يعتبر الجفاف من أكبر التهديدات للتنمية المستدامة، ليس في البلدان المتنامية وحسب، وإنما بشكل متزايد في الدول المتقدمة كذلك. وفي الواقع، تشير التوقعات إلى احتمال تأثير الجفاف في أكثر من ثلاثة أرباع سكان العالم مع حلول 2050، مما ينذر بكارثة قادمة...

يحيي العالم يوم 17 حزيران اليوم العالمي لمكافحة الجفاف والتصحر، ويعتبر الجفاف من أكبر التهديدات للتنمية المستدامة، ليس في البلدان المتنامية وحسب، وإنما بشكل متزايد في الدول المتقدمة كذلك. وفي الواقع، تشير التوقعات إلى احتمال تأثير الجفاف في أكثر من ثلاثة أرباع سكان العالم مع حلول 2050.

وزاد عدد حالات الجفاف ومدتها بنسبة 29 في المائة منذ عام 2000، مقارنة بالعقدين السابقين (المنظمة العالمية للأرصاد الجوية 2021). عندما يواجه أكثر من 2.3 مليار شخص بالفعل الإجهاد المائي، وهي مشكلة كبيرة.

ووفق "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" (IPCC)، يتمثل التصحر في تدهور الأراضي في المناطق القاحلة وشبه القاحلة والجافة شبه الرطبة، وذلك نتيجة عوامل عدة من بينها تغيرات المناخ وأنشطة الإنسان.

ويعزى تدهور الأراضي إلى عمليات مباشرة أو غير مباشرة ناشئة عن النشاط البشري من بينها تغير المناخ المنسوب إلى الإنسان، ويعرف بأنه تراجع طويل الأجل في مستوى الإنتاجية

البيولوجية أو السلامة البيئية أو المنفعة التي تعود بها الأراضي على الناس، أو فقدان هذه المميزات تماماً. وباختصار فالتصحر هو التدهور الدائم للأرض [لا تعود التربة غنية بالمعادن] التي كانت ذات يوم صالحة للزراعة.

صحيح أن تدهور الأراضي يحصل طبيعياً، غير أن وتيرة التصحر تزايدت بسرعة كبيرة جداً حتى وصلت إلى مستوى يتراوح بين 30 و35 ضعف المعدل التاريخي وفق "الأمم المتحدة".

أما أسباب تدهور الأراضي فتشمل الزحف العمراني والتعدين وزراعة المحاصيل وتربية المواشي والدواجن والزراعة، إذ يجري قطع الأشجار والنباتات الأخرى، بينما تستنفد المحاصيل المغذيات في التربة.

وإلى هذه العوامل تفاقم حدة المشكلة زيادة خطر الجفاف الناجم عن تغير المناخ، وللأسف يقود التصحر إلى عواقب وخيمة على السكان من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية.

تقول "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" إنه من الصعب تقدير مدى التصحر على نطاق عالمي، لكن البيانات الإقليمية تنذر بالخطر، وتشير التقديرات إلى أن 46 من أصل 54 بلداً في أفريقيا معرضة للتصحر، وأن هذه المشكلة تطرح أضرارها حالياً على 38 من أصل 48 دولة في آسيا.

تغطي الأراضي الجافة 33.8 في المئة من دول شمال البحر الأبيض المتوسط، نحو 69 في المئة من إسبانيا، و66 في المئة من قبرص، وما بين 16 في المئة و62 في المئة في اليونان والبرتغال وإيطاليا وفرنسا.

وأشارت "الوكالة الأوروبية للبيئة" (EEA) إلى أن ثمانية في المئة من أراضي دول الاتحاد الأوروبي (معظمها في بلغاريا وقبرص واليونان وإيطاليا ورومانيا وإسبانيا والبرتغال) لديها "قابلية عالية جداً" و"مرتفعة" للتصحر [عرضة أكثر للتصحر].

تتوزع الأراضي الجافة بشكل كبير بين أفقر بلاد العالم، مما يتسبب في فقدان التنوع البيولوجي من طريق تدهور ظروف الحياة بالنسبة إلى كثير من الأنواع الحية وغياب الأمن الغذائي بسبب تلف المحاصيل أو انخفاض الغلات وفقدان الغطاء النباتي والغذاء.

سبق أن تعرض للتدهور أكثر من 75 في المئة من مساحة اليابسة على وجه المعمورة، وفق "الأطلس العالمي للتصحر" التابع للمفوضية الأوروبية، ويحتمل أن يؤول إلى هذا المصير أكثر من 90 في المئة بحلول 2050.

وقد وجد "مركز البحوث المشتركة" التابع للمفوضية الأوروبية أن مساحة إجمالية تبلغ نصف مساحة الاتحاد الأوروبي (1.61 مليون ميل مربع) تتدهور سنوياً، علماً أن إفريقيا وآسيا الأكثر تضرراً.

تتمثل إحدى الطرق التي ترمي إلى التخفيف من تدهور الأراضي في إدخال تحسينات على خطط استخدام الأراضي، بما في ذلك إدارة موارد المياه والثروة الحيوانية والأنشطة الزراعية.

الاستعانة بتقنيات الزراعة من دون حراثة (وتسمى أيضاً صفر حراثة) تخفض من اختلال التربة وإزعاجها، وتقلل من احتراق الوقود الأحفوري وتعزز المادة العضوية للتربة.

