هناك احتمال بنسبة 86 بالمئة أن تسجل إحدى السنوات الخمس القادمة أعلى درجات حرارة على الإطلاق، متجاوزة عام 2023. وبينما ارتفعت درجات الحرارة العالمية بشكل عام نحو 1.3 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، فإن تغير المناخ يغذي درجات الحرارة القصوى الأشد ارتفاعا، مما...
تجتاح موجات حر مهلكة المدن في أربع قارات بالفعل مع حلول اليوم الأول من فصل الصيف في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، مما يشير إلى أن تغير المناخ قد يؤدي مرة أخرى إلى ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية يمكن أن تتجاوز تلك التي تم تسجيلها الصيف الماضي وجعلته الأكثر حرارة منذ 2000 عام.
ويُشتبه في أن درجات الحرارة القياسية التي سُجلت بالفعل في الأيام القليلة الماضية تسببت في وفاة المئات إن لم يكن الآلاف في جميع أنحاء آسيا وأوروبا.
ففي السعودية، حيث يختتم ما يقرب من مليوني مسلم مناسك فريضة الحج هذا الأسبوع، لقي مئات الحجاج حتفهم وسط درجات حرارة أعلى من 51 درجة مئوية، وفقا لتقارير من سلطات أجنبية.
وقالت مصادر طبية وأمنية مصرية لرويترز يوم الخميس إن 530 مصريا على الأقل لقوا حتفهم خلال أداء مناسك الحج ارتفاعا من 307 حتى يوم الأربعاء. ولا يزال 40 آخرون في عداد المفقودين.
وعانت دول في محيط البحر المتوسط من أسبوع آخر من درجات الحرارة المرتفعة التي ساهمت في نشوب حرائق غابات من البرتغال إلى اليونان وعلى طول الساحل الشمالي لأفريقيا في الجزائر، بحسب الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي الأمريكية.
وفي صربيا، توقع خبراء الأرصاد الجوية أن تصل درجات الحرارة إلى حوالي 40 درجة مئوية خلال الأيام القليلة المقبلة، حيث دفعت الرياح القادمة من شمال أفريقيا بجبهة ساخنة عبر منطقة البلقان. وأعلنت سلطات الصحة حالة تأهب للطقس من مستوى اللون الأحمر ونصحت المواطنين بعدم المغامرة بالخروج إلى الأماكن المفتوحة.
وقالت خدمة الطوارئ في بلجراد إن أطباء تابعين لها تدخلوا 109 مرات خلال الليل لعلاج أشخاص ممن يعانون من أمراض القلب وأمراض مزمنة.
وفي الجبل الأسود المجاورة، حيث نبهت سلطات الصحة السكان أيضا إلى ضرورة البقاء في الظل حتى وقت متأخر من فترة الظهيرة، سعى عشرات الآلاف من السائحين إلى قضاء أوقات على الشواطئ.
وتواجه أوروبا هذا العام موجة من حالات اختفاء ووفاة سائحين وسط درجات حرارة خطيرة. وقالت الشرطة اليونانية يوم الاثنين إنها عثرت على أمريكي عمره 55 عاما وقد توفي في جزيرة ماثراكي، في ثالث حالة وفاة من نوعها خلال أسبوع.
وتعاني مناطق في شمال شرق الولايات المتحدة والغرب الأوسط أيضا مما يعرف باسم القبة الحرارية، حيث صدرت تحذيرات لأكثر من 86 مليون شخص بسبب الحرارة يوم الخميس، وفقا لخدمة الطقس الوطنية الأمريكية.
وتحدث القبة الحرارية عندما يحبس نظام قوي عالي الضغط الهواء الساخن فوق منطقة ما، مما يمنع الهواء البارد من الدخول ويتسبب في بقاء درجات حرارة الأرض مرتفعة.
وبموجب خطة طوارئ لمواجهة الحرارة، قالت مدينة نيويورك إنها ستفتح مراكز التبريد بها لأول مرة هذا العام.
