان بأنك غيرت سلوكك، وتساعد تلك الخطوة على إعادة بناء الثقة وإصلاح العلاقة مرة أخرى.
يمكننا القول وبمرارة ان ثقافة الاعتذار والاعتراف بالخطأ غابت عنا أفراداً وجماعات، فالاعتذار ليس مجرد كلمات تردد على الشفاه، وانما يعبر عن سلوك حضاري وفن ومهارة اجتماعية لن يتمكن منها الا أصحاب العقول الراجحة والمتزنة في نفس الوقت، فمن الضروري ان يتم غرسها في نفوس الافراد منذ الصغر ومن غير الصحيح تجاهلها.
وهناك مقولة للروائي البرازيلي الشهير باولو كويلو: "ازرعوا في أطفالكم دائماً ثلاث ثقافات: الاعتذار، المحبة، الشكر.. فمجتمعنا مجحف بها جدا". هذا في المجتمع الغربي فكيف حال مجتمعاتنا العربية؟
في ذات المضمون أظهرت نتائج دراسة نشرتها مجلة التربية في جامعة الأزهر أن تنشئة الأطفال على فضیلة الاعتذار من شأنها أن توجد مجتمعاً مترابطاً متکافئاً خالیاً من الحسد والحقد، وأن تربیة الطفل على الاعتذار لا تقتصر على الاعتذار للبشر فحسب، وإنما یجب على المربي أن ینشئ الطفل ویربیه على فضیلة الاعتذار إلى الله سبحانه وتعالى.
وخرجب الدراسة بعدة توصيات أهمها: یجب على جمیع المؤسسات التربویة إعادة بناء المنظومة الأخلاقیة لأفراد المجتمع کافة، وتضمین ثقافة الاعتذار من خلال بیان أهمیة تلك الفضیلة وتنمیتها لدى الأطفال عن طریق الأسالیب التربویة الإسلامیة، کما ینبغي على المربین أن یثقفوا أنفسهم تربویاً، ویتدربوا على الأسالیب التربویة المختلفة لغرس الفضائل والقیم الإسلامیة التي تتناسب مع الأطفال باختلاف شخصیاتهم وأعمارهم، واختلاف المواقف والتجارب التی تمر بهم.
وللمختصين آرائهم في الموضوع، اذ يقول الدكتور محمود عكاشة أستاذ علم النفس في جامعة دمنهور بالإسكندرية ان ثقافة الاعتذار تعكس مضمون الشخصية الإنسانية، ومدى اتساع مداركها الفكرية وقدرتها على التعامل مع مختلف الظروف والمواقف الحياتية، وعلى الإنسان أن يعلم أنه في اعتذاره عن أخطائه ترتفع قيمته ويعلو قدره بين الناس.
للاعتذار آثر كبيرة يتركها في النفوس، ومن الأفضل ان تتعاضد الجهود كافة لجعله نمطا وسلوكا داخل المجتمعات والاسر، ولا يتم ذلك الا بأخذ المؤسسات التربوية والتعليمية والدينية دورها لغرس تلك الفضيلة في الأبناء، والتأكيد على تحري الدقة في التزام الجميع بعرض مواقف إيجابية تساعد على اتباع المسلك الجميل.
اضف تعليق