بدوره، يؤدي الغطاء النباتي دوراً رئيساً في حماية التربة من التعرية بفعل الرياح والمياه، وذلك عبر بناء الحواجز وتثبيت الكثبان الرملية، والحفاظ عليه سيضع حداً لموجة التصحر.

كذلك اعتماد النهج العضوي والممارسات المستدامة في الزراعة من قبيل المحاصيل الدورية، بمعنى تناوب محاصيل مختلفة على قطعة أرض واحدة كل عام، والجمع بين الأشجار والشجيرات مع المحاصيل و/أو الماشية (المعروفة باسم "الحراجة الزراعية" agroforestry)، كلها تمنع تآكل التربة والجفاف، وفي الوقت نفسه تعمل إعادة التحريج على تجديد الغطاء النباتي وتخلق تنوعاً بيولوجياً. بحسب صحيفة “اندبندنت عربية”.

الجفاف يصيب 70 في المئة من الأراضي الزراعية بالعراق

اتسعت رقعة المساحات الصحراوية في العراق بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية، بسبب التغيرات المناخية التي ضربت مساحات زراعية واسعة من بلاد الرافدين، مما يشكل منحى خطراً على الأمن المائي والغذائي وتأثيراته في الخطط الزراعية تزامناً مع الارتفاع القياسي لدرجات الحرارة في البلاد، تزامناً مع انحسار الإطلاقات المائية لدول المنبع.

وأكد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق أن مناطق الأهوار هي الأكثر عرضة لتأثيرات التغير المناخي، مشيراً إلى أن بلاده تفقد نحو 400 ألف دونم (400 كيلومتر مربع) من الأراضي الزراعية سنوياً بسبب التغيرات المناخية.

وقال الممثل المقيم للبرنامج أوكي لوتسما إنه "تم تصنيف العراق في المرتبة الخامسة بين الدول الأكثر عرضة للتأثر بالتغير المناخي"، مشيراً إلى أن "درجة الحرارة تزداد بمعدل اثنتين إلى سبع مرات أسرع من الدرجات العالمية القياسية".

وأضاف ممثل البرنامج الأممي أن "مناطق الأهوار الأكثر عرضة لتأثيرات التغير المناخي"، منوهاً بأن "السنوات الأخيرة شهدت زيادة في درجات الحرارة ووصولها إلى أكثر من 55 درجة مئوية، مما زاد من تواتر وشدة نوبات الجفاف".

ونوه لوتسما بأن "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق يعمل مع الحكومة العراقية في مجال العمل المناخي، ويدعمها في أولوياتها الوطنية، إذ أدركت أن تغير المناخ يمثل تهديداً مباشراً للبلاد، ويمكن رؤية هذا التهديد في شح المياه والعواصف الترابية وموجات الحرارة الشديدة والتصحر والأمن الغذائي، وكذلك فقدان التنوع البيولوجي وتدهور الأراضي، إذ يفقد العراق نحو 400 ألف دونم (400 كيلومتر مربع) من الأراضي الزراعية سنوياً".

وأشار لوتسما إلى "بذل الحكومة العراقية جهوداً وطنية بدعم من المجتمع الدولي، لاتخاذ خطوات جادة للتصدي للتغير المناخي، وتعزيز قدرتها على الصمود وضمان التعامل مع الآثار الناجمة عن التغيرات المناخية".

في حين قالت نائب رئيس لجنة الزراعة والمياه والأهوار في مجلس النواب العراقي زوزان كوجر إن الجفاف يشكل خطراً على الأمن الغذائي والاقتصادي والمجتمعي في البلد، سواء كان بسبب التغيرات المناخية وندرة الأمطار والاحتباس الحراري أو قلة الواردات المائية في نهري دجلة والفرات وتأثرها بقلة الإطلاقات من تركيا.

وأضافت كوجر أن القطاع الزراعي الأكثر تضرراً، إذ أصاب الجفاف 70 في المئة من الأراضي الزراعية، إذ إنه يعتمد على مياه دجله والفرات بنحو 80 في المئة، لافتة إلى أن المحافظات الجنوبية تضررت بصورة أكبر، إضافة إلى أن كثيراً من العائلات العراقية وبخاصة في مناطق الأهوار نزحت وهاجرت بسبب تردي أحوالهم المادية لأنهم يعتمدون على الزراعة وتربية المواشي، وكلا القطاعين تأثر بالجفاف، محذراً في الوقت نفسه من تأثير الأزمة في السلم المجتمعي والأمن الاقتصادي.

ونوهت كوجر بأهمية أن يكون هناك خطط استراتيجية وتعاون بين كل المؤسسات الحكومية وغير الحكومية في تلك المناطق لمواجهة هذه المشكلة، وكذلك التفاوض مع دول الجوار على زيادة الإطلاقات المائية ومنح العراق حصة عادلة، إضافة إلى نشر وعي الترشيد في استهلاك المياه ومنع التجاوزات على حوضي الأنهار، إلى جانب إلزام المزارعين استخدام التقنيات الحديثة للري، مع وجود دعم حكومي للمزارع وتوفير التقنيات بأسعار مدعومة للفلاحين.