وأصدرت هيئات الأرصاد أيضا تحذيرا من الحرارة المفرطة في مناطق من ولاية أريزونا، بينها فينيكس، يوم الخميس حيث من المتوقع أن تصل درجات الحرارة إلى 45.5 درجة مئوية.
أعداد الوفيات
تستمر فترة الصيف في الهند من مارس آذار إلى مايو أيار، عندما تبدأ الأمطار الموسمية في اجتياح البلاد ببطء وتخفيف حرارة الجو.
لكن نيودلهي سجلت يوم الأربعاء أشد ليلة حرارة منذ 55 عاما على الأقل، حيث سجل مرصد سافدارجونج الهندي عن درجة حرارة بلغت 35.2 درجة مئوية الساعة الواحدة صباحا.
وعادة ما تنخفض درجات الحرارة خلال ساعات الليل، لكن العلماء يقولون إن تغير المناخ يتسبب في ارتفاع درجات الحرارة خلال الليل. وفي أجزاء كثيرة من مناطق العالم، ترتفع درجات الحرارة ليلا بشكل أسرع من النهار، بحسب دراسة أجرتها جامعة إكستر عام 2020.
ووفقا لبيانات إدارة الأرصاد الجوية، سجلت نيودلهي خلال 38 يوما متتاليا درجات حرارة قصوى بلغت 40 درجة مئوية أو أكثر منذ 14 مايو أيار.
وقال مسؤول بوزارة الصحة الهندية يوم الأربعاء إن هناك أكثر من 40 ألف حالة يشتبه في إصابتها بضربة شمس وما لا يقل عن 110 حالات وفاة مؤكدة في الفترة من الأول من مارس آذار إلى 18 يونيو حزيران، عندما سجل شمال غرب وشرق الهند مثلي العدد المعتاد لأيام موجة الحر في واحدة من أطول موجات الحر في البلاد.
ومع ذلك، فإن رصد أعداد الوفيات الناجمة عن موجات الحر بدقة أمر صعب. فمعظم السلطات الصحية لا تُرجع الوفيات إلى الحرارة بل إلى الأمراض التي تتفاقم بسبب ارتفاع درجات الحرارة مثل مشاكل القلب والأوعية الدموية. وبالتالي، فإن السلطات تحتسب عدد الوفيات المرتبطة بالحرارة بفارق كبير وتتجاهل عادة آلاف إن لم يكن عشرات الآلاف من الوفيات الناجمة عن موجات الطقس الحار.
ارتفاع قياسي لدرجات الحرارة
ذكرت خدمة مراقبة تغير المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي أن موجات الحر التي تحدث حاليا تأتي على خلفية 12 شهرا متتاليا شهدت أعلى درجات حرارة على الإطلاق مقارنة بالسنوات السابقة.
وتقول المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن هناك احتمالا بنسبة 86 بالمئة أن تسجل إحدى السنوات الخمس القادمة أعلى درجات حرارة على الإطلاق، متجاوزة عام 2023.
وبينما ارتفعت درجات الحرارة العالمية بشكل عام نحو 1.3 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، فإن تغير المناخ يغذي درجات الحرارة القصوى الأشد ارتفاعا، مما يجعل موجات الحر أكثر شيوعا وكثافة وأطول أمدا.
ووفقا لفريق دولي من العلماء لدى مجموعة "ورلد ويزر أتريبيوشن" فإن موجة الحر التي كانت تحدث مرة واحدة كل عشر سنوات قبل الثورة الصناعية ستحدث الآن 2.8 مرة كل عشر سنوات، وستكون أشد حرارة بمقدار 1.2 درجة مئوية.
ويقول علماء إن موجات الحر ستستمر في التزايد في حال استمر العالم في إطلاق العنان للانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري الناجمة عن حرق الوقود الأحفوري.
ووفقا لمجموعة ورلد ويزر أتريبيوشن، فإنه إذا ارتفعت درجات الحرارة العالمية بمقدار درجتين مئويتين فوق مستواها الحالي، ستحدث موجات الحر 5.6 مرة كل عشر سنوات في المتوسط، وستكون أشد حرارة بمقدار 2.6 درجة مئوية.
مقتل نحو 200 مشرد في العاصمة الهندية
من جهتها قالت منظمة غير ربحية معنية بمساعدة المشردين في الهند يوم الخميس إن الموجة الحارة في شمال البلاد قتلت ما يقرب من 200 مشرد في العاصمة نيودلهي على مدى الأسبوع الماضي.
يأتي ذلك في وقت تشهد فيه البلاد ارتفاعا قياسيا في درجات الحرارة هذا الصيف.
وفي وقت سابق، ذكرت صحيفة تايمز أوف إنديا يوم الخميس أن الموجة الحارة اللافحة التي تجتاح شمال الهند أودت بحياة 52 على الأقل في العاصمة نيودلهي وصلت جثثهم لمستشفيات على مدار اليومين الماضيين، موضحة أن أغلبهم من المعدمين الذين يعيشون ويعملون في العراء.
وذكر تقرير نشره مركز التنمية الشاملة غير الربحي أن 192 مشردا في المجمل لقوا حتفهم في نيودلهي في الفترة بين 11 و 19 يونيو حزيران، وهو ما يزيد عما شهدته الأعوام السابقة.
وسجلت الهند أكثر من 40 ألف حالة اشتباه بالإصابة بضربة شمس هذا الصيف و110 حالات وفاة مؤكدة على الأقل بين الأول من مارس آذار و18 يونيو حزيران، عندما شهدت مناطق في شمال غرب وشرق الهند أياما من الموجات الحارة يفوق عددها المعتاد بمثلين.
وذكرت الصحيفة في افتتاحية يوم الخميس "طول فترة الصيف القاسي يجب أن يصنف ضمن الكوارث الطبيعية" مشيرة إلى تزامن ذلك مع نقص المياه وطلب قياسي على الكهرباء.
وأمرت وزارة الصحة مؤسسات اتحادية وفي داخل الولايات بضمان الرعاية الفورية للمرضى ووجهت المستشفيات بإتاحة مزيد من الأسرة.
وتنبأ مكتب الأرصاد بأن تستمر درجات الحرارة في تخطي المعتاد هذا الشهر أيضا. وسجلت دلهي أكثر ليلة حرارة في ما يزيد عن 50 عاما يوم الأربعاء وأظهرت بيانات الأرصاد أن أقل درجة حرارة جاءت عند 35.2 درجة مئوية.
وأظهرت بيانات الأرصاد أن درجات الحرارة انخفضت بمقدار ست درجات تقريبا يوم الخميس مسجلة 37 درجة مئوية في نيودلهي بعد أن خففت الأمطار الحرارة إلى حد ما.
ويعاني المليارات في أنحاء آسيا من الحرارة الشديدة هذا الصيف، وهو تطور يقول علماء إنه تفاقم بسبب تغير المناخ الناجم عن الأنشطة البشرية.
تغير المناخ يخيم على موسم الحج
ولقي 562 شخصا على الأقل حتفهم في موسم الحج هذا العام، وفقا لإحصاء رويترز المستقى من بيانات من وزارات الخارجية ومصادر.
وقالت مصادر طبية وأمنية لرويترز إن مصر وحدها سجلت 307 حالة وفاة و118 مفقودا بعد أن تجاوزت درجات الحرارة في بعض الأحيان 51 درجة مئوية.
وقال حاج باكستاني يدعى ولاية مصطفى "كان الجو قاسيا جدا ولا يستطيع الناس تحمل هذا النوع من الحرارة".
وذكر شاهد أن هناك جثثا مغطاة بملابس الإحرام ترقد على جانب طريق بالقرب من منى، على مشارف مكة، إلى حين وصول السيارات الطبية.