إلى ذلك اعتبر الخبير المائي عادل المختار أن الجفاف وشح المياه أسهما في انخفاض المساحات المزروعة بشكل كبير جداً، مما أدى إلى زيادة مساحات الأراضي المتصحرة، إذ يفقد كل دونم إنتاجيته الاقتصادية ويصبح عديم الفائدة بعد فقدان حصص مياه الأنهار، لا سيما أن مستوى تدفق المياه القادمة من تركيا أقل 200 متر مكعب بالثانية في حوض نهر دجلة و150 متراً مكعباً في الثانية بالفرات بعد أن كانتا 500 متر مكعب خلال الثانية.

وأضاف المختار أن الإطلاقات المائية تتأثر بحاجات تركيا، فإذا كانت تحتاج إلى توليد الكهرباء فإنها تزيد إطلاقاتها، وإذا لم تكن في حاجة إليها يقل إطلاق المياه وهو ما يتم بالفعل حالياً، لافتاً إلى أن نسبة تخزين مياه دجلة والفرات في العراق هي الأسوأ منذ ثلاثينيات القرن الماضي، مؤكداً أن الخطة الزراعية للموسم الشتوي ستقل على رغم توقعات هطول الأمطار.

الخبير البيئي رمضان حمزة يرى بأن العراق في موقف حرج وخطر جداً بالنسبة إلى الأمن المائي والغذائي، مبيناً أن ما ذكر على 400 ألف دونم (400 كيلومتر مربع) سنوياً هو رقم قليل، لكنه هو المسجل فعلاً بينما الأرقام الحقيقية كارثية وستنعكس سلباً على البلاد.

ولفت حمزة إلى أن العراق فقد كل مقومات الزراعة، كما منع هذا التوجه زراعة الشلب والرز والذرة الصفراء بداعي قلة المياه، منوهاً بأنه يدفع البلاد نحو استيرادها من تركيا وإيران.

وفي السياق قالت الخبيرة البيئية إقبال لطيف إن الزراعة ليست 400 ألف دونم (400 كيلومتر مربع) بل مساحة قدرها 30 مليون دونم (30 ألف كيلومتر مربع) كانت مستغلة لكن مع ظروف الحروب والتغيرات المناخية بدأت تتناقص تدريجاً، مشيرة إلى عوامل عدة منها على سبيل المثال تقطيع الأشجار وتحويلها إلى أراض سكنية، وكذلك عوامل الجفاف الذي حدث نتيجة انخفاض مناسيب مياه نهري دجلة والفرات.

ولفتت لطيف إلى ظاهرة الاحتباس الحراري التي تؤثر في تبخر المياه السطحية، وارتفاع درجات الحرارة الذي لا يؤثر فقط في كميات المياه وإنما في نوعيتها من حيث ترسبات العناصر المعدنية السامة والأملاح بها. بحسب صحيفة “اندبندنت عربية”.

مكافحة التصحر

ووِفقا لغودرون اشفيلخ، يرجع التصحّر إلى عدّة عوامل، من بينها التقلّـبات المناخية، “غير أنه ليس ظاهرة طبيعية، وإنما نتيجة أنشِطة بشرية بشكل رئيسي”.

ويوضِّح الباحثون بأن الكثير من الممارسات، مثل إزالة الغابات والزّراعة المُكثّـفة والاستِخدام المُـفرط للمَـراعي والريّ السيِّئ، كلهّا تؤدّي حتْـما إلى تدهْـور الأراضي، كما أن التعرية والانجِراف بفعل الرياح والمياه، وكذلك العوامِل المناخية القاسية (كالجفاف)، لا يمكن إلا وأن تُسرّع في هذه العملية.

والنتيجة، هي اختِفاء التُّـربة السطحية أو استِنزاف المواد المُغذية في التّربة. فكلّ عام، يخسر العالم 120 ألف كيلومتر مربّع من الأراضي الخصْبة (ما يُعادل ثلاثة أضعاف مِساحة سويسرا)، التي كان بالإمكان أن تنتج نحو 20 مليون طنّ من الحبوب، بحسب مصادر الأمم المتحدة.

أما أكثر المناطق تضرّرا، فهي التي يتِم استغلال الأرض فيها بشكل مُكثَّـف وحيث تكون آثار التغيّرات المناخية أكثر وضوحا، ومن بين الدول، كما يقول غودرون اشفيلخ: “يمكن أن نذكر الاقتصادات الناشئة، كالصين والهند والبلدان الأقل نموا، كما في إفريقيا وأمريكا الجنوبية”. وفي إفريقيا، يُشكِّل تدهْـور التربة، ثُـلثيْ مساحة الطّبَـقة الفوقية المُنتِجة.

غير أن اعتبار التصحّر كظاهرة تَـطال حصْـرا البلدان الأقل تصنيعا، أمر خاطِئ. فحسب الباحث في جامعة برن، تُـعتَـبر كامل منطقة البحر الأبيض المتوسط عُرضَة لهذا المرض، و”البلد الأكثر تضرّرا، هي إسبانيا، التي اكتشفت المُشكلة لديها منذ السبعينات”.

حتى سويسرا، رغم كونها مُستودعَ المياه في أوروبا، فهي ليست في منأىً عن هذه الظاهرة. وبرأي غودرون اشفيلخ، الذي يجري حاليا دراسة حول إدارة المياه في منطقة كران مونتانا Crans Montana، في كانتون فالي: “ليس صحيحا الحديث عن التصحّر، نظرا لكونها منطقة رطْبة، ولكن، إذا كنا نتحدّث عن تدهْـور الأراضي بشكل عام، فإن البلاد كلّها عُـرضة”.