وقال "مع كل وفاة لحالة بين الحجاج كانوا المارة يقومون بتغطيته بلباس الإحرام لحين وصول سيارات طبية لنقل الجثامين".
ويقول علماء المناخ إن هذه الوفيات تقدم لمحة عما ينتظر عشرات الملايين من المسلمين الذين من المتوقع أن يؤدوا فريضة الحج في العقود المقبلة.
وقال كارل فريدريش شلويسنر المستشار العلمي في المعهد الألماني لتحليلات المناخ إن مناسك "الحج تجري بطريقة معينة منذ أكثر من ألف عام، وكان المناخ حارا دائما".
واستطرد قائلا "لكن... أزمة المناخ تفاقم قسوة الظروف المناخية".
وأضاف شلويسنر أن مناسك الحج الأساسية مثل الوقوف بجبل عرفة أصبحت "خطيرة بشكل لا يصدق على صحة الإنسان".
صحيح أن موعد مناسك الحج يتجه الآن نحو فصل الشتاء، لكن بحلول أربعينيات القرن الحالي سيتزامن موسم الحج مع ذروة الصيف في السعودية.
وقال فهد سعيد، عالم المناخ في شركة كلايمت أناليتيكس ومقرها باكستان "سيكون الأمر مميتا جدا".
والوفيات التي سببها ارتفاع درجات الحرارة أثناء الحج ليست جديدة، ويعود رصدها إلى القرن الخامس عشر.
وعدم القدرة على التأقلم مع درجات الحرارة المرتفعة والمجهود البدني المكثف والمساحات المكشوفة وتقدم السن يجعل الحجاج عرضة للخطر.
والعام الماضي، عانى أكثر من 2000 شخص من الإجهاد الحراري، وفقا لمسؤولين سعوديين.
ويقول علماء إن الوضع سيصبح أسوأ بكثير مع ارتفاع درجة حرارة العالم.
ونشر سعيد وشلويسنر دراسة عام 2021 في دورية إنفايرومنتال ريسيرش ليترز خلصت إلى أنه إذا ارتفعت درجة حرارة العالم 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل عصر الصناعة، فستتزايد احتمالات الإصابة بضربات شمس بين الحجاج خمس مرات.
وقال سعيد "الناس لديهم دوافع دينية قوية. وبالنسبة لبعضهم، فإنه أمر لا يكون إلا مرة واحدة في العمر"، ولأن كل دولة تحصل على عدد محدود من الأماكن، "فإذا أتيحت لهم الفرصة، فسيذهبون".
في عام 2016، طبقت السعودية استراتيجية للتعامل مع الحرارة تضمنت بناء مساحات ظليلة وإنشاء نقاط لمياه الشرب كل 500 متر وتحسين قدرات الرعاية الصحية.
ونبهت السلطات الصحية السعودية الحجيج إلى ضرورة الحصول على قدر كاف من الماء وتجنب البقاء في المساحات المفتوحة بين الساعة 11 صباحا والثالثة بعد الظهر أثناء أداء المناسك.
وقال الحاج الباكستاني مصطفى إنه اضطر إلى دفع والدته البالغة من العمر 75 عاما على كرسي متحرك. وأضاف أنه حين حاول الاستراحة، طلبت منهما الشرطة مواصلة التحرك.
وتابع مصطفى "أدهشني عدم وجود أي جهود من الحكومة السعودية لتوفير أي ملاذ أو أي مياه".
ولم يرد المكتب الإعلامي للحكومة السعودية على الفور على طلب للتعليق.
وذكر مصدر طبي مصري لرويترز أن أعلى عدد من الوفيات كان بين الحجاج غير المسجلين رسميا لدى سلطات الحج واضطروا إلى البقاء في الشوارع معرضين للحرارة الشديدة.
وقال "ارتفاع حالات الوفاة كان لحجاج غير مصرح لهم، اضطروا للبقاء في الشوارع أثناء أيام السعي بين جبلي عرفات ومنى مما أدى إلى تعرضهم لضربة شمس حيث لم يكن متاحا لهم خيام".