فقدان مليارات الدولارات

وعلى الرغم من أن هذه الظاهرة محلية، إلا أن تدهْـور الأراضي له انعِكاسات على كوكبِنا الأرضي، وليس فيما يتعلّق بالبيئة والمناخ (زيادة غاز ثاني أكسيد الكربون في الغِلاف الجوي) فحسب، وإنما أيضا من الناحيتيْن، الاجتماعية والاقتصادية بشكل خاص، إذ من شأن تراجُع الناتج الغِذائي أن يدفَع باتِّجاه الهِجرة والتّصارُع. ففي المكسيك لوحدها، يغادر ما بين 700 و900 ألف شخص سنويا، الأراضي القاحِلة باتجاه المراكز الحضرية أو إلى الولايات المتحدة، بحسب ما ذكرته منظمة الأغذية والزراعة.

في مقال نُـشِـر مؤخرا، أشارت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، إلى احتمال وجود علاقة بين التصحّر والإرهاب في منطقة الساحل، حيث الفقْـر المُـدقع، نتيجة الحَـرّ الشديد والجفاف ونقْص الغذاء، يشكّل “أرضا خصْبة للتطرّف”، برأي كولوتان كوليبالي، مدير إدارة الغابات في مالي، كما نقلته هيئة الإذاعة البريطانية.

والشيء الآخر الذي يتحمّل عواقب التصحر، هو الاقتصاد بكافة جوانبه. ففي أحدث البيانات الصادرة عن مؤتمر “اقتصاديات التصحّر وتدهْـور الأراضي والجفاف”، قدّرت اتفاقية مكافحة التصحّر التّكلفة الاقتصادية المباشرة لتدهْـور الأراضي، ما بين 3 و 5٪ من الناتج المحلي الإجمالي الزراعي (حوالي 64 مليار دولار سنويا في جميع أنحاء العالم)، وتختلِف هذه النسبة المِئوية اختلافا جوهريا، ما بين بلد وآخر، لتصِل إلى 6,6٪ في باراغواي و9٪ في بوركينا فاسو و24٪ في غواتيمالا.

وكعملية عكسِية لتغيير منحنى هذه الظاهرة واستحداث مناطِق صالحة للزراعة جديدة، فيقترح الأستاذ والمهندس السويسري جان إدوار بوشتي حلا جِذريا. ففي كتابه “تخضير الصحراء”، الذي نُشِـر في عام 2012، أشار إلى ريّ الصحراء بالمِياه المُستفادة من مصبّات الأنهار الكبيرة (في السنغال والنيجر والنيل وغيرها) ونقلها عبْـر مضخّات أو سُفن النقل حامِلة الصهاريج.

“ومن خلال استعادة التأهيل، يمكن إيواء من يُطلَـق عليهم لاجئي المناخ، ويساعد أيضا تلطيف الجو”، على حد قول جان إدوار بوشتي في مقابلة مع الإذاعة السويسرية الناطقة بالفرنسية.

وتذهب المشاريع الأكثر واقِعية، إلى إعادة تشجير المناطق المُتدهْـورة. ويُنبّه غودرون اشفيلخ قائلا: “إن مجرّد زراعة حاجِز من الأشجار، ليس بالشيء، وقد رأينا ذلك في إسبانيا، حيث تمّـت زراعة أنواع من الأشجار بصورة خاطِئة، فلا هي من بيئتها ولا هي في الموضع المناسب”، وأضاف: “لكن، إذا تمّ إشراك السكان المحليين وصاحب هذه المشاريع إعادة التحريج، وِفق تدابير ما يُعرف بمُصطلح الإدارة المُستدامة للأراضي والمياه، فثَـمّة احتمالية بلا شك”.

ولعلّ من الأمثل، بالنسبة للباحث في مركز التنمية والبيئة، التدخّل حيث الأرض لا تزال مُنتجة، بدلا من الانشِغال في المناطق الصحراوية، “يجب أن يكون الناس قادِرين على الاستفادة من تلك الجُدران الخضراء”، وبذلك، يُمكن للتكنولوجيات الجديدة أن تكون ذات فائدة”.

على وجه الخصوص، أشار غودرون اشفيلخ إلى تطبيقات أو برامج للهواتف النقّالة قائلا: “نحن نعمل في هذا الاتِّجاه بالتعاون مع مؤسسة أمريكية، وأساس الفكرة، هو تسهيل الوصول إلى حلول طويلة الأمَـد، بحيث ما أن تُدخِل البيانات الخاصة بأرضك، كهطول الأمطار أو نوع التّربة، يقوم التطبيق أو البرنامج بإعطاء الخِيارات لإدارة مستدامة”. وعلى أية حال، فإنه لا وُجود لحلول شمولية بحسب الخبير، كما أنه من “المُهم تبادُل المعرفة والخِبرات المحلية”، على حد قوله. بحسب موقع “swissinfo.ch”.

الجفاف يحل مكان الماء  

لم تعد الأهوار أهوارا، بل أصبحت أرضا جدباء تعاني من ندوب سنوات من الجفاف. الحر قائظ وتصل درجات حرارة منتصف النهار إلى 50 درجة مئوية. تحتل أهوار وادي الرافدين وثقافة عرب الأهوار - أو كما يسمونهم بـ معدان - مكانة مميزة في قائمة التراث العالمي لليونسكو. 