وأكد حاج مصري يدعى سامح الزيني أنه حصل على المياه من السلطات السعودية، ورأى شاهد من رويترز الشرطة السعودية توزع المياه وترش المياه على الحجيج بسبب الحر.
وقال علماء إن رش المياه لا يجدي نفعا إلا عند درجات حرارة أقل من 35 درجة مئوية. وإذا كانت درجات الحرارة مرتفعة جدا، لا يجدي رذاذ الماء وقد يفاقم المخاطر في ظل ظروف الرطوبة حين يتعرق الناس طبيعيا لتلطيف درجة حرارة الجسم.
أكبر استطلاع للرأي حول المناخ
وفي سياق متصل أظهر أكبر استطلاع للرأي في العالم على الإطلاق حول تغير المناخ، أن 80 في المائة أو أربعة من بين كل خمسة أشخاص على مستوى العالم، يريدون من حكوماتهم اتخاذ إجراءات أقوى لمعالجة أزمة المناخ.
وقال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في بيان أصدره اليوم الخميس أن أكثر من 86 في المائة من الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع حول العالم يريدون أن يروا بلدانهم تضع الخلافات الجيوسياسية جانبا وتعمل معا بشأن تغير المناخ.
وشارك في الاستطلاع الذي يحمل عنوان "تصويت الشعوب للمناخ"، أكثر من 73,000 شخص حول العالم يتحدثون 87 لغة في 77 دولة تمثل 87 في المائة من سكان العالم، حيث طرح عليهم 15 سؤالا عن تغير المناخ.
وقال مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أخيم شتاينر إن تصويت الشعوب للمناخ "واضح وصريح. يريد المواطنون العالميون من قادتهم أن يتجاوزوا خلافاتهم، وأن يتصرفوا الآن وأن يتصرفوا بجرأة لمحاربة أزمة المناخ".
وأضاف "تكشف نتائج الاستطلاع - غير المسبوقة في تغطيتها - عن مستوى من الإجماع مذهل حقا".
وحث القادة وصناع السياسات على الانتباه، خاصة وأن البلدان تطور جولتها التالية من تعهدات العمل المناخي أو "المساهمات المحددة وطنيا" بموجب اتفاق باريس، مضيفا "هذه قضية يمكن للجميع تقريبا، في كل مكان، الاتفاق عليها".
الاستطلاع كشف عن دعم لعمل مناخي أقوى في 20 من أكبر الدول المسببة للاحتباس الحراري في العالم، حيث تراوحت نسبة المؤيدين لهذا العمل الأقوى على النحو التالي:
66 في المائة في الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.
67 في المائة في ألمانيا.
73 في المائة في الصين.
77 في المائة في جنوب إفريقيا والهند.
85 في المائة في البرازيل.
88 في المائة في إيران.
93 في المائة في إيطاليا.
وأوضح الاستطلاع كذلك أنه في خمس دول من الدول الكبرى المسببة للانبعاثات بما فيها أستراليا وكندا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية، كانت النساء أكثر ميلا إلى تعزيز التزامات بلادهن بنسبة تتراوح بين 10 و17 نقطة مئوية. وكانت هذه الفجوة أكبر في ألمانيا، حيث كانت النساء أكثر ميلا من الرجال بنحو 17 نقطة مئوية إلى الرغبة في المزيد من العمل المناخي (75 في المائة مقابل 58 في المائة).
الاستطلاع كشف كذلك عن دعم بنسبة 72 في المائة لصالح الانتقال السريع بعيدا عن الوقود الأحفوري، وهو ما ينطبق على البلدان من بين أكبر 10 منتجين للنفط أو الفحم أو الغاز. ويشمل هذا أغلبية تتراوح من 89 في المائة في نيجيريا إلى 54 في المائة من الناس في الولايات المتحدة الأمريكية.