وظل المعدان يمارسون صيد الحيوانات والأسماك في منطقة الأهوار هذه لمدة 5000 سنة، وشيّدوا منازل من القصب المنسوج على جزر عائمة حيث يجتمع نهرا دجلة والفرات قبل أن يصبا في الخليج.

"كان الجو لطيفا للغاية هنا مع نهاية فصل الشتاء. كان مربو الجاموس والصيادون والمياه ينشطون بكثافة في هذه المنطقة. والآن يمكنكم أن تروا أنها جافة تماما بدون مياه، ولا يوجد مربو الجاموس ولا الصيادون، كما جف القصب".

وكان وزير الموارد المائية عون ذياب عبد الله قد أعلن أن مستويات المياه في العراق وصلت إلى أدنى مستوى على الإطلاق. 

لقضية المياه تداعيات إقليمية أوسع، ويجب على جميع البلدان العمل على إدارة هذا المورد الثمين باعتباره منفعة عامة. تقلصت مساحة الأهوار الجنوبية في العراق - التي تغذيها مياه الفيضانات من نهري دجلة والفرات - من 20 ألف كيلومتر مربع في أوائل التسعينيات إلى 4 آلاف كيلومتر، وفقا لآخر التقديرات.

يحتل العراق المرتبة الخامسة بين أكثر البلدان تأثرا بالمناخ في العالم، وفقا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة. والعراقيون أكثر هشاشة بشكل خاص للتأثيرات السلبية لحقوق الإنسان الناشئة عن التدهور البيئي الخطير الناجم عن الصراع وصناعة النفط وسوء الإدارة والافتقار إلى التنظيم مما يؤدي إلى مستويات عالية من التلوث.

حدث تغيير في بيئة هذه المنطقة. حل الجفاف التام مكان الماء ونبتت الأشجار الصحراوية بدلا من القصب". أصبحت الظواهر الجوية المتطرفة، بما فيها فترات الجفاف الطويلة، هي القاعدة وليس الاستثناء على مدى العقود الأربعة الماضية.

وظل سكان الأهوار يمارسون تربية الجواميس، بشكل تقليدي، لإنتاج الحليب. ولكن مع جفاف المستنقعات، يصبح الماء مالحا جدا لدرجة يصعب معها على الحيوانات شربها.

والتقى جاسم الأسدي بمزارع شاب، شارحا الكيفية التي يتأقلم بها هذا الشاب مع تداعيات الجفاف: "المياه ملوثة وملوحة المياه مرتفعة للغاية. لهذا السبب، يذهب لجلب الماء بالقرب من الفرات لسقي الجاموس".

في بلدة الجبايش بمحافظة ذي قار، يلتقي قادة المجتمع في مضيف - منزل تقليدي مشيد من القصب الذي يتم حصاده من الأهوار، وهو عبارة عن منزل احتفالي كبير يدفع ثمنه ويديره شيخ محلي.

وفقا للمنظمة الدولية للهجرة، فإن الجفاف وتدهور الأراضي وزيادة الملوحة في الأنهار والروافد تضع ضغوطا متزايدة على الزراعة وتربية الماشية وصناعات صيد الأسماك، حيث لا تستطيع العديد من الأسر ضمان سبل عيش كافية ومستدامة في المناطق الريفية.

نزحت حوالي 13,920 أسرة من منازلها بسبب ظروف الجفاف في 10 محافظات. وتشمل المديريات الأخرى ذات النزوح الكبير الناجم عن المناخ مديرية الشطرة في محافظة ذي قار (2,345 عائلة).

الشيخ لبنان عبد الرزاق الخيون الأسدي، شيخ قبيلة بني أسد في محافظة ذي قار، لا يشكك في تأثير التغييرات الكبيرة على بقاء ثقافتهم التقليدية، حيث قال:

"نقص المياه له تأثير مباشر على حياة الناس في الريف حيث إن مصدر رزقهم يعتمد في المقام الأول على الماء. نحن لسنا تجارا أو موظفين وليس لدينا مهن أخرى لتزويدنا بالدخل. العمل في الأهوار هي مهنة آبائنا وأجدادنا".

ومؤخرا، أنهى المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك زيارة إلى العراق استغرقت أربعة أيام. وزار خلالها قضاء شط العرب جنوب شرقي البصرة حيث التقى بسكان سابقين نزحوا من أراضيهم. وقد أخبروا المفوض السامي كيف أنهم تمكنوا قبل 30 عاما من العيش على أرضهم وحصاد التمور وكسب الرزق. وقد أدت دورات الجفاف المتكررة وتغير المناخ إلى جفاف مجاري المياه. وتحولت بساتين التمر إلى صحراء.

وخلال حديثه في مؤتمر صحفي في بغداد في ختام زيارته، شدد تورك على خطورة الوضع بالنسبة للجميع وأضاف:

"هذه حالة طوارئ مناخية. وقد حان الوقت لأن يتم التعامل معها على أنها حالة طوارئ. ليس فقط بالنسبة للعراق، ولكن للعالم بأسره. ما يحدث هنا هو نافذة على مستقبل قادم الآن لأجزاء أخرى من العالم - إذا واصلنا الفشل في مسؤوليتنا لاتخاذ إجراءات وقائية وتخفيفية ضد تغير المناخ". بحسب ما نشرت “الأمم المتحدة”.