وقال 7 في المائة فقط من الناس على مستوى العالم إن بلادهم لا ينبغي أن تنتقل على الإطلاق.
وأكد أغلب المستطلعة آراؤهم حول العالم أن تغير المناخ شغل بالهم، حيث قال 56 في المائة إنهم يفكرون فيه بانتظام، أي يوميا أو أسبوعيا، بما في ذلك حوالي 63 في المائة من أولئك في أقل البلدان نموا.
وقال أكثر من نصف الناس على مستوى العالم إنهم كانوا أكثر قلقا من العام الماضي بشأن تغير المناخ (53 في المائة). وكان الرقم أعلى بالنسبة لأولئك في أقل البلدان نموا حيث وصل إلى 59 في المائة.
وفي المتوسط عبر الدول الجزرية الصغيرة النامية التسع التي شملها الاستطلاع، قال ما يصل إلى 71 في المائة إنهم كانوا أكثر قلقا من العام الماضي بشأن تغير المناخ.
وقال 69 في المائة من الذين شاركوا في الاستطلاع إن قراراتهم الكبرى مثل مكان العيش أو العمل تتأثر بتغير المناخ. لكن النسبة كانت أعلى في البلدان الأقل نموا (74 في المائة)، وأقل بشكل ملحوظ في غرب وشمال أوروبا (52 في المائة) وأمريكا الشمالية (42 في المائة).
البروفيسور ستيفن فيشر، من قسم علم الاجتماع بجامعة أكسفورد، قال إن إجراء مسح بهذا الحجم "كان مسعى علميا ضخما". وأكد أنه في حين تم الحفاظ على منهجية صارمة، فقد بُذلت جهود خاصة أيضا لإشراك الأشخاص من الفئات المهمشة في أفقر أجزاء العالم.
بدورها، قالت كاسي فلين، المديرة العالمية لشؤون تغير المناخ في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إنه بينما يقرر قادة العالم الجولة التالية من التعهدات بموجب اتفاق باريس بحلول عام 2025، فإن "هذه النتائج تشكل دليلا لا يمكن إنكاره على أن الناس في كل مكان يدعمون العمل المناخي الجريء".
ونبهت إلى أن "العامين المقبلين يمثلان واحدة من أفضل الفرص المتاحة لنا كمجتمع دولي لضمان بقاء الاحترار العالمي دون 1.5 درجة مئوية".
دور النشاط البشري
وحذّر عشرات من أبرز الباحثين في دراسة نشرت نتائجها مؤخرا من أن ارتفاع حرارة الارض الناجم عن النشاط البشري بلغ "مستوى غير مسبوق" فيما تضيق الفترة الزمنية المتاحة للحد من ارتفاع الحرارة عند 1,5 درجة مئوية.
وذكر العلماء أن "ارتفاع حرارة الأرض الذي يسببه الإنسان زاد بمعدل غير مسبوق في القياسات التي أجريت باستخدام أدوات علمية ليبلغ 0,26 درجة مئوية في الفترة بين 2014-2023".
هذه الوقائع التي نشرت في مجلة بيانات نظام الأرض العلمية (إرث سيستم ساينس داتا) هي ثمرة عمل نحو ستين باحثا معروفا يعتمدون على أساليب الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، خبراء المناخ المفوضين من قبل الأمم المتحدة.
واهمية الدراسة في أنها توفر مؤشرات محدثة بناء على تقرير الخبراء من دون انتظار الدورة القادمة بعد سنوات.
بالنسبة الى حقبة ما قبل الصناعة، بلغ هذا الاحترار الذي سببه الإنسان 1,19 درجة مئوية خلال العقد الحالي، وهو ما يظهر زيادة واضحة مقارنة بالأرقام الواردة في التقرير الأخير الذي نشر قبل عام (+ 1,14 درجة مئوية خلال الفترة 2013-2022).