الجفاف يقتل آلاف الأسماك بالمكسيك

نفقت آلاف الأسماك عندما جفت بحيرة في شمال المكسيك جزئيا وسط موجة جفاف شديدة تجتاح البلاد.

وقالت السلطات المحلية إن مستوى المياه في بحيرة بوستيلوس كان أقل من 50 في المائة من المستوى الطبيعي، مما يعني أن الملوثات كانت أكثر تركيزا وخطورة على أنواع الأسماك والحيوانات البحرية التي تعيش فيها.

وذكرت رئيسة دائرة البيئة في كواوتيموك إيرما دي لا بينيا ميراز، في تصريح صحافي أنه "مع انخفاض نسبة المياه، تصبح الملوثات مركزة بصورة أكبر، وتؤثر على الأنواع التي تعيش في البحيرة".

وبدأت الأسماك النافقة تتراكم في الوحل المتشقق في قاع البحيرة منذ أسبوع، وانتشرت الرائحة الكريهة في المنطقة، بينما قام العمال بتنظيف البقايا المتحللة وسط مخاوف من انتشار الأمراض.

وتواجه المكسيك درجات حرارة مرتفعة، حيث حطمت عشرات المدن، بما في ذلك العاصمة مكسيكو، الأرقام القياسية بارتفاع درجات الحرارة.

وكشفت السلطات الصحية أن 125 شخصا لقوا حتفهم في الموسم الحار الحالي الذي بدأ في منتصف مارس.

وفي 31 مايو، طال جفاف معتدل أو شديد أو استثنائي 89.58% من الأراضي المكسيكية (حوالي مليوني كيلومتر مربع)، بحسب خريطة وفرتها اللجنة الوطنية للمياه. نقلًا عن موقع “RT.

الجفاف يفتك بالعالم ويثير الحروب

حذر معهد الموارد العالمية مؤخرا من تعرض ربع سكان الأرض، من شح في المياه بسبب الإجهاد العالي لمواردها المائية المتاحة.

وكشف المعهد عن رقم صادم يقدر بحوالي 4 مليارات نسمة في 25 دولة بالعالم، يتعايشون مع مستوى عال من الإجهاد المائي لشهر واحد على الأقل، ما يؤدي لمخاطر محدقة بوظائف الإنسان وصحته والمحاصيل الزراعية وتربية الماشية وأمن الطاقة.

وتشير البيانات في التقرير، إلى أن أكثر المناطق التي تعاني من الإجهاد المائي هي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث يتعرض 83% من السكان لإجهاد مائي مرتفع للغاية، وجنوب آسيا حيث تنخفض النسبة إلى 74%.

ودفع هذا الوضع كثيرا من الحكومات إلى اتخاذ تدابير، مثل الإغلاق الدوري للصنابير في مسعى لمواجهة الجفاف قصير الأمد وخطر نفاد المياه.

وتعاني الآن 25 دولة في العالم من إجهاد مائي مرتفع للغاية سنويا من بينها عدة دول عربية.

ومع زيادة متوقعة للطلب العالمي على المياه بنسبة تتراوح بين 20 و25% بحلول عام 2050، وفق تقديرات المنظمة، فإن نسبة السكان المتعايشة مع الإجهاد المائي سترتفع بدورها إلى 100%.

ونظراً لمحدودية الموارد، من المتوقع أن يؤدي النمو السكاني والتنمية الاقتصادية المتسارعة إلى استهلاك المزيد من المياه، مع كثير من الهدر وقليل من الإدارة الرشيدة. ومع تغيُّر المناخ واتساع الجفاف، سيعاني مجمل البشر من أزمة مائية غير مسبوقة.

في تقريره الأخير، أشار المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) إلى أن المنطقة العربية من بين أكثر المناطق عُرضة للإجهاد المائي، نظراً لمحدودية مواردها المتجددة، والإفراط في استغلال المصادر المتاحة، مما يضع 18 دولة عربية في فئة ندرة المياه، بينما تقع 14 دولة عربية ضمن الأكثر ندرة بالمياه عالمياً.

وفي حين سبق لـ"أفد" أن حذَّر من هذا الوضع في تقريره عن مستقبل البيئة العربية عام 2008 وتقرير "المياه: إدارة مستدامة لمورد متناقص" عام 2010، إلا أن الواقع ازداد سوءاً أكثر من المتوقع نتيجة تسارع آثار التغيُّر المناخي، الذي فاقم تحديات النمو السكاني المطرد، والاعتماد على الموارد المائية المشتركة أو العابرة للحدود، وضعف الحوكمة المائية وسوء الإدارة. وبين الأولويات العربية معالجة المياه العادمة وإعادة استخدامها، إذ لا تتعدى نسبة المعالجة اليوم 60%، تتم إعادة استخدام نصفها فقط ويذهب الباقي هدراً.

مصر

وفي تقرير لها، ذكرت صحيفة "الشرق الأوسط" أن مصر تواجِه تحديات متعاظمة تهدد أمنها المائي والغذائي، تبدأ بندرة الموارد المتاحة، ولا تنتهي بالخطر الذي قد يشكله "سد النهضة" في إثيوبيا على إمدادات مياه نهر النيل.

ونقلت "الشرق الأوسط" عن الدكتور إسماعيل عبد الجليل، الرئيس السابق لمركز بحوث الصحراء والمكتب الزراعي في سفارة مصر في واشنطن، قوله إن الندرة المائية تمثل أهم التحديات التي تواجه طموحات التنمية، حيث تقع مصر تحت خط الفقر المائي، إذ لا يتجاوز نصيب الفرد من المياه 500 متر مكعب في السنة، وهو سينخفض بحلول 2050 إلى أقل من 300 متر مكعب.

الحدود الإيرانية - الأفغانية

ولفتت مجلة "ساينس Science" الأنظار إلى التوتُرات المتصاعدة حالياً على الحدود الإيرانية - الأفغانية بسبب المياه. وتتحدث "الشرق الأوسط" عن اتهام إيران قادة "طالبان" بانتهاك اتفاق لتقاسم مياه نهر هلمند الذي يتدفّق من أفغانستان إلى إيران.

وتزامن النزاع بين البلدين، خلال أعوام 1872 و1898 و1902 و1935، مع فترات الجفاف القاسية. وقد فرض الاحترار، إلى جانب التغيُّرات في هطول الأمطار والنمو السكاني وتوسع الزراعة، ضغوطاً متزايدة على إمدادات المياه في ولاية هلمند. وتُظهر بيانات الأقمار الاصطناعية أن مستويات المياه الجوفية انخفضت بمعدل 2.6 متر خلال الفترة بين 2003 و2021 ضمن حوض نهر هلمند، الذي يغطي نحو 40% من مساحة أفغانستان.

ويقدِّر باحثون أن كمية مياه نهر هلمند التي تصل إلى إيران انخفضت بأكثر من النصف خلال العقدين الماضيين، ويرجع ذلك جزئياً إلى بناء سدود جديدة وتوسيع نطاق الري في أفغانستان. كما تناقصت سماكة الثلوج في جبال أفغانستان بشكل ملحوظ.

وتسببت هذه العوامل في تفاقم التوترات القائمة منذ فترة طويلة بشأن معاهدة 1974 التي تحدد حصص البلدين في مياه نهر هلمند. وادّعت إيران هذه السنة أنها تلقّت كمية لا تتجاوز 4% من حصتها الموعودة، فيما ألقت حركة "طالبان" باللوم على الجفاف في تناقص تدفُّق النهر. بحسب موقع “العربية”.

هل تتسبب "توربينات الرياح" حقا بجفاف التربة؟

تعد طاقة الرياح عنصرا رئيسيا في الجهود المبذولة لخفض انبعاثات الكربون، لكن هناك الكثير من اللغط في وسائل التواصل الاجتماعي حول توربينات الرياح. كلام يتم تسريبه يزعم أن دراسة صينية أكدت أن توربينات الرياح من شأنها أن تتسبب بالمزيد من الجفاف.

وتظهر الدراسة في الواقع أن رطوبة التربة انخفضت في بعض مزارع الرياح في الصين، ومع ذلك، هذا لا يعني الجفاف، كما لم يتم فحص أسباب ذلك في الدراسة. ويقول خبراء لوكالة فرانس برس إن توربينات الرياح ليس لها تأثير واسع النطاق على جفاف البيئة أو المناخ العالمي.

الادعاء القائم على شبكات التواصل الاجتماعي بأن توربينات الرياح تسبب المزيد من الجفاف، يقول أيضا إن أجزاء من ألمانيا أصبحت "منطقة جافة" بسبب هذه التوربينات، كما جاء في تقرير لـ "القناة الألمانية الأولى". لكن الأدلة المقدمة تبقى مجرد فرضيات.

في الحقيقة الدراسة لا تدعم هذه الادعاءات على الإطلاق، كما يقول بيرنهارد ستوفيساندت، رئيس قسم الأرصاد الجوية للديناميكة الهوائية وطاقة الرياح العددية، معهد فراونهوفر لأنظمة طاقة الرياح (IWES): "الأمر الخاطئ بالتأكيد هو أن نربط توربينات الرياح بظاهرة الاحتباس الحراري والمناخ على نطاق واسع".

ويضيف العالم ستوفيساندت من معهد فراونهوفر: "هذه التوربينات ليست مسؤولة عن حالات الجفاف الحقيقية أيضا".

الأمر بسيط جدا، لأن توربينات الرياح ليست عالية بما فيه الكفاية للتأثير على طبقات الهواء التي تنشأ فيها السحب ويتشكل فيها هطول الأمطار، وهذا أيضا ما قاله ماتياس مودر، رئيس قسم علم المناخ الحضري والبيئي في معهد كارلسروه للتكنولوجيا وأستاذ علوم الأرصاد الجوية في جامعة دريسدن التقنية، العالم مودر يرى أنه لا توجد دراسات حول هذا الموضوع ومن السخافة للغاية ربط نقص هطول الأمطار بتوربينات الرياح. نقلًا عن “دويتشه فيله“.

هل يضرب الجفاف الكبير قارتي أوروبا وأميركا الشمالية قريبا؟

توصل فريق بحثي بقيادة علماء من جامعة بريستول إلى أن انخفاض تساقط الثلوج في شمالي كوكب الأرض وبشكل خاص قارتي أوروبا وأميركا الشمالية، سيغير من أنماط تدفق المياه في الأنهار، مما يزيد من فرص نقص المياه في الصيف، وهو الأمر الذي يفتح الباب لموجات جفاف ستكون هائلة في بعض الأحيان.