بالنسبة للعام 2023 وحده، بلغ الاحترار الناجم عن النشاط البشري 1,31 درجة مئوية. وبلغ إجمالي الاحترار المسجل 1,43 درجة مئوية، لأن التقلب الطبيعي للمناخ لعب دورا أيضا بدءا من ظاهرة النينيو.
ويعتزم العلماء تقديم بيانات محدثة سنويا، لإبلاغ المشاركين في مفاوضات مؤتمر الأطراف والنقاش السياسي، في حين يعتبر العقد الحالي حاسما لإنقاذ أهداف اتفاق باريس لعام 2015 الذي يهدف إلى احتواء الاحترار عند أقل من درجتين مئويتين وإذا أمكن عند 1,5 درجة مئوية.
ونشرت هذه الوقائع في الوقت الذي يجتمع فيه ممثلون من جميع أنحاء العالم في بون لدفع مفاوضات المناخ قبل مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين المقرر عقده في باكو نهاية العام (11-22 تشرين الثاني/نوفمبر).
وصرح بيير فريدلينغشتاين، من جامعة إكستر للصحافة "بالنسبة لنا يذكرنا ذلك على ضرورة ووأهمية المفاوضات واتفاقات الحد من انبعاثات غازات الدفيئة".
وذكرت عالمة المناخ فاليري ماسون ديلموت "إن التحرك المناخي مهم لأن كل زيادة إضافية في ظاهرة الاحترار بسبب الأنشطة البشرية تزيد المخاطر الجسيمة" في إشارة إلى موجات الحر الأخيرة أو الجفاف أو الأمطار الغزيرة في جميع أنحاء العالم.
كما تسلط الضوء على "نجاح الإجراءات الجماعية" على سبيل المثال في حماية طبقة الأوزون.
ظاهرة الاحترار ناجمة عن انبعاثات غازات الدفيئة - الناتجة بشكل رئيسي عن الاستخدام المكثف للوقود الأحفوري (النفط والغاز والفحم) - والذي بلغ مستويات قياسية: حوالي 53 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنويا خلال الفترة 2013-2022. ويشير العلماء إلى تأثير آخر لعب دورا أيضا وهو انخفاض التبريد بسبب الجزيئات الملوثة العالقة في الهواء التي تعكس الشمس وتسمح بتكوين بعض السحب.
وقال غلين بيترز من مركز اوسلو لأبحاث المناخ الدولية إن "السبب الرئيسي هو السيطرة على تلوث الهواء أولا في أوروبا والولايات المتحدة وأخيرا في آسيا وخاصة في الصين".
اما ميزانية الكربون المتبقية فهي آخذة في التراجع. وهي تشير إلى هامش المناورة وهو االكمية الإجمالية من ثاني أكسيد الكربون التي لا يزال من الممكن انبعاثها مع الحفاظ على فرص بنسبة 50% للحد من احترار الارض بما لا يتجاوز 1,5 درجة مئوية.ـ
وتبلغ هذه "الموازنة" حوالي 200 مليار طن فقط، أي ما يعادل حوالي خمس سنوات من الانبعاثات بالمعدل الحالي، مقارنة بـ 250 مليارا في النسخة الأخيرة من الدراسة قبل عام.
وكتب العلماء "انه عقد حاسم". وأضافوا "من المتوقع أن يتم الوصول إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار 1,5 درجة مئوية أو تجاوزه في العقد المقبل" في ظل غياب تبريد يمكن أن ينجم عن ثوران بركاني كبير.
وأكدوا أنه "أيضا العقد الذي نتوقع فيه أن تصل الانبعاثات العالمية إلى ذروتها قبل أن تبدأ في الانخفاض بشكل كبير".
ورغم المستويات القياسية التي تم تسجيلها، إلا أن وتيرة الزيادة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون تباطأت في العقد الحالي مقارنة بالعقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ويعبر التقرير عن "القليل من التفاؤل" على حد قول المؤلف الرئيسي بيرس فورستر من جامعة ليدز.
اضف تعليق