ويُعرّف الجفاف بأنه فترة ممتدة من الطقس الجاف بشكل غير عادي، وتتميز بنقص في هطول الأمطار مما يؤدي لمشكلات كبرى في النظم البيئية والزراعة وبالتبعية الأنشطة البشرية.

ويمكن أن يؤدي الجفاف إلى فقدان التنوع البيولوجي، وزيادة حرائق الغابات، وتآكل التربة، والتصحر، وبالطبع انخفاض الإنتاجية الزراعية، ونقص المياه اللازمة للصناعات، وزيادة تكاليف إمدادات المياه وإنتاج الغذاء، مما يؤثر بشكل عام في اقتصاد الدول.

وبحسب الدراسة التي نشرها الفريق بدورية "نيتشر" العلمية، ركز الفريق على القمم الثلجية لجبال روكي بأميركا الشمالية وجبال الألب الأوروبية، حيث تتساقط الثلوج على تلك القمم في الشتاء، ومع قدوم الربيع يذوب بعضها لتجري المياه إلى أسفل وتغذي الأرض بالخصوبة والكائنات الحية من نبات وحيوان وبشر.

وفحص فريق الدراسة سجلات سقوط الثلوج في تلك المناطق، وحلل بيانات المناخ وتدفق المياه لأكثر من 3000 حوض نهري عبر نصف الكرة الأرضية الشمالي في الفترة من 1950 إلى 2020، وتبين أن تغير المناخ يُخفّض من كميات الثلوج الساقطة، وبالتالي كمية المياه في الأنهار، مما يرفع من احتمالات حدوث جفاف في الصيف تحديدا.

وبحسب الدراسة، فإنه في كل سنة من البيانات، يحسب الباحثون نسبة هطول الأمطار المتساقطة على شكل ثلوج، والتوقيت الموسمي لهطول الأمطار وتدفق الأنهار، ويقارنون بعد ذلك هذه المؤشرات مع السنوات العشر السابقة.

ومن خلال هذه المقارنة تبين أن عدم اليقين بشأن المستقبل، أي احتمالية أن تتطرف الأجواء في أي سنة من السنوات لدرجة موجات جفاف كبيرة، ازداد في الفترة الأخيرة، ومن المتوقع أن يزيد مستقبلا.وتأتي تلك النتائج في سياق تأكيدات بحثية تصدر بوتيرة متصاعدة تربط بين التغير المناخي الذي تختبره الأرض حاليا وارتفاع وتيرة وشدة موجات الجفاف.ويحدث ذلك لأن تغير المناخ يؤدي إلى ارتفاع متوسط درجة الغلاف الجوي مما يؤدي إلى تبخر المزيد من الماء من السطح والتربة، وهذا بالتبعية يقلل من كمية المياه المتاحة للنباتات والحيواناتوالأنشطة البشرية، فيخلق حالة الجفاف.وإلى جانب ذلك، يمكن لموجات الحر التي يغذيها تغير المناخ أن تجفف التربة، ويؤدي ذلك بالتبعية إلى ارتفاع درجة حرارة الهواء بشكل أسرع، مما يؤدي إلى تكثيف الحرارة، وبالتالي يزيد الطلب على المياه أثناء الطقس الحار من الضغط على إمدادات المياه.ومن المتوقع أن يكون لهذه العلاقة بين تغير المناخ والجفاف تأثير طويل المدى، فمنذ عام 2000 على سبيل المثال واجه الجزء الغربي من الولايات المتحدة بعضا من أكثر موجات الجفاف شدة على الإطلاق، ويشهد جنوب غرب الولايات المتحدة على وجه الخصوص فترة غير مسبوقة من الجفاف الشديد حاليا.وفي دراسة صادرة من جامعة كامبردج في عام 2021، ظهر أن موجات الجفاف في أوروبا منذ عام 2015 كانت أكثر حدة من أي فترة أخرى خلال الـ2100 سنة الماضية، والسبب في ذلك -بحسب الدراسة- كان التغير المناخي الذي يتسبب فيه الإنسان.

وتوصل فريق بحثي بقيادة علماء من معهد ماكس بلانك لعلوم الطقس إلى أن موجات الجفاف الكبرى الشديدة التي تمتد الواحدة منها لأكثر من خمس سنوات، ستصيب قارة أوروبا في وقت أبكر من نهاية هذا القرن، على عكس توقعات العلماء سابقًا. ونُشرت تلك النتائج في دورية "كوميونيكيشنز إيرث آند إنفايرونمنت"، ووجد الباحثون خلالها أن نوبات متزامنة من الموجات الحارة والجفاف الشديد يمكن أن تحدث بشكل كثيف (كل عامين مثلا) في أوروبا بحلول الفترة من 2050 إلى عام 2075.

وبحسب بيان رسمي من جامعة بريستول، فإن نتائج الدراسة الجديدة تفرض تحديات كبيرة أمام تخطيط وإدارة موارد المياه في دول قارتي أميركا الشمالية وأوروبا، حيث يجب تطوير إستراتيجيات جديدة وعاجلة للتكيف مع هذه التقلبات المتوقعة مستقبلا.

ويأتي ذلك في سياق تباطؤ عالمي في الاتفاق على سياسات حاسمة للحد من نفث ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وهو الأمر الذي تتفق معظم الأعمال البحثية في هذا النطاق على دوره الرئيسي فيما تختبره الأرض حاليا من احترار. نقلًا عن “الجزيرة نت”.

اضف تعليق